شبهات لغوية مردود عليها
يتهجم المنصرون والمستشرقون وجهلة اللغة العربية على بعض الصور النحوية أو البلاغية التي لا يفهمونها في القرآن الكريم، سواء أكان هذا عن عمد أم عن جهل، فهو نفس حال الذي يريد أن يخبأ نور الشمس بغربال أو بمنديل يمسكه في يديه.
إن القرآن الكريم ليس كلام بشر، يخضع لمعايير النقد اللغوي وغيرها، إذ هو كلام رب العالمين: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (فصلت:42) فإذا كان هذا شأنه فلا يصح فيه ما يصح في كلام الناس، بل هو الحَكَم والقاعدة في كلام الناس. والأسلوب القرآني لا مأخذ عليه، والأصل عدم اعتبار أي اعتراض يوجَّه إلى كتاب الله الكريم، إذ هو كلام رب العالمين: (ومن أصدق من الله حديثا) (النساء:87). علما بأن الأمر في القرآن الكريم جارٍ وفَقَ سَنَن لسان العرب ولغتهم، وعلى هذا فلا مطعن لطاعن في كتاب الله ولا متمسك لمثيري الشبهات، بل إن العيب فيهم إذ إنهم يجهلون لغة العرب وأساليبهم في نظم الكلام وسبكه، وكفى بالمرء عيبًا أن يقول ما لا يعلم، فكيف إذا كان يطعن فيما لا علم له به ؟!
x
أكن - أكون
جاء في سورة المنافقون 63: 10 (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون.
الرد: لم ترد كلمة (فأصّدّقَ) مجزومة لدخول (فاء السببية) عليها. وهي التي تفيد أن ما قبلها سبب في حصول ما بعدها. فإذا قلت ذاكر فتنجح، فإن هذا يعني أن المذاكرة هي السبب الذي يؤدي إلى النجاح، ويُنصب فعل المضارع بعدها وجوباً بـ (أن) المضمرة إذا كانت مسبوقة بنفي أو طلب كما في الآية الكريمة، ولو لم توجد (الفاء السببية) لكانت كلمة (أصّدّقَ) مجزومة، فجاز العطف على (موضع الفاء السببية). [الواو هنا من باب عطف الجملة على الجملة، وليست من باب عطف الفعل على الفعل، وهو مجزوم فى باب الطلب (الأمر) لأن الطلب كالشرط.]
وتقرأ كلمة (وأكن) بالنصب والجزم، أي أن العبارتين صحيحتان. وأما النصب فلأنها معطوفة على (فأُصدق) المنصوب (لفظا) في جواب (لولا)، ولأن كلمة (فأصّدّقَ) وإن كانت منصوبة (لفظا)، لكنها مجزومة (محلا) بشرط مفهوم من قوله (لولا أخرتني)، حيث إن قوله (فأصّدّقَ) مترتب على قوله (أخرتني)، فكأنه قال: إن أخرتني أصدق وأكن. وقد وضع العلماء قاعدة فقالوا: إن العطف على (المحل المجزوم) بالشرط المفهوم مما قبله جائز عند العرب. قال أبو شامة في شرح الشاطبية: وقرأ أبو عمرو (وأكونَ من الصالحين) عطفاً على (فأصدقَ) لفظا.
وأما الجزم فلأنها جواب طلب. والطلب هو فعل الأمر أو ما يشبهه، ويأتي في الكلام على ثمانية أنواع، ما يهمنا منها هو التحضيض: وله خمسة حروف وهي: هلّا، ألّا، لوما، لولا، ألا. فالآية وردت كالتالي: ( لولا أخّرتني …… أكن من الصالحين). لولا: أداة تحضيض، أكن: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب، وعلامة جزمه السكون. ووجه ذلك أنه مجزوم عطفاً على (موضع فأصدق) لأن الفاء السببية لو لم تدخل لكان (أصدق) مجزوماً لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى الطلب والتمني والعرض، والكل فيه معنى الأمر، وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة: (وإن كان فيه فاء انتصب...) فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء السببية في (موضع فعل مجزوم) كأنه جزاء الشرط حمل قوله (وأكن) عليه، وقد قرأها الجمهور (وأكن) بالجزم عطفاً على (محل فأصدق) لأنه على معنى (إن أخرتني أصدق وأكن)، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم. وقرأ آخرون بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين.
