نضالنا ضد الاستعمار والصهيونية وأساطير الحل السلمى
ا.د.سعيد النشائي- أستاذ كرسي هندسة التنمية المستدامة
جامعة ولاية بنسلفانيا- الولايات المتحدة الأمريكية
يتخذ الصراع ضد الاستعمار والصهيونية في المنطقة العربيه منعطفاً جديداً فى السنوات الأخيرة يضيف إلى المكونات القديمة لهذا الصراع مكونات جديدة تتطلب الحرص فى تناول بعض المفاهيم والتأكيد على بعض الثوابت التى لا يجب التخلى عنها تحت أية ظروف انتقالية ومؤقتة.
فبعد أن كان التصدى الرئيسى للاستعمار والصهيونية هو من جانب الاتجاهات القومية واليسارية أصبح من جانب القوى الإسلامية. وبعد أن كانت المواجهة من جانب أنظمة وطنية بقيادة النظام الناصرى فى مصر, أصبحت معظم الأنظمة العربية موافقة على أسطورة الحل السلمى والباقى فى انتظار أسطورة أخرى وهى تحسين شروط هذا الحل رغم أن الكيان الصهيونى وحلفاءه يوجهون الضربات للقوى العربية الراكضة نحو سراب السلام وأن ضرباتهم لها تزداد كلما زاد ركضها, وما حدث فى مؤتمر أنابوليس وبعده هو أحدث مثال على ذلك ولولا وجود المقاومة لزادت هذه الضربات شدة. فهل يمكن لهذة الضربات أن تفيق ولو جزءاً من هذه القوى؟ على الأقل الجزء الذى لم يصل بعد لمرحلة العمالة للاستعمار والصهيونية.
ومن الواضح أنه بعد خروج الأنظمة من المواجهة لم تتوقف المقاومة بل انتقلت إلى تنظيمات غير سلطوية مثل منظمة حماس وحلفائها فى فلسطين وحزب الله وحلفائه في لبنان والمقاومة العراقية. وهى أجنحة من المقاومة تزداد قوة وراديكالية رغم الحصار والعدوان ضدها ليس فقط من الاستعمار الصهيونية بل أيضاً من جانب معظم الأنظمة العربية. وأخطر ما يواجهه الاستعمار والصهيونية هو تنامى هذه القوى وإنتشار سياساتها وأساليبها إلى بلدان عربيه أخرى بالتوازى مع تنامى قدراتها ونفوذها داخل بلادها. لذللك فإن القوى الإستعماريه والصهيونيه تركز وتكثف جهودها الإجراميه ضد هذه القوى. ولكن عجلت التاريخ فى إتجاه التحرر والإنتصار على الظلم لا تتوقف أبداَ.
إن المحطات الرئيسية فى تاريخ الصراع العربى الصهيونى تميزت فى معظم الأحوال بهزيمة الأنظمة وانتصار الشعوب, ففى عام 1948 انهزمت الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية, إلا أن الشعوب لم تنهزم وغيرت النظم الحاكمة لمواجهة الاستعمار والصهيونية, وفى 1967 انهزمت النظم العربية إلا أن الشعوب لم تنهزم وقامت تعد العدة فى مصر وسوريا للانتقام وانطلقت المقاومة الفلسطينية وحدث الانتصار الجزئي في 1973 والذي حولته الأنظمة إلى إتفاقيات كامب ديفيد التى يصر النظام فى مصر على أنها إنتصاراَ تاريخياَ ويصدقه البعض, وتصر قوى كثيره داخل مصر وخارجها أنها تمثل إستسلاماَ مشيناَ وإعترافاَ غير مشروعاَ بالكيان الصهيونى العنصرى الغاصب ومكافئه له على جرائمه منذ 1948 والمستمره حتى الآن وبكثافه وإجرام متزايدين. وبعدها ابتعدت الأنظمة عن النضال ضد الكيان الصهيوني لتحقق المقاومة الفلسطينية العديد من الانتصارات وتتلقى العديد من الطعنات من الأنظمة, حتى تحولت قيادتها إلى نظام يقدم التنازلات. فقامت حماس وحلفاؤها لتوقف خط تنازلات النظام الفلسطيني اعتماداَ على الجماهير الشعبية, كما قام حزب الله بتحرير جنوب لبنان اعتماداً على الجماهير الشعبية فى عام 2000 كما وجهت المقاومة اللبنانية, بقيادة حزب الله, للكيان الصهيوني هزيمة استراتيجية فى صيف 2006 اعتماداً على الجماهير الشعبية.
