بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : "الم (1). الله لا إله إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ (2)".
منْ يقرأ "الم. الله لا إله إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ" لا بدَّ أنْ يسأل ما هي "الم" ؟..
بدهيّاً ، فإنَّ ما يليها مباشرة من الكلام هوَ أوْلى الكلام للحديث عنها .. أيْ إنَّ هناكَ ارتباطاً ومناسبةً بينَ الآية "الم" وبينَ الآية "الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّومً" .. أليست "الم" في ابتداءِ الكلامِ ، فلْنأخُذْها أنّها مبتدأٌ.. فأينَ خبرُهُ ؟ ..
خبرُهُ تالٍ له أي خبرُ "الم" هو "اللهُ". وبالتالي، فإنَّه من الممكن والمقبولِ أنْ نقومَ بتقدير الضمير "هو" بيْنَ الآيتيْنِ هكذا : "الم – هوَ - اللهُ لا إله إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ". والتقديرات جائزةٌ للتفسير.
حسناً ، أينَ التعريفُ ب "الم" ؟
تعريفُها أوِ الحديثُ عنها هو ما يليها ، أي هوَ لفظُ الجلالة : "اللهُ".
الله سبحانه بماذا ندعوه؟
ندعوه بأسمائه الحسنى ، فهي له ، هيَ هوَ ، وهيَ هوَ : "وللهِ الأسماءُ الحُسنى فادعوهُ بها" .. "قل : هو الرحمن آمنّا به"- فمن هوَ الرحمن ؟ هو اللهُ. فمنِ اللهُ؟ هو الرحمنُ.. بسم الله الرحمن الرحيم .. فما إعرابُ "الرحمن" في البسملةِ؟ : بدل (وفي النحوِ بدل المجرور مثله مجرور).
ونعود إلى "الم" في أول سورة آل عمران " الم. اللهُ لا إله إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ".. بماذا نعرّفُ اللهَ؟ بماذا ندعو اللهَ؟ نعرّفُه وندعوه ونسمّيهِ بأسمائهِ الحُسنى ، فالأسماءُ الحسنى تعرّفُ اللهَ (هيَ هوَ) واللهُ يعرّفُها (وهوَ هيَ).
أما وصلتَ معيَ أنَّ "ألم" هيَ مختصراتُ ثلاثةٍ من الأسماءِ الحسنى؟ ..
تذكرْ أنّني أحلُّ الفواتحَ هكذا : "اعتبارُ أنَّ كلَّ حرفٍ منها هوَ الحرفُ الأولُ من كلمةٍ قرآنيّةٍ يمكنُ أن نقدّرَها من الآيةِ أوِ الآياتِ التاليةِ للفاتحةِ المشتملةِ على ذلك الحرفِ ، أوْ من السورةِ نفسِها، أو حتى من سورةٍ أخرى ، تقديراً يجعلُ لأحرُفِ الفاتحةِ معنىً معقولاً منسجماً معَ السياقِ والقرائنِ خاصّةً ، ومعَ القرآنِ عامّةً".
إذاً ، فما هو حلُّ "الم" في فاتحة سورة آل عمران؟
كما قلنا فإنَّه بقرينةِ وجودِ لفظِ الجلالةِ في خبرِها باعتبارِها كلِّها في موضع مبتدأ، فإنَّها مختصراتٌ من أسماء الله الحُسنى. فمن أيِّ اسمٍ جاءَ الألفُ ؟ ومنْ أيِّ اسم جاءَ اللام ؟ ومنْ أيِّ اسم جاءَ الميم؟
1- أمّا بالنسبةِ لأسماء اللهِ الحسنى التي تبتدئُ بالألف فهيَ : الأحد (أحد) ، والأول (أول)، والآخرُ (آخر) . فأيُّها نختارُ معَ أنَّها كلّها مقبولة؟
لقد قلنا إنَّ القرائن والسياقَ تساعدُ في التقدير .. فماذا تفهم من قولِ الله تعالى "اللهُ لا إلهَ إلّا هوَ .." .. ألا يخبرُكَ بأنّهُ "الأحد" (أحد)؟ .. بلى . إذاً فالألف هي من "الأحد" (نأخذ الحرف الأول بعدَ أل التعريف).
