بسمك الله الرحمن الرحيم
رغبت في نشر بواكير تجربتي الشعرية حين كنت أتصارع مع البحور حتى عشقت الطويل ذلك ببساطة أن شيخي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى كثيرا ما كنت أحفظ على يديه عيونا شتى من الشعر الجاهلي وأغلبها من الطويل ... ورغم تأخر ملكة قرضي للشعر إلا بعدما كبرت بسنين عدة كانت هذه البواكير من أثر الحفظ القديم
على أن الموضوع المعالج في القصيدة الأولى كان بعد توقفي عن الجامعة في كلية الترجمة بقسنطينة في العام الأول ـ سرتا قديما ـ وأصبحت هذه المدينة أما حنونا أتذكرها مرة بعد مرة وقد تركت القصيدتين بهفواتهما وهناتهما دون تنقيح وتعديل حتى تبقى مؤرخة في دفاتر التجربة
سرتا والمعذب
أَمِنْ رحم المجهــــــــــول يولدُ ما ألقى = قتادٌ و حسْكٌ من أمــــــــــانيَّ ما أبقى
سقاني الظلام من حياضه جرعــــــــة = تدمّر أوصــــــــالي وتخنــــقني خنقا
و ما كنتُ أرجو أن يباغتنــــي الرّدى = بأحبولة الشيطــــــــان تسحقني سحقا
تحالف عتـْم الليل في محفـــــل الدجى = مع المـارد الجبّــــــار للنفثــة الخرقآ
فأصبحتُ في كفّ الظـــــــــلام أسيرَه = كفيف العيــــــــون كلما زارنـي أشقى
يعذبني بالســـــــــــــوط حيث عصيته = فيحمرّ جلد الظهـــر من جور مـا ألقى
و طوّقـــــــــني رزءً و صبَّ بليّــــــة = و أهدانيَ التـنين يحــــــــــرقني حرقا
فبا أيّها الجــــــــلاد رفـــــقا بأعظـُمي =أما آن أن تنزاح كي تســــــديَ الرفقا
و يا أيّــها التـنين حسبــــك ذي اللظى= تضرّمُ أحشائـــي و قد أ ُوصِدتْ غلقا
أصيحُ و أبكـي تـــــــــــــــارة ثمّ أنثني = إلى المارد الجبّار أنشـــــــــــده العتقا
فلم يكُ يجدي بالبكـــــاء ضــــــراعتي = وخاب الجواب هل فــــؤاد العِدى رَقـّا؟
و أزمع بعد النكـْــــــــــــل جلب منيتي = فأترع كـــــــأس السمّ يمــــــــلأه دهقا
وجرّعنــــــــي ما لا أكــــــاد أسيغــــه = زعافا فخــــرّ الجسم من أثـْــره صعقا
رآني الحبيب و هو ماضٍ لشــــأنــــــه = صريع المنــــايا لا حيــــــاة و لا خفقا
فهبّ سِراعا نحــــــو صدري لعـلّـــــه = يقـــــــــــدّمُ إسعــــافا إلى الجثة الزرقآ
وقام بدلـْـكِ القلب لكـــــــــــــنّ خفقـــه = أبى أن يجيب النبض ما رامـــــــه دقـّا
فأيقن أنّ المــــــــــوت لم يخطئ الفتى = و أنّ سهام الليــــــــــل سيقت له سوقا
وفاضت دمـــــــوع الخِلّ ترثي خليلها = تغسّلني همرا و تغمـــــــــــــــرني دفقا
و قام بحملي من قفـــــــــايَ و أرجـلي = إلى دِمنة الأرماس ينــــــــــوي لنا شقا
هوتْ من سمول الثوب شطـــر وريقةٍ = تؤرجحها ريــــــــــــحٌ تودّ بها الشرقا
على متنها بيت من الشِعر نظـْــــــمُــهُ = يحــنّ إلى " سِرتا " ويهفــــو لها عشقا
(( أيا حاملي نعشي إليكـــــــم وصّيتي = خذوني إلى " سرتا " فقبـري بها أنقى))
فما تـــمّ عجــــز البيت حتى تطايـرت = مناسمه للريــــــــــــــــــح تسبقــها سبقا
