المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسلك ميمون
التّنشيط القصصيّ رقم : 17
السلام عليكم .
أحمد الحاج محمود الحياري
ــ مدير الخدمات المساندة .
ــ تخصص : التاريخ ، و التربية ، و علم النفس.
ـــ أردني مقيم في جدة / المملكة العربية السعودية
النص المقترح :
نظــــــارة
حيث أخذ الرجل مكانه في مطعم وطلب غداءه ، لاحظ شابا يقبل عليه من بعيد مسرعا كأنه له حاجة ، حتى إذا وصل فوقف عنده يسأله ،
كنت أجلس قبلك هاهنا في مكانك من لحظات ، ونسيت نظارتي ، فهل وجدتها ؟
فأجاب الرجل مبتسما : أهي نظارة بنية العدسات ؟
فأجاب الشاب : نعم ، فأين هي ؟
فأعاد الرجل يسأل دون أن يجيب : هل هي مذهبة المقبضين ؟
فأكد الشاب : أصبت ، فأعطنيها لو هي معك فإني على عجل ،
فسأل الرجل غير مكترث باستعجاله : هل هي من نوع كذا الثمين ؟
فأجاب الشاب : ناولنيها إذا من فضلك ،
فقال الرجل : ليست معي ولم أمسكها أو أعطها لأحد ؟
فغضب الشاب وقال له : إنك لص ! وستعلم للتو جزاءك ،
وما كاد يمضي حتى استدركه الرجل مبتسما يقول:
بل رأسك هو اللص الذي سرقها ولم يخبرك عنها، خذها من على رأسك حيث هي ، وبينما الشاب يتحسس رأسه ويدهش لغبائه في طلبه وقلة أدبه ، قال له الرجل :
كان حري بك لزوم الأدب فيما تقول ، عسى ألا تضيع ما بقي من عقلك يوما فتدعي أن لصا سرقه .
&
أقترح هذا النص للنقاش .
وقد كنت سابقاً أحدد النقاش في نقط محددة، فلاحظت أنّ الردود تكاد تكون متشابهة إن لم أقل مكرورة .
فارتأيت أن يكون السّؤال هذه المرّة، مفتوحاً، تأملياً ، حراً :
كيف تجد هذا النّص على ضوء ما تعرف عن مكونات القصّة القصيرة جداً ؟
آمل أن نشارك جميعاً في النّقاش، تعميقاً لوعينا بهذا الجنس الأدبي الجميل.
تحياتي/ مسلك
بسم الله و سلام الله على الفاضل مسلك ميمون و على إعادة تنشيط هذا المنتدى...
بين البصر و البصيرة مسافة حاول الكاتب أن يجسدها بشيء مادي من طينة ما يدل عليه قصر النظر أو بعد النظر و "النظارة" كشيء مادي مكمل لتحقيق نوع من التوازن...فكذلك الكتابة تحقق توازنا من نوع ما و تعبيرا عن مخلفات ما...
توازن على مستوى النظر(البصر و البصيرة) فمن يلبس النظارة في الغالب الأعم يكون إما من هؤلاء أو هؤلاء...لأن النظارة تكون ضرورية في حالة وجود خلل في حاسة النظر...
أراد الكاتب أن يصف مشهدا لمن فقد شيئا فيما مضى و حاول استرجاعه بعدما تذكره...فعاد إلى آخر محطة كان بها...ليضع القارئ في صورة المكان (مطعم)و ليحدد الزمن...زمن الحكاية وقت الظهيرة ،وقت تناول الغذاء..تذكر أنه نسيء شيئا مهما و ذو قيمة كبرى بالنسبة إليه في تلك المحطة...نسي النظارة فعاد جريا حتى لا تضيع منه...