2- ولا يبدأُ من أسماء الله الحسنى باللام إلّا اللطيف (لطيف) ؛ فاللام في "الم" هي من اللطيف (نأخذ الحرف الأول بعدَ أل التعريف).
3- وأمّا بالنسبةِ لأسماء اللهِ الحسنى التي تبتدئُ بالميم فمنها: الملك (ملك) ، والمالك (مالك)، والمجيد (مجيد)، والمؤمن (مؤمن) ، والمتعال (متعال) ، والمتكبر (متكبر) ، والمهيمن (مهيمن) ، والمبدئُ (مبدئ) ، والمعيد (معيد) ، والمحيي (محيٍ) والمميت (مميت) ، والمصوّرُ (مصور) . فأيُّها نختارُ معَ أنَّها كلّها مقبولةٌ؟..
نختارُ "الملك" أوِ "المالك" ؛ لأنَّ القيّومَ تذكّرُنا بالملكِ : "اللهُ لا إلهَ إلّا هوَ الحيُّ القيّومُ لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ له ما في السماواتِ وما في الأرضِ .. ".. فاللامُ في "لهُ" هي للملكيةِ ، ولأنَّ الأحديةَ أوْ الواحديةَ هيَ الألصقُ بالملك : ".. لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللهُ لفسدتا" .. "لِمنِ الملكُ اليومَ ؟ للهِ الواحدِ القهار".. وفي سورة آل عمران قولُ الله تعالى : "قلِ اللهمَ مالكَ الملكِ تؤتي الملكَ مَنْ تشاءُ وتنزعُ الملكَ ممَنْ تشاءُ وتُعِزُّ مَنْ تشاءُ وتُذِلُّ مَنْ تشاءُ بيدِكَ الخيْرُ إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير ".
وبالجملةِ ، فإنَّ "الم" هيَ في التقدير : (الأحدُ اللطيفُ الملكُ).
"الم (الأحدُ اللطيفُ الملكُ). اللهُ لا إلهَ إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ".
لقدْ قلتُ أعلاهُ بأنَّ "الم" واردةٌ في ابتداءِ الكلامِ ، فلْنأخُذْها أنّها مبتدأ.. فأينَ خبرُهُ؟" . نقدرها كلَّها مبتدأ . ولكن عندما تبيّنَ أنّها في التقديرِ هيَ : "الأحدُ اللطيف الملكُ" فقدْ أصبح واضحاً أنَّ الابتداءَ الأصليَّ كان من حقِّ "الأحد" .. ومن هنا يكونُ "اللطيف" بدلاً ، ويكون "الملكُ" بدلاً ، ومن الصوابِ أنْ نقولَ بأنَّ بدلَ المبتدأِ هوَ أيضاً مبتدأٌ ولذلك يتبعهُ في الرفعِ . وتلاحظُ أنني قلت عن إعراب "الرحمن" في بسم الله الرحمن الرحيم بأنها بدل ؛ فلا أراها نعتاً ولا عطفَ بيانٍ.
حسناً، بهذا التقدير "الأحد اللطيف الملك" صار لِفاتحة "الم" في سورةِ آل عمران وليسَ في غيرِها، حلٌّ يستوعبُهُ أولو الألباب. صارتْ مفهومةً لكلِّ ذي حِجْرٍ . ها إنَّ "الم" بهذا التقدير : "الأحد اللطيف الملك" قد أسفرتْ لكلِّ ذي بصيرةٍ عنْ معنىً ليسَ كفلقِ الفجرِ فحسْبُ بل كالشمسِ مشرقةً في يومٍ ذي صحوٍ لذي عينيْن كزرقاءِ اليمامة .
