رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد
بقلم د. محمود حمد سليمان
سيادة الرئيس،
بكل الصدق والصراحة، ومن موقعي العروبي الغير منتم فيه إلى أي تشكيل أو تنظيم أو حزب.. ومن شديد حرصي على سورية الحبيبة أرضاً وشعباً ومؤسسات.. فإنني أتوجه إلى سيادتكم بهذه الرسالة التي لم أعد أجد وسيلة أخرى لإيصالها وأنا الإنسان العربي العادي.. ولكن الممتلئ بكل تأكيد شغفاً بمصالح الأمة وقضاياها العادلة.. وفي طليعة ذلك قضية فلسطين ووحدة ووجود العراق ولبنان، وغيرهما من قضايا العروبة والإسلام.
بداية يا سيادة الرئيس، لا بد أن أسجل لكم ولنظام سورية إنجازات كبيرة.. بل أكبر من أن يستطيع رؤيتها من أطاحت بعقولهم الفتن والدسائس والمؤامرات.. ولأنها كثيرة تضيق بها صفحتي.. فلا بد من أن نذكر أهمها:
- إحتضان سورية للمقاومات العربية في العراق ولبنان وفلسطين.. ونحن نعلم حجم الضغوطات التي تعرضت لها من أجل ذلك.
- عدم تفريط سورية بالمسلمات القومية وبالحقوق العربية ولا سيما تلك المتعلقة بالصراع العربي/الصهيوني..مما جعلها رأس الحرب في الممانعة والمقاومة.
- محافظة سوريا على وحدة لبنان وعروبته.. إذ أوقفت الحرب الأهلية وأعادت توحيد مؤسسات الدولة ومنها إعادة توحيد الجيش اللبناني وتدريبه وتسليحه.. بعد أن كان شراذم وميليشيات متفرقة متناحرة.. ولولا ذلك لكان لبنان في خبر "كان" وشقيقاتها الأوروبيات.. وهي حقائق لا ينكرها إلا جاحد.. أو موتور ابْتـُليَ بعمى البصر والبصيرة..
- إفشال مخطط تقسيم لبنان كما كان يأمل الصهاينة الذين كان مشروعهم يقوم على مبدأ " لكل طائفة حزبها القائد ولكل منطقة إدارتها المحلية.." والتاريخ سينصف سورية حافظ الأسد يوم وضع في سلة المهملات المشروع الأميركي / الصهيوني عام 1976م. والذي حمله "دين براون"الأميركي، يومذاك، والقاضي بترحيل المسيحيين من لبنان إلى كندا وتوطين الفلسطينيين مكانهم..
في الوقت نفسه ، ما من عربي عاقل إلا ويدرك أنّ هناك زعامتين في الوطن العربي، في العصر الحديث، خرجتا إلى لقاء ربهما وليس خلفهما مال ولا أرزاق ولا ممتلكات ولا ثروات وهما :جمال عبد الناصر وحافظ الأسد.. ودعني أذكر حادثة قد لا يعرفها كثيرون : أحد المرشحين للنيابة الأغنياء في لبنان.. صنع تمثالاً من ذهب لشقيقكم المرحوم باسل.. وأرسله هدية وُضعتْ في المنزل الرئاسي في القرداحة.. ولكن الرئيس، رحمه الله، عندما حضر إلى المنزل ووجده .. أمر حراسه بتكسيره نتفاً نتفاً ووضعه في كيس وأعاده إلى صانعه في قريته اللبنانية.. وكلنا في لبنان يعرف أن الرئيس الحريري بنى قصراً للسيد الرئيس في دمشق وآخر لعبد الحليم خدام وثالث لرستم غزالة وربما لآخرين، وكلنا يعرف أن الرئيس،فقط، حوَّل هذا القصر الى أملاك الدولة ورفض تملكه شخصياً.. ناهيك عن أن المرحوم الرئيس الأسد كان قد تنازل عن كل ما يملك.. وحوَّله إلى أملاك للدولة..