وفى إطار الإشارة إلى انسحاب الأنظمة من المعركة يجب الإشارة إلى النظام الإسلامي الراديكالي فى إيران والذى يمثل النظام الوحيد فى المنطقة المعادى للاستعمار والصهيونية والذي يدعم بشكل كبير, ومساهمة متوسطة من سوريا, حركات المقاومة الشعبية. ومن دواعى التفاؤل الحذر فى هذا الإطار أن المحاولات الاستعمارية الصهيونية لمحاصرة النظام الإيرانى تواجة سلسلة متتالية من الإخفاقات يتوقع لها أن تستمر وتتزايد خصوصاً مع الإخفاق الواسع للاستعمار والصهيونية في العراق وأفغانستان. وآخر هذه الإخفاقات, وإن لم يكن أشدها, هو تقرير المخابرات الأمريكية المتناقض تماماً مع أكاذيب السيد بوش وأذنابه مثل كونداليسا رسولة الفوضى الخلاقة الإجراميه على سبيل المثال. كما أنه يبدو أن بعض الأنظمة العربية الرئيسية مثل مصر والسعودية قد بدأت تخرج عن التوجيهات الأمريكية بمناصبة النظام الإيرانى العداء وبدأت تقيم علاقات جيدة معه. بل أن نظامنا المصرى نفسه قد اعترض بشدة على قرار الكونجرس الخاص بالمعونات الأمريكية لمصر بصفته تدخل في شئون مصر. وبالرغم من أن جريدة الأهرام نشرت موافقة كل الأحزاب والقوى السياسية على هذا الموقف للحكومة المصرية فإنها لم تنشر رأى جماعة الإخوان كما لم تشر إلى أضرار هذه المعونة على الأقتصاد المصرى. كما أننا نقرأ يومياً عن خلافات السيد بوش مع عملائه في العراق وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى وهزائمه المتتالية في أمريكا اللاتينية وحديثاَ فى باكستان. وهزائمه الشديده داخلياً. هذا كله يساهم في فشل المخطط الاستعماري الصهيوني لمحاصرة النظام الإيرانى كما يضعف مخططهم الإجرامى فى المنطقة.
هذة هى الصورة العامة باختصار شديد, مضافاً إليها للأسف الشديد أنه ليست فقط الأنظمة العربية هى التى تراهن على أسطورة الحل السلمى بل أن العديد من القوى السياسية الأخرى فى المنطقة تقع فى هذا المطب الخطير بتبريرات متعددة خاطئة.
إن أسطورة الحل السلمى مع الكيان الصهيونى, التى رفضها الزعيم الوطنى عبد الناصر وركض إليها الرئيس الراحل أنور السادات, هى أسطورة شديدة الضرر بكل دول وطبقات وفئات العالم العربى والإسلامي وربما كل العالم على المدى البعيد. إنها تمثل مكافأة للمعتدى على عدوانه وللعنصري على عنصريته والنازي على نازيته, وذلك ليس بدءاً من عدوان 1967 ولكن منذ قيام هذا الورم السرطاني على أرض فلسطين العربية عام 1948.
وهكذا ومع الأسف الشديد ينقسم الوطن العربى, والذى هو الجزء الأساسى من العالم الإسلامى والعالم كله في مواجهة هذا الورم السرطانى العنصرى النازى, إلى طرفين أساسيين: الطرف الأول يصر على مواصلة وتعميق وتوسيع النضال من أجل القضاء على هذا الكيان الصهيونى, ونفوذ حلفائه فى المنطقة, والطرف الثانى يصر على إمكانية التعايش سلمياً مع هذا الكيان وحلفائه مع التنازل عن جزء من حقوقنا التاريخية, خصوصاً حقوق الشعب الفلسطينى. ويتهم الطرف الأول الطرف الثانى بالاستسلام كحد أدنى والعمالة للاستعمار والصهيونية كحد أقصى, بينما يتهم الطرف الثانى الطرف الأول بالتطرف وعدم الواقعية كحد أدنى والعمالة لأطراف خارجية( مثل إيران أو القاعدة) كحد أقصى. هذا النوع من الانقسام واجهته معظم حركات التحرر على مدى التاريخ البشرى وثبت فى معظم الأحوال انتصار الطرف الأول والحالات القليلة التى لم يحدث فيها ذلك كانت نتيجتها ضياع الأمة بكاملها كما حدث فى حالات الاستعمار الاستيطاني الناجح في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا.