x
إلياس - إلياسين
جاء في (سورة الصافات 37: 123-132): "وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ... سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ... إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين" فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد.
الرد: إلياسين وإلياس اسم سرياني تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا: إلياسين كجبرائيل وإبراهيم وميكائيل. وقالوا: إلياس كإسحاق؛ كذا قال السخاوي في شرح الشاطبية، وقال ابن جني: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعباً، فياسين، وإلياس، وإلياسين شيء واحد. وذهب أبو عبيدة إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلم عليهم، وأنشد: قدني من نصر الخبيبين قدي.... وإنما يريد أبا خبيب عبد الله بن الزبير فجمعه على أن من كان على مذهبه داخل معه. كذا في تفسير القرطبي.
x
اثنتي عشرة - اثني عشر
جاء في سورة الأعراف 7: 160 (وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً) . وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول اثني عشر سبطاً.
الرد: لأن تمييز (اثنتي عشرة) ليس هو (أسباطا) [لأن "أسباطا" جمع منصوب، وتمييز الأعداد من 11 إلى 99 مفرد منصوب] بل هو تمييز محذوف تقديره (قطعة أو فرقة)، وتم حذفه بلاغة لدلالة قوله (وقطعناهم) عليه. الأمر الذي جعل هذا التركيب في الذروة العليا من البلاغة، حيث حذف التمييز، وذكر وصفا ملازما لفرق بني إسرائيل وهم الأسباط بدلا من التمييز. وعند القرطبي أنه لما جاء بعد السبط (أمما) ذهب التأنيث إلى الأمم ، وكلمة (أسباطا) بدل من (اثنتي عشرة)، وكلمة (أمما) نعت للأسباط. وأسباط يعقوب من تناسلوا من أبنائه ، ولو جعل الأسباط تمييزه فقال: اثني عشر سبطا، لكان الكلام ناقصا لا يصح في كتاب بليغ؟ لأن السبط يصدق على الواحد، فيكون أسباط يعقوب اثني عشر رجلا فقط، ولهذا جمع الأسباط و قال بعدها (أمما) لأن الأمة هي الجماعة الكثيرة، وقد كانت كل فرقة من أسباط يعقوب جماعة كبيرة. [واثنتى هنا مفعول به ثانى ، والمفعول به الأول (هم)].
x
اختصموا - اختصما
جاء في سورة الحج 22: 19(هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول خصمان اختصما في ربهما.
الرد: هذان خصمان اختصموا، قال اختصموا لأنه يريد أن يبين أن هذين الخصمين ليسا شخصين بل قومين أو جماعتين، والتقدير هؤلاء القوم صاروا في خصومتهم على نوعين. وينضوي تحت كل نوع جماعة كبيرة من البشر. نوع موحدون يسجدون لله، وقسم آخر حق عليه العذاب كما نصت عليه الآية التي قبلها.
x
استطعما أهلها - استطعماهم
جاء في سورة الكهف الآية 77 (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )، فقد تكررت كلمة أهل، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: حتى إذا أتيا أهل قرية استطعماهم.
