بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الخلق وامير الأنبياء والمرسلين
وقفة سريعة مع الرق وموقف الإسلام منه
احببت ان اشارك فيما جاء من حديث عن الرق وتصور البعض ان القرآن الكريم لم يتعرض له تحريما او نهيا,غير انهم نسوا اعتبار تحرير الرقبة من اكبر المقربات الى الله عز وجل كما جاء في القران الكريم,وكما أشارت بوضوح السيرة النبوية الشريفة.الواضح ان الرق قبل الاسلام في شبه الجزيرة العربية,لم يكن الى حد ما قريبا من حيث الظلم من غيره في الأمم الاخرى,حيث ان العبد في بيت العربي لم يكن يلق التنكيل كأترابه عند الرومان والفرس وغيرهم من الشعوب,وقد حرم الاسلام على السادة ان يظلموا او يسجنوا او ينكلوا عبيدهم,او يهينوهم في اي جانب من جوانب الحياة البشرية,واعطاهم حقوقا لم تعط لغيرهم من البشر اطلاقا على وجه التاريخ,وانني اعتقد ان عدم التحريم الصريح للرق,كان امرا في غاية الدقة والعبقرية,حيث كانت توجد ثروات ضخمة مبنية على هذا النوع من العلاقة الاقتصادية في المجتمع,فالعبد كان يشرى بالمال ويقوم بالأعمال التي لم يكن السيد يتقنها او يأبى ممارستها,والعبيد كانوا الركن الأساسي في الاقتصاد,واليد العاملة الوحيدة في تدعيم ركائزه,ولو قام الاسلام حسب رأيي في تحريمه,لانهارت البنية الاقتصادية برمتها,وخلفت تدهورات اقتصادية خطيرة وافات اجتماعية ناتجة عنها بما لا تطيقه دولة ولا يحتمله مجتمع,فكان لا بد من التغيير الاجتماعي التدريجي بروية وعقل,فالسيد الذي انفق مالا وفيرا في شراء العبيد,كان سيخسر ثروته وتجارته اذا ما اضطر الى عتقه دون مقابل,وينتهي المجتمع بين ليلة وضحاها بين عبد مشرد لا يجد عملا,وبين سيد مفلس مهان يتيه في حيرة وفاقة.
ان الذين يعيبون على الاسلام علاجه الراقي والعادل لمسألة الرق,اما اعداء يريدون التشويه لمجرد التشويه لحقدهم على هذا الشرع الحنيف وهم الغالبية,واما مزايدون وتجار كلام وشعارات خاوية ظاهرها مغر وباطنها مخز ومفتقر للواقعية والمنطق,والباقية مصابة بقصر النظر وشح الثقافة وضآلة الفقه والتفكير.
وهنا احب ان اعطي مثلا,ماذا لو توقف عمال القطارات في فرنسا كما فعلوا منذ سنوات فجأة وامتنعوا عن اداء وظيفتهم فماذا يحصل؟؟ الا تتوقف الدولة ويتضرر الاقتصاد والمواطنين كافة دون تمييز بين طبقة او اخرى؟؟ الم يتوقف سائقوا الشاحنات في اوروبا منذ سنتين تقريبا اعتراضا منهم على الأجور المتدنية,وادى ذلك الى شلل تام وخسائر فادحة مما دفع بالحكومات الأوروبية الى الاسراع في التفاوض معهم ليتداركوا كارثة مالية كادت ان تحل بهم؟؟ الا تخشى الدول مهما عظم شأنها من توقف العمال ومطالبتهم بزيادة الأجور او تقصير مدة العمل المفروضة ليتسنى لهم التقاعد في سن ابكر؟؟ فكيف اذن اذا ما كان هذا المجتمع يعتمد في كل جوانبه الانتاجية على الرق,من العامل في الحقل الى النادل في المنزل,ايعقل ان يغير الواقع ببرهة وتسرع دون النظر الى ما سيحدثه من خسائر مادية وانقلاب في الموازين الاجتماعية والروابط الثقافية والأعراف في محيطه؟؟.
