الصلاةُ: هي أقوال وأفعال مفتتحةٌ بالتكبير ومختتمةٌ بالتسليم تتوقف صحةُ أدائِها على خمسةِ شروطٍ هي:
1. العلمُ بدخولِ الوقتِ.
لقول الله تعالى:
إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مّوْقُوتَاً
[سورة النساء الآية: 103]
وقول النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم:
«مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ فَلَهُ وَلَهُمْ وَمَنْ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَعَلَيْهِ وَلا عَلَيْهِمْ»(2)
وحديثِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه: سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم:
أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي(3)
2. الطهارةُ من الحدثِ الأكبرِ والأصغر.
لقول الله تعالى:
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُوا
[سورة المائدة الآية: 6]
وقول النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم:
«مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»(4)
وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم للمسيء صلاته:
«إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ…»(5)
3. طهارةُ الثوبِ والبدنِ والمكانِ.
لعموم قوله تعالى:
وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ
[سورة المدثر الآية: 4]
وحديثِ أَبِي سَعِيدٍ الخدريِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ:
بَيْنَمَا النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم صَلاتَهُ قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ» قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَراً» أَوْ قَالَ: «أَذًى» وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَراً أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا»(6)
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ:
أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ(7)
وعنها رضي الله تعالى عنها قَالَتْ:
كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِه(8)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم رَأَى أَعْرَابِيّاً يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «دَعُوهُ» حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ(9)
4. سترُ العورةِ.
لقول الله تعالى:
يَا بَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ
[سورة الأعراف الآية: 31../ وعند كل مسجد يعني: عند كل صلاة, والزينة اللباس الكامل الهيئة الذي أدناه ستر العورة]
وقول رسول اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم:
«لا تُقبل ُ صلاةُ حائضٍ إلا بِخِمَارٍ»(10)
وحديثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ:
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ(11)
5. استقبالُ القبلةِ.
لقول الله تعالى:
قَدْ نَرَىَ تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَآءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ
[سورة البقرة الآية: 144]
وقول النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم للمسيء صلاته:
«إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ…»(12)
وبما أن الشرط من بعض تعريفاته هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم (انظر فقه السنة للشيخ/ سيد سابق)، فإنه يتعين توفر تلك الشروط فإذا فقد واحد منها لم تصح الصلاة.
وهذه الأقوال والأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
• الأول: الأركان وتبطل الصلاة بترك شيء منها عمداً، وإن تركه سهواً لم تبطل إذا أتى به مع سجود السهو. وذلك له تفصيل في المذاهب تجده في كتب الفقه.
• الثاني: الواجبات وتبطل الصلاة بترك شيء منها عمداً، وإن تُرك سهواً لم تبطل، ويجبره إذا تذكرته سجود السهو.
• الثالث: السنن ولا تبطل الصلاة بترك شيء منها لا سهواً ولا عمداً، والأولى فعلها، حباً لعمل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومتابعة له.
والفرق بين (الشروط) وبين (الأركان والواجبات والسنن) هو:
أن الشروط أمور خارجة عن جسم الصلاة.
بينما الأركان والواجبات والسنن أمور يتركب منها جسم الصلاة من القراءة والذكر والحركات والسكنات.
وأركان الصلاة أحد عشر ركناً هي:
1. النية.
2. تكبيرة الإحرام.
3. القيام في الفرض.
4. قراءة الفاتحة في كل ركعة.
5. الركوع.
6. الرفع من الركوع.
7. السجود.
8. الجلوس بين السجدتين.
9. الجلوس الأخير وقراءة التشهد فيه.
10. التسليم.
11. الطمأنينة والخشوع في كل هذه الأركان.
وليكن معلوماً أن العلماء تجاوز بعضهم بعضاً في مسألة عدد الأركان والواجبات والسنن فجاءت عملية عدهم غير متطابقة، وليس هذا من التضارب كما يفهم البعض ولكنه جاء نتيجة لاختلافهم –عليهم رحمة الله تعالى- في فهمهم للأدلة الشرعية.
فمثلاً بعض الأئمة عد النية ركناً وعدها غيره واجباً، وكذلك تباينوا في الحكم على الاطمئنان وغير ذلك ولكل وجهة نظره، ولم يكن الهدف هنا استقصاء علومهم -عليهم رحمة الله تعالى- ولا ترجيح رأي أحدهم على رأي الآخرين، وإنما الهدف هو: تتبع الأدلة وإيجاد دليل واحد على الأقل يكون صحيحاً نحكم به على العمل في الجزئية موضوع الاستدلال، ونحمل به القارئ على التآلف مع الأدلة من الكتاب والسنة، حتى يربط بين أعمال عباداته كلها وبين هذه الأدلة.
ملحوظة:
كل ما ورد في هذه الورقات هو تلخيص من بعض الكتب المعروفة أهمها:
1. بلوغ المرام بأدلة الأحكام للإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
2. زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.
3. صفة صلاة النبي للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى.
4. فقه السنة للشيخ سيد سابق رحمه الله تعالى.
5. منار السبيل في شرح الدليل للشيخ إبراهيم بن محمد ضويان رحمه الله تعالى.
6. صحيح فقه السنة لأبي مالك كمال بن السيد سالم بارك الله تعالى في عمره.
7. تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة لعادل بن يوسف العزباوي بارك الله تعالى في عمره.
واقتصرت فيما يلي من هذا البحث على إيراد مراجع الأحاديث من كتب السنة ولم أشر إلا في الضرورة إلى كتب الفقه للاقتصار على عرض السنن دون الآراء الفقهية، واكتفيت في التخريج بأصح من أورد الحديثَ المُسْتشهَدَ به، لأن الهدف هو الاستدلال بالحديث الثابت الصحة وليس تخريجه، فما كان من أحاديثَ في البخاري ومسلم أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، وما كان في السنن اكتفيت بالعزو لأحدها فأوردت رقمه وتصحيح الألباني برقمه، وما كان التصحيح من غيره أشرت إليه.
وفيما يلي ستطالعون إن شاء الله تعالى هذه الأركان ومع كل ركن ما يدخل فيه من الواجبات والسنن
وموعدنا الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى
وحتى نلتقي من أجل ذلك
لكم مني أطيب المنى وأخلص الدعاء
المفضلات