اعتقال البشير والصمت العربي المخزي

[عزت السيد أحمد]

مذكرة اعتقال البشير
والصمت العربي المخزي العجيب
الدكتور عزت السيد أحمد

ثَمَّةَ من يرى أنَّ عمر حسن البشير مجرم حرب، وأنه قائم بمجازر جماعية في دارفور، وأن قام بتجويع أهل دارفور، وأنه لذلك يستحق أن يحاكم في محكمة الجنايات الدولية.
هذه هي حكاية صدام حسين تماماً تقريباً منذ البداية حَتَّى صدور قرار الحرب والاحتلال، فقد قيل إنَّهُ طاغية، وإنه يرتكب المجازر بحق شعبه، وأنه يجوع شعبه من أجل صنع السلاح، ولذلك يجب أن يزاح عن السلطة، ولكنَّ إزاحته عن السلطة كانت باحتلال العراق، ثم أسره ومحاكمته، وفي الحياكمة وما بعد المحاكمة تبين من غير لبس كما كان هناك تحريف وتزوير وتشويه للحقائق، فكانت المحاكمة محاكمة للاحتلال وزبانيته العراقيين الذين جاؤوا على دبابات الاحتلال، ومع ذلك أعدم البريء الشريف وكوفئ المجرم والخائن والعميل.
التقت الحكايتان حَتَّى المنتصف، وستتشابه الحكايتان في النصف الثاني إذا تابع الحدث سيرته المرسومة. وقد أبنا في مقال سابق وَهَنَ المزاعم التي بنى عليها أوكامبو اتهاماته للبشير، ناهيك عن أَنَّهَا لا تعادل عُشْرَ عُشْرَ ما قام شارون أو بوش الأب أو بوش الابن أو أيٌّ من قادة الكيان الصهيوني على الأقل في القرن الحادي والعشرين.
فهل سينتظر العرب حَتَّى يتابعوا النصف الثاني من الحكاية ويعلنوا كالبلهاء أنهم فوجئوا بأنَّ البشير لم يكن كذلك، وأنه كان مظلوماً، وأنه كان يسعى لوحدة شعبه ودولته...
حَتَّى لو كان البشير مداناً بما أتهم به لإصدار مذكرة الاعتقال فإنَّ إصدار مذكرة اعتقال بحقِّه ليس إلا طعنة نجلاء في ضمير العرب وكرامتهم وهويتهم.
أي في الحالين كليهما؛ سواء أكان البشير بريئاً أم مداناً، فإنَّ مذكرة الاعتقال هي مذكرة اعتقال للكرامة العربيَّة وليست مذكرة اعتقال لرئيس دولة عربيَّة، لأنها كما أعلن الرئيس القذافي في قمَّة دمشق 2008م، وقبله أعلن ذلك الإعلام العربي مئات المرات، قضم للدول العربية والرؤساء العرب واحداً تلو الآخر.
ومع ذلك يصر الحكام العرب على عدم الفهم إصراراً يدعو إلى الريبة ويضع العقل في الكف. فقد أصدرت محكمة العدل الدوليَّة يوم الثلاثاء 3/3/2009م مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وجاء ذلك بعد نحو سنة من التحضير والتهديد والوعيد. وعلى مدار أشهر التهديد والوعيد التي سبقت إصدار مذكرة الاعتقال لم يتحرك العرب أيَّ تحرك ذي معنى، استنكرت بعض الدول العربيَّة، وعارضت بحياء مخجل إصدار المذكرة، وكأن الحكام العرب لم يكونوا أحياء قبل سنوات، أو قبل أشهر، أو قبل أيام... ففي كل يوم تتعلم دول العالم كلها أنَّ لغة الشجب والإدانة لا قيمة لها ولا معنى ولا تمتلك أي قدرة على تحقيق أيِّ فعل، ومع ذلك لا يجد الحكام العرب إلا هذه اللغة الصماء الجوفاء لغة للدفاع عن أنفسهم، وكأنهم خارجون للتو من كهوف العصر الحجري.
صدر القرار ولم يصدر من العرب أي ردُّ فعل ذي أدنى قيمة، وأرسل بعضهم وزير الخارجية تهريباً وتسللاً إلى الجامعة العربيَّة للاجتماع والتباحث، وبعد التباحث بَيْنَ الحكماء من وزراء الخارجية العرب انتهوا إلى إدانة إيران على تصريحاتها اللامسؤولة ومطامعها في المنطقة العربيَّة!!
ذهبوا ليبحثوا في مذكرة اعتقال البشير فانشغلوا بعلف الحمير، ولكن بعد حين قصير أعلن أمين الجامعة العربيَّة السيد الكبير عمرو موسى أن الجامعة ستتقدم بطلب من أجل تأجيل تنفيذ المذكرة!!
