هديتي أقدمها إلى أبناء الكنانة
إلى من ألمعت بروق الآمال , وزهوة الانتصار في نفوسهم
إلى من أبصرت نور النهضة في الترجمة من سلامة فكرهم
إلى من كان الطموح هدفهم , ورفعة هذا الوطن غايتهم
إلى إخواني وأخواتي في الجمعية المصرية للمترجمين واللغويين
إلى كل الأحرار الشرفاء في هذا الوطن الكبير , والصرح الشامخ العزيز
ابنة حلب الشهباء عرفت السرّ
الذي كان يربطها برباط الأخوة لأبناء الكنانة في مصر العروبة حين كان يسرد لها جدّها عن جدّه - رحمهما الله –حكايا وقصص الأبطال التي خلّد التاريخ اسمهم ..
و البطل سليمان بن محمد أمين الحلبي كان أولهم ....
الذي لم يكن يعرف حدودًا مصطنعة , ولا حواجز واهية بين الوطن الواحد ..تهزّه الحميّة لتحرير البلاد من المستعمر الأجنبي , وتزهو في نفسه العزة والنخوة والكرامة...
وضع أمام نصب عينيه هذا العاقل الوقور , والناهض الأمين , والمجاهد البطل هدفًا ساميًا , ورسم لطريقه عنوانًا واحدًا على أن يخلّص شعب مصر من العدو الغاصب , وعاهد نفسه على أن يكون وفيًا أمينًا لأمته ... لا يهاب عدوّا , ولا يخش جبانًا ...
قطع المسافات الشاسعة , والدروب الشائكة لينال هدفه في الدفاع عن شرف الأمة وكيانها لأنه علم بحقّ أن كل بقعة من بقاع أرض الإسلام والعرب هي دياره ...
إنه الشهيد البطل
سليمان بن محمد أمين الحلبي
|
|
|
|
ولد سليمان الحلبي عام 1777 في قرية (عفرين) في الشمال الغربي
من مدينة حلب ، من أب مسلم متدين اسمه- محمد أمين- ، كانت مهنته بيع السمن وزيت الزيتون ، فلما بلغ سليمان العشرين من عمره ،
أرسله أبوه براً ، عام 1797، إلى القاهرة لتلقي العلوم الإسلامية في جامع الأزهر حيث انخرط سليمان في ( رواق الشوام ) المخصص لطلبة الأزهر من أبناء بلاد الشام ، فيه يتعلم ويأكل وينام مع كوكبة من أقرانه الفتيان الشوام . وقد وطّد صلته بالشيخ أحمد الشرقاوي أحد الأساتذة الشيوخ الذين تتلمذ عليهم ، وأحيانا كان سليمان يبيت في منزل أستاذه الشيخ الشرقاوي الذي رفض الاستسلام للغزوة الفرنسية فساهم بإشعال فتيل ثورة القاهرة الأولى بدءاً من يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1798 .
وقد استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام ، انضم بعدها سليمان إلى مجموعة من الشوام المقيمين في (رواق الشوام) كطلبة في الأزهر ، وقد كانوا أربعة فتيان من مقرئي القرآن من الفلسطينيين أبناء غزة ، هم:
محمد وعبد الله وسعيد عبد القادر الغزي ، وأحمد الوالي . وقد ابلغهم سليمان بعزمه على قتل الجنرال كليبر ، وبأنه نذر حياته للجهاد الإسلامي في سبيل تحرير مصر من الغزاة.. وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد باعتباره كان يمارس مهنة كاتب عربي .
صباح يوم 15 يونيو 1800 كتب الفتى سليمان الحلبي عدداً من الابتهالات والدعوات إلى ربه على عدد من الأوراق ، ثم ثبتها في المكان المخصص لمثلها في الجامع الأزهر ثم توجه إلى (بركة الأزبكية) حيث كان الجنرال كليبر يقيم في قصر (محمد بك الألفي) الذي اغتصبه بونابرت و أقام فيه ، ثم سكنه بعد رحيل بونابرت إلى فرنسا ، خليفته الجنرال كليبر الذي ما إن فرغ من تناول الغداء في قصر مجاور لسكنه (ساري عسكر داماس) ، حتى دخل سليمان حديقة قصر محمد الألفي بك الذي يقيم فيه كليبر ، ومعه كبير المهندسين الفرنسيين (قسطنطين بروتاين) ، وقد تمكن سليمان من أن يطعن بنصلة السكين التي اشتراها من غزة، الجنرال كليبر ، أربع طعنات قاتلة: كذلك تمكن من طعن كبير المهندسين قسطنطين بروتاين ست طعنات غير قاتلة :
و قد تمكن اثنان من العساكر الفرنسيين هما العسكري الخيال الطبجي جوزيف برين ، والعسكري الخيال الطبجي روبيرت ، من القاء القبض عليه في الحديقة ، ومن العثور على السكين التي نفذ بها (مهمة القتل) التي كلف بها كمجاهد إسلامي وهب حياته لحرية مصر وكبريائها المثلوم .
