تجارة الحمير في الأردن – بقلم موفق كمال - الغد
الحمير تعاني الكساد والبطالة وتجارتها على وشك الانقراض
حليبها مضاد للأمراض وأفضل أنوعها "الصليبي" كونه الأكثر وسامة ورشاقة
لم يعان الحمير وضعا مأساويا كالذي تعانيه هذه الأيام التي تشهد انخفاضا غير مسبوق في أسعارها، حسبما تفيد"بورصة" المواشي في سحاب التي تدل مؤشراتها إلى أن تجارة الحمير في الأردن أوشكت على الانقراض.
ويعزى هذا الحال الذي تعيشه الحمير إلى بدائل عديدة صارت تغني عن استخدام الحمار الذي كان وسيلة أساسية في الزراعة والتنقل وأعمال البناء بأقل التكاليف.
ورغم انخفاض أسعار الحمير في بورصة البهائم إلا أن أسعار البغال في ارتفاع ملحوظ نتيجة الإقبال الشديد عليها من المزارعين.
وكشف مراقبون في قسم الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة أن عدد الحمير في الأردن بلغ (14117 ) حمارا وفق آخر إحصائية أعدتها دائرة الإحصاءات العامة للعام 1997، فيما جاءت الجمال في المرحلة الثانية من حيث العدد(5885)جملا .
أما عدد الخيول في المرحلة الثالثة فبلغ (3847) خيلا، في حين كانت البغال هي الأقل عددا حسب الإحصائية التي وصل عددها (535) بغلا.
وترى أم حسن التي تربي الحمير في خانها في سحاب بأن التجارة في هذا المضمار أصبحت لا تدر عائدا ماليا بعد أن أصبح "سعر الحمار في أحسن حالاته لا يزيد على خمسة دنانير"، في حين كانت أسعاره في الخمسينيات تصل إلى 500 دينار أحيانا.
وكانت العديد من المؤسسات الحكومية منذ العشرينيات وحتى أواخر خمسينيات القرن الماضي تعتمد كليا على الحمير وتحديدا البلديات. وخير مثال على ذلك خان عكاشه الذي يمثل حاليا قسم الحركة في بلدية السلط.
وفي الوقت الذي تشهد أسعار الحمير انخفاضا في بورصة البهائم، فإن أسعار البغال في ارتفاع ملحوظ، إذ وصل سعر البغل الواحد إلى 1000 دينار أردني، فضلا عن زيادة أعداد البغال في الأردن التي يتم استيرادها من سورية كونها مجدية ماليا، وبخاصة أن البغل يعمل على مدار الساعة في حراثة الأراضي الزراعية وتصل يوميته إلى 40 دينارا على الأقل .
وتقول (أم حسن) التي تعمل وأسرتها في تجارة الحمير منذ إقامتها قبل 50 عاما في منطقة (رأس العين) قرب سوق الحلال آنذاك واستمرت عائلتها بالرحيل حسب تنقل سوق الحلال إلى القويسمة وانتهاء بسوق الحلال في منطقة سحاب.
وتمتلك أم حسن وأولادها الأربعة ما يقارب 15 حماراً، إضافة إلى قديشة ومهرة واحدة. وتحدثت أم حسن عن تجارة البهائم منذ زمن بعيد موضحة أن زوجها الذي أصبح يتجاوز التسعينيات ورثها عن والده وأصبحت هذه التجارة مصدر الرزق الوحيد للعائلة. وأفادت بأنهم كانوا يتاجرون بالخيول والبغال وسائر أنواع البهائم، فضلا عن الحمير البلدية، إذ يستوردون الخيول من حلب وتركيا.
وتصف (أم حسن) حال أسرتها المعيشي آنذاك بأنه " كان من أفضل ما يكون"، إلى أن استورد زوجها مجموعة خيول من تركيا قبل 12 عاما احتجزتها السلطات السورية ورفضت مرورها من أراضيها بذريعة أنها مصابة بأمراض معدية، علماً بأن زوجها "أحضر شهادة خلو أمراض لجميع الخيول المستوردة "حسب قولها، وبعد أيام من احتجازها قامت السلطات السورية بقتل جميع الخيول.
وبعد خسارة زوجها صفقة الخيول أصيبت أسرتها بنكسة مالية واعتمدت منذ ذلك الوقت في تجارتها على الحمير البلدية التي تعيش معها في خان خلف منزلها. وبحكم أن الأسرة أصبحت معروفة في بيع وشراء الحمير فالزبائن من الريف والبادية تحضر إلى موقع سكنها في سوق الحلال لشراء ما يلزمها من الحمير ونوعياتها.
وأفضل الحمير الذي يرغبه المزارعون، حسب (أم حسن) "الحمار الصليبي كونه يحمل مواصفات جيدة تناسب العاملين بالفلاحة ومربي المواشي" ومن أهم هذه المواصفات أنه "الأكثر وسامة بين الحمير كونه ناصع البياض وطويلا، وممشوق القوام، ويشبه البغل إلى حد كبير " إضافة إلى انه "هادئ الطباع والسلوك وصبور إلى ابعد الحدود ويمكن أن يستخدم في حراثة الأرض، وفي المسير مع قطيع الماشية لمسافات طويلة، فيوضع عليه(الخرج) وتوابعه" وتشير إلى أن "الحمار الصليبي يعمل بطاقة عشرة حمير" .
ويبدو أن الحمار لا يكلف مربيه جهدا أو مالا ( فالحمارة) تنجب وليدها (الكر) داخل الخان ضمن ظروف معيشية صعبة من دون أن تقدم العائلة أي عناية لها، وقد تبيعها في اليوم التالي إذا توفر المشتري، علما أنها تكون ما تزال في مرحلة النفاس. كما تأكل الحمير ما تقدمه لها (أم حسن) من خشاش الأرض أو من بواقي الأطعمة وهي، أي الحمير، راضية بما يقدم لها من دون أي اعتراض أو احتجاج على نوعية الطعام.
وكشفت (أم حسن) عن أهمية بالغة فيما يتصل بحليب الحمار، موضحة أن عددا من أبناء الخليج كانوا يحضرون لشراء حليب الحمار على أساس انه علاج لأمراض السرطان، إلا أنها كانت تعطي الحليب لوجه الله تعالى، معتبرة أن هذا صدقة. وتقول أم حسن أن جميع أبنائها من دون استثناء شربوا حليب الحمير وهم صغار ويتمعون حالياً بصحة جيدة ومناعة ضد الأمراض. وفي سؤال لـ (الغد) عن أكثر الحمير ذكاء، ترد (أم حسن) "جميعهم حمير يا بني".
المفضلات