وجاب الفيافي حامـــــلا فوق عـطــفه = صدىً كلما أدنــــــــــاه ضاع الفتى عبقا
وفي" جبل الوحش " النـــديِّ تبسّمت = نواجذ " سرتا " عن صـــدايَ الذي يُلقى
فقــــــال خليــــلي للأميـــــــرة باكـيـا = أيا أمّـتا قد مات من جــــــــــــرعةٍ حقـّا
فمــــالي أراك تبسمـــــــين كأنّـــــــكِ = تريـــــــن الفتى حيّـا تخالـينــــــــه طلقا
أما جاشــــــكِ التعذيب ، هذي سياطه = على كلّ شِلـْوٍ نـــــــــال من جَلده صفقا
و ذي رثــّة الأسمــال أفحَــــمَ نسجَها = سعـــــــــــارٌ لتـنين يضــــــــرّمها حرقا
فيا بؤسه أفضى إلى المـوت راحــلا = وفي قـــــــلبه حـــــبّ يترجـمــــــه صدقا
يحنّ إليكِ رغـــــــــم ســـــــوء مآلـه = و يذكـــــركِ حتى ولــــــــو رمسه انشقـّا
لعمري لقد كــــــــــان التقيَّ بزهــده = و كان لربّ النـــــاس من بشْــــــرهِ أتقى
أتدرين أنّ الصبّ أوصى صبابــــــة = بمرقــــده لحــــــــــدا على حضنكِ الأنقى
فما كان من " سرتا " بُعيدَ سماعهــا = إلى الفعلة النكــــــــــراء حتى بكتْ غرقى
وقالت بنيّ يا خليل الفتى رِسـْـــــــلاً = فإنّ ابتسامي كــــــــــــان من طيبتي شوقا
و إني لأدرى الخلق عن طيبــة الفتى = بما قـــــد حبـــــاه الله مـــذ جــــاده الخلقا
فلا تبتئسْ يا صــــــــاح غمّـا فإنّ لي = بــــإذن الإلـــــــــــه مـا يَرُدّ لـــــه النطقا
و قامت إلى المحراب تدعو لتوّهـــــا = تناجي إلـه الكــــــــــــون مخلصة ً صدقا
و أسبلتِ العبْراتِ فيضا من البُــــــكا = فأنبتت الأزهـــــــــــــار من دمعها يُسقى
وراحت تضمّ الزهــــر فــــــور نُموّه = و تمذقه بالمــــــــــــــــــاء مذقا تلا مذقا
و صبّتْ على جسمي النحيل مزيجهـا = و دعْوَتها لله غاصـــــــــــــــت بها عمقا
تململتِ الأحــــــــــــداق بعد جمودهـا = لأرمق أمّي توقـــــــــــــظ المقلة الغرقى
شعر :عمر طرافي البوسعادي
جامعة قسنطينة ـ آنذاك
لجزائر
وهذه مرثيتي في الشاعر الكبير السوري عمر بهاء الدين الأميري وكنت أحب شعره كثيرا علما أنه قضى آخر سنونه في المغرب الشقيق وهي كذلك من البواكير
شققتَ صــــــدورا بالرحيل ولم تزل = تشقّ فؤادا قد أحبّكـمو حقاشعر عمر طرافي البوسعادي
وماذا عساه القلب يفعل لو بكتْ = عيوني وقد حنـّتْ لرؤيتــــكم شوقا
سوى أن يفيـض الوجد وجد صبابتي = فيخفــــقُ بالتحنان للطـــاهر الأتقى
وما كنتُ أدري حين لفـّــــكمو الردى = بأني سألقى كلّ هذا الذي ألقى
كآبــات قلب واهتياجا لأضلعٍ = و لوعة وجدان ودمـعا همى دفقا
فكلّ زفير شبّ في الصّدر باللظى = وكـلّ خيال هبّ يسحقني سحقا
يقولون قد مات " الأميريّ ُ" يافتى = وقد سمقتْ أزهـار دمنته سمقا
فكفكفْ دراريك الحزينة واعلمنْ = بأنّ بكاك المرّ لم يعرف السبقا
تأخـّر في حق "الأميريّ " رثوكم = ومثل " الأميري " بئس من يهضم الحقا
فقلتُ لذاكم قد لقيتُ أسنّة = لها في حنايا الجسم خلساتها خرقا
سيعذرني قومي ولستُ بطالب = سوى من " أميري " العذرَ أجلي به الربقا
ولو يعلم الشهمُ الكبيرُ براءتي = من الشعر قرضا قبل أن يعرج الأفقا