أقول، وبدون تملق ولا نفاق، وأنا لا أعرفكم مباشرةً يا سيادة الرئيس ولا أسعى إلى ذلك، أن العلاقة بين الدولة والشعب في سورية.. ليست هي نفسها العلاقة بين الأنظمة وشعوبها في البلدان العربية الأخرى سواء تلك التي سقطت أو تلك الآيلة إلى السقوط حتماً.
وأنا شخصياً أعرف من أقرباء لي في سورية ومن زمن بعيد. حضور الدولة مع المواطن وإلى جانبه في أسعار الحاجيات الأساسية، وفي سنوات الجفاف ، وتصريف الإنتاج، وسياسة الإستيراد والتصدير، وحتى في القضاء والإستشفاء والتربية، وغير ذلك.. ما دفعني في مرات عديدة إلى أن أقول في نفسي: ليت دولتنا اللبنانية الغائبة عن الوعي وعن الوجود كالدولة السورية، رعاية وعناية واهتماماً وتخطيطاً..ولي على ذلك ما لا يعد ولا يحصى من الأمثال والشواهد التي يعرفها كل لبناني يرتاد سورية للتسوق المنزلي والحياتي..
أقول ذلك وكلنا يعلم أن سورية ليست دولة نفطية.. ولا نشأتْ فيها طبقة رأسمالية متوحشة، كما في الأقطار العربية الأخرى.
سيادة الرئيس،
أعرف أن كلامي، حتى الآن، يرضيكم.. غير أنني لست ساعياً إلى هذا الرضى..
وأعرف أنه يُغيظُ أعداءكم وأعداء الأمة.. وأنا لست مهتَّماً بغيظهم أو إغاظتهم..
ولذلك وبكل الحب، أقول : ليس في سورية طبقة رأسمالية متوحشة، ولكن في سورية جهاز أمني/ مخابراتي متحكم في إدارة العملية السياسية ومفاصلها.. إلى درجة القهر.. وممارسات لا ديموقراطية إلى درجة الدهشة والتعجب.. في عصر تنتقل فيه الأُمة العربية إلى مرحلة جديدة.. فكراً ونهجاً وممارسة ووعياً وتفكيراً.. في عصر مختلف انتهت فيه الحرب الباردة..وتبدلت صور المستعمرين وأساليبهم دون أن تتبدل أهدافهم وغاياتهم. وأنا أقول ذلك، أدرك تماماً الإيجابيات التي حققها هذا الجهاز في العديد من المراحل والمواقع.. وبالقدر الذي كان فيه هذا الدور مطلوباً وهاماً في الماضي.. صار غريباً في هذه المرحلة ومستهجناً.. ولنقل لقد قام بدوره سابقاً وأدى قسطه للعلى.. واليوم لم يعد معقولاً بقاؤه..ووجب أن نقول له كفى..
ليس في سورية الحبيبة جهل وبذخ وتخلف وفساد..بالشكل الذي هو عند الآخرين.. ولكن في سورية حزبية وفئوية وعقلية أمنية..كادت تغطي على ما في سورية من إشراقات وإبداعات وإنجازات.. والعقلية هذه هي التي أدارت بشكل خاطيء العملية السياسية في لبنان .. فأفرزت ما أفرزت من نتائج وخيمة على العلاقات بين الشعبين الشقيقين التوأمين..
إنكم،سيادة الرئيس،وأنا واثق من ذلك، تدركون أن معاداة أميركا والغرب لجمال عبد الناصر يوماً.. لم تضره في شيئ.. وأن رضى أميركا والغرب وإسرائيل ومباركتهم لم تنفع حسني مبارك في شيء..
وأنا واثق أنكم تدركون أن معاداة الإستعمار لحافظ الأسد أو مسايرته له .. لم يجعله يفرط بالحقوق أو يقدم التنازلات المهينة.. أو يقلب للمقاومات ظهر المجن، ما جعله في يومٍ من الأيام، الشخصية العربية الأولى عند الجماهير في الربع الأخير من القرن الماضي..
وعليه ما العمل الآن؟
ببساطة، واختصار بليغ: ليس باستنفار الأجهزة الأمنية..ولا بقوانين تـُحذف وأخرى تـُرسم..ولا بشخصيات تذهب وتغيب وأخرى تأتي وتحضر..