وقد يعترضُ معترضٌ فيقولُ : "أية فائدةٍ نستفيدُها من هذا التقدير ؛ إذْ إنَّ لله الأسماءَ الحسنى وهي مذكورةٌ في القرآن العزيز صريحة منها : اللطيف والملك والأحدُ والعزيز والعظيم والكريمُ والقديرُ .....، ثم أتيتَ تقول : إنَّ "ألم" تقديرها هوَ "الأحدُ اللطيفُ الملكُ" . فكان ماذا؟
وأجيبُ : ربّما كانَ هذا المعترضُ قد قرأَ مقالتي فما وعاها .. فكان ماذا؟ كان من غيرِ الناجحين. وقدْ يشرحُ الأستاذُ متمكّناً ويُطيلُ الشروحَ : يجعلُ لها تنويعاً وتوسيعاً وتكراراً ثمَّ يجعلُ لها اختصاراً .. ثمَّ ماذا ؟ لا ينجح في الامتحانِ إلاّ كلُّ ذي استيعابٍ عميقٍ.. تتعدَّدُ الإجاباتُ والسؤالُ واحد .. فيكونُ ماذا؟ يكونُ هناكَ راسبون .. فلماذا؟.. الجواب يحتويه الجراب. أيريد منّي مثلُ هذا أنْ أكتشفَ له أسماءً لله غيرَ ما وردَ منْ أسماء الله تعالى في القرآن؟ أيريدُ منّي أنْ أضعَ أسماءً ثمَّ أقولَ للناس هي من أسماء الله الحسنى ؟.. فما هذا الذي بهِ قد يعترضونَ؟ .. ما هذهِ الأسئلةُ التي قد يسألونَ؟.. فلولا يفكّّرون!
وإذا كانتْ "الم" في : "الم. اللهُ لا لهَ إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ" لا تتحدّثُ عنِ الله تعالى بأسماءٍ من أسمائِه الحُسنى .. فعنْ أيِّ شيءٍ سيكونُ حديثُها؟.. فهلْ بينَ "الم" وبينَ لفظ الجلالةِ "الله" من فاصلٍ ؟ هلْ بينَهما 284 آيةً ؟..
ورحمَ الله الشيخَ "عبد الحميد كشك" فقد سمعتُه على المذياعِ منْ بعيدٍ في الزمانِ يجعلُ جمهورَ المصلينَ جَوْقةَ ترانيمَ وفرقَةَ تراتيلَ تذكرُ اللهَ تعالى بأسمائِه الحسنى :
كشك : مَنِ الأولُ ؟
الجمهور : الله.
مَنِ الآخِرُ ؟
الله.
مَنِ الحميدُ؟
الله.
منَ الودودُ ؟
الله.
مَنِ المجيدُ؟
الله.
مَنِ الجبّارُ؟
الله.
مَنِ الرّزّاقُ؟
الله.
مَنِ العظيمُ؟
الله.
مَنِ العليمُ ؟
الله.
منِ العزيزُ؟
الله.
مَنِ القديرُ؟
الله.
مَنِ البصيرُ؟
الله.
مَنِ الخبيرُ؟
الله.
مَنِ المهيمنُ؟
الله.
مَنِ الصمدُ؟
الله.
مَنِ المُحيي؟
الله.
مَنِ الحيُّ؟
الله.
مَنِ القيّومُ؟
الله.
مَنِ الواحدُ؟
الله.
مَنِ الأحدُ؟
الله.
مَنِ اللطيفُ ؟
الله.
مَنِ الملِكُ؟
الله.
رحمهُ الله تعالى ، ولوْ كنتُ مكانَهُ لسألتُ ثلاثةً وثلاثينَ سؤالاً، ولَكنت ُ قلتُ : مَنِ "الحميدُ الودودُ المجيدُ"؟
فماذا كان سيقولُ الجمهورُ ؟..
"الله".
رحمهُ الله تعالى ، ولوْ كنتُ مكانَهُ لَكنت ُقلتُ : مَنِ "الخبيرُ البصيرُ القديرُ"؟
فماذا كان سيقولُ الجمهورُ ؟..
"الله".
رحمهُ الله تعالى ، ولوْ كنتُ مكانَهُ لَكنتُ قلتُ: مَنِ " الرحمنُ الرحيمُ الكريمُ"؟
فماذا كان سيقولُ الجمهورُ ؟..
"الله".
رحمهُ الله تعالى ، ولوْ كنتُ مكانَهُ لَكنتُ قلتُ: مَنِ "السميعُ المُعِزُّ العزيزُ"؟
فماذا كان سيقولُ الجمهورُ ؟..
"الله".
