لماذا الوحدة العربية00؟
في دراسة أعدها الدكتور يوسف مكي في أسباب تعثر مشاريع النهضة العربية في كتاب بعنوان ( في الوحدة والتداعي ) صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت جاء في الفقرة (11) من لماذا الوحدة العربية ( فالوحدة العربية ليست تعارضا أو تضاد مع الولاء والإخلاص للتراب والانتماء الوطني، بل إنقاذا وترسيخا لهما، حيث تضع الجزء في مكانه الصحيح من الكل )1 وعندما نتحدث عن الوحدة العربية نتجاوز القائم كتجربة ناجحة ونتحدث بوعي التنظير القائم على الحلم في أهاب المطامع وليس المطامح0
ومن نماذج الوحدة العربية كمثال قائم على الواقع ( المملكة العربية السعودية ) ورائدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ( 1880 ــ 1953م ) كانت البداية عندما بايع آهل مدينة الرياض عبد العزيز حاكما للرياض في اليوم الخامس من شوال سنة 1319هـ (الخامس عشر من يناير عام 1902م) ليكون مع الوقت في عام 1339هـ سلطان نجد وملحقاتها وفي عام 1344هـ ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وفي عام 1345هـ ملك الحجاز ونجد وملحقاتها وفي عام 1351هـ ( 22/9 / 1932م ) ملك المملكة العربية السعودية عنوانا لوحدة عربية قائمة توحد فيها أقاليم الجزيرة العربية التي هي نجد / القصيم عام 1325هـ بعد رحيل القوات العثمانية /الإحساء والقطيف عام 1331هـ بعد استسلام المتصرف العثماني هو ورجاله حيث رحلهم الملك عبد العزيز إلى ميناء العقير فالبحرين /عسير عام 1341هـ / جازان ( المخلاف السليماني ) عام 1345 هـ / الحجاز عام 1344هـ وباقي الأقاليم التي تشملها خارطة المملكة العربية السعودية اليوم2؛ بمناطقها الثلاثة عشر كما جاء في نظام المناطق الصادر عام 1412هـ المعدل عام 1414هـ الذي تقول مادته الأولى ( يهدف هذا النظام إلى رفع مستوى العمل الإداري والتنمية في مناطق المملكة0 كما يهدف إلى المحافظة على الأمن والنظام وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم في إطار الشريعة الإسلامية ) الذي يعتبر تحديثا لنظام المقاطعات الصادر عام 1383هـ المتمثل في صدور لائحة تفويضات أمراء المناطق عام 1395هـ3 0
ومن التاريخ عندما أطاحت الثورة العسكرية بمصر حكم الملك فاروق كان الشعب السوداني يتنازعه تياران تيار ينادي بالاتحاد مع مصر وتيار ينادي بالاستقلال التام وكانت الشرارة مؤتمر باندنج ( في اندنوسيا ) عام 1955م عندما رفض إسماعيل الأزهري رئيس وفد السودان أن يكون تابعا للوفد المصري معها أشعل جمال عبد الناصر فتنة جنوب السودان مرددا في وسائل الإعلام المصرية مخاوف الإنجليز بان الشماليين سوف يسترقون الجنوب الزنجي وهنا نجد أن عبد الناصر يعارض استقلال السودان الذي تم في أواخر عام 1955م وكانت ثمرة أخطاء قادة الثورة المصرية انفصال السودان عن مصر0
وكلنا نتذكر الرئيس السوري شكري القوتلي الذي ساهم في قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا ( 1958 ــ 1961م ) ونعرف كلنا الولادة والموت ومن كان سبب الإجهاض؛ ثم الثورات العسكرية التي رعتها ( مصر الثورة ) بهدف الوحدة العربية العراق عام 1958م اليمن عام 1962م ليبيا عام 1969م والتي لم تحقق مطالب جمال عبد الناصر في القيادة فكان انكسار كل ثورة داخليا0
ثم كان تشكل دولة الأمارات العربية المتحدة كوحدة عربية ثانية في الثاني من ديسمبر 1971م بعد انسحاب بريطانيا من إمارات الخليج العربية، عبر سبع أمارات هي ابوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القوين وراس الخيمة والفجيرة0
