السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه أول مشاركة لي في هذا المنتدى ولعلها تحوز على إعجابكم وأرحب بتعليقات أساتذتي الأفاضل على القصة والتي كتبتها بعنوان موقف وعبرة:
موقف وعبرة
في إحدى شركات القطاع الخاص، جلس الموظف أمام مديره الذي كان ممسكًا بتقرير عن أدائه في العمل.
وبينما هو يستعرض التقرير
ويتصفح سجل ساعات العمل الخاص بهذا الموظف، لفت انتباه المدير شيء غير عادي وهو أن ساعات العمل الخاصة بالموظف كانت مطابقة تمامًا لعدد ساعات العمل الرسمية المتفق عليها في الشركة
نظر المدير إلى التقرير ثم إلى الموظف وقال له في لهجة قريبة من العتاب "إنك بالكاد تؤدي ساعات عملك ولا تكاد تحقق أية ساعات إضافية!!!
عليك أن تعلم أن هذا لن يكون له أحسن الأثر عند إجراء التقييم السنوي للموظفين"
انظر إلى عدد ساعات العمل الإضافية التي تم تسجيلها لك، وقارن بين هذا السجل وذاك
يبدو لي أنك الموظف الوحيد الذي يؤدي ساعات عمله فقط بدون أية زيادات!!!
وقتها اعتري ذلك الموظف شعور بالحياء وهو يرى سجل أعماله في الشركة وكم هي ضئيلة ساعات عمله مقارنة بساعات عمل الزملاء.
يا الله !! كل هذا الفارق يا له من موقف.......... ودارت هذه التساؤلات في ذهنه في الحال
- "كيف أواجه الرجل وكيف أبرر تقصيري (لم رضيت بأن أؤدي ما هو مطلوب مني فقط ولم أستزد لأفوز برضاه ولأحصل على أعلى المناصب)
- ثم ما الذي سيترتب على ذلك؟؟
ما الذي سيقولونه عني!!! وما هو التقييم الذي سأحصل عليه
ولكن أنا معذور فقد كانت لدي مسؤوليات أخرى وكنت مشغولاً بأمور أسرتي وأهلي وغير ذلك!
يا له من شعور بالحسرة.....
هل أستطيع محو ذلك السجل من أمامه!!!
هل أستطيع تغييره!!!
يا ليتني لم أر هذا السجل ....
إنه شعور بالفشل، شعور بالتضاؤل!!!
عندما تشعر أنك أقل القوم أداءً وأنه كان بإمكانك أن تؤدي المزيد....
لم رضيت بالدون في الوقت الذي كان الجميع فيه يتنافسون للحصول على القمة!!!
"أنا فعلاً مقصر؟؟"
صحيح أن العقد الذي بيني وبينهم ينص على عدد ساعات معينة وقد أتممتها كما هو المفترض علي، ولكن
لم كانت هذه همتي؟
إن هؤلاء القوم بذلوا أكثر مما بذلت، وهم الآن يأخذون أجرهم .
- وبينما هو في ذلك الصراع الصامت إذا بصوت المدير وهو يقول له
"ما هذا الذي ألحظه أيضًا، لقد تغيبت كثيرًا عن العمل هذا العام ،بل وكنت تأتي متأخرًا في بعض الأحيان وهذا شيء سينعكس بالتأكيد على درجتك في التقييم السنوي"
انظر إلى هذا التقرير الآخر, انظر إلى هؤلاء الزملاء الذين كانوا يأتون إلى العمل مبكرًا في كل يوم بل ويظلون إلى بعد دوام العمل لساعات كل يوم.
أتظن أنك تستوي معهم في الأجر عند إجراء التقييم السنوي؟
وهنا بدأ الصراع مرة أخرى
"بم أجيب، وأنا لم أفق بعد من الصدمة الأولى
سبحان الله أنا لم أكن مقصرًا ، إنما هو حقي وقد كنت أستغله ولم أحاول تجاوزه!!!
إن لي رخصة ومن حقي أن أستغل تلك الرخص فقد كنت في بعض الأيام مريضًا أو كانت هناك ظروف خاصة لدى أسرتي, ثم إني لم أتجاوز عدد أيام الأجازات المسموح لي بها.
ولكن ماذا عن الآخرين, ما هذه السجلات التي أراها أمامي.....
يبدو أنني الوحيد الذي كنت أترخص وأستغل حقوقي لقد كان الأَولى لي أن أضع في حسابي ذلك اليوم وذلك الموقف
أن أعلم أنه سيأتي يوم وأحاسب فيه عن تصرفاتي
لم رضيت لنفسي أن أكون في هذا الموقف!!!