حوكم الفتى سليمان بعد حرق يده اليمنى خلال التحقيق معه حتى عظم الرسغ ، لكنه أنكر صلته بالشيخ الشرقاوي ، وبحركة المقاومة الشعبية الإسلامية المصرية المختلطة (المصرية ـ العربية الحجازية ـ المملوكية ـ التركية العثمانية ـ الشامية). وبما أن رفاقه المقيمين معه في رواق الشوام في الأزهر كانوا أربعة جميعهم من غزة ، وليس فيهم مصري واحد ، بل وبما أنه لم تكن لهؤلاء الأربعة الفلسطينيين أية صلة بعملية القتل ، فقد اعترف سليمان بأنه كان مقيماً معهم مدة 34 يوماً قبل إقدامه على تنفيذ (مهمة القتل) ، عقب وصوله إلى القاهرة من غزة مكلفاً بقتل (ساري عسكر كليبر).. وبأنه أسَّر إليهم بعزمه على قتل الجنرال كليبر من منطلق جهادي نضالي صرف ، لكنهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد . وبذلك أدانتهم المحكمة بالتستر على (الجريمة) قبل وقوعها ، وحكمت على سليمان بالإعدام بالخازوق ، وعلى أحمد الوالي ومحمد وعبد اللّه الغزي (سعيد عبد القادر الغزي كان هارباً) بالإعدام ، وفصل رؤوسهم عن أجسادهم ، على أن يتم قطع رؤوسهم أمام سليمان قبل إعدامه بالخازوق .
وفي الساعة 11.30 من يوم 28/06/1800، نفذ حكم الإعدام بالفلسطينيين الثلاثة أمام عيني سليمان ، ثم حرقت أجسادهم حتى التفحم ، ثم غرس وتد الخازوق في مؤخرة سليمان الحلبي فوق (تل حصن المجمع ـ تل العقارب) ، ثم ترك جثمانه المغروس في أحشائه وتد الخازوق النافذ ، عدة أيام ، تنهشه الطيور الجوارح والوحوش الضواري ، عقب دفن جثمان الجنرال كليبر في موضع من القاهرة قريب من (قصر العيني) ، بعد تشييعه في احتفاء رسمي ضخم ، وقد كان جثمانه موضوعاً في تابوت من الرصاص ملفوفاً بالعلم الفرنسي ، وفوق العلم سكين سليمان الحلبي المشتراة من غزة .
وقد حمل الجنرال مينو معه إلى باريس ، عظام الجنرال كليبر في صندوق ، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر ، وعند إنشاء متحف (انفاليد ـ الشهداء) بالقرب من (متحف اللوفر) في باريس ، خصص في إحدى قاعات المتحف إثنان من الرفوف: رف أعلى وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر ، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: (جمجمة البطل) الجنرال كليبر ، ورف أدنى تحته وضعت عليه جمجمة سليمان الحلبي ، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: (جمجمة المجرم) سليمان الحلبي . والجمجمتان لا تزالان معروضتين في متحف (انفاليد) حتى اليوم..
تتأكد حقيقة أن سليمان الحلبي كان بطلاً حقيقيا ً، وفتى من شهداء الإسلام والعروبة والحرية ، وأنه جدير بالتخليد اسماً وكفاحاً وبطولةً ، وإذا كانت أطراف سورية غير رسمية قد سعت خلال السنتين المنصرمتين لدى فرنسا ، معبّرة عن رغبتها برد الاعتبار إلى اسم سليمان الحلبي ، وتطهيره من صفة (المجرم) اللصيقة بجمجمته في متحف (انفاليد) ، وبالموافقة على أن تسترد سورية رفاته من فرنسا لإعادة دفنها في مسقط رأسه (عفرين) أو في مدينة حلب ، بصفته بطلاً من شهداء الكفاح من أجل الحرية والاستقلال ، فإن العدل وفضيلة الوفاء يقضيان بضم جهود مصر إلى الجهود السورية في هذا السبيل ، وبخاصة أن مصر ، ملتزمة بفضيلة الوفاء التاريخي في كل العصور.. ومن حق روح سليمان الحلبي عليها ، أن يكون له نصيب من هذا الوفاء المصري التاريخي الشهير ، المضاد لكل ألوان الإجحاف والظلم والجحود
منقول عن موقع حلب |
|
|
|
|
المفضلات