اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد مسعد نصر مشاهدة المشاركة
أتمنى التوضيح العملي لهذه الخطوة:
أن يفهم ثقافة اللغة التي يترجم منها و اللغة التي يترجم إليها

أعتقد أن هذه فعلا نقطة مهمة وتحتاج لشيء من التفصيل. لا بد على المترجم أن يفهم الثقافة التي يترجم منها بحيث يصبح قادرا بطريقة أو بأخرى من فهم أبعاد هذه الثقافة المنقولة وتمييز عواملها وأدواتها حتى يتكون لديه فهم متكامل عند نقل أي جملة أو عبارة أو عبارة اصطلاحية إلخ. وقد يكون مرجع ذلك إلى أن أي لغة تشكل بالأساس صورة حية من ثقافة أي شعب وتعبر عن وجهه الحضاري بشكل مباشر.

وعندما نضرب مثالا على ذلك فإننا نجد أن من يريد ترجمة القرآن الكريم للغات أجنبية فإنه لن يوفق إطلاقا ما لم يكن قد استلهم الثقافة الإسلامية واستوعب رسالتها الشاملة لكي يحسن نقل الكلمات الإعجازية التي أنزلها رب السموات سبحانه وتعالى على رسوله المصطفى عليه أفضل الصلوات والتسليم. ويتعين على المترجم هنا دراسة الثقافة اللغوية العربية لفترة ما قبل الإسلام وصدره، وعليه تحديدا أن يدرك معاني اللسان القرشي أي لهجة قريش وفصاحتها وبيانها الخطابي. وبالتالي فإنها مهمة ليست بالسهلة ووتطلب صبرا وجلدا كبيرين.

ومن جهة أخرى، لا بد على من يريد الترجمة عن علوم وآداب البحار من اللغة الإنجليزية مثلا أن يدرس هذا المجال جيدا وإلا فإن ترجمته لن تنال حظا من الدقة. ذلك أن الأمة البريطانية تعتمد بجانب من ثقافتها على البحر كثيرا، فبريطانيا عبارة عن جزيرة منعزلة عن البر الأوروبي، وقد سيطرت على العالم بفترة معينة عبر أساطيلها الضخمة التي جابت العالم وجعلت منها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وهي على ذلك كونت ما يسمى "أدب البحار" ومثالنا بذلك المؤلف الدنماركي جوزيف كونراد الذي كان يكتب رواياته البحرية بالإنجليزية ولعل من أكثرها قوة القصة القصيرة Heart Of Darkness وهناك أيضا المؤلف الأمريكي الشهير هيرمان ميلفيل صاحب الرواية الممتعة موبي ديك Moby Dick. وبالتالي يتحتم على المترجم استيعاب أي ثقافة يقدم على ترجمة أعمال لغوية منها.

أما مسألة اللغة التي يترجم إليها، فأظن من الواضح أن المترجم لا بد أن يتقن لغته التي ينقل لها، لأن الأمر لا يستقيم لمجرد معرفة مترجم للغة أجنبية حتى لو كانت معرفة دقيقة وشاملة. فالمهم كذلك أن يتمكن من التعبير عن هذه المعرفة بأسلوب سلس وسليم ومنظم وبعيد قدر الإمكان عن الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية. وإن تساءل أحدنا عن كيفية تطبيق هذا الأسلوب، فالإجابة تتمثل بالتعليم وتحسين مستوى مخرجاته والاهتمام بالقراءة ومهاراتها ونوعيتها.

وهكذا فإننا عندما نناقش هذه النقطة بعملية الترجمة سنستنتج أن هناك ذراعين أو ميزانين متساويين لتكوين ترجمة ذات مستوى متميز. أولهما: فهم الثقافة واللغة المنقول منها (المصدر). وثانيهما: إتقان اللغة المنقول لها (الهدف) اتقانا تاما من ناحية الأسلوب والمهارة.

والله أعلم