السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مكر العصافير
عشرات العصافير استوطنت فوق الشجرة التي امتدت بعض اغصانها امام نافذتي وارتفعت الاغصان الباقية لتطال السماء وتحمل المزيد من العصافير اعتدت وجودها والفت اصواتها، لهوها اصبح عنوانا للبراءة، وزغبها الناعم يثير عطفي عليها ، تذهب صباح كل يوم وعند المساء انتظر عودتها وأفرح بزيادة أعدادها ومع برد الشتاء الذي فتح ابوابه علينا بداءت أعداد العصافير بالنقصان يوما بعد يوم .
ترى أين تذهب هذه العصافير البريئة المسكينة ، هل ستموت ولماذا يتناقص عددها كل يوم مع انخفاض درجات الحرارة وصحوت على صباح رمادي حزين .
حملت غيومه السوداء بريقها ورعدها وأمطار رفضت التوقف عن الهطول طوال اليوم ، ريح تصرخ في صمت الشوارع المقفرة ، فتزيدها وحشة توصد أمامها أبواب البيوت وزجاج النوافذ يوم لونني بلونه ، وأيقظ عندي قلقا على عصافير الشجرة ، ترى كيف ستعود وكيف ستجد طريقها إلى الشجرة وهي تخترق تلك العاصفة الهوجاء ترى هل ستقاوم اجنحتها الرقيقة قوة الرياح .
واتى المساء ولم تاتِ العصافير ، والمطر ما زال ينهمر، آه يا لها من عصافير مسكينة قلت لنفسي ويالها من عاصفة قاسية وامطار لا تعرف الرحمة ورياح تزمجر غضبا وهبط الليل بكل ثقله ورغم حزني انتظرت رجوع العصافير ، وعند نافذتي سهرت الليل ، كنت ابحث عن تلك الكرات البيض وكأنها قطع من السماء كانت تزين الشجرة كل ليلة فلم أجدها .
اسأل الرياح ، أرجو الغيوم ، أتوسل للرعد ، ان ترأف بالعصافير البرئية وتأكل كل ساعة التي تليها ، ليأتي ضياء الفجر ويقهر الظلام .
وامتزج أول خيط من خيوطه البيض مع أخر خيط من خيوط الليل السوداء ، استسلم الليل ولملم ظلامه ورحل ، ليترك صباحا شتوي آخر يطل علينا أنا والشجرة والنافذة بلونه الرمادي الحزين .
فتشت مع ضياء الصباح عن اثر للعصافير ، علها أتت أثناء اغفاءة ربما داهمتني وانا انتظر عند نافذتي لكني لم أجد سوى بضع ريشات قديمة كانت قد تطايرت منهم هنا وهناك .
ابتلت تلك الريشات بالمطر فقدت هويتها والتصق بعضها بالطين أو على صخرة في إحدى زوايا الحديقة ، وأخرى على الأرجوحة وثالثة على كرسي مبتل ورابعة فوق سياج خشبي او على ورقة خضراء يحملها غصن ابتل هو الأخر .
زاد حزني وبت أشبه ذاك الصباح الرمادي أكثر مما أشبه نفسي قضيت بقية الأيام حزينة حتى مجيء صباح ازرق صاف بعد أيام لم يقهر حزني ولم يستطع أن يمتص مني اللون الرمادي والقلق الذي ملأني على عصافيري البريئة دفع بي لأخبر بعضهم عن حزني .
قالوا لا تخشى شيء .. فان عصافيرك ليست بالبراءة التي تعقدينها وليست هي ضعيفة ولا مسكينة ، بل أن بها ذكاء كافي لتعرف كيف تحمي نفسها أثناء الأمطار والعواصف وتعرف كيف ترحل لمكان لا يوجد به مطر وريح وعاصفة .
قلت انها عصافير قالوا لكنها تملك من المكر يجعلها تهرب من العواصف فلا تكوني ساذجة ، انتظري رحيل الأمطار والرياح الى حيث لا تعود وعندها ستعود عصافير الشجرة وتجلب معها عصافير جديدة .
كيف لا اخشي بعدما عرفت حتى العصافير ليست بالبراءة التي كنت أتصورها .
وهي تستوطن أغصان شجرة تطل على نافذة غرفتي وعرفت أنها تترك أغصانها عندما تهب عاصفة ممطرة لا تقف يوم .
في وجه عاصفة تمر على شجرة استوطنوا أغصانها وتفيئو تحت أوراقها .
كيف لا أخشى وقد أدركت أن للعصافير مكرها
. الهام الزبيدي
المفضلات