يحاول بقايا إفرازات أوسلو تجميل وجه تلك الفترة الحالكة من تاريخ شعبنا وقضيتنا، فترة سنوات أوسلو العجاف، والتي حاولت تحويل نضال شعبنا إلى وكالة حصرية للمحتل، عبر تعاون وتنسيق وتآمر كان في البداية مقنّعاً وأصبح اليوم علني ، وهم لهذا الغرض يحشدون كم هائل من الأكاذيب والافتراءات، ويسوقون إحصاءات وأرقام نسجوها دون أي مصدر أو أساس، ويجيشون الأبواق الناطقة والمسبحة بحمد فترة أوسلو المشؤومة ، وجنانها المفقودة، ليتباكوا ويذرفوا دموع التماسيح حزناً على ما حل بشعبنا بعد أن تيتم بموت أوسلو!
أحد هؤلاء ظهر الأسبوع الماضي على شاشات التلفاز ليكرر ويردد ذات الاسطوانة المشروخة، والتي أشبعها الكثيرون رداً وتفنيداً، وبأسلوب يثير الدهشة والإعجاب ، أسلوب يجمع بين الكذب البواح والتنظير والبرود المفتعل ومعادلات رياضية سياسية غريبة الأساس والنتائج، كان أحدهم هذا هو المدلل الإعلامي لزمرة أوسلو جمال نزال ، أو "جوجو" كما يشتهر في فلسطين ، ضمن برنامج الاتجاه المعاكس ليوم الثلاثاء 27/11/2007 ، حيث حشد وساق واستجلب كل فنون الخداع لعرض "انجازات" أوسلو ، وهو ما سبق ورددت عليه شخصياً في مواجهة سابقة عبر ذات البرنامج بتاريخ 10/01/2006 ، حين اسقط في يده ، لكن لا بأس من التذكير مرة أخرى ، أو ربما عاشرة أو أكثر ، بمنجزات أوسلو ومفخرتها ، ومن ثم نعرج على مدللنا هذا لنقرأ تاريخه و"فكره" ، خاصة قبل تقريبه وتدليله من قبل عبّاس ، لا من ناحية الممارسات الشخصية فهذه لا تهمنا لا من قريب ولا من بعيد ، لكن ما عرضه سابقاً ولاحقاً من أفكار تميط اللثام عن سبب تدرجه السريع في المناصب، وتدليله من قبل زبانية أوسلو.
النقاط الرئيسة لمدللنا الإعلامي في الحلقة المذكورة كانت:
- التمجيد في الرئيس المبدع والقائد العظيم (..) محمود عبّاس، الذي امتلك صبر أيوب وحكمة سليمان!
- الاستشهاد المتصنع بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
- التغني بانجازات أوسلو الوهمية، وهذه رددت عليها بالتفصيل الممل في مواجهة معه كما سبق ذكره.
ولكم العودة لحلقة الاتجاه المعاكس بتاريخ 10/01/2006 :
تحديد مسامير أربعة لنجاحات أنابوليس كلها أوهام من نسج خياله ومخازي اسماها انجازات وهي:
- انتزاع تطبيق خارطة الطريق ، الإقرار بوجود شريك فلسطيني، تحديد أسس جديدة كمرجعيات ، والبدء بالمفاوضات ، وهنا أسأل العبقري "جوجو" ببساطة ما هي المرجعيات ومتى توقفت المفاوضات لتبدأ الآن وكيف سيتم تطبيق خارطة الطريق التي تنص أن أولى مراحلها تفكيك البنى التحتية "للإرهاب".
- تبرير لقمع مظاهرات الضفة الغربية المعارضة لأنابوليس.
- التهجم على الفصائل الفلسطينية بمجملها والتي كانت ستجتمع في دمشق واعتبارهم "طبالين وزمارين" ، أما جماعته والعصابة التي ينتمي إليها والتي تسير وحدها فهم العقلاء الأبطال.
