صفحات من طفولة المفكرين - الدكتور مصطفى السباعي
كان أبي – رحمه الله – يحضرني معه على صغر سني لمجالس العلمية مع لفيف من فقهاء مدينة حمص ، وكانوا يتدارسون الفقه ويتناقشون في أدلة مسائله مما حبّب إليّ هذه الأجواء ، حتى إذا تهيأتُ للدراسة العلمية وجهني إلى دراسة علوم الشريعة وبخاصة دراسة الفقه المقارن ومسالك الأئمة في اجتهاداتهم .
وكان يرحمه الله قوي الشكيمة مع أعداء البلاد ، مسارعاً إلى الجهاد ، مؤيداً للحركات الوطنية قولاً وعملاً . ولا أزال أذكر وأنا ابن ست سنين كيف رأيته مع أكثر علماء حمص – وهو أصغرهم سناً – يطوفون في شوارع المدينة وأسواقها وقد تمنطقوا بأحزمة الرصاص ، وبأيديهم البنادق ، يمشون على مهل صفوفاً منتظمة، مكبّرين مهلّلين داعين الشعب إلى مقاومة الأفرنسسيين حين اقتربوا من حمص عند احتلالهم لسورية ، وقد تقدمهم الشيخ " عبد الغفار عيون السود " .. فاستجاب الناس إلى دعوتهم للجهاد ، واشتروا السلاح والذخيرة ، واستعدوا لمقاتلة الجيش الفرنسي الذي كان قادماً عن طريق طرابلس . ولا أزال أذكر تلك الليلة التي غاب فيها أبي عن البيت ليخرج مع المجاهدين ، كيف سهرنا الليل كله مع أخي نسمع أزيز الرصاص وطلقات المدافع . وأمي تضمني وأخي إلى صدرها وهي تدعو الله أن ينصر المجاهدين .
ولما نشبت الثورة السورية في حمص عام 1927 كان والدي – رحمه الله – يجتمع بكثير من الثوار سرّاً في بعض البيوت ليسلّمهم ما جمع لهم من إعانات مع بعض إخوانه . وكان يرسل معي إلى بعضهم جريدة " المقطم " التي كانت تنشر أنباء معارك الثورة بالتفصيل وكان الفرنسيون قد منعوا دخولها
رد مع اقتباس
المفضلات