رسائل إلى ذلك الوقت .
الوقت أيلول ..
والخريف هادئ على غير العادة .. يحمل أسراراً باهتة اللون .. يطرق أبواب الذاكرة بلطف .. ويلقي إليها بتحية خريفية معتدلة القوام .
لا أمطار في هذا الخريف تغسل الأحزان .. وأنا مجرد ورقة أيلولية تناثرت شظاياها على كل الأرصفة .. كل الأرصفة التي تصالحت ذات يوم مع وقع خطاي .
كم تحتوي هذه الذاكرة على حجرات مهجورة ؟!
وأنا كورقة أيلولية متناثرة منذ وقت أجهل تاريخ مولده على أرصفة الأزمنة الغابرة .. تُصبح ذاكرتي على لحن جميل ينداح من أروقة ذلك الوطن البعيد .. وتُمسي على أغنية استهلكها قلبي من فرط الغناء .. وتمرُّ ملوحة بروابي قصيدة لا أعرف لها وزناً ولا قافية .. لكنها تدخل حدائق الشعر من باب الموسيقى الشعرية التي تهتزُ لها خاصرة البدن .
والوقت ينفجر من حولي يرسم لي ألف أيلول على شجرة تتناثر أوراقها من حولي ولا أستطيع ملاحقة أسطرها " فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك "
وأنا الوقت يقطعني ..
يمزقني إرباً ..
يظهر لي في مرآتي ..
يرتسم على نوافذ أحلامي ..
ويلح عليَّ بمليون سؤال ..
لماذا نغرق في الآخر ونذوب في تفاصيله اليومية إن كان عاجلاً أم آجلاً سيصبح صفحة مطوية على رفٍ من رفوف النسيان ؟
لماذا نعذب القلب ونرهق الذاكرة بمخزون إضافي من الصور الجميلة .. البشعة .. السعيدة .. الحزينة .. الممطرة .. القاحلة .. الباكية .. الضاحكة .. المتذمرة .. القانعة ..
طالما أن الذاكرة لا تحفل ولا تكترث إلا بصورة واحدة ..
ولصورة واحدة .. صورة وطن ؟
صورة وطن لكنها مشتتة بين ألف وطن ووطن
وطن للأحلام .. وطن للحب .. وطن للقهر .. وطن للميلاد .. وطن للهوية ..
ووطن نرفع علمه على جبين السماء ..
لكنه لا يرانا !
ربما لأننا غدونا مجرد بقع مبعثرة على أرصفة النسيان في بلاد لا ترى من يحمل وطنه في قلبه ..
بل من يحمله وطنه في قلبه وفؤاده وبؤبؤ عينيه ؟
هل رضيت الآن أيها الوقت ؟
فقطّعني أيها الوقت كما تشاء ..
ومزّقني كما تشاء ..
واكتبني حروفاً لا معنى لها في دفاتر النسيان ..
لكن تذكر شيئاً واحداً فقط هو أنني قلب
يهوى ويعشق ..
يحزن ويفرح ..
يكتب أشعاراً للقمر ..
ينسج قوافي الأمل في لحظات العتمة ..
ويدغدغ عصافير الفجر لتوقظ من أغفلته الأيام في سرير السبات .
أنا قلب كان عنوانه الوفاء .. وقتلته الأحرف الخائنة .
تفضل أيها الوقت قطعني على مهل ..
لم يبق لهذا القلب ما يستحق البقاء .
المفضلات