من الطبيعى أن يكون كل إنسان مع السلام, ولكن السلام القائم على العدل وليس القائم على نهب حقوق الآخرين وقتلهم. إن الكيان الصهيونى ليس دولة لكى نقيم معه سلاما بل هو ورم سرطاني عنصري ونازي، قائم على نهب حقوق الآخرين وقتلهم. إنه نوع من الاستعمار الاستيطاني المتأخر الفاشل, وكلما ازداد فشله ازداد إجرامه وعنصريته مثل مشروع هتلر النازى. هذه المشاريع الفاشلة كلما تأخرت مواجهتها ارتفع ثمن إفشالها على كل الأطراف. بدون الدخول فى طبيعة هذا المشروع الاستيطاني والعنصري ومقومات فشله فإنه من المفيد فى هذه العجالة التأكيد على أنه رغم نجاح المشروعات الاستيطانية العنصرية في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندة( بغض النظر عن إجرامها وبشاعة أساليب إنجاحها) فإنها فشلت فى كل المحاولات التالية وعلى رأسها الجزائر وجنوب أفريقيا. يضاف إلى ذلك الفشل الذريع لمحاولة دعم الاستعمار للكيان الاستيطاني الصهيوني العنصري باحتلال العراق وتصاعد المقاومة الشعبية بأشكال مختلفة رغم موقف الأنظمة بالإضافة إلى الحقيقة المرة والتى يعلمها حتى الراكضين وراء أسطورة الحل السلمى وهى أن هذا الورم السرطانى وحلفاءه لا يريدون حلا سلميا ولا حتى استسلاميا, ولهذا حديث آخر.
إن النضال الجاد ضد الاستعمار والصهيونية يؤدى إلى نضج القوى السياسية المناضلة ونشوء تحالفات بين هذه القوى مثلما الحال فى لبنان وفلسطين إلى حد كبير والعراق إلى حد ما. بينما هذه التحالفات لا زالت ضعيفة فى بلد مثل مصر لضعف النضال الجاد ضد الاستعمار والصهيونية. لذلك فعلى كل القوى الوطنية المعادية للاستعمار والصهيونية سواء كانت إسلامية, يسارية, قومية, ليبرالية أو غيرها توحيد صفوفها ضد الاستعمار والصهيونية وحلفائهم فهذا هو أول الطريق إلى التقدم أياً كان تصورنا لهذا التقدم.
وخلال هذا النضال وبعده يجب على كل القوى الوطنية الشريفة والطوائف والأديان التخلص من الحلم الساذج أن أياً منها سوف يسود ويضع الباقين تحت أقدامه أو يتفضل بالسماح لهم بالحياة منقوصى الحقوق أو الانقسام بجزء من الوطن يمارس فيه هذه الأمراض النفسية. فهذا الذل وارد فقط فى حالة واحدة وهى أن يعيش الجميع تحت أقدام الاستعمار والصهيونية بعد أن يؤدى الانقسام الغبى إلى هزيمة الجميع لا قدر الله.
إن مستقبلنا الحقيقى هو فى وحدتنا مهما كانت اختلافاتنا وأهم مكونات وحدتنا حالياً هى النضال ضد الاستعمار والصهيونية وهزيمتهم هزيمة كاملة. ومع الأسف الشديد فإن هذا الانتصار على الاستعمار والصهيونية يتأخر فى المنطقة وفى العالم كله نتيجة موقف الأنظمة والقوى المراهنة على أسطورة الحل السلمى سواء كان هذا الموقف ناتجا عن عمالة أو غباء وضيق أفق أو مصالح طبقية آنية وقصيرة النظر. ولكن ذلك كله وضع مؤقت سوف يتغير مع تصاعد نضال القوى الوطنية وتحالف أجزائها المختلفة وانكشاف حقيقة المخطط الاستعماري الصهيوني أمام أية قوى منخدعة.
المفضلات