إنهاء الانقسام في عشرة أيام
أ.د. محمد اسحق الريفي
الصراع الدائر بين حركتي حماس وفتح سبب أساس لاستمرار الانقسام الداخلي، والمجتمع الدولي متورط في هذا الصراع، وقد هندسه وصممه بطريقة لا تستطيع حركتا فتح وحماس إنهاءه أبداً، ولهذا فإن حلم إنهاء الانقسام لا يمكن أن يتحقق إلا بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين والعرب، وليس بالضغط على الحركتين لإنهائه.
أكد تقرير "ميدل إيست مونيتار" (7/2009) ضلوع أطراف أوروبية إلى جانب الأمريكيين في تصعيد الصراع بين حركتي حماس وفتح، وتعميقه وتوسيعه واستدامته، عبر تقديم الدعم المالي والاستشاري والعسكري للسلطة الفتحاوية في الضفة الفلسطينية المحتلة في مواجهة حركة حماس، بهدف تقوية حركة فتح ضد حركة حماس وفصائل أخرى. ويتضمن الدعم الأطلسي (نسبة إلى حلف "الناتو") للسلطة الفتحاوية تدريب الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" للأجهزة الأمنية التابعة لرئيس حركة فتح محمود عبَّاس، والإشراف عليها في سياق الحرب على المقاومة، إضافة إلى تشكيل لجنة أوروبية للإشراف على سجون السلطة الفتحاوية في الضفة، بحسب خطة رئيس اللجنة الرباعية الدولية "توني بلير"، التي تهدف إلى زيادة سلطات المدعي العام في الضفة لاعتقال المقاومين ومحاكمتهم، وإلى التأكد من جدية التحقيق مع المقاومين وتعذيبهم وعدم خروجهم من السجون إلا إلى القبور، كما حدث لعدد من قادة حماس، وأحدثهم الشهيد فادي حمادنة، الذي عذبته أجهزة عبَّاس الأمنية في سجن جنيد حتى الموت.
إذاً الصراع الدائر بين الفلسطينيين في الضفة وغزة هو صناعة أطلسية 100%، وقد صُمم هذا الصراع بحيث لا ينتهي إلا لمصلحة الكيان الصهيوني، فبينما لا تستطيع السلطة الفتحاوية الاستمرار دون دعم المجتمع الدولي المالي والدبلوماسي والسياسي، بسبب التزامها بالتعاون الأمني مع العدو الصهيوني وفقاً لاتفاقيات أوسلو، فإن حركة حماس لا يمكن أن ترضخ لإملاءات المجتمع الدولي وشروطه المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، حيث جعل المجتمع الدولي هذا الرضوخ والاستسلام للعدو الصهيوني الباب الوحيد المفتوح أمام حركة حماس للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن وإنهاء حالة الانقسام.
وللخروج من هذا المأزق، فلا جدوى من الضغط على الفلسطينيين في اتجاه مصالحة وطنية فلسطينية، لأن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعدو الصهيوني يفرضون من خلال السلطة الفتحاوية في الضفة على حركة حماس شروطاً مذلة ومهينة لا يمكن أن يقبلها شعبنا مهما زادت معاناته وكثرت تضحياته وتدهورت أوضاعه الداخلية، ولأنهم حريصون على استمرار الصراع بين الحركتين وتعزيز الانفصال التام بين الضفة وغزة، تحقيقاً لحلم الكيان الصهيوني بإقامة كيانين متناحرين أحدهما في غزة والآخر في الضفة، بينما يستمر العدو الصهيوني في عملية الاجتثاث العرقي للشعب الفلسطيني من أرضه.
ولذلك فإن الطريق الوحيد لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني لا يكون إلا بالضغط على صانعي الصراع الفلسطيني الداخلي ومهندسيه والمشرفين عليه، الأمريكيين والأوروبيين وبعض الأنظمة الرسمية العربية الدائرة في فلك البيت الأبيض الأمريكي. وذلك عبر النزول إلى الشارع العربي، وفق خطة محكمة ومتينة وشاملة، تشارك فيها الحركات والأحزاب السياسية العربية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بهدف إقناع رعاة الانقسام عملياً، وليس نظرياً فقط، بأن مصالحهم في منطقتنا العربية ستكون ثمناً باهظاً لاستمرار الانقسام الفلسطيني وتعميقه، وأن الاستقرار الهش في منطقتنا مرهون بالاستقرار في فلسطين المحتلة.
أعلم أن كثيراً من القارئين ينظرون إلى الدعوة إلى النزول إلى الشارع نظرة شك واحتقار، بل إن بعض الحركات والأحزاب يصرِّحون بوضوح بأن النزول إلى الشارع ليس من أخلاقهم، ولا يمكن لهم أن يستخدموه وسيلة للضغط على النظام الحاكم... وهكذا. مبررات غير منطقية للتخاذل والتقاعس والسلبية، تنم عن عدم ثقة بالشارع العربي، واستخفاف بالرأي العام المحلي، وفراغ فكري وسياسي وقيادي، وحسابات سياسية واجتماعية خاطئة، وعجز غير مبرر، وتثاقل إلى الدنيا ومتاعها الزائل، وإساءة تقدير الخطر الكبير الذي تتعرض له فلسطين المحتلة وشعبها المرابط والمسجد الأقصى المبارك!!
إن النزول إلى الشارع، بطريقة منظمة وموجهة وهادفة، لمدة عشرة أيام متتالية كفيل بإقناع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بإعادة النظر في سياساتهم العنصرية والوحشية والدموية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، وقد تستمر الفعاليات الشعبية المناهضة للأمريكيين والأوروبيين الداعمين للسلطة الفتحاوية في الضفة إلى أكثر من عشرة أيام، ولكن لا بد من بداية، ولا بد من التفاؤل والثقة.
11/8/2009
المفضلات