بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسسلام على أفضل المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أستاذ شاكر
من خاطبك أو تكلم معك
وجهتُ كلامي إلى الأخت الكريمة أمال, فمن سمح لك أن ترد على طرحي.
ألم يدر بخلدك أنني لو أردت الرد عليك لقلتُ في مقدمة ردي (الأخ الكريم الأستاذ شاكر) أو كان خطابي على الأقل عاماً (الإخوة والأخوات الكرام).
ومن نصبك محامياً عن الأخت الكريمة أمال لكي تعتقد بأن ردي لم يجب على بعض تساؤلاتها.
الواضح للجاهل قبل العالم أنها إنسانة مثقفة واعية, وهي قادرة على ممارسة حقها الطبيعي في نقد طرحي أو الاستفسار عن أي نقطة غامضة.
دار في خاطري أن أرد على طروحاتك الخطيرة.
لكني انشغلت بما هو أهم.
المشكلة في أمثالك من (المستشارين) الذين أغراهم الشيطان بـ(علمهم) و(شهاداتهم) فصغر الناس من حولهم, وأصبح الناس جهلة سطحين لا يحسنون القراءة ولا يفهمون, يدورون في حلقات مفرغة حول أنفسهم, ويكررون قصة (الجمل سفينة الصحراء) السخيفة الساذجة.
المشكلة في طرحك (إنصاف المرأة) ليس في الطرح ذاته, بل في القفز إلى الجزئيات (إنصاف المرأة) وعدم التأسيس لهذه الجزئيات (العودة إلى الفهم والتطبيق الصحيح للإسلام) وهذا يُعرف عند الفقهاء بالتقعيد للمسألة.
المنهج العلمي الصحيح يقتضي من صاحب الطرح التأسيس لطرحه, أي طرح (العودة إلى الفهم والتطبيق الصحيح للإسلام) تأسيساً لطرح موضوع (إنصاف المرأة), وعندما أحرجك أحد الإخوة, أخبرته بأنك ستطرح مساراً خاصاً لموضوع (العودة إلى الفهم والتطبيق الصحيح للإسلام).
ألم تسأل نفسك لماذا هاجم أكثر الأساتذة الكرام (إخوة وأخوات) طرحك؟
1- لأنك تجاوزت الأسس العلمية الصحيحة لطرح أي موضوع بالتقعيد (أي التأسيس) لهذا الطرح.
2- لأنك اخترت موضوع (إنصاف المرأة) للبدأ بمسارك المزعوم (العودة إلى الفهم والتطبيق الصحيح للإسلام), ونسيت أو تناسيت أن هذا هو الموضوع المفضل والمدخل الأول لكل علماني وطاعنٍ في الإسلام, لذلك رأيت الردود المهاجمة لطرحك أو الناقدة له.
3- بدأت موضوعك بمجموعة مختارة من القصص عن ظلم المرأة تحت عنوان (العصف الذهني) فعصفت بالموضوع كله, لأن هذا أيضاً من أفضل الأساليب التي يتبعها كل علماني وطاعنٍ في الإسلام, وكأنك بقصصك هذه تتكلم مع جهلة أو مراهقين لم تعركهم الحياة, ولا يعرفون أن أصل كل ظلم هو عدم مخافة الله, وغياب التقوى, وليس ظلم الرجل للمرأة أو المرأة للمرأة أو المرأة لنفسها إلا حلقة صغيرة في هذا, وما أجمل الطرح الذي طرحته الأخت أمال في مداخلتها الأولى, لولا أنها نسيت أن تختمه بأن أصل كل ظلم هو عدم مخافة الله, وغياب التقوى.
4- حاول معظم ناقديك إقناعك بالفصل بين الإسلام كدين وممارسات المسلمين الخاطئة, لكن عبثاً, فما زلت تعود كل مرة إلى القصص, وتنسى أن لدينا جميعاً قصصاً معاصرةً مماثلة عن إنصاف المرأة, وكلها كانت على يد ناس فهموا دينهم فهماً صحيحاً.
ذكرت كذباً وبهتاناً أني قلت (إن المرأة عاطفية لا عقل لها أو عقلها أقل من الرجل، والرجل يتفوق عليها في مجال العقل).
لم أقل هذا, بل قلت: (أن عاطفة المرأة تغلب عقلها, في حين أن عقل الرجل يغلب عاطفته) فمن منا لا يقرأ ما يكتبه الآخر.
للرجل والمرأة عقل وعاطفة, لكن الله سبحانه وتعالى أعطى الرجال قدرة أكبر على تغليب عقله على عاطفته, وهذا التغليب يتفاوت بين الرجال والنساء.
المشكلة عندك أستاذ شاكر في التصور المسبق لك عن الآخر (وأعني به أمثالي) وهي استنساخ في مخيلتك لرجال شاهدتهم خلال حياتك, فوجدت فيهم قوالب حفظتها وأعددت الرد لأفكارهم, وكلما رأيت أحدهم ناقشته من خلال ما استنسخته مخيلتك عنهم, لا من خلال كلامهم.
ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بنصيحة زوجاته في بعض الأحيان؟
الجواب: بلى, لكن ألم يكن أيضاً يرد بعض قولهن أو فعلهن؟
المسلم, ذكراً كان أم أنثى, مطالب بالبحث عن الحق وعن الحكمة, فيأخذها أنى وجدها, والحكمة ليست حكراً على الرجال دون النساء, ولا لعرق دون آخر.
هل كانت نصيحة السيدة أسماء لابنها خليفة المسلمين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما صحيحة أم خاطئة؟
من الناحية القيمية كانت صحيحة, لكن سياسياً كانت خاطئة.
وبما أنك تُحب القصص, فلتعلم أن والدي توفي وأنا في السابعة عشر, ولم يترك لنا شيئاً إلا نصف بيت, وكانت أختي في الصف السادس, فتوكلتُ (أنا الجاهل الذي لا أقرأ جيداً ولا أُحسن الفهم) على الله, وأصررت على إكمال علمي وعلم أخي وأختي, فأكملنا تعليمنا الجامعي, وكان من السهل علي (أنا صاحب القوامة شرعاً) أن أقول لأختي: (أعذريني يا أُخية, فلا نستطيع تغطية مصاريف دراستك), لكنني أصريت على متابعتها لدراستها الجامعية, مع متابعتها لحفظ القرآن, لتجمع علمي الدنيا والآخرة, ويكون لها زاداً وقوة بعد زواجها, وهاهي الآن أم, وها أنا الآن عزب, بررت بوعدي لها, ولست نادماً على ما أنفقت أو ما فعلت, لأن أصل كل عملٍ أن يكون خالصاً لوجهه الكريم.
رحم الله عمر بن عبد العزيز, أقبلت إليه وفود المهنئين لما ولي الخلافة, وكان من بين تلك الوفود وفد يتقدمه صبي صغير, فتعجب عمر عندما رآه وقال: (أليس هناك من هو أكبر منك سنا ليتقدم الوفد؟) فرد عليه الصبي قائلا: (لو كان الأمر بالسن يا مولاي ، لكان هناك من هو أحق منك بالخلافة، ولكن المرء بأصغريه: قلبه ولسانه)، فأعجب عمر بشجاعته وذكائه, ورجاحة رأيه, وسمح له بالتحدث نيابة عن وفده.
المتكبر شخص على جبل
يرى الناس صغاراً
ويرونه صغيراً
المفضلات