ثم كانت الجمهورية العربية اليمنية التي انبثقت عام 1990م مشكلة الوحدة الثالثة في عالمنا العربي بين جمهورية اليمن ( الشمال ) وجمهورية اليمن الشعبية ( الجنوب )، ومن ملامح مشاريع الوحدة العربية الناجحة ( مجلس التعاون لدول الخليج العربية ) الذي تأسس في الرابع من فبراير 1981م من ( دولة الإمارات العربية المتحدة / مملكة البحري / المملكة العربية السعودية / سلطنة عمان / دولة قطر / دولة الكويت )0
ومن مشاريع الوحدة العربية الهشة جامعة الدول العربية المشكلة حسب ميثاق تدخلت مصر في إعادة صياغته جرى توقيعه يوم 22 مارس 1945م في القاهرة على حساب المقترح السوري ( التحالف العربي ) والمقترح العراقي (الاتحاد العربي )4 ومن طرائف الجامعة: بيان الرفض البات لمشروع الصلح مع إسرائيل الذي اقترحه الرئيس التونسي بورقيبة الذي يشكل نواة القائم اليوم؛ وطرد مصر من عضوية الجامعة اثر صلحها مع إسرائيل وإقامتها علاقات دبلوماسيه معها0
وأيضا من مشاريع الوحدة الفاشلة مجلس التعاون العربي المشكل من مصر والعراق واليمن والأردن لمحاصرة المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين ودولة الأمارات العربية المتحدة وعمان الذي انهار بعد احتلال العراق للكويت عام 1990م0
والمغرب العربي ( ليبيا / تونس / الجزائر / المغرب / موريتانيا ) له تجربته الفاشلة في الوحدة إذ لم يحقق مجلس التعاون المغاربي أهدافه، فقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير انسحاب أسبانيا من الصحراء الغربية وتقسيمها بين موريتانيا والمغرب الأمر الذي أثار غضب حكام الجزائر فشكلوا الجمهورية الصحراوية وتوقف العمل في المجلس المغاربي للنظرة الانفصالية للسياسة الجزائرية، فكانت المسيرة الخضراء التي قادها الملك الحسن الثاني لتأكيد الاندماج بين الجزء الصحراوي والمغرب كتجربة وحدوية واعية نجد فيها تراجع زعماء الانفصال الصحراويين عن مواقفهم ورفضهم لمزاعم الجزائر الطامعة في موقع على الأطلسي؛ متذكرين من هذا الموقف الشاذ تجربة السودان ومصر0
إذا الفكر الوحدوي بين تيارين قومي توحيدي فشل في كل تجاربه وقطري يعمل بصمت فشكل مكوناته محافظا على سيادته واستقلاله وفق تحديات التغيير الداخلي والتنمية الشاملة مع احترام مقترحات التكامل العربي التي من ضمنها طروحات التنمية العربية الشاملة0
والمحزن إن المثقف العربي وفيهم بعض النخب الثقافية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية يطرحون بعض التعليقات غير الواعية بحراك المجتمع في دول الخليج العربية مثال ذلك قول الدكتور أسامة عبد الرحمن في كتابه المثقفون والبحث عن مسار ( ومن ناحية أخرى فان هذه الأقطار بسبب المرحلة البدائية مقارنة بمراحل النضج المجتمعي التي كانت قد وصلت إليها بعض الأقطار العربية الأخرى وعدد من دول العالم الثالث لم تتشكل فيها الكيانات المؤسسية البيروقراطية أو لعلها كانت بسيطة جدا وغير معقدة التراكيب والأساليب )5 هذه الفقرة تحتاج إلى شرح في نظري00! بينما نجد الدكتور أسامة عبد الرحمن في كتابه عرب الخليج في عصر الردة يقول ( فان التجارب تفيد بأنه لا يوجد قانون حتمي يجعل من كل تهديد خارجي دافعا للوحدة ) 6
من هنا يأتي فشل الفكر الوحدوي من فشل الأحزاب العربية في صدقية معركة التغيير السياسي والثورة الاجتماعية بسبب أخطاء سياسية وتنظيمية داخلية فيها استولت النخب على القرار وهمشت الأعضاء معه أصبح انتقال السلطة من شأن عام إلى شأن خاص معه تمت مصادرة حرية الرأي باسم النضال في زمن كل الأقطار العربية غدت مستقلة من الخليج إلى المحيط ولها حكوماتها ودساتيرها التي تشرع النظم الداخلية وتنسق علاقاتها الخارجية0