اسمحوا لي ان اقص لكم باختصار مسألة العبيد في البرازيل مثلا لا حصرا,بعد ان كانت اسبانيا والبرتغال وبريطانيا يأتون بهم الى امريكا الجنوبية في بطون السفن من افريقيا ومعظمهم من المسلمين,بطريقة حيوانية مجرمة,تهلك حياة قسم كبير منهم قبل ان تطأ اقدامهم اليابسة,وقد كان اصحاب المزارع ومناجم الذهب يصرفون مبالغا طائلة لشرائهم للعمل في مصانعهم ومزارعهم,وعندما جاء قرار منع الرق في البرازيل سنة 1888,حصلت نكسات اقتصادية عنيفة في البلاد,ادت الى افلاس سواد كبير من التجار ورجال الأعمال,دفعت بقسم منهم الى الانتحار,واخذ قسم اخر يستعمل القوة لابقاء عبيده حتى لو اضطر لقتلهم,وشاعت تجارة الرق في السوق السوداء بشكل مخفي,كما ان العديد منهم كان يعود الى سيده بعد ان ظن ان عتقه سيجلب له الرخاء الى جانب الحرية,يستجديه ليعود يعمل عنده بأقل مما كان يحصل عليه,مما أدى الى ظروف افظع واقل انسانية مما كانت عليه قبل ذلك التاريخ,اضافة الى انه في بداية تلك السنوات,بقي اغلب المحصول من القهوة والسكر وغيره دون حصاد واتلفت ملايين من الأطنان في ارضها,مسببة تداعيات كارثية ومجاعة وامراض عضال ضربت البلاد في صميم مكوناتها المختلفة.فالعبد بعد ذلك,اما عاد يستجدي سيده ليعمل عنده مجددا بظروف اسوء من السابقة,او تحول الى قاطع طريق ومجرم محترف,او مات جوعا في مكان ناء او غابة بعيدة,والأدهى من ذلك,ان تداعيات تحرير الرق المفاجئة لم تتوقف عند ذلك الزمن,بل ان سكان مدن الصفيح الى اليوم هم سليلوا اولئك الذين خرجوا من العبودية بطريقة عشوائية غير مدروسة,ولم يقدروا على بناء انفسهم وتحصيل مستوى معيشي وثقافي يكفل لهم حياة كريمة,وبالرغم من مرور اكثر من قرن على الحدث,لا يزال احفادهم يعيشون مأساة الفقر والجهل والتخلف والأمية.سبب ذلك يعود الى النقلة غير المدروسة لمجتمع بكامله,وانصباب رجال الأعمال والاقطاع يومها على استيراد عمال ايطاليين في غالبيتهم واحلالهم مكان العبيد,ورفضهم توظيف العبد مجددا مهما استجدى تحديا منهم للقرار الامبراطوري الصادر حينها عن الملكة - ايزابيل - تاركين لها عبء اطعام واسكان الملايين,التي لم تستطع الملكة ايواءهم مما دفعهم الى التوجه الى الجرائم او الى الموت.
هذا باختصار ما احببت ان اشارك به في الموضوع,فسبحان الله العلي العظيم الذي يدبر الأمور بابداع وحسن تقويم,غير اننا لا نفقه تدبيره.
أما تسمية المخلوق بعبودية لمخلوق آخر تقربا,فإنه أمر معروف لأولي الألباب,فلا معبود بحق إلا الله سبحانه,والتقرب من رسوله وال بيته عليهم الصلاة والسلام يكون بالإقتداء بهم والسير على سنتهم وأخلاقهم ,هم مدرسة بالمزايا والإيثار ومكارم الاخلاق والعفة وتقوى الله عز وجل,فالتقرب بهم يعني الالتزام والتخلق بأخلاقهم لا بالإساءة اليهم بالخزعبلات والخرافات ومظاهر الشرك والخبل ,والرسول عليه الصلاة والسلام يقول (إنكم تُدْعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم) /أبو داود وأحمد/,وقد ذكر الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قائلا ( كان اسمي عبد عمرو - وفي رواية عبد الكعبة - ، فلما أسلمت سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ). رواه الحاكم 3/306 ووافقه الذهبي ,ومن السيرة النبوية الشريفة ايضا ان رجلا جاء الى الرسول عليه السلام فسأله عن اسمه فقال: اسمي (حَزن) فقال , (أنت سهل), وسأل امرأة عن اسمها، فقالت: اسمي (عاصية) ,فقال: (بل أنت جميلة) /أحمد والدارمي/.
ولو كانت هذه التسميات تقربا ورجاءا (والمرجو هو الله تعالى) لكان امير المؤمنين علي بن ابي طالب سماها قبلنا وهو المعروف بمحبته لرسول الله عليه السلام,ولكان صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام سبقونا اليها,ولكل من نسي أو تعنت في رأيه فليعد الى قول الله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) في سورة الفاتحة إذا تعذر عليه العودة الى سور القرآن الكريم كله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفقكم الله واثابكم على جهودكم الثمينة,وجعلها في ميزان حسناتكم ان شاء الله العلي العظيم,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسان محمد السيد
المفضلات