بسم الله الرحمن الرحيم , اشكر الاخ الفاضل الاستاذ عامر على طرحه - كعادته - هذا الموضوع العميق الذي يغوص ليصل الى الجهاز العصبي الحساس لدى الامة , ورغم ان دعوته للمفكرين فقط الذين لا احسب نفسي منهم , وانما انا طالب مجتهد باذن الله في مدرسة الغربة , الا انني اريد ان اذكر بعض تجارب - ان سمح لي - شخصية حول هذا الموضوع , واشيد في البداية لكل الاخوة الذين سبقوني خاصة الاخ الكريم الدكتور محمد جمال نوير الذي وضع يده على الجروح - وليس الجرح - وسبقني في عرض الكثير من الامثلة التي مرت بي في حياتي العملية وسوف اوجز مداخلتي في مايلي :
- لقد اقمت اكثر من ثلاث سنوات في الدول الاسكندنافية خاصة السويد بهدف الدراسة منذ اكثر من 20 عاما , ورغم دراستي التخصصية في مجال الادارة البحرية , الا انني قد فتحت حواسي كلها على تدوين كل مظاهر التطور والتقدم عند الاسكندنافيين , واخذت ادرس قوانين المرور الصارمة عندهم والتي جعلت السويد واحدة من اكثر دول العالم امانا في هذا المجال , وقوانين البيئة وتطبيقاتها , وقانون الضمان الاجتماعي الرائع الذي يشمل بعنايته كل مواطن ومقيم بقواعد انسانية لا مثيل لها في اي مكان من العالم , درست قانون الضرائب وكيف يطبق وقوانين كثيرة , وذكرت جزءا يسيرا من كل هذا في كتابي ( الى سقف العالم ) الذي صدر منذ 20 عاما , وفصلت في كتابي الاخر ( الدر النضيد في وصف السويد ) الذي بقي مخطوطا حتى فقدت المخطوطة بعد ان اودعتها امانة اثناء تنقلي في بلاد العالم !! انا لا اذكر هذا للتعريف بنفسي بقدر ما يجب على المواطن العربي ان يسهم به في نهضة بلده اولا ومن ثم المشاركة في تقديم النصح للبلدان العربية الاخرى .وللعلم فان السويد كانت بلدا زراعيا فقيرا هاجر الكثي من ابنائها الى امريكا طلبا للرزق منذ نحو اقل من مائة عام ( عندما كانت مصر على سبيل المثال في طور نهضتها الحديثة على عهد محمد على ومن تلاه , وللولا طموح محمد علي وما اودى به بعد ذلك لاصبحت مصر في وضع اخر , هذا ما انقله بتصرف عن مفكرين اخرين )
- ثم بعد ذلك غادرت الى امريكا الجنوبية حيث زرتها جميعا , وكان همي هذه المرة تدوين قصص وتجارب الجاليات العربية والاسلامية فيها , ونشرت مقالات كثيرة واستطلاعات مصورة في الصحافة القطرية والكويتية , وتعرفت على تجربة فيا عرب , وهي تجمع الجاليات العربية في امريكا الجنوبية ( ومن ثم ضم اليها الجاليات العربية في امريكا ) وتعرفت بصفة شخصية على مؤسسها ورئيسها الاسبق والفخري بعد ذلك رجل الاعمال الفلسطيني البنمي خالد سلامة , ان هذه المنظمة شبيه بجامعة الدول العربية ولكن على مستوى الجاليات ومدارسها وليس الحكومات , ولا يسعني في هذا المجال الا ان اشيد وباعجاب عظيم بجهود القائمين على ذلك التجمع الحضاري العظيم الذي جمع المغتربين العرب او من ذوي الاصول العربية , وجهود المؤسسين ( المؤسسين الاباء الان ان صح التعبير بعد هذا العمر ) وهو التجمع الذي اخى بين المسلم والمسيحي , اللبناني مع السوري مع الفلسطيني مع المصري ( النسبة الغالبة لجنسيات العرب ) , ولقد نشرت تحقيقات ولقاءات مطولة حول هذا الموضوع في الصحافة القطرية وذكرت الكثير من رجالات الجالية منذ وصولها الى تلك البلدان حتى وقت التحقيقات ( اي قبل نحو 10 سنوات ) وضمت بعد ذلك كل ذلك كتاب خاص مازال مخطوطا ! وللعلم فان للجالية العربية في امريكا الجنوبية نفوذ عظيم , فلقد وصل الى سدة الرئاسة عدد منهم في عدة دول مثل الارجنتين و كولومبيا والاكوادور وبنما , ووزراء ومسؤلين كبار التقيت بعدد كبير منهم .
- ثم واخيرا حط بي طائر الرخ رحاله في اكرانيا جئتها زائرا اجمع بيانات سريعة عنها كعادتي عن الجالية العربية والاسلامية واللغة العربية التي تدرس في جامعاتها , الى ان وقعت كارثة سبتمبر , حيث طلب مني ان اقدم محاضرات لطلاب اللغة العربية عن ماحدث وهو امر كنت اجهل حدوثه كغيري من الناس , ولكن كان علي ان ادافع عن امتي المبتلاة , وهكذا بدات علاقتي بالجامعات الاكرانية ولعلني اخصص مقالة خاصة عن هذا الموضوع الثري
- تدور في اكرانيا مسابقة سنوية تسمى ( اولمبياد ) في اللغات التي تدرس في الجامعات الاكرانية المختلفة , ومن ضمنها اللغة العربية ( تدرس في مالايقل عن 15 جامعة ومركزا ومعهدا حكوميا خلاف المدارس الخاصة ) , حيث يفد المتقدمون من كل مناطق اكرانيا لدخول المسابقة , في كلية اللغات الشرقية يحضر يوم المسابقة سفراء الدول التي تدرس لغاتها في ذلك البلد , الكوري والياباني والصيني والتركي والايراني , لتقديم الجوائز للفائزين بلغات تلك الدول , ولا يحضر اي مندوب من اية سفارة عربية رغم تعدد السفارات العربية , لقد توليت امر تقديم الجوائز التي تبرعت بها عائلة قطرية منذ 5 سنوات الى المتفوقين في اللغة العربية , والتي اضحت بحق افخم جوائز المسابقة , ثم ازداد النشاط بعد ذلك الى مجالات لا يتسع المكان لها .
- خلاصة ما اردت قوله ان لدي الدول العربية - مجتمعة ام متفرقة - امكانيات مهولة لكي تتبوأ مكانتها على مستوى العالم لو وجدت النية الصادقة اولا , ومن ثم التخطيط العلمي السليم , ومن ثم التنفيذ المتقن , قبل هذا وذلك جهاز مراقبة دقيق لا يترك المجال - كالعادة - لاصحاب النفوس المريضة لكي تنحرف وتحرف معها الاهداف النبيلة الى تحقيق مصالح شخصية ضيقة .
لا زال في الدلو مايروي ولعل في لقاءات اخرى نتعاون في وضع تصور متكامل لعمل قومي في مجال اللغات والترجمة خاصة واننا نسمع عن مشاريع عملاقة للترجمة وضعت - اغلب الظن - للتباهي وليس لتنفيذ استراتيجية ثقافية علمية واضحة
المفضلات