يقول الدكتور محمد جابر الانصاري في مقال من مقالات كتابه مراجعات في الفكر القومي الصادر ضمن سلسلة كتاب مجلة العربي الكويتية ( دعا الأستاذ نبيه أمين فارس وهو مؤرخ وأستاذ جامعي عربي فلسطيني الأصل لبناني الجنسية إلى البدء بإقامة أربع وحدات عربية في الأقاليم الجغرافية العربية تمهيدا لإقامة كيان الدولة العربية المتحدة أو الولايات العربية المتحدة وقد ذكر انه دعا إلى الفكرة نفسها بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة عام 1946م، وانه يعيد الدعوة إلى ذلك عام 1957م تجنبا لمزيد من نكبات التجزئة العربية، كم جاء في كتابه دراسات عربية )7
وأخيرا تتحول أفكار تطوير الوحدة العربية إلى وسائل سيطرة واستغلال تقضي على بقية الماع تنبت خارج السياق القومي معه تنزع جانب الذكاء الذي يطوره التيار التقليدي وتشويه الظروف التي يعمل في ظلها محققا المكاسب والنجاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بينما التيار القومي يبحث عن الأرباح التي لم تتحقق خلال نصف قرن من التناحر العربي ومن هنا علينا البحث عن مصادر تفتح فضاءات جديدة تواكب المستجدات فما تم ترويجه باسم الوحدة العربية هو عدم أمانها لأنها نابعة من فكر لا يحمل معرفة حقيقية فسرادق الوحدة العربية المقام منذ عام 1956م يعج بعالم سفلي منحرف وعنيف وهذه إحدى أسباب فشل كثير من المحاولات0
ختاما وحتى نواصل الحديث عن سبل الوحدة العربية علينا أن نرتقي بوسائل الحوار بما يتفق مع الواقع المعاش وفي نظري كخطوة للبناء تلمس ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م الذي تقول مادته الخامسة ( لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية ) فمن حق إخواننا الفلسطينيين المقيمين في الشتات أسوة بمن هم داخل إسرائيل بمنحهم جنسية الوطن اللاجئين إليه بعد النكبة لممارسة حقوقهم الإنسانية كمواطنين عرب وهذا يخرجنا من التشنج القائم والمساومات الدولية وحرصا على جمع شمل الموقف العربي وأن ندرس بعناية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966م والمنفذ عام 1976م الذي تقول مادته (20 ) ما يلي:
1 ــ تحظر بالقانون أية دعاية للحرب0
2 ــ تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا
على التمييز أو العداوة أو العنف0
إذا تجاوزنا في حوارنا المصالح الذاتية والعمالة للأخر، وعملنا بوعي التكامل هنا تأتي الوحدة العربية التي لم تتحقق خلال خمسين عام من التنافس الهادم0&
ــــــــــــ الهوامش:ـــــــــــــــــــ
1 ــ ص 245 من كتاب ( في الوحدة والتداعي ) دراسة في اسباب تعثر مشاريع النهضة العربية للدكتور يوسف مكي / ط1 مركز دراسات الوحدة العربية 2003م
2 ــ لمزيد من المعلومات يرجع لكتاب ( تاريخ المملكة العربية السعودية ) للدكتور عبد الله الصالح العثيمين ج1 ط9 / ج2ط4 / 1419هـ
3 ــ لمزيد من المعلومات يرجع لكتاب ( وزارة الداخلية النشأة والتطور ) ط2 عام 1422هـ
4 ــ لمزيد من المعلومات يرجع لكتاب ( جامعة الدول العربية ) 1940 ــ 1985م دراسة تاريخية سياسية للدكتور احمد فارس عبد المنعم / مركز دراسات الوحدة العربية 1986م
5 ــ ص 41 من كتاب ( المثقفون والبحث عن مسار ) دور المثقفين في أقطار الخليج العربية في التنمية للدكتور أسامة عبد الرحمن / مركز دراسات الوحدة العربية 1987م
6 ــ ص 135 من كتاب ( عرب الخليج في عصر الردة ) للدكتور أسامة عبد الرحمن / رياض الريس للكتب والنشر ط1 1995م
7 ــ ص 110 من كتاب ( مراجعات في الفكر القومي ) للدكتور محمد جابر الأنصاري / كتاب العربي 57 يوليو 2004م
المفضلات