الرد: ليس في الآية وضع إظهار في محل إضمار، بل لا بد من ذكر كلمة (أهل) في الآية، ويتعين أن يكون التعبير كذلك {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} ولا يجوز (استطعماهم). فجملة استطعما أهلها هي نعت لقرية المضاف إليه، وهو جملة فعلية، فلا بد من وجود رابط بها يعود على القرية، وهذا الرابط هو الضمير في أهلها، ولو جاء التعبير - على هذا التقدير. . حتى إذا أتيا أهل قرية استطعماهم لبقي النعت الجملة بلا رابط. وهناك وجه آخر، وهو عود الضمير على الأهل لو قيل (استطعماهم)، وتكون الجملة الفعلية نعتاً لأهل لا للقرية، لكن هذا الوجه مستبعد لأن الآية ظلت تتحدث عن القرية لا عن الأهل، قالت: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً }ولم تقل فوجد عندهم جداراً، ولأن الجدار من مباني القرية لا من سكانها، والحديث عن عملهم فيها لا عن مجادلتهم السكان. ولم تهمل كلمة أهل في أول الجملة فيكون تركيبها: (حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها) لأن ذلك قد يوهم أنهما سألا أهلها إجمالاً، وهذا يصدق بسؤال بعض منهم، فلا يكون ثمة عجب أو دهشة في إقامة الجدار مع رفض القرى من بعض الأفراد. قال بعض المفسرين أنهما قابلا أول الأمر بعض أفرادها وحين أعوزهما الطعام ذهبا يسألان الأهل جميعهم واحداً واحداً أو بيتاً بيتاً فلم يحفل أحد بهما ولا طابت نفسه أن يقدم لهما طعاماً، وبعد هذا كله أقام الخضر هذا الجدار غير آبه لما كان منهم من إساءة وشح. وقائل هذا يريد: أنهما أتيا بعض الأهل، واستطعما جميع الأهل، فتغير المراد من أهل الأولى وأهل الثانية، ولهذا لم يقل استطعماهم حتى لا يعود الضمير إلى أهل بمعنى (بعض). وبدء الآية بالأهل لا ينافي أنها حديث عن القرية. بهذا لا يكون تكرار كلمة (أهل) في الآية من وضع الظاهر موضع المضمر بل يكون ذكراً لا بد منه.
x
البر من آمن
جاء في سورة البقرة 177 (ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله) جاء باسم الفاعل (آمن) بدل المصدر (برُّ) وكان يجب أن يقال: (ولكن البر أن تؤمنوا بالله) لأن البر هو الإيمان، لا مَن آمن.
الرد: إن قوله تعالى: (ولكن البر من آمن بالله) ( البر ) هنا: اسم جامع للخير، والتقدير كما قال أهل العلم: ولكن البرَ برُّ من آمن، فحُذف المضاف؛ وهذا جائز ومعهود في اللغة، كما قرر ذلك النحويون، إذ قالوا: " يجوز أن يُحذف ما عُلم من مضاف أو مضاف إليه...ثم أضافوا فقالوا: إن كان المحذوف المضاف، فالغالب أن يخلفه في إعرابه المضاف إليه " وهذا كقوله تعالى: (واسأل القرية) (يوسف:82) أي: واسأل (أهل) القرية، إذ القرية لا تُسأل عقلاً ولا شرعًا؛ وكقوله أيضًا: (وأُشربوا في قلوبهم العجل) (البقرة:93) أي: وأُشربوا في قلوبهم (حُبَّ) العجل، إذ يستحيل عقلاً وواقعًا شرب العجل! ومن هذا الباب، قوله تعالى في غير آية: (وعملوا الصالحات) أي: وعملوا (الأعمال) الصالحات. وهذا أسلوب معهود في القرآن الكريم، لمن كان على بسطة من العلم بأسلوبه، وهو أيضًا أسلوب جارٍ على سَنَن اللغة العربية؛ قالت الخنساء تصف ساحات المعركة: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت --- فإنما هي إقبال وإدبار (أي: ذات إقبال، وذات إدبار). وقال النابغة: وكيف تواصل من أصبحت --- خلالته كأبي مرحب: أي: كخلالة أبي مرحب، فحذف المضاف (الخلالة) واكتفى بما دلَّ عليه، وهو المضاف إليه (أبو مرحب) وهو كنية الظل. ويُجاب أيضًا على هذه الشبهة، بأن كلمة: (آمن) في الآية الكريمة، ليست اسم فاعل، كما تعلق بذلك أصحاب هذه الشبهة، بل هي فعل ماضٍ، واسم الفاعل من هذه المادة إنما هو (مؤمن). وقيل أيضًا في توجيه الآية: ولكن ذا البر، كقوله تعالى: (هم درجات عند الله) (آل عمران:163) أي: ذوو درجات. