العيدُ الحزين
أولى قصائدي إلى أمي ( رحمها الله )
6 أكتوبر 1957م - 6 أكتوبر 2007م
رَاحَ الحَْنَانُ، وَرَاحَ الْحُبُّ وَالْجُودُ=وَرَغْمَ كُلِّ الأَسَى قَدْ جِئْتَ يَا عِيدُ
أَيَّامُكَ الْبِيضُ لَمْ أَشْعُرْ بِمَقْدِمِها=قَدْ ضَيَّعَتْ سَعْدَهَا أَثوابنا السُّودُ
يَا عِيدُ... يَا أَصْعَبَ الأَعْيَادِ، قَدْ رَحَلَتْ= أُمِّي إِلَى حَيْثُ كُلُّ الْخَلْقِ مَفْقُودُ
أَسْعَى أُكَبِّرُ، وَالدَّمْعَاتُ تَشْطُرُنِي،=وَالْقَلْبُ فِي حَزَنٍ، وَالْفِكْرُ مَنْكُودُ
أُطَالِعُ النَّاسَ، لَكِنْ شَلَّ أَخْيِلَتِي:=الْمَوْتُ وَالْقَبْرُ وَالأكَفَّانُ وَالدُّودُ
وَالنَّاسُ فِي الْعِيدِ قَدْ جَاءُوا لِتَعْزِيَتِي=عِيدٌ حَزِينٌ...؛ فَمَا لِلْقَلْبِ تَعْيِيدُ
الْعِيدُ جَاءَ وَكُلُّ الدَّارِ مَأْتَمُهَا=وَالْحُزْنُ فِي عَقْرَبِ السَّاعَاتِ مَمْسُودُ
سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الدُّنْيَا لِيَبْلُوَنَا=وَفِي مَشِيئَتِهِ تَبْقَى الْمَقَالِيدُ
يَا أُمُّ.. يَا كُلَّ أَعْيَادِي وَفَرْحَتَهَا=عَادَ الزَّمَانُ، وَلَكِنْ لم يعدْ عيدُ
فَالْحُزْنُ -يَا أُمَّ إِكْرَامِي- كَوَى كَبِدِي،=وَالْقَلْبُ بِالشَّوْقِ وَالتَّحْنَانِ مَجْلُودُ
مَنْ لِي بِكَفِّكِ صُبْحَ الْعِيدِ أَلْثِمُها=لِيُطْفِئَ الْجَمْرَ -مِنْ كَفَّيْكِ- تَبْرِيدُ
مَنْ لِي بِدَعْوَةِ قَلْبٍ طَاهِرٍ صَدَقَتْ=حَتَّى يُصَاحِبَ مَني الْخَطْوَ تَسْدِيدُ
مَنْ لِي بِبَسْمَةِ ثِغْرٍ كُنْتُ أَحْسَبُها=إِذْنًا لِتَبْدَأَ فِي الْعِيدُ الأَنَاشِيدُ
الْحُزْنُ خَيَّمَ فِي قَلْبِي، وَمَا بَرِحَتْ=ذِكْرَاكِ يَبْعَثُهَا نَأْيٌ وَتَبْعِيدُ
فِي كُلِّ زَاوِيِةٍ مِنْ بِيْتِنَا أَثَرٌ=يُثِيرُ حُزْنِيَ، وَالأَحْزَانُ تَجْدِيدُ
وَاحَسْرَتِي؛ قَبَضَ الرَّحْمَنُ نِعْمَتَهُ=وَالْمَوْتُ حَينَ يُرِيدُ اللـهُ مَوْرُودُ
كَمْ ذا حُسِدْتُ عَلَى حُبٍّ ظَفِرْتُ بِهِ=(وَكُلُّ ذِي نِعْمَةٍ فِي النَّاسِ مَحْسُودُ)
كَانَتْ -إِذا مَا دَعَتْنِي نَحْوَهَا: "ولدي"- =كَأَنَّمَا صَوْتُهَا فِي الأُذْنِ تَغْرِيدُ
كَانَتْ -إِذَا دَمَعَتْ- تَسْوَدُّ فِي نَظَرِي=كُلُّ الْحَيَاةِِ، وَيُبْكِي الليْلَ تَسْهِيدُ
كَانَتْ -إِذَا ابْتَسَمَتْ- يَحْتَلُّنِي فَرَحِي،=وَيَعْكِسُ الْفَرْحَ فِي الأَيَّامِ تَوْرِيدُ
كَمْ ذَا تَنَزَّهَ قَلْبِي فِي حَدَائِقِهَا=يَقْتَاتُ مِنْهَا وَلا تَفْنَى الْعَنَاقِيدُ
مَا كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ الْمَوْتَ يَنْظُرُنَا،=وَالسَّهْمُ يَرْقُبُهَا، وَالْقَوْسُ مَشْدُودُ
حَتَّى تَخَطَّفَهَا -مِنْ بَيْنِنَا- جَدَثٌ=وَقَفْتُ أَلْمِسُهُ، وَالْقَلْبُ مَفْئودُ
أَبْكِي بِرَغْمِ رَصِيدِ الصَّبْرِ مِنْ أَلَمٍ =تَعْمَى به الْعَيْنُ، أَوْ يَذْوِي بِهِ الْجِيدُ
فَالدَّمْعُ فِي الْحُزْنِ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِنَا=لا يَسْتَطِيعُ الْبُكَا قَوْمٌ جَلامِيدُ
يَا رَبُّ، أَدْرِي بِأَنّ الْمَوْتَ -ذَا- قَدَرٌ=وَالْعُمْرُ لَوْ طَالَ -مَهْمَا طَالَ- مَحْدُودُ
لَكِنَّ أُمِّي أَذَاقَتْنِي الْحَنَانَ نَدىً=لَوْ زَارَ قَاحِلَةً لاخْضَرّتْ الْبِيدُ
إِنِّي رَضِيتُ بِمَا أَرْضَاكَ مِنْ أَزَلٍ=لَكِنَّمَا الْحُزْنُ فِي قَلْبِي أَخَادِيدُ
فَارْفُقْ بِأُمِّ الْفَتَى، وَارْحَمْ تَوَسُّلَهُ=فَمِنْكَ -يا ربَّنا- الإِحْسَانُ وَالْجُودُ
جَاءَتْكَ صَابِرَةً، مَبْطُونَةً، وَبِهَا=مِنْ مِلَّةِ الْحَقِّ إِيمَانٌ وَتَوْحِيدُ
جَاءَتْكَ فِي رَمَضَان الْخَيْرِ مُتْعَبَةً=صَامَتْ، وَقَامَتْ، وَعَفْوُ اللـهِ مَقْصُودُ
فَامْنُنْ بِنَظْرَةِ عَفْوٍ مِنْكَ رَاحِمَةً=مَنْ نَالَ مَغْفِرَةَ الرَّحْمَنِ مَوْلُودُ
وَاجْعَلْ مَكَانَ اللقَا مِنْ بَعْدِ فُرْقَتِنَا=حَوْضَ النَبِيِّ فَمَنْ يَأْتِيهِ مَسْعُودُ
نَوِّرْ لَهَا قَبْرَهَا، وَارْفُقْ بِوَحْدَتِهَا=حَتِّى يَحِينَ بِيَوْمِ الْمُلْتَقَى الْعِيدُ
المفضلات