يعمل الدكتور طه أحمد حسانين المستكاوي رئيسا لقسم علم النفس في جامعة أسيوط وباحثا في قضايا علم النفس. وفي هذا الكتاب الذي يتناول فيه صورة الذات والآخر بين العرب وإسرائيل يبحث في مفهوم الأفكار النمطية التي تستخدم عادة في الصراع الدائر بين الجماعات المتصارعة بعد أن شاع استخدام هذا المفهوم بصورة واسعة في مجالات علم النفس الاجتماعي ودراسات الشخصية .
يكشف الباحث في مقدمة كتابه أن الصراع العربي الصهيوني على الرغم من أهميته لم يحاول الباحثون في علم النفس إلقاء الضوء على جانب من جوانب هذا الصراع إلا في مرحلة متأخرة. ولا يختلف الأمر بالنسبة للأفكار النمطية التي يتمسك بها كل طرف من أطراف الصراع نحو الآخر ثم يبين المفاهيم الأساسية التي تتناولها الدراسة كمفهوم الأفكار النمطية فيدرس تاريخ ظهور هذه الأفكار الذي يعود إلى نهاية القرن السابع عشر عندما استخدمه أحد العلماء الفرنسيين ليصف به عمليات الطباعة التي تستخدم القوالب الثابتة ثم استخدم في العلوم الاجتماعية في بداية القرن العشرين أما في مجال الدراسات النفسية بدأ مع دراسة لقياس الأفكار النمطية العرقية لمجموعة من الطلاب في الجامعات الأميركية.
ويعتبر الباحث السيد ياسين هو أول من استخدم مفهوم الأفكار النمطية في مصر. وبعد هذا العرض التاريخي للمفهوم واستخداماته يقوم أولا بتعريف مفهوم النمطية كما ورد في معاجم العلوم الاجتماعية وعلم النفس العربية والأجنبية ليصل تاليا إلى اختلاف الباحثين في تعريفاتهم لهذا المفهوم إذ ركز بعضهم على أنه يعني الانطباع الثابت والميل إلى نسب خصائص مبسطة ومعممة على جماعات من الناس.
ويبحث المؤلف في وظيفة الأفكار النمطية التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ فهي تحقق تبسيط الواقع الاجتماعي المعقد لتسهيل عملية التفاعل الاجتماعي بين البشر وكذلك من أجل إشباع حاجة الجماعة الخاصة لتأكيد التفوق أو للتعبير عن العدائية أو تستخدم كوسيلة لحماية صورة الذات إضافة إلى أنها عند تمثلها من قبل الفرد تساعده على القبول داخل الجماعة وهي قد تساعد على تحقيق التماسك الداخلي بين أفراد الجماعة.
أما على المستوى القومي فإن الأفكار النمطية تلعب دوراً مهمًا في إدارة الصراعات. وفي القسم التالي يبحث في أساليب دراسة الأفكار النمطية من خلال تحليل ودراسة الأعمال الأدبية والكتب المدرسية والموسوعات العلمية والصحف والمجلات ونشرات الأخبار والأفلام السينمائية والمسلسلات إضافة إلى تحليل الصور والرسوم الكاريكاتورية ثم يدرس مفهوم الصراعات الدولية الذي يعمل على تعريفه كما جاء عند علماء الاجتماع وفي معاجم اللغة. كما يتناول تاريخ ظهور مفهوم الشرق الأوسط وظهوره في كتب الموسوعات . في الفصل الثاني يتناول الباحث في أربعة أجزاء دراسة صورة الإسرائيلي عند العرب من خلال عرض مجموعة من الدراسات تمكن من التعرف إلى صورة الذات والآخر لدى طرفي الصراع العربي الإسرائيلي.
وتغطي تلك الدراسات جانبا واحدا من الرؤية يتعلق إما بدراسة صورة الذات أو بدراسة صورة الآخر إلى جانب دراسات اهتمت بدراسة صورة الذات والآخر ولكن من خلال رؤية طرف واحد. ولم يكن هناك دراسة واحدة تناولت التفاعل بين صورة الذات والآخر لدى طرفي الصراع. وقد تناول في الجزء الأول صورة العرب لدى الإسرائيليين كما جاءت في دراسة ريزا لومب التي حاولت من خلال التحليل الأدبي للرواية أن تفهم على نحو أفضل صورة اليهودي التي قدمتها الرواية العالمية منذ زمن طويل على خلاف الرواية العربية التي لم تتبلور فيها تلك الصورة التي بقيت تتمثل في صورة الضابط القاسي القلب الذي لا يرحم والذي يدنس الأرض ويدمر المنازل.
وفي مجال الأدب العربي لم يجد الباحث سوى ثلاث دراسات يدور موضوعها حول الشخصية اليهودية ، توصلت إلى تحديد الصفات السلبية لتلك الشخصيات من خلال دراسة مجموعة كبيرة من الأعمال القصصية والروائية والمسرحية والقيام بدراسة مقارنة بين عملين روائيين أحدهما لروائي غربي والثاني لروائي مصري من خلال مقارنة تلك الدراسات لصورة اليهودي يجد أن الأدب المصري قدم مجموعة من الصفات الخاصة بتلك الشخصية أهمها الغدر والخيانة والبخل والعمل في الربا والعدوان وحب المال والخوف والجبن والغطرسة وكراهية العرب والذكاء والمكر وتفسخ القيم والاعتداء على المقدسات والانتهازية والمرأة البغي.
