الهروب إلى الله
أتفقد الكائنات من حولي فأجدها في صراع مستمر للبقاء، كائنات بشرية، حيوانية، نباتية،
تبحث عن وسيلة للاستمرار على سطح هذا الكوكب في سلام و آمان.
هذا الكوكب أيضاُ هو كائن حيٌ يحاول البقاء و الاستمرار، مخلوقات من شتى الأنواع و الأجناس،
تسعى لشئ واحد بلا مـُنازع ألا و هو البقاء،
ربما لا تتناغم مع بعضها البعض في أحيان كثيرة،
لكنها تستمر بطريقتها الخاصة بهيئتها و وظيفتها التي فطٌرها الله عليها،
تتمسك بما تعرفه على مدار آلاف السنين بلا تنازل، مرونة أو هوادة في تحقيق هذا الهدف.
عندما تـُمعن النظر إلى تلك المخلوقات الجميلة البغيضة، العميقة التافهة،
المُلِهمة الضائعة، تتداخل عليك مشاعر و أحاسيس مختلفة، متفرقة جزئياً لكنها تشكل
منظومة مكتملة تنصهر فتذوب في خليط رائع عجيب و ساحر يعطيك نشوة الحياة الصافية،
لكنه يجلب لك في نفس الوقت إحساسا بالدونية.
فلا ندري هل نحبه ؟أم نكرهه؟ هل نحنو عليه؟ أم نسحقه؟
هل نسمح له بالتغلـٌغل داخلنا ؟ أم نـُزيله بكل ما أوتينا من قوة؟
هل نـُقـٌر بوجوده ؟أم نرفضه تماماً ؟
من يستطيع اكتشاف تلك الإجابات الموجودة بداخلنا و المزروعة في كل الكائنات من حولنا ،
إجابات تكمن في أعماق و حنايا مخلوقات الله المختلفة
كل واحد منهم يعطينا المعرفة التي يملكها هو فقط !
فكل إجابة من كل مخلوق تترابط سوياً لتفكٌ رموز اللغز !
حلٌ الطلـٌسم اللانهائي الذي يجمع الأرض و مخلوقاتها و كائناتها منذ بداية الحياة ،
هل ندري من يملك الجزء الخاص بكل شفرة تحتويها، تحمله تلك المخلوقات؟
أهي السماء بوابة الملأ الأعلى الفيروزية،
أم البحر سفينة كل مسافر يعبر لدار الحق.
أو الرياح وسيلة الاتصال للمجهول، بمشارق الأرض و مغاربها،
ربما تكون الجبال أوتاد الأرض التي تـُثبتها في أرجاء الكون الرحب،
عله السحاب المـُسخر ساحة لعب الأمطار و الندى، البرق و الرعد!.
نحن محاصرون بكل الإجابات التي ترفعنا بأجنحة لحالة مختلفة عن حالتنا البشرية،
لكننا نرفض الرُقي بأنفسنا و بالحب الذي أوجده سبحانه فينا، كلغة كونية للوحدانية ،
نستطيع به فهم كل الرموز و الألغاز المُبهمة في أرواحنا المسجونة داخل أجسادنا
تطوق لكي تـُحـلٌق بعيداً في فضاء و ملـٌكوت الله الفسيح ،
تهرب إلى الغيب الذي لا تعرفه أو تفهمه،
لكنها تشتاق إليه لأنه في النهاية هروب من سجن النفس ،
منفى الوجود البشري في صورة جسد من لحم و دم فانِ، هالك، يتحللٌ في التراب.
فهل نسمح معاً بالتواصل لفهم لغة التخاطب الكوني لكائنات و مخلوقات الله ،
المتناغمة بالرغم من اختلافاتها البيولوجية و الوظيفية ،لكنها في النهاية تستجيب
لفطرتها الأساسية، تتعانق بلغة الكون السرمدي حب و طاعة الله، الإجابة منتشرة في
جنبات الكون ، تستجدينا من داخل أنفسنا لكي تنقلنا إلى أفق الحرية المضيئة بنور الحق
إلى وطن لم يذهب إليه أحد و لكنه وطن المشردين و الضائعين،
الباحثون عن الحقيقة المـُجردة، السعادة المـُطلقة،
سلام الإرادة الحرة، الأرواح الطليقة، الحب الأبدي، النور الساطع على امتداد كل الأبعاد
لا مفرّ سوى لملاذك، كل الاتجاهات تشير لحماك،
كل الطرق هي صراطك المستقيم أين نختبئ منك يا إلهي
نهرب إليك يا الله لنور وجهك العظيم يا ذا الجلال و الإكرام.
المفضلات