لقد قنعت بالدون وها أنا الآن أجني ثمار تصرفاتي..
يا له من موقف...
وهنا شرد ذهني بعيدًا عن ذلك كله، حيث الآخرة, وتذكرت موقفي أمام الله عز وجل وقت تطاير الصحف وتوزيع الكتب، يا ترى ماذا سيكون في كتابي؟
هل كنت بالكاد أؤدي فرائض ربي ولا أزيد؟
ألم أسجل أية ساعات إضافية في صلاة أو زكاة أو قراءة قرآن أو أي من الطاعات التي يرضى عنها الله؟
وماذا عن الأيام التي تخلفت فيها عن صلاة الجماعة والأيام التي كنت أحضر فيها إلى الصلاة متأخرًا
هل أستطيع أن أمحو تلك العلامات من السجل؟
لقد شعرت بالخجل والنقص وأنا أمام رب العمل وهو يتصفح سجل عملي ويقارنه بالسجلات الأخرى، وكنت أود لو لم أشهد مثل هذا الموقف كدت أذوب خجلاً ولا أدري ما أقول، فكيف وأنا واقف أمام رب العالمين!!!
حينما كان الأمر يتعلق بدنيا زائلة لا تلبث أن تنقضي إما بزوالي عنها أو بزوالها عني فقد كدت أموت كمدًا وحسرة على ما فرطت في جنب صاحب العمل والوظيفة, ولكن كيف يكون شعوري حين أرى تفريطي في جنب اللهََََ!!!
بم أجيب ربي حين يعاتبني على تقصيري في أداء العبادات والفرائض، في الوقت الذي كنت فيه حريصًا كل الحرص على ألا يفوتني أمر من أمور الدنيا.
بم أجيب لو قال لي "لم أهملت العبادات ورضيت في تنفيذها بأقل القليل وما لا يتم الواجب إلا به مع أنك كنت حريصًا كل الحرص على ألا يفوتك أي أمر من أمور الدنيا
لم كنت تسعى إلى تحقيق الكمال في العمل وكنت تقول إن العمل عبادة مع تفريطك في العبادة التي افترضتها وكتبتها عليك ولم أكلفك غيرها "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
ألم تسمع قولي: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً"
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا"
ألم تسمع قول رسولي [ الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً ]
ألم تسمع قوله عن الدنيا [إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء]
لم كنت تحزن وتشعر بالغيرة وأنت ترى زميلا لك يسبقك في العمل ويحقق ما لم تستطع تحقيقه, مع أنك لم تكن تشعر بأدنى نوع من الأسى عندما تعلم أن هناك من سبقك إلى المسجد أو إلى حفظ القرآن أو صيام التطوع وطلب العلم؟
في تلك اللحظة مر شريط حياتي كلها في مخيلتي في لمح البصر وتذكرت الأوقات التي كنت أقضيها بدون تبرم ولا ملل في دراسة إحدى اللغات الأجنبية أو أخذ دورة تدريبية في علم من العلوم الدنيوية فقط بغرض أن أحصل على مكانة أعلى وفرصة أفضل في العمل, من أجل حفنة أموال أكثر...
في الوقت الذي كنت أبخل فيه عن حضور درس علم شرعي وأتعلل بأننا لسنا مكلفين بذلك وطالما أني أصوم وأصلي فأنا بخير وهذا يكفي
يا الله كل هذا التكالب على الدنيا وكل هذه الهمة لمحاولة الحصول على ظل زائل ودنيا حقيرة
وقتها سمعت قارئًا يقرأ
" إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون * والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
أين كانت تلك الآيات في كتاب الله؟ كأني أسمعها لأول مرة!!!
ولم يسكت الصوت بعد بل استمر وتداعت إلى قلبي عدة آيات أخر كأنها وخز الإبر
"وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون"
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهوٌ وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"
يا للصدمة ماذا أعددت لهذا كله، ولم كان هذا التفاوت في الهمة بين السعي للدنيا والسعي للآخرة؟؟
لم آثرت تلك الدنيا على ما عند الله!!!
لم رضيت بأن يكون كل همي وهمتي في دنيا زائلة!!!
أسئلة كثيرة لم أجد لها إجابة.....
ولكن لا بد من وقفة مع النفس
وقفة لمعرفة ذلك التناقض في السعي بين الدنيا والآخرة
وقفة تأتي قبل فوات الأوان......
محمود ريان
المفضلات