باختصار بليغ: يكون بإقامة تحالف متين وقوي وثابت بين كل القوى العروبية في سوريا تحديداً.. والوطن العربي عموماً.. نعم بإقامة جبهة واحدة قوية بين الناصري والبعث والقوى والشخصيات الإسلامية والقومية الشريفة والمخلصة.. وهذا التحالف لا يكون بالخطب والقصائد والهتافات والشعارات .. وربَّ قائلٍ يقول:
تحالف كهذا سيُغضب أمريكا لدرجة الجنون..وأنا أقول سلفاً حبذا لو يغضبها إلى درجة الموت المحتم..
تحالف قومي عروبي.. من البعث بجناحيه (السوري والعراقي ) بالإضافة إلى الناصريين بكل تشكيلاتهم، والعروبيين المستقلين والإسلاميين الشرفاء بمختلف مواقعهم.. على أن تكون الحصص على قدم وساق من العدل والمساواة والتوازن.. بدءاً بلوائح الترشيح للانتخابات الشعبية..وانتهاء بآخر النقابات والمؤسسات والوظائف الكبرى والصغرى في كل المواقع والميادين..
على أن يكون ذلك بقانون إنتخاب عصري يحقق أكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية في القرار والعملية السياسية الديمقراطية السليمة..
سيادة الرئيس،
لم يعدْ تهميش القوى العروبية، وتحديداً الناصرية والبعثية، مسألة عادية أو قضية بسيطة..فعند الملمات لن تجد في الساح إلا هؤلاء.. هؤلاء الذين همشت دورهم الأجهزة الأمنية بما فيهم حزب البعث نفسه.
وعليه ، فالسؤال يقفز إلى الذهن دائماً: لماذا لا يسعى النظام إلى توحيد هؤلاء بدل شرذمتهم وتفتيتهم وتهميشهم؟ وما يمنعنا من السعي إلى تحقيق المطلب الشعبي الجهادي المزمن في إقامة الحركة العربية الواحدة؟ وإذا كان هؤلاء لا يتوحدون بعد أن حصل ما حصل ويحصل، على الأقل في العشر سنوات الماضية، فهل سيصدقهم أحد أنهم سيوحدون الأمة العربية كلها. أو تحقيق العدالة والحرية لشعوبها ؟!
أقول ذلك،وأتذكر معكم جمال عبد الناصر الذي كاد يكون الناصري الوحيد تقريباً في النظام المصري في عهده.. كما أثبتت الوقائع لاحقاً، ومع ذلك، كان نظامه الأقوى في وجه الأعاصير والرياح.. القريبة والبعيدة..
نعم،إنه السير في نهج الإعتماد على قوة الشعب والجماهير.. ومن هنا نستطيع أن نفهم قول عبد الناصر يوماً للإنكليز والأمريكان:
" إذا أغلقتُ إذاعة صوت العرب، كما تريدون، فأكون قد ألقيتُ السلاح الوحيد في يدي."
هنا السر يا سيادة الرئيس، ولا أراه خافياً عليكم..
أخيراً، ولكي لا يؤول المتأولون.. ولكي أُريح القراء.. أنا لست ناصرياً ولست بعثياً.. ولا حتى من الذين يسمونهم إسلاميين.. انا قومي عربي مؤمن مستقل، وأزعم أنني مخلص.. وجاهز في كل لحظة للدفاع عن كل بقعة أرض عربية من المحيط إلى الخليج.. ولا يهمني رضي الحكام أم غَضِبوا.
كل الذي دفعني إلى الكلام.. هو حبي لسورية قلب العروبة النابض.. وحرصي على شرايينها وأنا مقتنع أنها متصلة بشرايين الأمة كلها.. ومباشرة بشرايين العراق ولبنان وفلسطين.. فهل يفهم من أعطاهم الله مَلـَكـَة الفهم؟؟ - ربما..
د. محمود حمد سليمان( عكار. لبنان).
1 /5 / 2011م
المفضلات