المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ا. د. عبد الحميد مظهر
المشاركة الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ جواد البيشيتى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الحمد لله الذى أعطانى وقتا لقراءة مشاركتك الأخيرة ، وسوف يكون ردى عليها هو أخر ردودى هنا إن شاء الله تعالى. وكنت خلال الأسبوع الماضى قد شاركت بمساهما ت أخرى حول موضوع الهجوم الثقافى الذى أقترحه الأستاذ عامر العظم ، وسوف أنهى عضويتى بعد ذلك فى هذا المنتدى كله . وبعد مشاركاتى فى العديد من المناقشات المماثلة فقد وصلت لقناعة محددة حول النتيجة الممكنة لنشاط العرب الفكرى والثقافى عبر الإنترنت. أما بالنسبة لردك الأخير فلى بعض التعليقات.
لقد تصورت إنك فهمت ما أريدة من مداخلاتى الكثيرة ، حول الموضوع التى طرحته أنت ، ولكن ردك الأخير أوضح لى خطأ ما تصورت . فقد قلت فى ردك الأخير العبارة الأتية :
((( كنتُ أتمنى أنْ أرى الأفكار والآراء التي تضمَّنتها مقالتي هي مدار الحوار مهما تشعَّب؛ ولكنَّني لم أرَ )))
ولكن مساهماتى كانت تصب فى صميم الموضوع التى تكلمت أنت حوله . ونتيجه لما توصلت إلية أنت وأنا ، ولإدراكى لعدم أهمية ما طرحته انا هنا ، فقد حذفت مساهماتى وسوف أنسحب سالما من هذا النقاش غير المفيد لى على أقل تقدير. أنت فتحت موضوعاّ حول التفسير العلمى لأية لها علاقة ما بنشئة وعمر الكون من خلال نظرية الإنفجار العظيم . وهذا هو مثال واحد فقط من العديد من الكتابات التى تشوه أيات القرأن ، وتفصل دورة من الحياة الأنسانية ، بأستعمال العلم الذى ظهر فى الغرب ، وهذا نوع جديد من علمنة القرأن يقوم به أناس مخلصون ولكنهم ليسوا حكماء . وياريتهم استعملوا العلم الطبيعى الصحيح من خلال مراجع علمية معتبرة . والمشكلة الكبرى هى فى هؤلاء الذين يقرأون كتب العلم المبسط وبعدها يتكلمون بمنتهى القوة والشجاعة عن العلم . والمصيبة الكبرى ان الذى يتكلم عن نظرية الأنفجار العظيم مثلا لا يوثق معرفتة بهذة النظرية بذكر المراجع العلمية المضبوطة والتى يجب ان يستعين بها من يريد ان يدلى بدلوه فى هذا الموضوع . اما العامة التى لا تناقش هذا الموضوع فعليها ان تقرأ عنها فى كتب العلم المبسط. و كان هدف مساهماتى هى إثبات ان هناك أخطاء علمية وفنية لا يمكن إغفالها فى مناهج الذين يناقشون ويكتبون فى هذا الموضوع . ويدخل ضمن ذلك مساهمتك أنت حول هذا الموضوع.
لقد تصورت أنا ، ان من يتكلم عن العلم والتفسير لابد له من إتقان والتمكن من فهم العلم الطبيعى ؛ تعاريفه ومفاهيمه ومسلماتة وقوانينه و فروضه ومبادئه، وطرقه .ولابد له أيضاّ من أن يتفقه فى الدين و القرأن بعمق من خلال معرفة علومه ومن بينها علوم التفسير. ومن أهم ما يجب أن يجيدة المفسر العلمى للقرأن هو إجادة إستعمال الطرق والمناهج المنطقية والعلمية المضبو طة للربط بين العلم والدين. والعنصر الأخير هذا هو من المهارات الفكرية التى لا تجدها فى كثيرا ممن يكتب فى هذا الموضوع أو يناقشه. وكنت قد اقترحت سابقاّ ان مهمة التفسير العلمى للقرأن لا يستطيع ان يقوم بها فرد واحد ولابد فى هذا العصر ان تكون عمل جماعى يجمع كل التخصصات المتمكنة من عناصر موضوع البحث.
مساهماتى كانت حول عنصرين فقط من العناصر الثلاثة السابقة ، ولم أتطرق بعد الى الأيات القرأنية ، ومن هنا كانت أسئلتى للتذكير والمراجعة قبل الدخول فى مناقشة الأية وكيف يلوى المفسر النص حتى يستخرج ما يريدة ، ومن المعروف أن النص القرانى حمال وجوه . ومن المعروف ان الكثير ممن تكلم عن نظرية الأنفجار العظيم لم يدرس المقررات الفيزيائية المناسبة لذلك ، ولم يلم بالرياضيات والتى هى اللغة الأساسية لفهم عميق لهذة النظريات . واى مشارك يريد أن يفهم ما أقصده هنا ، سوف أرسل له أسماء المصادر العلمية التى تتكلم على هذة النظرية وأمل ان يصبر على متابعتها.
