الأخوة في هذا المنتدى:
انقل لكم هذا المقال الذي ورد اليوم في صحيفة القدس العربي , مع ان ما جاء به لا يتوافق مع آرائي التي طرحتها عليكم سابقا عبر مقالاتي المتعلقة بايران, اورد هذا المقال عملا بحرية الفكر ولوجود قناعة لدي ترتكز على استحباب طرح المواضيع التي تتناول شأنا معينا بحيث تكون متنوعة والآراء فيها متعاكسة أحيانا من أجل فتح باب النقاش الحر ليشارك به أصحاب الآراء المختلفة وارجو أن أوفق بذلك.
عمر عبد الهادي
إستراتيجية إيران في التعامل مع محيطها العربي الإسلامي
بوفلجة غيات
28/08/2009
عرفت إيران تحولات كبيرة انتقلت بموجبها من حلف ثلاثي قوي جمع كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى جانب إيران، حيث كانت قوة إقليمية بمثابة دركي الشرق الأوسط.
بعد ذلك تحوّلت إيران بعد ثورتها الإسلامية إلى النقيض الآخر، بعد عودة الإمام الخميني من منفاه إلى طهران وخروج الشاه رضا بهلوي، وأصبحت إيران من ألد أعداء كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وعلى هذا الأساس بنت سياستها الخارجية.
تميزت السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط بعد الثورة بوقوفها إلى جانب سورية في وقت تآمر عليها الإخوة والأشقاء، ودعمت كلا من حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة المسلحة في غزة، وهي سياسة نالت بسببها تعاطف شرائح واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية ومثقفيهم.
من الجوانب التي تلفت الإنتباه في سياسة تعامل إيران مع المتغيرات الإقليمية والدولية، انتهاجها طريقة غامضة في إدارتها لمجموعة من التناقضات، وتعاملها مع الحروب التي تمّت على حدودها في أفغانستان والعراق، وتعاملها مع الدول المجاورة لها.
لقد كانت إيران عدوّة لأنظمة الحكم المجاورة في أفغانستان والعراق، عداوة لطالبان التي حاربت الحزب الشيعي في أفغانستان وانتصرت عليه. أما العراق فقد كانت لها معه عدّة حروب مدمّرة، راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى وخسائر مادية كبيرة من البلدين. لذلك بقي صدام حسين وحزب البعث في العراق من ألد أعداء إيران.
لهذا عملت إيران على التخلص من النظامين، فاستغلت حرب أمريكا على الإرهاب للإندماج فيها ومساعدة الولايات المتحدة للتخلص من عدويها بالمنطقة، وذلك رغم كون الولايات المتحدة 'شيطانا أكبر'، وعدوا كبيرا لإيران.
فإيران ساعدت قوات الحلفاء على احتلال أفغانستان سرا ودون إعلان إعلامي عن ذلك، وفي نفس الوقت فهي تعلن أنها ضد الإحتلال الأمريكي لأفغانستان، وضد تواجد القوات الغربية على حدودها. فهي ضدّ تنظيم القاعدة وحركة طالبان، إلا أنها تفرح لعمليات المقاومة ضد جنود الحلفاء. فهي مع حكومة كابول وضدها في نفس الوقت، لأنها تتعامل مع القوات الغربية.
نفس الشيء بالنسبة للعراق، فإن دور إيران كان حاسما في احتلال العراق، وتنسيقها مع شيعته، وخاصة المجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة، من أجل تسهيل عملية دخول القوات الأمريكية وحلفائها إلى العراق، والإنتقام من صدام حسين. وفي نفس الوقت تعلن إيران وقوفها إلى جانب المقاومة العراقية، وتغطي إعلاميا مختلف عملياتها وكل خسائر الحلفاء في العراق، بما في ذلك عمليات تنظيم القاعدة، وهو ما يبرز قدرة إيران على التعامل مع المتناقضات.
وهكذا تتعامل إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بأفغانستان والعراق، فهي تساعد الحلفاء وتنسق معهم عمليا، وهي تصرح إعلاميا بعدم رغبتها في وجودهم على حدودها، من خلال إعلامها الرسمي.
