المنهج بمفهومه الحديث لا يقتصر فقط على المحتوى التعليمي الذي يتضمّنه المقرّر الدراسي، بل هو كلّ الخبرات التربوية التي تقدّمها المدرسة لطلاّبها داخل المدرسة و خارجها؛ لغرض تحقيق نموّ شامل لهم من جميع الجوانب الجسدية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية.
ويعدّ التدريس أحد العناصر الرئيسة للمنهج، ومكوّن أساسي من مكوناته إضافةً إلى الأهداف، والمحتوى، والتقويم. من خلاله تتحقّق الأهداف التعليمية، وعن طريقه يتم تقديم المحتوى التعليمي، وعليه يتحدّد شكل التقويم وأساليبه وأدواته.
ولا يخفى أنه خلال عقودٍ طويلةٍ مضت, ساد في مدارسنا نمطٌ معيّنٌ من التدريس، نمط تدريسيّ يعتمد على الإلقاء والتلقين والحفظ والاسترجاع، ولعلّ أحد أسباب شيوع هذا النمط التدريسي في مدارسنا العربية يرجع إلى نظرتنا إلى العلم بشكلٍ عام، ونظرتنا إلى المنهج الدراسي على وجه الخصوص. فالعلم من وجهة نظر الكثير منّا عبارة عن مجموعة من الحقائق والقوانين والنظريات! والمنهج ما هو إلاّ الموضوعات المقرّرة بين دفّتي الكتاب المدرسيّ! هذه النظرة القاصرة للعلم والمنهج في الحقيقة لم تؤدّي فقط إلى ترسيخ طرق التدريس المباشر في مدارسنا، بل أنّها ساهمت وبشكل كبير في تدنّي مهارات التعلّم لدى الطلاّب، فأضحى التعلّم لدينا مقصوراً على التحصيل الدراسي في أدنى مستوياته.
وقد تنبّه التربويون المتابعون للعملية التربوية والتعليمية، وكذا المسؤولون عن تطوير المناهج لهذا الخلل البليغ في الممارسات التدريسية والتعلّمية، فبدأوا بحملة تصحيح تربوي واسعة، من خلال بناء مناهج جديدة تهتمّ بتدريس الطريقة إضافةً إلى تدريس المحتوى، ومحاولة تطوير الممارسات التدريسية والتعلّمية عن طريق نشر استراتيجيات وطرائق تدريس حديثة، وأيضاً من خلال المناداة بدمج مهارات التفكير في التدريس، ودمج مهارات التعامل مع التقنية في التدريس.
وهذا بالفعل ما نلحظه حالياً وبوضوح في الميدان التربوي، فالمناهج والمقرّرات الجديدة تؤكّد على أهمّية الاهتمام بالجناح الثاني للعلم وأعني به طريقة الوصول إلى المعرفة، كما أنّ العمليات والممارسات التدريسية المتّبعة من قِبل كثير من المعلّمين اليوم أضحت أكثر حداثةً ووعياً.
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا وبقوّة: كيف يمكن لنا أن نضمن سلامة وصحّة هذه النقلة، من التركيز على تدريس المحتوى إلى التركيز على تدريس الطريقة؟ وإلى أيّ مدى يكون الاهتمام بتدريس الطريقة؟ هل سيكون على حساب تدريس المحتوى؟ بمعنى هل سيؤدي زيادة الاهتمام بتدريس الطريقة إلى قصور في تدريس وتعلّم المحتوى؟ وهل سيكون تدريس الطريقة في سياق تدريس المحتوى التعليمي المقرّر؟ أم سنفسح المجال للمعلّمين للاجتهاد في هذا المجال؟ وماهي الضوابط التي يجب علينا مراعاتها عند تدريس الطريقة؟
هذه الأسئلة وغيرها في الحقيقة تراودني منذ زمن, والموضوع من وجهة نظري واسع وشائك، وقد لا أكون قد وُفّقت في إيصال الرسالة بوضوح، ولكني سأحاول أن أكون أكثر وضوحاً في المداخلات التالية بإذن الله حتّى يحصل المقصود.
بانتظار تفاعل الزملاء المهتّمين، والله الموفّق.
المفضلات