بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يصرخ مثقف بحجم البروفسور عبد الستار قاسم بمثل هذه الحدة وبالصوت العالي,نعرف أن السيل قد بلغ الزبي,وان الروح قد بلغت الحلقوم. وعند ذلك نتساءل هل مجرد الدعوة إلى الثورة قد أشعل الثورة, وقلب كل الأنظمة وطواها إلى غير رجعة؟. هذا في موضوع الدعوة إلى الثورة, ولا يخفى على الأخوة جميعا, أنه من قبل الحرب العالمية الأولى بقليل بدأ العرب يفكرون بالثورة ويخططون لها, ردا على ممارسات الإنقلابيين الأتراك, أصحاب النزعة الطورانية, من أمثال تركيا الفتاة وغيرها, والتوجه لحملات التتريك.وقد الفت الجمعيات العربية , والأحزاب العربية, وقد بلغت الثمرة أوجها بالرصاصة الأولى, أو ما نسميه الثورة العربية الكبرى, التي قادها الشريف حسين بن على , شريف مكة ضد تركيا, بعد تحالفه مع انجلترا عبر ما يسمى بمراسلات مكماهون. هذه الثورة التي ربما تكون قد ساعدت على كسب الحلفاء للحرب, لأنها كشفت ظهر تركيا وعوراتها, وساعدت على تمزيق جيشها في العالم العربي, ولا يخفى مدى القيمة الإستراتيجية لهذه الجبهة.ولن أتطرق هنا إلى سؤال هل أصاب الشريف حسين في تصرفه باللجوء إلى الثورة أم لا , فالآراء هنا على طرفي نقيض, وطبعا هذه الأراء منها مابني على أسس عقائدية, ومنها ما بني على أساس النتائج النهائية لهذه الثورة وهذا التحالف. ولو جاءت النتائج على قدر النوايا, لما وقف أحدد موقفا ناقدا لمثل هذا التحالف. ولكن لما كانت النوايا الطيبة وحدها لا تكفي,وقد ثبت بعد التدقيق والتمحيص أن المراسلات لم تكن ترقى إلى كونها معاهدات رسمية ذات بنود محددة, تبين الإلتزامات وتبين الحقوق, وهذا مردة للجهل بخفايا السياسة الدولية من جهة, والإنخداع بجملة الوعود الإنشائية الزائفة التى, أوهمت فيها بريطانياالعرب, والتي التفت عليها دون خجل لتخرج لنا معاهدة سايكس بيكو, والتي تشاهدون نتائجها على أرض الواقع, ومن ثم تولد لنا جامعة عربية تقوم على تفريخ دويلات يعترف بها العالم, ولا تستطيع أية قوة أن توحدها, لا بالرضى ولا بالقوة, وهذا دليل عليه فشل الوحدة بي مصر وسوريا, وفشل غزو العراق للكويت, وما جره على الأمة مما تعلمون.الوحدة بالقوة ليست ممكنة حتى الآن لأنه ليس هناك دولة قوية بما فيه الكفاية, تستطيع أن تقف في وجه الهيمنة العالمية, وليس بمقدورها كذلك اللعب بالطريقة الدبلوماسية لإجراء تفاهمات تقسيم نفوذ, كما يحصل بين القوى العظمى. وبالرضا ذلك لم يتحقق لأن هذه الدويلات التي لا تملك من أمرها شيئا لا تستطيع الخروج على إرادة القوى العظمى التي توجهها كما توجه الدفة السفينة. ولنا في حصار ابو عمار في غزة الشاهد العدل, فمن جرؤ من زعماء كل الدول العربية أن يجري اتصالا هاتفيا واحدا معه طيلة سجنه في وضع مذل ومهين في المقاطعة,فإذا كان ذلك مجرد مكالمة هاتفية, فهل تستطيع هذه الكانتونات أن تقوم بالتوحد.
