[overline]
تذكير الساهين
وتحذير اللاهين
للشاعر الراحل
عبد اللطيف زغلول
من ديوانه
نفح الذكرى
والد الشاعر لطفي زغلول[/overline]
رُويدَكَ يَا ابنَ آدمَ هَل وَفيتَ = بِما استَرعاكَ ربُّكَ واتّقيتَ
وهَل خَالفتَ نَفسَكَ في هَواهـا = لِيحفظَ مَا رعيتَ ومَن رَعيتَ
أمِ الدُّنيا سَبتْكَ فَهمتَ فِيها = وغَرَّكَ مَا كَنزتَ ومَـا جَنيتَ
ولَم تَعبأْ بِحـلٍ أو حَـرامٍ = ولا مِن أينَ جَاءكَ مَا اقتَنيتَ
وأعَمتكَ المَباهِجُ والأماني = فَلمْ تَرَ هوَّةً فِيها هَويتَ
وألهاكَ التَّكاثُرُ والتَّباهي = فَأرداكَ الغُرورُ ومَا دَريتَ
فَكم حَمَّلتَ نَفسَكَ مِن ذِنوبٍ = فَكم حَمَّلتَ نَفسَكَ مِن ذِنوبٍ
فَكم حَمَّلتَ نَفسَكَ مِن ذِنوبٍ = بِكثرةِ مَا رَشيتَ ومَا ارتَشيتَ
وكَم قَارفتَ سَلباً وابتِزازاً = فَبعتَ بِغيرِ تَقوى واشتَريتَ
ظَننتَ المَالَ يُخلدُ جَامعيهِ = خُدعتَ فَما اعتَبرتَ ومَا ارعَويتَ
ألم تَقنعْ بِما يُغنيكَ دَهراً = وتَطمعُ في المَزيدِ أما اكتَفيتَ
نَهشتَ مِن الحَرامِ وقُلتَ حَقّي = كَذبتَ وقَد أثمتَ بِما ادَّعيتَ
فَكم زُوراً شَهدتَ وأنتَ تَدري = وتَحلفُ مَا سَمعتَ ومَا رَأيتَ
وكَم أفسدتَ بَينَ النَّاسِ عَدواً = وبَغياً وافتَخرتَ بِما بَغيتَ
وكَم فَرَّطتَ في الطَّاعاتِ حَتّى = غَدوتَ مِن العُصاةِ ومَا اهتَديتَ
ومَن يَعصِ الإلهَ فَسوفَ يَدعو = ثُبوراً فَاتَّعظْ يَا مَن غَويتَ
ألم تُؤمنْ بِمنْ سَوَّاكَ خَلقاً = سَويّاً أمْ جَحدتَ إذِ اغتَنيتَ
ورُحتَ تُشيدُ شَاهقةَ المَباني = وتَزهو يَا شَـقيُّ بِما بَنيتَ
وتَرفلُ في الغِنى شَبعاً وريّاً = وغَيرُكَ لَم يَطلْ خُبزاً وزيتاً
فَتِهْ وافرحْ بِمالِ السُّحتِ وافخرْ = بِأنَّكَ قَد مَلكتَ كَذا وكَيتا
فَمالُكَ في غَـدٍ نَارٌ تَلظّى = إذا أُحمي عَليهِ بِهِ اكَتويتَ
ومَالُكَ لَيسَ يُغني عَنكَ شَيئاً = إذا يَوماً بِلحدِكَ قَد ثَويتَ
وعُدتَ إلى التُّرابِ تَذوبُ فِيهِ = كَأنَّكَ كُنتَ طَيفاً واختَفيتَ
وتِلكَ نِهايةٌ كَم حِدتَ عَنها = ولَمْ تَحفلْ بِها حَتّى انطَويتَ
فَعدْ مِن حَيثُ جِئتَ لِبطنِ أرضٍ = وُلدتَ بِحضنِها ولَها انتَميتَ
فَمنها بَدءُ خَلقِكَ ثُمَّ فِيها = تَعودُ كَما بَدأتَ إذا انتَهيتَ