رحمهُ الله تعالى ، ولوْ كنتُ مكانَهُ لَكنتُ قلتُ : مَنِ "الأحدُ اللطيفُ الملكُ"؟
فماذا كان سيقولُ الجمهورُ ؟..
"الله".
فسبحانَ اللهِ الأولِ الآخرِ الأحدِ اللطيفِ الملكِ المتجبّرِ المتكبّرِ المتعالِ القُدّوسِ السلامِ المؤمنِ المهيمنِ ذي الجلالِ والإكرامِ، وهوَ القائلُ وحْياً إلى رسولِهِ محمدٍ الأمينِ: "الم. اللهُ لا إلهَ إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ"..
أليستْ أسماءُ اللهِ الحسنى هيَ أوْلى ما نذكرُهُ بهِ؟
أليستْ أسماءُ اللهِ الحسنى هيَ أوْلى ما نعرفُ ونعرّفُ بهِ اللهَ تعالى؟ أليستْ أسماءُ اللهِ الحسنى هيَ أوْلى ما يسبقُ أوْ يلحقُ اسمَهُ الكريمَ؟ أليستْ أسماءُ اللهِ الحسنى هيَ أوْلى ما يقترنُ بورودِ ذكرِهِ؟
فمَنْ عندَهُ تفسيرٌ أهدى وأجلى ممّا قدمتُ فليُقدِّمْهُ!..
ومَنْ وجدَ تفسيراً في كتبِ المسلمينَ أقوى من تفسيري فلا يحرمِ الناسَ من بيانِه وتقديمِ برهانِهِ!..
"ربّنا آتِنا مِنْ لَدُنكَ رحمةً وهيّئْ لنا منْ أمرِنا رشداً" .
اللهم آتِنا أجريْنِ لا أجراً وآتِنا الحسنتيْن.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ محمدٍ الأمين.
=============
ملاحظات :
(1) تقدير الحروف المقطعة في فواتح السور بالحروف الأولى من أسماء الله الحسنى لا يردُ في تقديراتي إلاّ لفاتحة سورة آل عمران.
(2) الفاتحة "الم" وردتْ في خمسِ سورٍ أخرى هي : البقرة ، والروم ، والعنكبوت، والسجدة ، ولقمان . وكلُّ فاتحةٍ منها لها تقديرها الخاصُّ بها، وها هيَ الطريقة التي أتبعُها فحاول بنفسِكَ فلعلك تصلها من غيرِ انتظاري.
(3) ذهب مفسرون سابقون إلى أنَّ حروف الفواتح هي مفاتيح من أسماء الله الحُسنى، ولكن من غيرِ تحديداتٍ وتبريراتٍ. وفي تقديراتي للفواتح لم أجد هذا ينطبق إلاّ على فاتحة سورة آل عمران.
============
طريقة التقدير:
1)) لا بدَّ أنْ نحوِّلَ الحروفَ إلى نصٍّ من كلماتٍ.
2)) وأنْ نسيرَ على قاعدة ثابتة وهيَ اعتبارُ أنَّ كلَّ حرفٍ منها هوَ الحرفُ الأولُ من الكلمة المُختصرة.
3)) وأنْ تكونَ الكلمةُ المختصرةُ من القرآن نفسِهِ.
4)) والأولويّةُ في التقدير هيَ أن نقدّرَ الكلمةَ من الآيةِ أوِ الآياتِ التاليةِ للفاتحةِ المشتملةِ على ذلك الحرفِ ، أوْ من السورةِ نفسِها. وإنْ لمْ يتيسّرِ التقديرُ من نفسِ السورةِ فيكونُ من أيِّ آياتٍ في السورِ الأخرى.
5)) وأن يكونَ النصُّ المختارُ عندَ ربطهِ معَ الآية التالية للفاتحة موضوعِ التقديرِ متوافقاً معَ اللسانِ العربيِّ.
6)) وأنْ ينسجمَ النصُّ المختارُ في معناهُ معَ سياقِ الآيةِ أوِ الآياتِ التي تتلو الفاتحةَ موضوعَ التقدير، أوْ يندمجُ فيهِ.
عطية زاهدة – الخليل - فلسطين
المفضلات