يرتكب المسؤولون الامريكيون خطأ جديدا، وربما يكون اكثر خطورة من الاخطاء السابقة، اذا اعتقدوا ان تنفيذ حكم الاعدام في الرئيس العراقي صدام حسين يمكن ان يؤدي الي تهدئة الاوضاع في العراق، بل من المتوقع ان يحدث العكس تماماً.
الادارة الامريكية بحاجة الي انتصار ما بعد ان تعاظمت عليها الهزائم في العراق وافغانستان، وباتت سياستها الخارجية في منطقة الشرق الاوسط برمتها تواجه انهيارا مؤكدا، ولكن تنفيذ الاعدام في الرئيس العراقي المعتقل تطبيقا لحكم محكمة تفتقد الشرعية، وابسط اجراءات العدالة المتبعة، هو نوع من الارتباك السياسي، علاوة علي كونه قصر نظر، وسوء فهم مؤكدا للأوضاع العراقية.
فالقبض علي الرئيس العراقي قبل عامين بالتمام والكمال لم يؤد الي تهدئة الاوضاع في العراق، ووضع حد للمقاومة العراقية، مثلما توقع المسؤولون الامريكيون، بل ادي الي المزيد من الهجمات وتصاعد الخسائر البشرية في صفوف القوات الامريكية، ونسف العملية السياسية ومشروع الاحتلال الامريكي الحاضن لها.
الرئيس صدام حسين لم يخف الاعدام، بل توقعه منذ اللحظة الأولي لبدء محاكمته، وذهب الي ما هو ابعد من ذلك عندما حدد الطريقة التي يجب ان يعدم بها، اي رميا بالرصاص، باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية. واعد بيانا خاصا اودعه لدي فريق الدفاع لاذاعته يوم التصديق علي حكم الاعدام، قال فيه انه يقدم نفسه وفاء للعراق. اي انه بات مشروع شهيد.
تنفيذ حكم الاعدام في غضون ثلاثين يوما ربما يرضي النخبة الحاكمة في بغداد، ويشفي غليلها، وينفس عن احقادها الدفينة، لان شبح صدام حسين ما زال يبث الذعر في نفوسهم. ولذلك يريدون التخلص من هذا الكابوس نهائيا، لان احتمال عودته يظل واردا طالما بقي علي قيد الحياة، ولكن ثمن هذا التنفيذ سيكون مكلفا للغاية بالنسبة الي الادارة الامريكية ومصالحها ليس في العراق فقط، وانما في المنطقة العربية بأسرها.
الادارة الامريكية تستعد حاليا لمواجهة اقتصادية اولا ستتطور الي عسكرية لاحقا ضد ايران، الأمر الذي يعني انها تريد تهدئة الاوضاع في العراق، ونسج تحالفات جديدة مع القوي المعارضة لاحتلالها، وهذا ما يفسر تكثيف اتصالاتها مع فصائل مقاومة وشخصيات سياسية وعشائرية عراقية، تمثل الطائفة السنية بطريقة او بأخري. واعدام الرئيس صدام حسين ربما يؤدي الي اغلاق كل ابواب الحوار مع هذه القوي.
والاخطر من ذلك ردة فعل عناصر حزب البعث العراقي علي اعدام رئيسهم، فهؤلاء ما زالوا قوة كبري في العراق، يمثلون نسبة كبيرة في معسكر المقاومة للاحتلال الامريكي، ولذلك علي الادارة الامريكية ان تتوقع عمليات انتقامية وتصعيدا لعمليات المقاومة بصورة غير مسبوقة.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان يهدد حزب البعث في بيان اصدره امس بتنفيذ هجمات مزلزلة ضد المصالح الامريكية خارج العراق في حال اعدام رئيسه. وهذا التهديد يجب ان يؤخد بمأخذ الجد، لان هذا الحزب واجهزته الامنية علي وجه الخصوص، يملك خبرة غير عادية في اعمال العنف في الخارج، ويكفي التذكير بعمليات الاغتيال التي نفذتها تنظيمات تابعة له في اوروبا واستهدفت معارضين للنظام. وعقد الحزب تحالفات مع فصائل فلسطينية متطرفة مثل تنظيم فتح المجلس الثوري بزعامة المرحوم صبري البنا (ابو نضال)، نفذت العديد من الهجمات ضد مصالح ومطارات اوروبية.
صحيح ان هذه العمليات كانت ممكنة لان الحزب كان في السلطة، ويملك اموالا طائلة وشبكة استخبارات قوية، ولكن الصحيح ايضا ان الضربات المتلاحقة التي تعرض لها، وابعاده من السلطة بطريقة دموية، وتشويه صورته، ولصق تهمة الارهاب والمقابر الجماعية به، كلها عوامل ربما تكون حافزا له لنقل عملياته الهجومية الي الخارج بالدرجة نفسها من النجاح الذي حققته عملياته الفدائية الداخلية ضد القوات الامريكية.
الادارة الامريكية ربما تكسب اكثر بابقائها الرئيس صدام حسين خلف القضبان، وتحتفظ به كورقة مساومة، اولا للضغط علي حكام العراق الجديد وتخويفهم بها من خلال التلويح به كأحد البدائل، وثانيا للتفاوض مع حزب البعث من أجل التهدئة، وربما نسج تحالف جديد ضد ايران في حال وصلت الامور الي حافة المواجهة العسكرية.
المفضلات