و إنـّي حديث العهد بالنظم ليتني = نظمتُ قبيل الموت حلّ به برقا
و قالوا " الأميري " أبدع َالنظمَ حلـّة = كستْ أدب الإسـلام من نورها ألقا
فلما تلوتُ من نظيم بيانهِ = سُحرتُ بشعرٍ فاض من نبعه الأنقى
و ألفيت في الديوان ما أبهج الورى = مشاعرَ إنسانٍ أصيلٍ سما فوقا
ندمتُ و أمسى الذنب يُوخزُ مهجتـي = على كلّ يوم قد جهلتكمو حمقا
ومما يزيد القلب نـارا وحرقة = ويَضرمُ في الوجدان ما فاتني حرقا
تـُـجاورُني في العيش في أرض " مغربٍ " = سنينا ولم أدر الجــوار الذي أبقى
فضيلتـَكم خمسا وعشرة حجّةٍ = تنال عطاء الجود من خيـرها رزقا
عفا الله عنـّي ما عرفتُ بذلكم = فلما أتاني النعي من موتكم أشقى
ولو كان لي علمٌ قـُبيل مماتكم = شددتُ الرّحال كي أرى شخصكم حقا
أجالسكم والسّعد يَألَق بهجة = وأقتبسُ الأنوار من عروةٍ وثقى
تقولُ وقد أفضى لك القلبُ سرّه = بنيَّ سُررْتُ بالذي رمْته نطقا
أحبّكَ ربّي ذو الجلال وذو الرضى = ومن أجله ذا الحبّ ننشقه نشقا
أترغب في نصحي ؟.. فثمة ناصح = يقول : اعملوا من بعد.. ذاك الذي يبقى
هو الأدب الورديّ يقطر بالندى = يزّينه الإسلام من طهــــره يُـسقى
فلا تنظمنّ الشعـرَ إلاّ سبــرته = أيرضاه مولانا ؟ وهل يجلب العتقا ؟
وكن مثل حسّـانٍ يصــدّ بشعره = نبــالا ويرمي بالنظيم الذي دقا
تزوّد بأشعار القدامى فنظمهم = بديعُ المتــون في فضائهمو ترقى
وثابرْ بنيّ أن تكــون مجاهدا = وما اسطعتَ من جهدٍ فأنفق له الطوقا
جهاد اليراع لا يقــلّ حماسة = عن الخيل في الهيجا يســــــابقها سبقا
ومن قلبك الفيّــاض دُرّ عواطفا = من الحبّ و الإخلاص للنـاس ما تلقى
فلسنا عداة للأنــام على الذي = يراه ضعاف اللبّ من قصْرهم غدقا !!!
ولكن حماة للشريعــة مذ بدتْ = تحــاط أحابيلا تروم لها شنقا
و لو علــم الأعداءُ شرعة ربّنا = و أخلاقها غيثا لقلّ العــدى خنقا
مروءة ُإنسـان وعطفُ سماحةٍ = وحِلمٌ جميلٌ زاد عفــــــــوا فما أبقى
محضتُ بنيّ النصــحَ و الحبّ سائقي = يسوق إليكم ما ذكــرت لكم سوقا
فهل قد وعيت القـــول ياابن عروبتي = لترجمة الأقـــوال فعلا تلا نطقا
فلم أتمالكْ أن أبــــوس جبــينه = و أسكب من شكري دموعا جرتْ هرقا
وقلت : يمين الله هــذي عزيمتي = ستبحرُ في يـــمّ الذي قلتـَه صدقا
أخوض غمــار الفكــر و الدين رائدي = أذود به عمّـــن يكيد لنا فرقا
فلا تخـــش منّي رَدّ نـُصْحٍ محضته = إليّ فلســــتُ بالذي لك قد عقا
تهلل بالإشراق وجـــه " أميرنا " = وضمّ ضلوعي في حنوّ حـلا رفقا
وغاب إلى الأرواح في عالــم الردى = وأصبح حزني لا يفــارقني رتقا
خذوني إلى قبر" الأميريِّ " ساعة = عساه سلامي كفكف المقلــة الغرقى
فأدعو رحيما كم تضــرّع عبده = ( مع الله ) يرجــو من شآبيبه ودقا
و أرفع في كبْــد السمــاء أناملا = أسائل ربي أن يجــــود له عتقا
من النار يوم الحـــرّ إنّ عذابه = شديدٌ أليمٌ أفزعَ الكــون والخلقا
و أن يهب الفنـّان في الشعـــر جنة = إلى ذروة الفردوس في المنتهى الأرقى
المفضلات