فوجد رجلا من طينة سقراط (سقراط الذي كان همه توليد الجواب من طرح الأسئلة باعتبار أن الإنسان يحمل الحقيقة في ذاته و يكفي أن يعرف نفسه حتى يصل إلى حقيقة ما يبحث عنه) و هي إشارة كذلك إلى الآية الكريمة من قول الحق الله عز و جل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الذاريات21. وفي خلق أنفسكم دلائل على قدرة الله تعالى, وعبر تدلكم على وحدانية خالقكم, وأنه لا إله لكم يستحق العبادة سواه, أغَفَلتم عنها, فلا تبصرون ذلك, فتعتبرون به؟[التفسير الميسر].حقا هي وردت في معرفة الله جل و علا و الإيمان به و بوحدانيته...قبل أن ينظر الإنسان إلى أشياءه و حاجياته...و النظر هنا بصر و بصيرة و تذكر و نسيان...فمعرفة النفس هي حقا من المطالب الأولى لمعرفة العالم المحيط بنا و من بين ذلك الأشياء التي تساعد الإنسان على تحقيق نوع من التوازن بين العالم الداخلي و العالم الخارجي...
و الباحث عن الشيء المفقود شاب في مقتبل العمر...ليس له بعد خبرة في الحياة...الخبرة التي تعلم الإنسان التروي قبل الاندفاع تعلمه الأخلاق الفاضلة قبل الأخلاق الذميمة تعلمه اليتيقن قبل التشكيك و إصدار الأحكام دون دليل أو برهان...من خلال جعل فكرة البصر و البصيرة و النسيان و كذلك غياب حسن الأدب في لحظة معينة...على شكل حوار بين السائل الساذج و السائل الحكيم...كمفارقة تبرز قضية من قضايا البحث عن الحقيقة المفقودة...ألا و هي البصيرة...فلكل مقام مقال...و كل ينظر من الزاوية التي يرى منها الوقائع...بالإضافة إلى سرعة الاتهام دون التحقق من وجود دليل...في غياب إشارة تجعل من المتلقي يجد تبريرا لانشغال (فاقد الشيء) بشيء ينسيه أن نظارته فوق رأسه كما يفعل البعض من الناس...فيرفعون النظارة قليلا فوق رؤوسهم...نسي أنها أقرب إليه من اتهامه الآخر بالسرقة...
النسيان نقمة في الأصل...لأن التذكر هو النعمة التي تعيد الحالة إلى ما يشبه التوازن...فالإنسان يتقلب بين النسيان و التذكر في حياته من استيقاظه إلى منامه...و السؤال هو بوابة من بوابات التذكر...
أما القفلة التي أرد بها المؤلف أن يصدم بها القارئ جاءت على لسان الحكيم الذي أتعبه أسئلة في وصف الشيء الذي يبحث عنه...و هي أن شباب اليوم قد سرق منه التراث الذي يحمل بين طياته ما يوصل إلى ما يسمى البصيرة التي تعتمد على التذكر و تدفع النسيان و الغفلة و التهور و سوء الخلق و الاتهام بغير دليل و لا يقين...
المفارقة بين البصر و البصيرة تأتي نتيجة النسيان لغياب الإحساس بما يمكن أن نسميه بالوعي الحاضر و الوعي الغائب...
فهل حقا استطاع شباب اليوم أن يدرك حقيقة البصيرة التي تنفذ إلى أعماق الأشياء أم اكتفى بظاهر الأشياء حتى أنسته حقيقة ما لديه فأمسى يهرول دون أن يستوعب حقا ما سرق منه دون أن يدري...؟
هكذا قرأتها...؟
لدي ملاحظة على الفاضل شريف عابدين أن تحليله للقصيصة تناول الشكل العام و قواعد كتابة القصة القصيرة جدا بشكل موضوعي منطقي إلى أبعد الحدود...فجاء قوله من زاوية الشكل و البناء و اللغة و المفارقة و القفلة كانطباع لما يجب أن تكون عليه...فبالرغم من الهفوات التي شابت النصيص في بعض عناصر يمكن القول عنه أنه حقق شيئا من إثارة قضية البصر و البصيرة على مستوى التعامل مع مخلفاتنا التي نتركها وراءنا و نحن نهرول وراء الحياة...و مع ذلك أثمن ما ذهب إليه من حيث مكونات القصيصة...أما ما قلته بشأن القصيصة فقد تناول الفكرة بغض النظر عن الأسلوب و التركيب الذي اعتمده الكاتب الفاضل ليقدم لنا وجبة عسيرة على الهضم...
تحيتي و تقديري للأفاضل الأستاذ الحيارى و الدكتور مسلك و الفاضل شريف و للأحبة الكرام...
المفضلات