من التاريخ
الفُرس في القدس
في عام 614م غزا الفرس فلسطين بقيادة كسرى الثاني ملك الفرس، واستطاعوا السيطرة على فلسطين وطرد النصارى الروم منها، فنهبوا القدس وحطموا ودمروا كنيسة القيامة واستولوا على كنوزها. وشارك اليهود في هذه المعركة إلى جانب الفرس انتقاماً منهم بسبب ما فعله النصارى بهم، وجرت مذبحة عظيمة شارك فيها اليهود، حيث قتل عدد كبير من النصارى الرومان قُدّر بحدود ستين ألفاً. وشارك اليهود كذلك في تدمير كنيسة القيامة وكنائس كثيرة أخرى في القدس وغيرها، ذلك أن اليهود كانوا يعتبرون النصرانية انحرافاً عن اليهودية، ويعتبرونها كفراً بدينهم، وكانوا يطعنون في المسيح وأمه عليهما السلام، ولذلك لم يتورعوا عن المشاركة في هذه المجزرة العظيمة التي جرت للنصارى.
لقد كان اليهود يطمحون بذلك أن يسمح لهم الفرس بإقامة دولة في فلسطين أو على الأقل في القدس، ولكن على عكس توقعاتهم رفض الفرس ذلك، خوفاً من التاريخ الأسود لليهود، وغدرهم الدائم بمن يساندهم فمنعوا قيام دولة لليهود في فلسطين، بل إنهم قاموا بفرض ضرائب ثقيلة جداً عليهم. ولقد ذكر القرآن الكريم حادثة هزيمة الروم في سورة الروم، ولقد وعد القرآن الكريم بأن الروم سينتصرون مرة أخرى على الفرس في بضع سنين، أي أقل من تسع سنوات. والحقيقة كان هذا وعداً لافتاً، لأن هزيمة الفرس كانت غير متوقعة، وكان الفرس دولة عظمى، بل كانت دولتهم أعظم دولة في العالم وقتذاك، فكيف تهزم أمام الروم المكسورين؟!
وبعد سبع سنين من انكسار الروم قام ((هرقل)) بإعداد جيش ضخم، وهاجم الفرس في فلسطين، واستطاع أن يهزمهم، ومن غرابة الأمر أن اليهود شاركوا مع النصارى في معركتهم ضد الفرس، لأن الفرس أثقلوا كاهل اليهود، ولم يمنحوهم شيئاً مما طمعوا فيه من السيادة والملك في أرض فلسطين والقدس، فكان أن قاتل اليهود إلى جانب النصارى ضد الفرس، وكان أن تلقى اليهود وعوداً من النصارى بتمكينهم في أرض فلسطين فيما لو قاتلوا إلى جانبهم، وتمّت هزيمة الفرس كما وعد الله تعالى في القرآن الكريم في أقل من تسع سنين كما أخبر تماماً.
ونكث هرقل عهده مع اليهود، وأمر بقتلهم، وأحدث النصارى مجزرة عظيمة باليهود، فقتلوا منهم عدداً كبيراً، وفرّ الباقون خارج فلسطين، واختفى قسم منهم داخلها، فلم يبقَ لهم ذكر في الأرض المقدسة.