أخي وحيد،
القاعدة العامة أن صفات الأعمال المشتركة بين الذكر والأنثى، ويستطيع كل منهما القيام بها يمكن أن تذكر أو أن تؤنث بحسب الفاعل ذكرا كان أم أنثى، أما صفات الأعمال التي تختص بها الأنثى دون الذكر، وكذلك صفات الأعمال التي يختص الذكر بعملها دون الأنثى فممنوعة من التأنيث، ولا يجوز تأنيثها.
ولعل السبب الأصلي في تذكير معظم المهن هو أنها كانت تكاد تكون حكرا على الذكور دون الأناث في العهود الغابرة، حيث لم تكن الأعراف تسمح للإناث بممارستها في تلك العهود. ولعل السبب في تجويز كسر هذه القاعدة والخروج عليها والخروج بالتالي على الفصاحة هذه الأيام هو أن تلك الأعمال أصبحت تمارس اليوم من قبل الإناث، ولذلك فقد قام الناس بتأنيثها خروجا على الفصاحة، وخروجا على القواعد اللغوية التي تحث دائما على الأفصح. وقد أصبح الناس لا يستغربون عند سماعهم صفات المناصب والوظائف والواجبات والمهمات والمهن والحرف والأعمال والألقاب والرتب مثل الطبيبة والدكتورة والمعلمة والنائبة والوزيرة والمديرة والرئيسة والقائدة والمفتشة والسفيرة، لا بل والنبية المدعية للنبوة.
إلا أن التأنيث بتاء التأنيث قد يكون واجبا في بعض الأحوال التي بينها النحاة، وقد يكون ضروريا من أجل التمييز بين المعاني والدلالات، ومثلما تم تذكير الصفات الأنثوية التي تختص بها الأنثى دون الذكر كالحمل والإرضاع والحيض والبكارة نحو : حامل (إذا كانت تحمل في بطنها جنينا), مرضع (إذا كان ثدياها يدران الحليب), حائض (من الحيض)، بكرٌ (من البكارة)، ثيبٌ (من الثيب)، طالق (من الطلاق الذي يقع عليها، ولا يقع على الرجل عموما) أو حلوب (كثيرة الحليب)، ونقول طامث، وعاقر، وقاعد، وكاعب، وناشز، وناهد لأن المذكر لا حظ َ له فى مثل هذه الأوصاف، لكن يكون لزاما علينا أحيانا أن نؤنث بعض هذه الصفات بتاء التأنيث من أجل التعبير عن الأفعال الأخرى المشابهة لها لفظا والمختلفة عنها معنى ودلالة. ففي اللغة اذا بُنيت هذه الأوصاف على المستقبل قيل : هند حائضة, وزينب طالقة، وطامثة، ومرضعه، على معنى "تحيض وتطلق وتطمث وترضع".
إذن لا يجوز لنا أن نقول للمرأة: حاملة (إذا كانت تحمل في بطنها جنينا), فالفرق بين المرأة الحامل والمرأة الحاملة فرق دقيق، لأن المرأة الحامل حامل في بطنها، أما المرأة الحاملة فهي حاملة بيديها أو على ظهرها، فالحمل الأول (حمل الجنين) صفة تختص بها المرأة، وأما الحمل الثاني فهو (حمل الأشياء باليدين أو على الظهر أو بأي شكل كان)، وهي صفة مشتركة بين الذكر والأنثى، ولذلك فهي تذكر مع الذكر، وتؤنث مع الأنثى.
ومن هذا قوله تعالى في سورة الحج (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)، لم يقل كل "مرضع" لأنه لا يقصد المرأة المرضع ذات اللبن الحليب القادرة على الإرضاع، وإن لم تباشر الإرضاع، فهذه الصفة تخص الإناث فقط ولا تؤنث. لكنه سبحانه قال كل "مرضعة" لأنه لا يقصد هنا صفة القدرة على الإرضاع, وإنما يقصد وضع وحالة الأم المرضع أي المرضعة التي تحمل ابنها الطفل الرضيع وتسبغ عليه حنانها، وتضمه إلى صدرها، وتضعه عليه في وضع الإرضاع (وهذا أمر يمكن للرجل أيضا أن يفعله). ويقال أن المرأة المرضع في هذا الوضع وهذه الحالة تكون في أقصى درجات الحنان والتعلق برضيعها، لكنها رغم ذلك تذهل عنه عند زلزلة الساعة لهول الموقف.
ودمتم
منذر أبو هواش
المفضلات