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وفرضت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، وحدَّت الحدود، أنزل الله هذه الآية، فقال: ليس البر كله أن تصلُّوا ولا تعملوا غير ذلك، ولكن البر - أي: ذا البر - من آمن بالله، إلى آخرها، قاله ابن عباس وغيره . ويجوز عند بعض أهل العلم أن يكون البر هنا، بمعنى: البار، إذ اسم الفاعل قد يكون بمعنى المصدر، كما يقال: رجل عدل، وصوم، أي: ذو عدل، وذو صوم؛ وفي التنـزيل، قوله تعالى: (قل أريتم إن أصبح ماؤكم غورًا) (الملك:30) أي: غائرًا، ويؤيد هذا التوجيه قراءة من قرأ: ولكن (البار).
x
الصابئون - الصابئين
جاء في سورة المائدة 5: 69 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول والصابئين كما فعل هذا في سورة البقرة 2: 62 والحج 22: 17.
الرد: لو كان في الجملة اسم موصول واحد فقط (كـأن تقول: إن الصابئون) لحق لك أن تنكر ذلك، لكن لا يلزم للاسم الموصول الثاني أن يكون تابعا لإنَّ. فالواو هنا استئنافية من باب إضافة الجُملة للجملة، وليست عطفا على الجملة الأولى. لذلك رُفِعَ (والصابئون) للإستئناف (اسم مبتدأ) وخبره محذوف تقديره (والصابئون كذلك) أى (فى حكمهم). والفائدة من عدم عطفهم على مَن قبلهم هو أن الصابئين أشد الفرق المذكورين فى هذه الآية ضلالاً، فكأنه قيل: كل هؤلاء الفرق إن آمنوا وعملوا الصالحات قَبِلَ اللهُ تَوْبتهم وأزال ذنبهم، (حتى الصابئون) فإنهم إن آمنوا كانوا أيضاً كذلك. و هذا التعبير ليس غريبا في اللغة العربية، بل هو مستعمل فيها كقول بشر بن أبي خازم الأسدي الذي قال: إذا جزت نواصي آل بدر فأدوها وأسرى في الوثاق وإلا فاعلموا أنــا وأنـتم بغـاة، ما بقـينا في شـقاق، والشاهد في البيت الثاني، حيث (أن) حرف مشبه بالفعل، (نا) اسمها في محل نصب، و(أنتم) الواو عاطفة وأنتم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، وبغاة خبر أن (أو أنتم) مرفوع، والخبر الثاني محذوف، وكان يمكن أن يقول فاعلموا أنا بغاة وأنتم بغاة، لكنه عطف مع التقديم وحذف الخبر، تنبيها على أن المخاطبين أكثر اتصافا بالبغي من قومه هو، فقدم ذكرهم قبل إتمام الخبر لئلا يدخل قومه في البغي ــ وهم الأقل فيه ــ قبل الآخرين، ونظيره أيضا الشاهد المشهور لضابئ بن الحارث البرجمي: فمن يك أمسى في المدينة رحله فإني وقـيار بها لغريب، وقيار هو جمله، معطوف على اسم إن منصوب بها، أراد ان يقول: إني بها لغريب، وقيار كذلك غريب، ومثله أيضا قول قيس بن الخطيم: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضِ والرأي مختلف. وقيل فيه أيضاً: إنَّ لفظ إنَّ ينصب المبتدأ لفظا ويبقى مرفوعا محلا، فيصح لغة أن تكون (والصابئون) معطوفة على (محل اسم إن) سواء كان ذلك قبل مجيء الخبر أو بعده، أو هي معطوفة على المضمر في (هادوا).
x
الظالمين - الظالمون
جاء في سورة البقرة 2: 124 (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول الظالمون.