نفس الغموض نجده في سياسة إيران مع محيطها العربي، فهي تصرح إعلاميا في اتجاه التعاون الإسلامي، وتسعى إلى إيجاد تكتل إسلامي مع الدول العربية الخليجية، والتي تقيم قواعد أمريكية وبريطانية وفرنسية على أراضيها.
إلا أنها تعمل في نفس الوقت على بناء وتطوير ترسانة عسكرية قوية، تمكنها من الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ككلّ. كما أنها تحرّك الشيعة وتدعمهم بأسباب القوة وتشجعهم على التحرك ضدّ الأنظمة العربية السنية، كما تفعل في السعودية والبحرين واليمن والكويت. وهو ما يبرز حقيقة النوايا الإيرانية في إيجاد ظروف هيمنة الشيعة على الشرق الأوسط تحت قيادة إيرانية.
وهكذا نجد إيران الإسلامية تتعايش مع المتناقضات السياسية لخدمة مصالحها البعيدة الأمد. فهي حليفة لسورية التي تدعم المقاومة السنية في العراق، في حين أن إيران معادية لهذه المقاومة، وتقف إلى جانب الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة. بل يرى كثير من العراقيين ـ من السنة خاصة - أن إيران كانت وراء الفتنة الطائفية التي كادت أن تعصف بوحدة العراق.
وبهذا تستغل إيران خبرتها السياسية التي اكتسبتها عبر تاريخها الفارسي العريق في تعاملها مع الأحداث الدولية، ونجحت في استغلال الوجود الأمريكي في أفغانستان والعراق لخدمة مصالحها القومية الشيعية.
لقد كانت السياسة الإيرانية أذكى من السياسة الأمريكية، ذلك أن إيران حققت أهدافها وقضت على أعدائها، حكومة طالبان في أفغانستان وصدام حسين وحزب البعث في العراق، بأياد وأموال أمريكية. واكتفت إيران بتحريك أتباعها وخلاياها ومخابراتها في الدولتين، لمساعدة الولايات المتحدة وجني نتائج انتصاراتها الميدانية. وهكذا خسر الحلفاء الآلاف من القتلى والجرحى ومليارات الدولارات، وجنت إيران النتائج التي سعت إلى تحقيقها دون خسائر تذكر. كما أنها استغلت الظروف وانهماك الولايات المتحدة في حروبها لاستغلال الوقت وتطوير أسلحتها وقدراتها المادية والبشرية، لتفرض نفسها كقوة إقليمية نووية في منطقة الشرق الأوسط.
إن المناورات السياسية الأمريكية، دفعت كثيرا من المحللين السياسيين إلى تأكيد وجود تنسيق سري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، أما الحملات الإعلامية هي عبارة عن ذر الغبار على العيون، إذ أن إيران تصرح بأمور وتعمل بما هو يناقضها.
إن الضغط على الأقلية السنية والعربية في إيران ومناصبتهما العداء، وعدم تقديم إشارات جدية للتقريب بين المذهبين الشيعي والسني، والسكوت على بعض الأفكار المتطرّفة عند غلاة الشيعة، وتدعيم الأقليات الشيعية في الوطن العربي، والتصريح بالأطماع الإيرانية في البحرين، وعمليات التسلح الكبرى التي تقوم بها، وغموض سياستها في منطقة الخليج، وتدعيم حملات التشيّع في جلّ الدول العربية، عوامل جعلت الساسة العرب عموما لا يثقون في السياسة الإيرانية في المنطقة. وحتى الذين يتعاملون معها ويؤيدونها سياسيا في صراعها مع الغرب، فهم يفعلون ذلك بحذر كبير. فالعرب يرغبون في رؤية إيران دولة قوية إلى جانبهم، إلى جانب الإسلام بكل طوائفه ومذاهبه، وهو ما يتطلب منها تغيير ممارساتها السياسية والعمل على بناء الثقة مع الدول العربية والإسلامية المجاورة، حتى تصبح إيران الإسلامية وليست إيران الشيعية.
كاتب من الجزائر
المفضلات