بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ رفعت زيتون
السلام عليكم و رحمة الله


كلمة من أجل ورشة النقـد



إنّه لحلم جميل هادف يتحقق اليوم ، بإيجاد ورشة تهتم بالنّقد ، و النقد الأدبي بخاصة . و ذلك للأسباب التالية :


1ـ افتقارنا في العالم العربي إلى ثقافة النّقد .
2 ـ التّصور الخاطئ للعملية النّقدية .
3 ـ الحساسية السّلبية من النّقد .
4 ـ قلة النّقاد بشكل مريب .
5 ـ انتشار النّقد ( الإخواني ) و ( المجملاتي) .
6 ـ الجهل بمعاناة النّاقد .
7 ـ الحوار الجامد بين المبدع و النّاقد .
8 ـ الاعتقاد أنّ الإبداع هو الأساس و النّقد هو الاستثناء .
9 ـ انتشار فوبيا النّقد .
10 ـ النّقد بين الهدم و البناء و البديل ...
11 ـ ........................................



و ما إلى ذلك من قضايا النّقد الأدبي التي لم تجد لها حلا؛ و لم يوجد من يهتم بها ؛ و يعطيها كبير عناية .
و إنّ الوقوف عند قضية من هذه القضايا الشّائكة ، يكشف إلى أي حدّ لم يتطور النّقد عندنا لدرجة المعاملة و القبول . و إن كان قد وصل عند غيرنا إلى درجة الإبداع .
و مع احترامي لكلّ مبدع في الأجناس الأدبية المختلفة ، أقول : مهما وصلت درجة الإبداع حسب صاحبها و فهمه و اجتهاده ...فهي عرضة للنّقص . بل النقص يكمن في كلّ عملية إبداعية . لأنّ ببساطة ؛ صاحبها إنسان . و بطبع الإنسان عدم الكمال . فلا ينتظر منه أن يأتي بعمل متكامل من جميع النّواحي . و لعل لذّة و متعة الإبداع ـ أحيانا ـ في ذلك النّقص و ليس في كماله الافتراضي .
و حتّى حين يتدخل النّاقد بمشرطه لإزالة الزّوائد و النّتوءات غير المرغوب فيها ، و اقتراح البديل .... و ما إلى ذلك فهو لا يبحث عن الكمال . علماً بأنّه هو أيضا إنسان .

فما ضرورة النقـــد ؟

النقد مرآة ناصعة صافية؛ تعكس العمل وفق نصاعتها وصفائها . و من خلالها يشعر المبدع كم كان مقصراً : في اللّغة ، في التعبير ، في الرؤية ، في الوزن ... فيعيد النّظر فيما كتب . ألا يعتقد الواحد منا أنّه على أحسن ما يرام قبل خروجه من بيته ، حتّى إذا إلتفتت إليه زوجته أصلحت من شأنه . أو ألقى نظرة على المرآة ففوجئ أن ربطة العنق ليست كذلك فيضبطها ، و أنّ شعر راسه لم يسرح التّسريحة المعتادة ، و أنّ حلاقة الصباح المستعجلة تركت بعض الشّعيرات على ذقنه و أنّ , أنّ ... إذاً ؛ المرآة توضح النّقص ؛ لتلافيه و إصلاحه.فكذلك النّقد . فعين المبدع لا ترى أبعد من لحظة الإبداع . بينما عين النّاقد نظرة أشمل و أوسع و أعمق ... و تلك موهبة قبل كلّ شيء ؛و دراسة و بحث في النّهاية . وتلك الموهبة ؛ و تلك الدّراسة لا يمكن أن تتأتى لكلّ مبدع .

بل هناك من المبدعين النّقاد . من يطمئنون لوجهة نظر الآخرالذي هو زميل في النّقد . و أتحدث هنا عن الناقد الحقيقي و ليس أشباه النقاد ، و المتنطعين ....
منذ أشهر قليلة توصلت بمخطوط كتيب نقدي في ''الأسلوبية '' لأحد أعضائنا البارزين النّقاد في مصر ، الذين يعملون في صمت بعيداً عن الهالات و الشّعارات والأضواء ، و الذين يتركون أعمالهم تتكلم عنهم .. و له كتب قيمة ، في مجال التّنظير و النّقد ... بعث لي بكتيبه الصّغير و الجليل حوالي 120صفحة ..للاطلاع عليه قبل النّشر و تزويده بما يعنُّ لي من ملاحظات . فقرأته ، و ذيلته ببعض الملاحظات التي كنت أعتقدها بسيطة في المنهج و طريقة التّقديم و التّأخير . و إذا بملاحظاتي البسيطة تغير مجرى الكتيب رأساً على عقب . فأجد في بريدي لهذا الأسبوع كتيبا في '' الأسلوبية '' قد أعدّ إعداداً مختلفاً. و على ضوء تلك الملاحظات البسيطة . أو التي ظننتها بسيطة .
و هذا أسعدني جداً . و إن كنت أنسى؛ فلن أنسى عبارة الأخ الناقد في إهدائه : ( ..... إن ملاحظاتك فعلت فعل السّحر . فغيرت طريقة عرض الكتاب . بل غيرت المنهجية كلّها . و أحسبك الآن شريكا لي في إعداد هذا الكتاب . )


نحن في حاجة إلى النّقد . قد يكون لدينا ركام من الإبداع كما هو في متنتديات ''واتا '' و لكن بدون غربلة نقدية؛ سيبقى كلّ ذلك في نظر الغافل و المبتدئ / إبداعا . و في نظر النّقد الصّامت و الغائب سيكون كلّ ذلك / ركاما من الكلام يفتقر إلى الإبداع في معظمـه .


لهذا أشيد بهذه الورشة . و أهنئ النّقد و النّقاد و النّاقدات ؛ والمبدعين و المبدعات ... بأن وُجد لهم فضاء آخر؛ لسماع وجهات النّظر المختلفة . و اكتساب ثقافة الفهم ، و الحوار، و التّعلم .... و اكتساب ثقافة النّقـد .


مع خالص تحياتي
د مسلك ميمون