الرد: ينال فعل متعدى بمعنى (يشمل أو يَعُم) كما فى الآية أى لا يشمل عهدى الظالمين، فعهدى هنا فاعل، والظالمين مفعول به. مثال لذلك لقد ناله ظلماً، وأسفنا لما ناله من إهانة.
والإمامة والعهد بالإمامة هنا معناه النبوة، وبذلك تكون جواباً من الله على طلب نبينا إبراهيم أن يجعل النبوة فى ذريته فوافقه الله إلا أنه استثنى الظالمين، كما لو أنه أراد قول (إلا الظالمين من ذريتك).
وتجىء أيضاً بمعنى حصل على مثل: نال الظالم جزاءه. ومن مصادر اللغة , المعجمات القديمة التي جمعها (لسان العرب) وها هو يقول: والعرب تقول: "نالني من فلان معروف ينالني أي وصل إلي منه معروف" لسان العرب 11/685.
x
الغالبين - الغالبون
جاء في (سورة الصافات 116): "وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ" - لماذا لم يقل: "كانوا هم الغالبون"؟
الرد: العبارتان صحيحتان: في عبارة (كانوا هم الغالبين) الواردة في القرآن الكريم جاءت "هم" للتوكيد، و لفظة "الغالبين" خبر "كان". أما من يقول (كانوا هم الغالبون) فهو يعتبر أن لفظتي "هم الغالبون" جملة وأنها خبر "كان"
x
المقيمين - المقيمون
جاء في سورة النساء سورة النساء 4: 162: (لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) فنصب المعطوف على المرفوع. وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول: والمقيمون الصلاة.
الرد: أما قوله: «والمقيمين الصلاة» فمعطوف على «الراسخون» ومنصوب على المدح على تقدير (أعني) المقيمين الصلاة. قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك والمقيمين الصلاة.
x
بنورهم - بنوره
جاء في سورة البقرة 2: 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره.
الرد: مثال ذلك قوله: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) [الجمعة 5]، فهو هنا لم يشبه الجماعة بالواحد، وإنما شبه قصتهم بقصة المستوقد الذي استوقد (لقومه) نارا، فلما أضاءت ما حوله، ذهب الله بأبصارهم جميعا، وتركهم فى ظلمات أنفسهم، وذلك لأنهم اختاروا طريق الظلام. ونلاحظ أنه قال (ذهب)، وهى أبلغ من (أذهب)، لأن (ذهب بالشىء) تعني اسطحبه ومضى به معه، فكأنما أراد الله أن يذكرهم أنه يرون بنور الله وفى معيته، وحيث أنهم اختاروا طريق الظلمة، فقد أخذ الله نوره، وتركهم فى ظلمات أنفسهم التى اختاروا البقاء فيها.
x
جمع جواب من الشرطية
جاء في سورة النساء الآية 13 (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )، وفي سورة النساء الآية 124 (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا )، وفي سورة النورالآية 52 (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )، وفي سورة التغابن الآية 9 (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) . فهل يجوز جمع حال المفرد؟ وهل يجوز القول رأيت محمدا واقفين عند الباب، أو سمعت أن عليا مبتهجين بالمنزل الجديد؟
الرد: في لغة العرب يجمع حال المفرد لتوكيد الكلية وعدم الاستثناء، فإذا كان جواب (من الشرطية) جمعا فذلك يدل على وجود "كل" مقدرة قبل (من) لتوكيد الكلية وعدم الاستثناء.