وبَدؤُكَ كَانَ مِن أمشاجِ ماءٍ = مهينٍ لَو بَصُرتَ بِهِ ازدَريتَ
فَكرَّمَكَ المَليكُ بِحسنِ خَلقٍ = فَهل مَجّدتَهُ لَمّا وعَيتَ
تَذكَّرْ قَبلَ خَلقِكَ كَيفَ كَانتْ = لَكَ الأصلابُ والأرحامُ بَيتاً
فَألقتكَ العِنايَةُ في قَرارٍ = مَكينٍ كَالمَشوقِ لَهُ أويتَ
وضَمِّتكَ المَشيمَةُ حَيثُ فِيها = رَتعتَ ومن عُصارتِها ارتَويتَ
وثَمَّةَ رُحتَ فِي الظُّلماتِ تَنمو = لِتسعةِ أشهرٍ حَتّى استَويتَ
وبَعدُ خَرجتَ تَصرُخُ فِي ارتِعاشٍ = فَحفَّكَ لُطفُ رِبِّكَ إذ بَكيتَ
وأودَعَ رِزقَكَ المَقدورَ ثَدياً = تَعلُّ بِه مَتى جُعتَ استَقيتَ
وكَم عَافاكَ رَبُّكَ مِن سَقامٍ = وكَانَ لَكَ المُغيثَ إذا اشتَكيتَ
أتكفُرُ بِالمهيمِنِ بَعدَ هَذا = وتُنكرُ مَا حَباكَ أما استَحيتَ
سَتحيا ثُمَّ تَفنى ثُمَّ تَحيا = لتُجزى مَا اكتسبتَ ومَا سَعيتَ
ألا فَاعلمْ فَديتُكَ إنَّ هَذا = مَصيرُكَ إن رَضيتَ وإن أبَيتَ
أتيتَ إلى الحَياةِ ولَم تُخيّرْ = ولَو خُيّرتَ أقسِمُ مَا أتَيتَ
فَزوّدْ بِالتُّقى سَفَراً قَريباً = لُتصلحَ مَا اقتَرفتَ ومَا افتَريتَ
وعجّلْ بِالمتابِ أخي وإلاّ = عَضضتَ عَلى البَنانِ وقُلتَ لَيتَ
فِإنَّ ألَّلهَ تَوَّابٌ رَحيمٌ = لِمن يَنوي المَتابَ فَهلْ نَويتَ
فَإن تَفعلْ تَكنْ لِلعفوِ أهلاً = وتَحظَ لَدى الكَريمِ بِما ابتَغيتَ
فَقل يَا رَبِّ جِئتُكَ مُستجيراً = بِعفوِكَ فَاهدِني فيمن هَديتَ
وهَبْ لِي حُسنَ خَاتمةٍ تَقيني = عِقابَكَ فَالنَّجاةُ لِمن وقَيتَ
ويَا رَبِّ اهدِ قَلبي واشفِ صَدري = فَليسَ يَضيقُ صَدرٌ قَد شَفيتَ
ويَا غَفّارُ تُبنا وانتَهينا = فِإن تَغفرْ فَقد أحييتَ مَيتاً
فَثبّـتنا عَلى التَّقوى وزِدنا = هُدىً وألطفْ بِنا فَيما قضَيتَ
وزَكِّ نُفوسَنا وامنُنْ عَلينا = بِسترِكَ واحمِنا فَيمن حَميتَ
ووفِّقنا لِما يُرضيكَ إنّا = رَضينا طَائِعينَ بِما ارتَضيتَ
فَطاعتُكَ السَّبيلُ لُكُلِّ عِزٍّ = ولَيسَ يَعزُّ عَاصٍ قَد قَليتَ
فَأنتَ الآمِرُ النَّاهي وحَقٌّ = وعَدلٌ مَا أمرتَ ومَا نَهيتَ
سَمعنا رَبَّنا ولَكَ استَجبنا = لتَجزيَنا بِأحسنَ مَا جَزيتَ
فَأنزِلنا غَداً فِي الخُلدِ دَاراً = وأهلاً في جِوارِ مَن اصطَفيتَ
وبوِّئنا لَديكَ مقامَ صِدقٍ = وألحقنا بِركبِ مَنِ اجتَبيتَ
المفضلات