ما تشكو منه الترجمة في البلدان العربية
محمد علي اليوسفي ـ تونس
إلى جانب اهتمامنا بالترجمة، والحديث عنها في الكثير من المناسبات، لا تكاد تمر فترة من الزمن حتى نسمع بالإعلان عن نشأة مؤسسة جديدة متخصصة في الترجمة. وحتى في وقت الإعلان عن الولادة الجديدة لتلك المؤسسة يكون غيرها من المؤسسات قد أعلن عن عقد مؤتمرات وندوات ولقاءات تتعلق بالترجمة وشجونها.
فبعد الجهود التي تولتها المؤسسات الرسمية ووزارات الثقافة، جزئيا، وكذلك جهود دور النشر الخاصة المتسمة بالفوضى وتردي مستوى الترجمة وعدم التنسيق، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة توجه الثروة المالية إلى الانفتاح على المشاريع الثقافية بما فيها مجال الترجمة.
كثرة المؤسسات المتخصصة في الترجمة تعكس إدراكا لأهميتها من جهة، واعترافا صريحا بتخلف العرب في هذا الميدان. ولقد بات من المعروف للجميع مدى الفضائح التي تكشفت عنها الإحصائيات العالمية الأخيرة الصادرة عن اليونسكو وعن عدد من الهيئات العربية حول مرتبة العرب بالنسبة لعدد الكتب المترجمة سنويا، قياسا ببلدان أخرى أقل سكانا، سواء من البلدان المتقدمة أم من تلك التي لا تُعدّ بعيدة كثيرا عن البلدان العربية في تصنيف العالم الثالث، على غرار بعض دول أمريكا اللاتينية مثلا.
غير أن كثرة المؤسسات ـ إن سلّمنا بكثرتهاـ لم تبرهن على تحسن في أحوال الترجمة، كمًّا ونوعًا؛ بل يمكن الحديث عن تراكم كمي مؤسساتي أكثر من التراكم المعرفي. يضاف إلى ذلك إصابة تلك المؤسسات بآفة الاحتفالات الرسمية والوجاهية. لذلك كثيرا ما نسمع شكاوى المثقفين من تغييبهم في شأن يعتبرونه شأنهم أولا وأخيرا، بينما يتم الاحتفال بالوجوه الرسمية التي يكشف حضورها المكثف عن آلية عمل هذه المؤسسات.
ما تشكو منه الترجمة في البلدان العربية ليس غياب المؤسسة بل أساليب عملها وإدارتها ونوعية سلطة الإشراف فيها. ولا بد من التأكيد على نقطة مهمة تتعلق بمدى ارتباطها ـ خارج عزلتها وطابعها الرسمي ـ بما يريده القارئ العربي الذي تتكلم هذه المؤسسة باسمه وباسم احتياجاته المعرفية.
حلقة مفرغة مازال الكتاب العربي ـ مؤلفًا ومترجمًا ـ يدور حولها: أينبغي علينا أن نترجم حتى نقرأ، أم نقرأ حتى نترجم؟ أم أن المشكلة أوسع من كل ذلك بكثير: نحن لا نقرأ أصلا، ولا ننجح إلا في الترجمة العشوائية، لأن مشكلتنا مشكلة حضارية أساسا؛ مشكلة تبعية تُسْرع بنا إلى تقليد الأسهل والمريح في مجالات أخرى استهلاكية، مع رفع شعار المنفعة في تقليد الغالب ناسين أو متناسين دور المعرفة في غلبته وفي إشهاره لذلك السلاح الموجه إلى الروح الاستهلاكية.
Yousfimedali@gmail.com
المفضلات