بقلم: محمد هجرس**
"العرب لا يقرأون التاريخ"..
هكذا وصفنا وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان في أعقاب حرب الأيام الستة (1967) حينما دفعت القرارات العنترية بعض الزعماء ليتوهموا إمكانية تحقيق النصر دون توفر الأرضية المناسبة والمهمة، وهي الخطوة التي تسببت في أقسى هزيمة عرفها العرب في تاريخهم المعاصر ومن دويلة صغيرة.
تمرغنا في التراب، بينما "المضحوك عليهم" كانوا كاليتامى في الشوارع يهنفون "بالروح.. بالدم" وبينما المسحوقة عظامهم تحت جنازير الدبابات الصهيونية، لا يزالون يبحثون عمن يعيد لهم الاعتبار بعد أن فقدوا "الدية"!
مشكلتنا أننا ننسى، وإذا كان هناك من يقول إن للنصر ألف أب بينما للهزيمة شماعة واحدة، إلا أن الحقائق على الأرض تدعونا لتأمل ظاهرة نجزم أنها اختفت من على وجه الأرض، إلا أنها لا تزال تنمو في بعض المجتمعات العربية، بلد عربي كبير، كان زعيمه يعيش على أوهام "بالروح بالدم" وكانوا يزينون له أن الذي كتبوا وثيقة عهد بدمائهم هم الأسوار المنيعة التي سيدفن الغزاة عندها، لنفاجأ ويفاجأ العالم، بأن نفس المهيب هو من انهال مواطن بسيط على صورته "المقدسة" ضرباً بالنعال بعد السقوط، وهذه هي بالضبط أسطورة بعض الحكام والتي تبدو كملهاة إغريقية تختلط فيها الكوميديا بالتراجيديا.
الأساطير الإغريقية دائما ما تكون ملغمة بالدموع، وقصص العشاق الذي يحترقون بالشموع وقت الظهيرة، ربما تكون ملهمة مناسبة لبعض القيادات التي ربما تتناسى واجبات الحكم لتؤلف القصص، والقصص جزء من الصناعة التاريخية للأحداث، نفس الرواية التي يمكن تزويرها اقتداء بالرئيس القائد والمهيب الركن، وهل هناك من يشكك في تاريخ كتبه أبو الأمة؟
أبو الأمة إذاً.. وآباء الأمة كثيرون، بينما الأمة نفسها أصبحت أمَةً (بفتح الميم) وسجينة نفس الصراخ ونفس العويل.. بالروح بالدم، بينما الشعوب تكاد تفقد أرواحها، وتبحث عن فصيلة دم مناسبة لتكمل الأنشودة أو المرثية الكئيبة.
التاريخ يصنعه المنتصرون، المنتصرون الحقيقيون لا المزيفون، المنتصرون الأقوياء لا الذين استكانوا واكتفوا بتأليف القصص والروايات والأناشيد الوطنية، وتدبيج المقالات والخطب والأغاني.
ربما نكون الآن في لحظة نشوة أو انتشاء، وكل منا يحاول ادعاء الانتصار بأي ثمن، فينا من استشهد وفينا من جرح، ومن هجر، ومن شرد، ومن فقد الأهل والمال، وفينا من فقد أمن الحياة.. وفينا أيضاً من لا يزال يلهو ويحاول أن يكتب مجرد أغنية فيديو كليب تناسب طبيعة المرحلة!
..........
.........
ساعات ويهل العام الجديد
كل عام ونحن
(.........)
هكذا
رقصني يا جدع!
ـــــــــ
** كاتب صحافي مصري
المفضلات