رجل ينتظر موته!!!
استيقظ من نومه فى الصباح كما يحدث كل يوم ، نظر طويلاً إلى السقف الذى اتخذ لوناً غريباً بمرور الزمن ، كم مرَّ عليه من الوقت وهو يستيقظ كل صباح وينظر الى السقف الممتد فوقه ويسأل نفسه السؤال ذاته :
إلى متى سأستيقظ ؟؟
هل سيأتى اليوم الذى لن استيقظ فيه ؟؟
بماذا سأشعر ان لم أستيقظ ؟؟
وهل عندما أدخل القبر سأستيقظ لأرى نفس المنظر سقف ممتد من فوقى ؟؟
لم يكن يجد لأسئلته إجابات !!!
كما لم يكن يجد سبباً لاستيقاظه كل صباح ، ولكن كان يعرف شئ واحد فقط أن الشمس يجب أن تأتى كل يوم وأنه فى اليوم الذى لن تحضر فيه الشمس وتصبح كل الدنيا ظلام .. لن يستيقظ.
ظل محدقاً فى السقف فوقه طويلاً وتساءل : ما الذى جعله هكذا ؟؟
لماذا تحولت الدنيا كلها بطولها وعرضها الى مجرد سقف رمادى اللون ، وفراش لايغادره ، وحجرة لايتحرك فيها ؟
أغمض عينيه وراح فى نعاس قصير ثم استيقظ ونظر طويلاً الى السقف وتساءل :
متى سأموت ؟؟؟؟ تذكر انه سيموت عندما لن تحضر الشمس ، عندما لاترسل ضفائرها الطويله الى حجرته وتداعب جفنيه فيستيقظ ليحملق فى السقف المفروش فوقه بملاءه رماديه اللون
حول بصره من السقف ونظر الى الكنبة الممتده بجانب الفراش الذى ينام عليه كتابوت ينتظر أن يملأه بجسده .
وتساءل : عندما أموت من سيحملنى الى القبر ؟؟
وهل هناك قبر ؟؟
تذكر أن ما فعله ابنه قبل أن يختفى هو أن شيد له قبر ينتظره حين يموت .
هكذا أبلغه عندما زاره آخر مره .. لم يعرف كم مر من وقت بعد هذه الزياره ولكنه يتذكر أنه رأى الشمس كثيراً ، وأنها داعبته بضفائرها الطويله كثيراً ، وأنه حملق فى السقف المسجى فوقه كثيراً .
أغمض عينيه وراح فى نعاس قصير .. ثم استيقظ ناظراً الى السقف ..
كان يشعر بأن هناك أوقات يحدثه فيه السقف ويخبره حكايات طويلة حينما كان ناصع البياض ومن الذى كان ينظر اليه فى نفس المكان ونفس الفراش ، ثم شبابه عندما أصبح قوياً ، وأصبح لونه أبيض ولكن ليس كما فى الطفوله ، أخبره عن السيدة الجميله التى كانت تنظر اليه وتغازله وتفتنه بجسدها الممشوق الشاهق البياض .
ولكنه لم يكن يستطيع أن يترك مكانه ليهبط اليها ولاهى كانت تستطيع أن تصعد اليه .
كان كلما سمع هذه الحكاية يبتسم ويتذكرشبابه وكيف كان قوياً ووسيماً وكانت كل فتيات المنطقه تحبه ولكنه تركهم كلهم من أجل أن يتزوج " أم العيال" هكذا كان يطلق عليها رغم انها لم تنجب سوى ولد واحد فقط .. لم يزوره منذ أكثر من صباح .
تحسس بيديه جواره وتذكر انها كانت فى صباح يوم ما نائمة بجانبه ولكن عندما استيقظ وحاول ايقاظها وجدها تنظر الى السقف ، ولم تستيقظ منذ ذلك الصباح ، وبعدما تركته" أم العيال "وهو ينظر الى السقف كل صباح محاولاً أن يلحق بها ولكنه لايجدها
نظر طويلاً الى السقف وسأل : ماذا كانت تقول لك " أم العيال " وهى تنظر اليك فى هذا الصباح ؟؟ لماذا أخذتها اليك ؟؟ ولماذا لم تأخذنى معها ؟؟
متى ستجعلنى ألحق بها ؟؟
ولكن لم يجبه السقف كعادته ..
سالت دمعه بطيئه دافئه من عينيه على خده الأيمن حتى وصلت الى فمه فتذوقها بلسانه ولكنه لم يشعر بطعمها كما لم يعد يشعر بطعم الأيام التى تمر دون أدنى شعور منه أغمض عينيه ودخل فى نعاس قصير .
استيقظ ناظراً الى السقف ثم حول نظره نحو الرداء الابيض الموضوع بجانبه وتذكر كيف انه الشئ الأخير الذى أحضره له ابنه عندما كان يزوره آخر مرة منذ أكثر من صباح بعدها قبله فى رأسه ووضع فى يده مبلغ من النقود وأغلق خلفه الباب ، وتركه وحيداً مع السقف ، ينظر اليه ويحدثه وتساءل : كيف سيكون شكلى وأنا أرتدى هذا الرداء الابيض كم مر على ذلك أكثر من صباح ؟
عاد ينظر الى السقف مرة ثانيه وابتسم وهو يتخيله عاد للونه الأبيض الناصع وهو يرتدى زيه الأبيض الأخير والصباح يضيف على الدنيا اللون الابيض .
كم سيكون ذلك جميلاً !!
أغلق عينيه وراح فى سبات طويل وعندما فتح عينيه هذه المرة
لم يجد السقف فوقه
يحيي هاشم
25/4/2005
المفضلات