البروفيسور حسام الخطيب ينير الطريق
كنّا نتحاور في منتدى اللغة العربية حول أحجية لغوية طرحها الزميل العزيز منذر هواش، وتخص إضافة الـ التعريف على "غير"، وقد أوردت شخصياً -ضمن ردّي-ً المسألة على شكل سؤال:
هل يجوز أن نقول:
اللغة العربية لغير الناطقين بها، واللغة العربية للغير ناطقين بها.
فأطل علينا البروفيسور حسام الخطيب بمداخلة (وكان لنا الشرف أن كانت تلك مداخلته الأولى على الموقع) كتب فيها بعد التحية:
"إن كلمات غير وكل وبعض لاتقبل التعريف في أصول النحو . ولكن مجمع اللغة العربية أقر أخيرا ادخال أل التعريف قبلها لتسهيل الاستعمال ولا سيما في المجال القانوني. ولكن مازال النحويون الأصوليون يعترضون على ذلك . استعملها ولا تخف ."
وقد جلب انتباهي رده إلى خط أسس له البروفيسور منذ مدة غير وجيزة، وأورد فيما يلي مقتطفات تبين بعض توجهاته:
المصدر: اللغة العربية، إضاءات عصرية، البروفيسور حسام الخطيب
(الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995)
"ملامح المشكلة اللغوية:
هل هناك مشكلة لغوية في البلاد العربية ؟
في رأيي أن المشكلة موجودة وقائمة وإن كان هناك أناس يرفضون رؤيتها إما لأن ظروف تحركهم لا تتيح لهم الاتصال بهذه المشكلة وإما لأن تعلقهم باللغة العربية – وأشهد أنهم على حق – يميل بهم دائماً إلى استبعاد أية شبهة أو علامة استفهام من شأنها أن تكدر صفاء هذا التعلق. إنهم كالمحب يصر على أن يرى محبوبته النموذج الأول والكمال المطلق. وفي هؤلاء الناس أساتذة كبار وعلماء أجلاء ومثقفون متمكنون ووطنيون ومخلصون، ومنهم المختصون باللغة أو من في حكمهم، ومنهم مجرد الهواة المهتمين باللغة ضمن الحدود.
إن المشكلة اللغوية موجودة وقائمة، ولكنها – كما ينبغي أن نصرّ دائماً – قابلة للحل وغير معضلة ولا يمكن أن يستنتج من الاعتراف بوجودها أن الحل هو التخلّي عن اللغة العربية أو إبدال العامية أو الأجنبية بها. وقد كان أساتذتنا في الماضي يرفضون الاعتراف بوجود المشكلة اللغوية لأنهم كانوا يعيشون في مرحلة استعمارية تعتبر فيها اللغة العربية من أهم دعائم الصمود وتتهدد هذه اللغة عوامل اندثار خطيرة. ولذلك كان التمسك الصلب والعنيد باللغة كما هي مسوغاً وضرورياً ووضيفياً. أما اليوم فيمكن القول إن الخطر قد زال أو قارب وأصبح التمسك باللغة يعني الحرص على فعاليتها واستمرارها وتطورها ووضعها في خدمة الناس والحياة..." (ص. 56 و57)
ثم نقرأ ص. 70 وما يليها:
"إذاً ما المقصود بتطوير اللغة وخدمتها ؟ أليس هناك خطر من أن تلتقي هذه التساؤلات مع الدعوات الحاقدة على اللغة العربية ؟ كما أوضحت في مستهلّ هذا البحث، أرى أن المرحلة التي نعيشها الآن ليست مرحلة المحافظة على اللغة العربية لمجرد بقائها في وجه القوى التي تريد الإطاحة بها. لقد تجاوزنا هذه المرحلة بنجاح، والمرحلة اليوم مرحلة المحافظة على اللغة العربية عن طريق خدمتها وتطويرها وإصلاحها. ولست أتجاهل وجود اتجاهين واضحين في هذا المجال، وأن لكل من هذين الاتجاهين حججه السليمة، وباختصار يرفض الاتجاه الأول أي تعديل أو تبديل أو تحوير أو تطوير بشأن اللغة التي وصلتنا عن الأوائل ويعتقد أنصار هذا الاتجاه أن العيب فينا نحن لا في لغتنا ومتى أصلحنا نفوسنا صلحت لغتنا، وأن أي مساس جانبي باللغة العربية في وضعها الحالي يؤدي حتماً إلى الإجهاز عليها في المستقبل مهما اختلفت الأعذار والذرائع الإصلاحية التي قد تقدم بين يدي هذا الغرض.
والاتجاه الثاني، وهو اتجاه الأغلبية الصامتة فيما أتوهم، لا يُمانع في إدخال إصلاحات لغوية وتطوير العربية باتجاه السهولة والمرونة أسوة باللغات الحية في العالم.
ولكن أنصار هذا الاتجاه يختلفون فيما بينهم كثيراً في الحدود التي يذهبون إليها، فبعضهم يرى الاكتفاء بالإصلاحات البسيطة وبعضهم يرى الذهاب إلى درجة إدخال تعديلات على القواعد العربية من مثل إيجاد طريقة أسهل لكتابة الأعداد وتوحيد بعض جموع التكسير وإيجاد حل لمشكلة الممنوع من الصرف الذي لم يعد أي طالب من طلابنا يتقن منعه إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
ومع الأخذ بعين الاعتبار حجج كل من الاتجاهين دعونا نتجنب الخلافات الشائكة، وإنها لشائكة هنا لأن أصحاب كل اتجاه ينظرون إلى الاتجاه الآخر بريبة ولا يعدمون عشرات الاتهامات ليلصقوها بالطرف المقابل، ومن أخفها التحجر العقلي والجمود من جهة والمروق الديني والخيانة القومية من جهة أخرى.
إذن لنتجنب هذا الخلاف الشائك – وبصعوبة ما نفعل – ولنرفع صوتنا بشعار واحد هو: لنخدم اللغة العربية، وخدمة مشروعة أيضاً، لنخدمها كما تُخدم سائر اللغات."
لدينا مثلٌ في تونس، يقول "الإبل تسير على خُطى كبارها" ولا أدري ماذا يقصدون
أجمل التحيات وكل عام ورجال ونساء العربية بخير
عبدالودود
المفضلات