x
سينين – سيناء
جاء في (سورة التين 95: 1-3 ): "وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِين" فلماذا قال سينين بالجمع؟
الرد: سينين ليست جمعا لسيناء، وإنما هما اسمان لموضع واحد هو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران.
x
ضَرَّاءَ – ضَرَّاءِ
جاء في (سورة هود 11: 10): "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول: بعد ضَرَّاءِ
الرد: ضراء مخفوضة بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف بسبب وجود الف التأنيث، قال ابن مالك في الألفية عند ذكر موانع الصرف: فألف التأنيث مطلقاً منع --- صرف الذي حواه كيفما وقع
x
قريب - قريبة
جاء في سورة الأعراف 7: 56 (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين). وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول قريبة.
الرد: إن كلمة قريب على وزن فعيل، وصيغة فعيل يستوى فيها المذكر والمؤنث.
x
كالذي - كالذين
جاء في سورة التوبة 9: 69 (وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا). وكان يجب أن يجمع الاسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول خضتم كالذين خاضوا.
الرد: أما قوله (وخضتم كالذي خاضوا)، فهو نعت أو وصف لمصدر مفرد محذوف تقديره (الخوض)، أي وخضتم (كالخوض الذي) خاضوا فيه، علما بأن (الذي) اسم موصول مثل من وما، وهو يعير عن الواحد كما يعبر عن الجمع، فيجوز أن نقول (كالذين)، ويجوز أن نقول (كالذي) بحذف النون، أي (كمن) (تفسير الشوكاني).
x
معدودة - معدودات
جاء في (سورة البقرة 2: 80): "لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً" فأتى بجمع كثرة حيث أريد القلة، وكان المفروض أن يقول: أياماً معدودات.
وجاء في (سورة البقرة 2: 183و184): "كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَات" وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول: أياماً معدودة.
الرد: إن ما جاء في القرآن الكريم هو الأصل الذي ينبغي أن تبنى عليه قواعد اللغة، ويُخرَّج عليه ما هو أصل وما هو فرع، وما هو قاعدة وما هو استثناء، وكتب النحو واللغة لا تخرج عما ورد ذكره في القرآن الكريم فهي تقول بجواز أن يُنعت جمع غير العاقل بمفرد مؤنث، لأن الجمع قد أُوِّل بالجماعة، والجماعة كلمة مفردة، وهذا هو الغالب. غير أنهم إذا أرادوا التنبيه على كثرة ذلك الجمع، أجروا وصفه على صيغة جمع المؤنث؛ ليكون في معنى الجماعات، وأن الجمع ينحل إلى جماعات كثيرة، وقال ابن عاشور أن {معدودات} أكثر من {معدودة}، ولأجل هذا قال تعالى: {وقالوا لن تمسسنا النار إلا أياما معدودة} (البقرة:80) لأنهم يقللونها غرورًا أو تغريرًا، ولأجل هذا قال تعالى: "أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة:184) لأنها ثلاثون يومًا، وهذا مثل قوله في جمع (جمل) {جمالات} (المرسلات:33) على أحد التفسيرين، وهو أكثر من (جِمال). كما تقول: جبال شامخة، وجبال شامخات، وأعمدة راسخة، وأعمدة راسخات. فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر غير العاقل، تارة كصفة الاسم المؤنث المفرد، وتارة كصفة جمع المؤنث السالم. فكما تقول: نساء قائمات، كذلك تقول: جبال راسيات. قال أبو حيان : وذلك مقياس مطرد فيه، أي أن كلا الاستعمالين صحيحين فصيحين ومستقيمين لغة، ومسموعين في كلام العرب، والقرآن جاء على وفاقهما، فمرة جاء بهذا، وتارة أتى بذاك.
x
يُتَوَفَّوْنَ - يَتَرَبَّصْنَ
جاء في سورة البقرة الآية 234 (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )، فقد افتتحت الآية بالاسم الموصول (الذين) وهو لجماعة الذكور العقلاء, و( يتوفون) صلة الموصول، والرابط بها واو الجماعة، أما الخبر عن هذا المبتدأ فهو جملة {يَتَرَبَّصْنَ} والفاعل فيها هو نون النسوة وبهذا لا نجد الخبر مطابقاً للمبتدأ.