لا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا والله ونعم الوكيل.
إنَّ النتيجة التي انتهت إليها الجامعة العربيَّة، وهي وحي قادتها، أسوأ بألف ألف مرَّة من عدمها، فلو لم يجتمعوا لم يخرجوا بنتيجة، وعدم وجود نتيجة أشرف بآلاف المرات من هذه النتيجة التي توصلوا إليها.
إنَّ طلب القادة العرب تأجيل مذكرة اعتقال البشير لمدة سنة لا يختلف أبداً عمن رأى العشرات يتكالبون على ابنته لاغتصابها فراح هو ينظم الدور بينتهم، هذا إن لم يقم بشيء آخر أستحي من ذكره. فما معنى أنَّ القادة العرب يدعون المحكمة الدولية إلى تأجيل تنفيذ مذكرة التوقيف لمدة سنة؟ ألا يعني ذلك قبولهم التام بها وحرصهم الشديد على سرعة التنفيذ كما كانوا تماماً في الدعوة إلى احتلال العراق والحرص على الإسراع بالقضاء على نظام صدام حسين؟
المسألة ليست مسألة عجز الحكام العرب عن الفعل على الإطلاق، لأنَّ العرب لو أرادوا لصنعوا المعجزات، ولو كانوا يريدون فعل شيء لفعلوا، ولذلك لا تجوز هنا عبارة: أكلت يوم أكل الثور الأبيض، وإنما هي مسألة خيانة متأصلة لا مجال لإصلاحها أو تبديلها، ولا أمل في ذلك على الإطلاق.
إنَّ الحكام العرب، وهم الأكثرية، يعملون معاً في مخطط كبير وحقير وهو تصفية الزعماء المخلصين من العرب والمسلمين واحداً تلو آخر. وهؤلاء الحكام الذين يفرحون بالقضاء على القوى العربية والإسلامية الممانعة للمشروع الأمريكي الصهيوني، هم أنفسهم من الصهاينة والأمريكيين، وكما وضع الكيان الصهيوني في فلسطين لتنفيذ مشروع غربي تاريخي، كذلك فإنَّ الحكام العرب الذين لا يريدون فعل أيَّ شيء من أجل كرامة الأمة، ويساهمون مرة تلو أخر في إسقاط الأنظمة العربية الممانعة لأمريكا والكيان الصهيوني.
لم نعد بحاجة إلى أن نسال أو نعرف لماذا هذا الصمت العربي المخزي العجيب الغريب الذي لا يصدقه عقل، ولا يقبله منطق، ولا يستوعبه ضمير.
ولكن الذي لم يفهمه هؤلاء الحكام العرب أنهم مهما أخلصوا للصهيونية والولايات المتحدة الأمريكيَّة فإنهم سيكونون الوجبات المتتالية للمخطط الصهيوأمريكي، ولن يخدمهم تاريخهم الخياني أبداً، وقد شاهدنا وشاهدوا جميعاً كيف تتخلى الولايات المتحدة، ومثلها الكيان الصهيوني، عن عملائهم الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم للصهيونية وأمريكا، ومثل ذلك ما حدث في لبنان، والباكستان، وأمريكا الجنوبيَّة وغير ذلك كثير.
لقد فهم الحكام العرب الكثير فلماذا لم يفهموا السياسة الأمريكية والصهيونية التي لا تحترم عملاءها أبداً وتتركهم في أول مواجهة بَيْنَ أنياب الأسود؟
مع أطيب تحياتي
عزت السيد أحمد

[عزت السيد أحمد]

وصلتني بعض التعليقات التي إما تحسب أني أدافع عن الظلم والطغيان أو تحذر من الدفاع عن الحكام الظالمين
الأمران كلاهما ليسا في الحسبان
ولكن بأي حق أو منطق أو ضمير أو أخلاق ندعو الأمريكان أو الصهاينة ليحكمو ما شجر بيننا
بأي منطق وعقل يمكن قبول أن تحاسبنا أمريكا على أخطائنا بحق أنفسنا
أرجو أن ينظر إلى الأمر بهدوء

[نادية حسين]

أخي الفاضل

ليس هذا الصمت المخزي الأول ولن يكون الصمت المخزي الأخير

والله ولى المؤمنين قادر كريم

[عزت السيد أحمد]

صحيح أن أنَّ هذا الصمت المخزي ليس الأول
ولن يكون الأخير
ولكن الذين يصمتون هم أنفسهم
وسيظلون صامتين
ولكن ما بال من لا يقبلون هذا الصمت
ماذا فعلوا
وماذا سيفعلون