ما الذى اشعل انتفاضة 25 يناير؟؟؟؟؟؟؟؟؟

د . محمود ابوالوفا

لم يكن اكثر الناس تفائلا ينتظر ان يخرج كل اولئك
المنتفضين ليقفوا فى وجه جحافل الامن المصرى والتى
يبلغ تعدادها مليون ونصف شخص , ولم يكن يتوقع
المنتفضون ولا الصامتون ولا المحتبون خلف حوائط
الخوف ولا الموافقون على بقاء الاحوال كما هى عليه ,
ان يذوب هذا العدد الضخم سواء اكان بعمد ام
يغير عمد- فى اقل من يومين من التظاهر , واختفاء
الحكومه ورجال السياسه ورموز الحزب الحاكم ونواب
الشعب , وانفلات الامن ليلة السبت وما حدث من ترويع
للأمنين بالقاهره الكبرى , لقد حدثت فى الايام
القليله الماضيه احداث جسام ازعم انها ستغيرمستقبل
الحياه السياسيه فى مصر , فكان لابد ان يكون هناك
سؤال بحجم الحدث , ما هو السبب فى انتفاضة 25 يناير ؟
من الذى رمى الحجر فى الماء الراكد ؟ ومن الذى ايقظ
النائمين ؟ و من الذى احى الموتى ؟
وقبل ان اجيب على هذا السؤال اود ان الفت الانتباه
الى ملاحظتين اولاهما : ان هذه الاسئله ليست من عندى
, وانما هى أسئله الحت على اذهان الكثيرين من الناس
داخل وخارج مصر, اما الثانيه : فأننى ارفض مقولة ان
الشعوب تموت , لكنها قد تتحلى بالصبر الطويل على
اخطاء حكامها , وقد يستمر الصبر عشرات السنين او حتى
مئات السنين , وعندما ينفذ صبرها تنقلب الى اسود
كاسره تحطم قيودها وتزيح الغبار عن عيونها , وتنقض
على حكامها وتنتزع احلامها منهم .
ان ماحدث كان نتاج للكثير من الاخطاء التى لم ينتبه
اليها النظام الحاكم فى مصر , والتى تمثلت فى ثلاثة
نقاط اولها : انخفاض مستوى المعيشه لكثير من الناس
كان من اهم اسبابه ارتفاع مستوى الاسعار فى مصر
نتيجه للارتفاع فى الاسعار على مستوى العالم نتيجة
الازمه الماليه العالميه , مع عدم تزامن لارتفاع فى
مستوى الدخل لكثير من المواطنين سواء على المستوى
الموظفين العموميين او موظفى القطاع الخاص .
ولقد حاول النظام ايجاد اجراءات فعاله للتخفيف عن
الطبقات الفقيره عن طريق دعم بعض السلع التمونيه
الرئيسيه فيما يعرف فى مصر بالبطاقات التمونيه ,
وكذلك طرح كثير من السلع المدعومه فى المجمعات
الاستهلاكيه , وكذلك امتداد مساعدات وزارة التضامن
الاجتماعى لتشمل اكثر من مائتين الف اسره , لكن يبدو
ان فئات كثيره من الشعب لم يصل اليها هذا الدعم وتلك
المساعدات ولم توفى بحاجات الكثير من تلك الفئات
الفقيره , ومرجع ذلك الى عنصرين احدهما : يعود الى
تعداد الشعب والذى يبلغ الان - حسب كثير من
التقديرات الرسميه والغير رسميه اربعه
وثمانين مليون نسمه وثانيهما : عدم وجود تنظيم
ادارى سليم ونظم معلومات محكمه لفئات الشعب بحيث
يمكن الوصول الى الفئات الاكثر فقرا وقد ادى ذلك
الى قصور تلك الموازنات - الغير كافيه- المرصوده لسد
تلك الثغرات.
ثانيهما : كثير من المعطيات فى الحياه السياسيه فى
مصر والتى ادى الى شعور المواطنين بتمايز فى
التعامل مع الاراء المخالفه لاراء الحزب الحاكم
فقد عمل النظام الحاكم بشكل اساسى - على اضعاف
الاحزاب السياسيه وتهميش دورها فى الواقع المصرى
عن طريق توفير كل الامكانيات والدعم اللوجستى
والاعلامى للحزب الحاكم , وكذلك تعرض المخالفين
للمضايقات او الملاحقات الامنيه , بالاضافه الى
التصرفات الفاسده للبعض ممن ينتمون الى الحزب
الحاكم او اقاربهم والذين اعلن خضوعهم الان
للتحقيق - وحصولهم على امتيازات اقتصاديه , مما ادى
الى احجام كثير من المصريين عن المشاركه فى الحياه
السياسيه , وقد تولد لديهم احساسا بالظلم , حتى لدى
اولئك الاشخاص الذين لم يتعرضوا مباشرة لمثل هذه
المضايقات الامنيه.
ثالثهما : التعامل الامنى مع المعارضين لتوجهات
الحكومه بصوره غير قانونيه تحت سمع وبصر الجهات
النيابيه مغلولة الايدى بقانون الطوارىء او غيرها
من القوانين السيئه - التى تم تفصيلها بمعرفة ترزية
القوانين او عن طريق الالتفاف على القانون فى
ظل الحمايه التى يوفرها السياسيون وبعض اصحاب
القرارفى الحكومه للجهات الامنيه , ومرجع ذلك الى
الثقافه التى تسربت الى الكثير من الناس ان الحمايه
التى يجب ان يوفرها الامن تقتصر على الفئه الحاكمه
ومن يشايعهم , ولذلك كانت الانتخابات التشريعيه
الاخيره , والتى كان فيها يمنع الامن بعض الاشخاص
العاديين من مجرد تقديم اوراقهم للترشح وكاتب
المقال يعرف بعضا منهم على الرغم من ان اولئك
الاشخاص لم يكن لديهم اى قواعد شعبيه تنتخبهم , ولكن
منعهم من قبل الجهات الامنيه ادى الى حاله من
الكراهيه او الغليان , بالاضافه الى الاتهام للحزب
الحاكم بالتزوير وشعور الشعب بمشاركة الامن فى هذا
التزوير والذى يفصل فيه القضاء الان , والذى اعلن
رئيس مجلس الشعب ان المجلس سيقبل احكام القضاء على
عكس ما كان يحدث فى الانتخابات السابقه .
اننى ادعو الى تغيير شامل فى اجراءات العمل
الحكومى وتغيير واسع فى ثقافة الموظف العمومى ,
بدءا من رئيس الدوله الى اصغر موظف حكومى , حيث من
المفترض ان يكون الموظفون العموميين خداما للشعب
وليس سادة عليه .
واننى ارى ان المرحله الجديده ستكون اكثر اشراقا
فى الحياه السياسيه والتى يجب ان تنعكس على الحياه
الاقتصاديه والاجتماعيه وكذلك تنعكس على البيئه
القانونيه والتى سوف تتيح للمواطن المصرى كثير من
الحريه والديموقراطيه والتى كان يشعر بفقدها لعقود
طويله , لكن يجب ان ننبه الى انه لايجب ان يكون ما
حدث دعوة للانفلات , ولنتذكر ان الكل يجب ان يستمع
الى الرأى الاخر والا يضيق احد برأى المخالفين
طالما كانت فى الاطار القانونى من خلال الثقافه
المجتمعيه السليمه .
*خبير بالمنظمه العربيه للتنميه الادارية