الرد: في إعراب هذه الآية يقول المبرد: إن (يتربصن) خير لمبتدأ محذوف دل عليه المقام والتقدير (أزواجهم يتربصن)، وهذه الجملة خبر عن المبتدأ الأول وهو (الذين)، وحذف ما يعلم جائز.
وذكر الزجاج في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) من أن (أزواجاً) تحمل ضميراً يعود على المبتدأ، والتقدير: (ويذرون أزواجاً لهم) وإذن فالضمير في (يتربصن) لا يعود على (أزواجا) منفصلة عن الاسم الموصول. وإنما هي بمعنى (أزواجهم) ويذكر الزجاج نظيرا لهذا من الكلام، إذ يقال مثلاً: الذي يموت وله بنتان ترثان الثلثين، فكلمة (بنتان) تحمل ضميراً ومعنى من المبتدأ، والألف في (ترثان) هي بمعنى (بنتاه) وإن فالخبر ليس خالياً من الرابط.
وهذا التعبير ليس شيئاً خارجاً عن الأساليب العربية، وقد ذكر كل من الفراء والزجاج نظيراً لهذا الأسلوب قول ثابت قطنة: لعلي إن مالت بي الريح ميلة --- على ابن أبي ذبان أن يتندما، فاسم (لعل) هي ياء المتكلم، والخبر هو (يتندم)، وكان الأصل: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم، إن مالت بي الريح عليه، ولكن هذا التعبير يجعل المتكلم تابعاً في الكلام لا أصلاً، والتقدير هنا لعلي مع ابن أبي ذبان، وهو على أي حال ليس منقطع الصلة عن اسم (لعل). وهذا كما تقول : لعلي إن ضربت بسيفك ينكسر، ولعلي إن حاربتك تنهزم و(لعلّ) في كل هذه الحالات بمعنى الاشفاق، ولكنها ما زالت بحاجة إلى اسم وخبر.
قال شيخ المفسرين الطبري: "فإن قال قائل: أين الخبر عن الذين يتوفون؟ قيل متروك لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم، وإنما قصد الخبر عن الواجب على المعْتَدّات من العدة، في وفاة أزواجهم، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة، إذ كان معروفاً مفهوماً معنى ما أريد بالكلام، وهو نظير قول القائل في الكلام: بعض جبتك متخرقة في ترك الخبر عما ابتدئ الكلام به إلى الخبر عن بعض أسبابه، وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن صرف الكلام عن خبر من ابتدأ بذكره إلى الخبر عمن قصدَ قصْدَ الخبر عنه". وهو يعني أن الأرامل ألزمن التربص ومنعن من الزواج بسبب أزواجهن المتوَفّيْن، فترك الحديث عن هؤلاء المتوفين وصرف إلى الزوجات اللاتي سيقت الآية لبيان ما يجب عليهن". هذا من حيث المعنى. أما من حيث النحو،
وقدر الزمخشري مضافاً محذوفاً في أول الجملة، واعتبر أصل التركيب: وأزواج الذين يتوفون. . يتربصن، وإذن فالنون في (يتربصن) تعود على المبتدأ المحذوف وهو (أزواج). وعَرَض توجيهاً آخر، فقدر محذوفاً في آخر الجملة لا في أولها. وقال: التقدير يتربصن بعدهم، وهذا كما يقال:السمن منوان بدرهم، أي منه. وكلا التقديرين مقبول، فحذف المضاف مألوف، وحذف الظرف مألوف.
المفضلات