وإذا ما تابعنا بعد ذلك مسلسل ضياع فلسطين, وما نتج عنه من قيام عدة أحزاب تحت رايات حمراء وصفراء وخضراء وسوداء , سم ما شئت من ألوان, معظمها دعا إلى الثورة الصريحة وبالعنف, بعضها نجح ولكن القائمين على الثورة انحرفوا عن شعاراتهم ,وبعضهم اجبروا على الإنحراف بوضع العراقيل أمامهم, وبسبب أخطاء ارتكبوهااو ارتكبها أعوانهم عند الممارسة وبالتالي كان من السهل قضمهم وقصمهم, وخصوصا عندما كانوا هم في واد وشعوبهم في واد,هذه الشعوب التي ابتليت بهم, ولم تستطع هز أكتافها لتسقطع الطالح وتأتي بالصالح, انقلابات وانقلابات وحروب وحروب لم تنجب المرتجى. هذا بالنسبة لمن نجح من هذه الأحزاب في محاولته, وأما الأحزاب التي لم تنجح ودفع أتباعها الثمن, فقد اضمحلت وتلاشت ورجع أقطابها يسجدون على أعتاب الأنظمة التي ثاروا عليها, ومن لم يصبح منهم ملكيا أكثر من الملك, انزوى ولم نعد نسمع له إلا أنينا وحشرجة. وأما بعض الأحزاب التي استطاعت أن تستمر حتى هذه اللحظة واحتفظت بوزنها على الساحة, فإنها للأسف لم تستطع أن تلعب اللعبة يشكل صحيح , حتى الآن على الأقل, ولذا فهي غير فاعلة بالقدر التي تستطيع معه أن تدير انقلابا سلميا, أو أن تقوم بمشاركة ذات وزن في السلطة بحيث يتعدى تأثيرها الإحتجاج الشفوي, بحيث تستطيع فرض اجندتها الإنتخابية على أرض الواقع, وذلك رغم الأعداد الكبيرة من المنتسبين لها, وبرغم تعاطف الجماهير القلبي معها. وأزعم أن مثل هذه الجماعات لو قدر لها قيادات أكثر حنكة وخبرة ودربة وجراة, ودهاء سياسيا, فهي سكتون الطريق الأسلم والأقصر للتغيير الإيجابي.
وأما إذا تطرقنا إلى موضوع ايران وأمريكا واسرائيل وغيرها من دول العالم قاطبة, والتي لا ترى للأمة العربية _ الأمة التي أصبح حتى قليلوا الأصل وأبناء الزنى يتهمونها بالرمة البالية, ولا يرون لها فضلا حتى وهي في ذروة مجدها وعطائها الذي لا يحجبه غربال, ولا كف نجسه, والمتصفح للشبكة العنكبوتية يسمع ويرى أشكالا من هؤلاء _ قيمة ولو معنوية تستحق الإحترام. والدليل مانراه عيوننا صباح مساء, من الإعتداء على حرماتها كافة , في شتى الأقطار. وأنا أتفق مع الكاتب في كل ما قاله من تحليل للوضع, ولكن وضع اليد على الجرح, لن تؤدي إلى اندماله, المسألة محتاجة إلى علاج, والعلاج يحتاج الطبيب البارع, الذي يضع كل خطوة من خطوات العلاج موضعها, فلا حبة الدواء تصلح مكان المبضع ,ولا المبضع يصلح مكان حبة الدواء, لا بد من وضع العربة خلف الحصان, حتى تسير القافله.
أنا احيي كل الدول التي تسعى لمصالح شعوبها, وللحفاظ على أمنها بالسعي لامتلاك أسباب القوة, وحتى لو سعت لامتلاك نفوذ بسعة الكرة الأرضية, فنحن في غابة ومن لم يكن ذئبا تاكله الذئاب.
وختاما فالثورة مطلوبة, ولكن ليس بالعنف وحده, لا بد من اتباع أقل الطرق ضررا, وربما نستطيع النظر حولنا, والإللتفات, إلى التجربة التركية, التي تتقدم بخطوات حذرة ومدروسة تحاور وتناور, وتسعي لتصحيح مسار النظام من داخل النظام, ومن خلال التماس الشفاف مع الدستور الذي وضعه عتاة العلمانيين, والذي يدافعون عنه بكل ما اوتوا من قوة وتقف خلفهم قوى أخرى الكل يعرفها, ولكن الحنكة السياسية لم تسمح حتى الآن لهذا القوى والمتمثلة بالعسكر, أن تسحق هذه الحركة الناهضة والتي تعرف أين تضع أقدامها, كيف ومتى تضعها , متى تتقدم , ومتى تتراحع, ومتى تحث انقلابا ذاتيا على نفسها, ولكن الرؤية واضحة, والوسيلة واضحة أيضا.هذه تجربة ناجحة أوقل لا زالت تسير بخطى ثابتة على طريق النجاح. وهناك تجربة كان يمكن أن تكون مماثلة, ولكن للأسف فإنها غرقت في الفوضى والعنف, بيدها أو رغما عنها, فكان حصادها , ولا زال مرا, وأعني بذلك التجربة الجزائرية. التي لا زالت تطحن هذا البلد العزيز.
معذرة على الإطالة ولكن الحديث ذو شجون.
المفضلات