ساق لتبرير خزعبلاته طائفة من الأكاذيب غير المستغربة على شخص ضليع في هذا الأمر مثله ومنها:
- الادعاء بأن عضو مكتب سياسي من حركة الجهاد الإسلامي أخبره أن حماس طلبت من الحركة حل نفسها ، وهو ما رد عليه القيادي في الجهاد الإسلامي خالد البطش وبقوة ، مطالباً إياه بالاعتذار.
- الإصرار على وجود وثيقة اسماها أحمد يوسف -جنيف وهو الأمر الذي تم نفيه من المعنيين مباشرة وثبت عدم صحته ، ومنهم اليستر كروك وأحمد يوسف.
- تكرار أكذوبة تجمع مليون فلسطيني في ساحة الكتيبة يوم 12/11/2007، وهو ما لا يمكن عملياً ولا حسابياً والذي تم الرد عليه بشكل علمي موثق.
- أن النمو الاقتصادي الفلسطيني (المعتمد على المعونات والمساعدات والديون) بلغ 6% إبان عهد أوسلو وهو ما لم تحلم به ايرلندا ولا الصين!
- أنه لا يقاوم إلا فصيل واحد ، وأنه منذ عرف حركته لا يمر أسبوع دون عملية ، لكن وا أسفاه فهو أول من يدين ويهاجم العمليات من فصيله ومن غيره، وهو الذي اعتبرها يوماً مضرة و"تجارة" خاسرة!
كان اهتزاز شخصيته واضح بشكل لا يقبل الجدال ، وضعف الثقة بالنفس من خلال الاعتقاد أن هناك مؤامرة لمنعه من الكلام ، ومع مضغ "العلكة" المبتذل أخطأ في اسم كاتب يقتبس منه وهو زهير قصيباتي فصحح له مدير الحلقة ، وفقد كل لباقة ممكنة وبدء كعادة رموز أوسلو وأبواقها بالتهجم الشخصي المباشر ، واستخدم عبارات ساقطة إعلامياً وأدبياً منها: "اللي مش عاجبه يضرب راسه بالأرض" ، "مشكلتي في صوتك المزعج" ، "فقد أعصابه الأخ وصار ينتفض" ، "أنت شيعي وعندك أحقاد طائفية" ، وكانت ضحكاته تنم عن هستيريا نفسية صاحبتها حالات هيجان مفاجئة عند شرح معادلته الغريبة بالربط بين اليمين "الإسرائيلي" وبين حركة حماس حيث ارتفعت نبرة صوته ، وارتجت العبارات وجحظت عيناه وانطلقت سبابته ليصيح "لاحظ" ، وكأنه اكتشف علماً جديداً على قاعدة "وجدتها وجدتها" ، ليختم باتهام الأمين العام للأمم المتحدة بالكذب ، وهو الصادق الصدوق بعد سيل الأكاذيب ، فأي مسخرة تلك التي شاهدنا فصولها الثلاثاء الماضي؟
معادلته الغريبة التي اكتشفها وسببت له حالة الهياج تنص على : اليمين الإسرائيلي لا يريد دولة فلسطينية ، ولا يريد الاعتراف بالقرارات الدولية ، ولا خارطة الطريق ولا مبادرة السلام العربية ، وكذلك هو موقف حماس ، إذاً فحماس هي شريك اليمين الإسرائيلي! أي عبقرية تلك أو بصراحة أكبر أي غباء متميز هذا؟ ودون الدفاع عن هذا الموقف أو ذاك لأنه أوضح من الشمس لمن يملك عقل يفكر فيه ، أسأل المدلل الإعلامي لو طبقنا معادلتك ذاتها عليك فمن سيكون شريكك؟ ألست أنت ومن تمثلهم تحقرون المقاومة "العبثية" ، وتحاربونها ، وتنزعون أسلحتها ، وتزجون بأعضائها في زنازينكم ، وتسلمون المطلوب منهم ، وتعقدون اللقاءات والاجتماعات للتنسيق الأمني ، وتطبقون الخطط على الأرض بإشراف جنرالات الاحتلال؟ ترى من شريككم في هذا كله؟ ربما صعّبت عليك السؤال أنت وباقي العصابة ممن تحولوا لوكيل حصري للمحتل.
المفضلات