وايضا يجب على المفسر أن يفرق بين العلم وفلسفة العلم ، فيجب على المفسر أن لا يعتمد على ما يقال فى فلسفات العلم، فما يقال فيها لا نعرف صحتة ، فلكل فيلسوف رأى ولا نعرف أى رأى هو ألأكثر صوابا فى بحور الفلسفة التى ليس لها مرشد للإطمئنان على ما تعلنة . لذلك من يريد ان يناقش قضية الأنفجار العظيم وينتقدها أن يبدأ أولا من داخلها من الفيزياء النظرية ومن فيزياء ما بين النجوم وعلم الكونيات ، وعلم فيزياء الجزيئيات والمفاعلات النووية ، ليعرف الأصول العلمية بدقة ، بذلك يمكنة ان ينتقدها من داخلها حتى يقبل رأيه فى دوائر العلم . وبعد ذلك يمكنه ان يناقش هذة النظريه عن طريق أفكار وتأملات فلاسفة العلم .
أخى الفاضل
لقد قال البعض عن وجود كلمة الذرة فى القران ، وانه كان من الممكن للعلماء ان يستخرجوا النظرية الذرية من أيات الذكر الحكيم ، وهذا القول يحتاج مراجعة دقيقة
((( ولو كان يصلح لأكتشف المسلمون قبل غيرهم "الذرَّة" Atom فالكلمة ورد ذكرها غير مرَّة في القرآن. )))
. ولكننى أحب أن أذكر اصحاب هذة الفكرة ، ان النظرية الذرية اكتشفت وطورت ومرت بمراحل منذ دالتون ورذرفورد وطومسون و بوهر وغيرهم فى القرون 19 و 20 . وفى القرن 19 لم يكن أحد فى العالم الإسلامى على دراية بما يجرى فى الغرب . وخير شاهد على ذلك كتابات رفاعة الطهطاوى ، وما حدث مع وبعد الحملة الفرنسية على مصر . وعندما اراد العرب ان يعرفوا المزيد عن علم الغرب بدأت حركة الترجمه . وعندما أراد المترجمون أن يجدوا كلمة ملائمة لترجمة كلمة الذرة الإنجليزية ، بحثوا فوجدوا أنسب كلمة هى كلمة الذرة ومعناها فى العربية هى الشىء الصغير جداّّ أو هى النملة . وظهرت بعد ذلك فى مقررات المدارس العلمية كلمة الذرة . معنى ذلك ان كلمة الذرة فى العربية كان لها معنى لغوى وبعد الترجمة أصبح لها معنى فيزيائى . وتصور ان المترجم العربى للنظرية الذرية قد إختار كلمة أخرى، فماذا كان يستطيع المفسر العلمى للقرأن ان يقول؟
ونتيجة لحال الأمة العربية ، والفكر العربى المعاصر ، وحالة البحث العلمى فى الجامعات العربية فإننى قد اقترحت على الباحثين فى التفسير العلمى للقرأن أن يتخلوا عن الكلام عن العلم وينتجوا علماّ ، ألم يكن من الأولى لنا فى العالم العربى ان نتقدم فى العلم وليس التفلسف فى العلم دون ان نجيدة؟؟؟ وهل هذا الإقتراح مفيد ام ضررة أكبر من نفعة؟ أن يبحث المتكلمون عن العلم فى العلم ويحلوا مشاكل بلادهم علمياّ ، أليست هذة من المهمات المطلوبة فى العالم العربى بدلاّ من سب الغرب والإعتماد عليه فى العلم؟ فعليكم ايها الباحثون فى التفسير العلمى الألتحاق بالدراسات العليا فى اقسام العلوم والهندسة وانشغلوا بحل مشاكل امتكم علمياّ، بدلاّ من أضاعة الوقت فى مسائل لا طائل من ورائها. ألم يقل رسول الله (ص) فى حديثة ، اللهم انى اعوذ بك من علم لا ينفع. أما محبى فلسفة العلم والذين يرغبون فى نقد العلوم أليس ألأولى لهم نقضها من داخلها بدلا من نقدها فلسفياّ وكلامياّ؟ فمن الملاحظ من تاريخ العلم ومن حياة علماء الطبيعة ان تغيير العلم وتطويرة يأتى من داخل العلم وليس من فلسفة العلم ، وما يحدث عادة هو ان فلاسفة العلم يبدأوا الكلام حول نظريات العلم بعد ان ينتجها العلماء ، ولكى تتأكد من ذلك عليك بمراجعة تواريخ نشر النظريات العلمية وتواريخ كتابة فلاسفة العلم حولها .
اعزائى الأفاضل
قبل ان اترككم اود ان اقول لكم واذكركم وأذكر نفسى ان القلم مسئولية ، وان الكاتب فى موضوع التفسير العلمى للقرأن لابد له ان يكون متمكنا مما يقول ويعى بعمق مسئولية كلامه ، ولا يكن كحاطب ليل يجمع كلمة من هنا ونظرية من هناك و رأى وجدة مكتوبا فى مقالة أو كتاب اعجبة ثم يقوم بتوليفة إنتقائية عجيبة ليثبت بها ما يقول. أن كل كاتب لا يحقق شروط المعرفة المضبوطة لن يضيف شيئا للعلم ولا للدين ولن يتذكره احد بعد موتة ، ولا تستحق كتاباته ان تقرأ ، فهى إضاعة للوقت ، ولأن الوقت قليل والعمر قصير فالأفضل بذل الجهد وتمضية الوقت فيما هو أكثر إفادة .
و أخيراّ السلام على من إتبع الهدى.
ومع تحياتى ،
أ. د. مهندس/ عبد الحميد مظهر
المفضلات