ماأشبه اليوم بالبارحة ...
رثاء أهل البصرة في نكبة الزنج عام 277 هـ !!!!
لابن الروميّ ... الشاعر المُبْدع المُفْتَنّ :
لقد هاجم الزنج مدينة البصرة العظيمة الصامدة ، وتجسدت نقمتهم ثورة عارمة ، اكتسحت المدينة ، واستباحت أهلها ، وأشعلت النيران في أطرافها
وتقول أقل الروايات مبالغة :
إن عدد القتلى بلغ ثلاثمائة ألف ، بين ذكر وأنثى وشيخ وطفل ، وقد أحرق المسجد الجامع ، وتحولت البلدة الصامدة أنقاضاً .
وقد هزت المأساة مشاعر الشاعر ابن الرومي ، فانبرى يصف روعتها منفعلاً ، ثائراً ، متألماً ، لما شاهده من آثارها دون يعي أبعادها وأسبابها الحقيقية .
كل ذلك سيق في إطار من النغم الحزين ، الذي يمتاز بالجلال والروعة ، فالبحر الخفيف من الأبحر التي توشيها غلالة من الحزن ؛ لذلك يميل كثير من شعراء الرثاء إلى استعماله ، أضف إلى ذلك ما توحي به حركة الروي من وجوم وأسى ....
وأخيرا لا بد أن نشير إلى أن ابن الرومي يكاد يكون مبدعاً في هذا اللون من الرثاء ، اقتدى به كثير من الشعراء ، الذين رثوا المدن والممالك الزائلة .
وقد استطاع أن يصل إلى قلوب الناس ؛ لأنه أدرك بإحساسه المرهف ، ورؤيته البعيدة أن المبالغة والتهويل غير كافيتين ، فالحزن يجب أن ينبع من داخل النفس الإنسانية ؛ لذلك عرض للتناقض الذي تعرض له أهل البصرة ، ووازن بين حالتي المدينة :
قبل الحريق وبعده .
فكان بحق - شاعر الرثاء-
وكان القصيدة أثرا خالدا في الأدب الإنساني الكبير ، ومن القصيدة انتزعنا الأبيات الآتية :
ذاد عن مقلتي لــذيـذ المنـام=شغلها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعد ماحل بالـعراق=ماحـل مـن هنات عظام
أي نوم من بعد ما انتهك الروم=جهـاراً محـارم الإسـلام
إن هـذا من الأمـور لأمــرٌ=كاد أن لايقـوم في الأوهام
بينما أهــلها بـأحسن حـال=إذ رماهم عدوهم باصطلام
دخـلوها كـأنهـم قطـع لـيل=إذا راح مُـــدلهمّ الظلام
كم أغصوا من شارب بشـراب=كم أغصوا من طاعم بطعام
كـم ضنين بنفسه رام منـجى=فتلقــوا جبينه بالحسـام
كم أخ قد رأى أخاً صريعــاً=ترب الخد بين صرعى كرام
كـم أب قد رأى عـزيز بنيه=وهـو يكـوى بشظايا اللئام
كـم رضيع هناك قد فـطمـوه=بلظـى القاذفـات قبل الفطام
ماتذكرت ما أتى الكـتـفـر إلا=أضـرم القلـب أيما إضرام
ماتذكرت ما أتى الكــفـر إلا=أوجـعتني مـرارة الإرغام
رب بيت هناك قـد خـربـوه=كان مأوى الضعاف والأيتام
بـدلت تلكـم البيــوت تلالاً=من رمـاد ومـن تراب ركام
سلط الـنار والحــريق عليها=فـتداعت أركانهـا بانهـدام
وخلت من حلولهـا فهي قفـرٌ=لا ترى العين بين تلك الأكام
غيـر أيـد وأرجــل بائنات=بـذرت بينـهن أفـلاق هام
ووجـوه قـد رملتها دمـــاء=بأبي تلكـم الوجوه الـدوامي
فاتقوا الله أيها الراقصون على الجراح ،=============================
من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ،ً
وأنتم لا تشعرون !!!
واعلموا أنّ كلَّ معصية تعصون الله بها ،
وكل طاعة تفرطون فيها ، هي :
دليل إدانة ضدكم في محكمة دماء المسلمين الأبرياء ...
{ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ، وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }[ غافر : 30 ـ 33 ] .
ابن الرُّومي (221 - 283هـ، 836 - 896م)
علي بن العباس بن جريج، أو جورجيس، الرومي، أبو الحسن: شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي. روميّ الأصل، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً، قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله (وزير المعتضد) وكان ابن الرومي قد هجاه. قال المرزباني: لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس، إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سبباً لوفاته. وكان ينحل مثقالا الواسطي أشعاره في هجاء القحطبي وغيره، قال المرزباني أيضاً: وأخطأ محمد بن داود فيما رواه لمثقال من أشعار ابن الرومي التي ليس في طاقة مثقال ولاأحد من شعراء زمانه أن يقول مثلها غير ابن الرومي.
له ديوان شعري ، طبع محققا في ستة مجلدات ، من القطع التراثي الكبير ...
ملحوظة :
هذه الأبيات من قصيدة طويلة ، من البحر الخفيف ، وتقع في ستة وثمانين بيتا ،
انتقيت لكم منها هذه الأبيات ...
المفضلات