ولم تقد سوى صورتين إيجابيتين هما الذكاء والطموح. وينتقل في القسم التالي إلى البحث في صورة اليهودي في الصحافة المصرية نظرا للدور المهم الذي تلعبه في تشكيل وتكوين أفكار الناس وتصوراتهم للدول والشعوب الأخرى لكن الباحث لم يقف إلا على دراستين تتناولان صورة اليهودي في وسائل الإعلام العربية.
وقد خلصتا إلى أن تلك الصورة النمطية لليهودي تعكس الطبيعة العدوانية والتوسعية الإسرائيلية وتزداد هذه الصورة حدة مع زيادة حدة الصراع العربي ـ الإسرائيلي ثم يبحث في صورة اليهودي لدى مجموعات من العرب كما أظهرها عدد كبير من الدراسات على عينات من الطلاب والمثقفين قبل وبعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل
وعدد من الدول العربية حيث تنتهي تلك الدراسات بعدد من الصفات التي يتميز بها اليهودي عند جماعات يمنية ومصرية وتونسية والتي تكرس الصورة النمطية السلبية إلا أن الغريب هو تلك الصفات الإيجابية التي تساوي الصفات السلبية لليهودي عند الفلسطينيين.
وبعد هذا العرض والدراسات المقارنة للدراسات المقدمة حول هذا الموضوع يخرج الباحث بعدد من الملاحظات أهمها وجود غياب شبه كامل للدراسات العربية حول صورة اليهودي وشيوع الصورة النمطية له في الأدب المصري وأن مجموع هذه الصفات السلبية تتفق مع ما جاء في القرآن من صفات سلبية يتصف بها اليهود وأن توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لم تغير كثيرا من تلك الصورة السلبية لأسباب يحددها الباحث في استمرار التهديد الإسرائيلي للأراضي العربية وعدوانهم المستمر على الشعب الفلسطيني وامتلاك إسرائيل للسلاح النووي. وعلى غرار ما وجده الباحث من شبه غياب للدراسات العربية لصورة الإسرائيلي عند العرب فإن هناك شبه غياب أيضا في الجانب الإسرائيلي لدراسة ملامح الصورة النمطية للعربي عند الإسرائيليين.
ويختتم هذا البحث بتسجيل ملاحظاته على تلك الدراسات فيذكر أن صورة العرب عموما والفلسطينيين خصوصا تتكون في الأدب العبري من مجموعة من الصفات السلبية في جميع مكوناتها سواء فيما كتب قبل قيام دولة إسرائيل أو بعد ذلك وأن هذه الصورة السلبية لم تنتج عن وجود تفاعل بين العرب واليهود وإنما كانت وليدة التزييف المتعمد لتخدم مصالح الصهيونية وتبرير سياسة الإرهاب التي تمارسها ضد العرب وعمليات الاستيلاء على الأرض لأنه طالما يتصف العربي بهذه الصفات من الغباء والجهل وعدم التحضر ومحكوم بغرائزه الجنسية فإنه يحق قتاله والسيطرة عليه.
ويخصص الفصل الرابع من الكتاب لدراسة صورة الذات عند العرب مستعرضا جل الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والتحليل والنتائج التي توصلت إليها وهو يقسم تلك الدراسات وفق تاريخ يرتبط بالمراحل الأساسية التي شهدها تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي كالفترة الممتدة بين حرب حزيران وحتى حرب تشرين والمرحلة التي أعقبت حرب تشرين إلى ما بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وأخيرا المرحلة الممتدة من ذلك التاريخ حتى عام 2003.
ويدرس الباحث صورة الذات عند الفلسطينيين كما كشفت عنها الدراسات والنتائج التي توصلت إليها ثم يستعرض الدراسات التي تناولت صورة الذات عند اليمنيين وكذلك صورة الذات عند التونسيين والجزائريين والإماراتيين وفي النهاية يقوم بالتعليق على تلك الدراسات مبينا أن الأحداث الكبرى كالحروب تؤثر تأثيرا كبيرا تصور العرب بشكل عام لأنفسهم وأن صورة الذات عند العرب تتكون من مجموعة من الأفكار النمطية الإيجابية في جميع مكوناتها في حين أن صورة الذات لدى الفلسطينيين تتكون من مجموعة من الأفكار النمطية الإيجابية وكذلك الأمر لدى المصريين والتونسيين والإماراتيين ويقابل هذه الصورة الإيجابية للذات صورة الآخر العربي البالغة السلبية ما يكشف عن وجود خلل على مستوى العلاقات العربية ـ العربية يؤثر بصورة سلبية على الصراع العربي ـ الإسرائيلي. كما تكشف تلك الدراسات عن وجود صورة نمطية مثلا للمصريين لدى اليمنيين أو القطريين لدى المصريين الأمر الذي يستدعي العمل على إصلاح هذا الوضع.
|
|
|
|
*الكتاب:صورة الذات والآخر بين العرب وإسرائيل
*الناشر:عين للدراسات والبحوث القاهرة 2007
*الصفحات:168 صفحة من القطع الكبير |
|
|
|
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المفضلات