آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

العرض المتطور

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/لا إِله إِلاّ اللَّه معناها ومقتضاها

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه معناها ومقتضاها



    الخطبة الأولى

    الحمد لله رب العالمين، خلقنا لعبادته وأمرنا بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في أُلُهيته كما أنه لا شريك له في ربوبيته، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله، وخيرته من جميع بريته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ملته، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:

    أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن كلمة ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ ) هي كلمة الإخلاص، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى، وهي المنجية من النَّار لمن قالها بصدق وإخلاص، هي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة كما في الحديث:
    " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ - أي المحتضرين - لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فإن من كان آخر كلمه لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دخل الجنة

    وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم أو عاد عمه أبا طالب وكان في الاحتضار، وكان عنده رجلان من المشركين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    " يَا عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ
    فقال الكافران المشركان: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأعاد عليه كلامهم
    فقال: هو على ملة عبد المطلب ومات على ذلك، والعياذ بالله وأبى أن يقول لا إله إلا الله،
    وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً غلاماً من اليهود كان يخدمه وهو يحتضر فقال:
    " يا غلام قل لا إله إلا الله ومحمد رسول الله " ،
    فنظر الغلام إلى أبيه اليهودي فقال أبوه أطع أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ثم فاضت روحه، فقال صلى الله عليه وسلم:
    " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " ثم قال لأصحابه
    " تولوا أخاكم "
    فغسله المسلمون كفنوه وصلوا عليه ثم دفن في مقابر المسلمين،
    فهذه كلمة عظيمة من قالها ومات عليها دخل الجنَّة، ولكن هذه الكلمة ليست مجرد لفظ يقال باللسان بل هي لها معنى ولها مقتضى فمعنى (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ) أن لا معبود بحق إلا الله هذا معناها، وأما مقتضاها يعني: المطلوب ممن يقولها فهو أن يؤدي أركان الإسلام ويلتزم بهذا الدين فإن فعل ذلك فهو المسلم حقا، وأما من قالها ولم يلتزم بأركان الإسلام لم يصلي لم يزكي لم يؤدي ما أوجب الله عليه فإن هذه الكلمة لا تنفعه ولو قالها ألف مرة لا تنفعه، حتى يعمل بمقتضاها قال صلى الله عليه وسلم:
    " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوها عَصَمُوا مِنِّى دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزَّ وَجَلَ

    ولهذا لما توفي صلى الله عليه وسلم وارتد من العرب من أرتد بعد وفاته ومنع بعضهم الزكاة قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على منع الزكاة لأنها من حق لا إله إلا الله قالوا له: يا خليفة رسول الله كيف تقاتلهم وهم يقولون لا إله إلا الله، فقال رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله وسلم قال: " إِلاَّ بِحَقِّهَا " وإن الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، فاقتنعوا الصحابة رضي الله عنهم بقول أبي بكر، واعتقدوا أنه الصواب وقاتلوا معه المرتدين،
    فهذا دليل على أنه لا يكفي مجرد النطق بـ ( لا إله إلا الله ) مع عدم الالتزام بمدلولها ومقتضاها، لكن من قالها فإنه يكف عنه ويحكم بإسلامه فإن تبين منه بعد ذلك ما يناقضها وتبين أنه لا يؤدي مقتضى الكلمة فإنه يحكم بردته تقام عليه أحكام الردة، ولهذا غزى بعض المسلمين غزوا جماعة من المشركين فانتصروا عليهم وفر واحد منهم فلحق به أسامة بن زيد رضي الله عنه وعن أبيه ومعه رجل من الأنصار رضي الله عنهم لحقوا بهذا الرجل فلم رفع أسامة السيف عليه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري وقتله أسامة بن زيد، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على أسامة وقال:
    " أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه
    قال يا رسول الله: إنما قالها يتقي بها السيف،
    قال: " هل لا شققت على قلبه فتعلم أنه قالها يتقي به السيف ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة - فما زال يكررها - ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة "
    حتى ندم أسامة رضي الله عنه ندامةً شديدة على ما فعل وعرف خطأه في ذلك، فهذا هو الشأن فيمن أعلن إسلامه وقال لا إله إلا الله فإنه يكف عنه وأنه يقبل منه الإسلام، فإن ظهر منه بعد ذلك ما يخالف مقتضى هذا الكلمة فإنه يجرى عليه الحكم الشرعي، ونحن ليس لنا إلا الظاهر ما لم يتبين لنا خلافه نحن نحكم على الظاهر، وأما ما في القلوب فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وليس هذه الكلمة مجرد لفظ يقال باللسان ولكن لها شروط لابد أن تتوفر لها شروط وقيود كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه:
    " فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، يَبْتَغِى يَبْتَغِي ِبذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ "
    لابد من هذا القيد أن يقولها يبتغي بذلك وجه الله لا يقصد منها غير ذلك، فإن قالها وهو لا يبتغي وجه الله فلا تنفعه هذه الكلمة،
    سأله أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله من أحق الناس بشفاعتك يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم:
    " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ غيرك، لِمَا أرى مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ " ،
    لابد أن تكون خالصا من قلبه لا يقولها رياءا وسمعة ونفاقاً يتقي بها القتل أو يريد بها أن يعيش مع المسلمين، فإن من كان هذا قصده فإنه لا تنفعه لا إله إلا الله.

    هذه الكلمة يا عباد الله عظيمة تزن السموات الأرض ومن فيهن غير الله جل وعلا في حديث موسى عليه الصلاة والسلام: " يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ، وْأَدْعُوكَ بِهِ،
    قَالَ: يَا مُوسَى، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّه،
    قَالَ : يَا رَبِّ، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولون هَذَا،
    قَالَ: يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي، وَالأَرَضِيينَ السَّبْعَ أعامرهن فِي كِفَّةٍ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ

    يُجاء يوم القيامة برجل كتبت عليه الحفظة تسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر مملوءه بالسيئات والذنوب فيقال له: هل عندك حسنة، فيهاب الرجل ويقول: لا يا ربِّ فيؤتى ببطاقة يعني: ورقة صغيرة مكتوب فيها لا إله إلا الله يعني أنه قالها في حياته فتوضع في سجله في كفه وتوضع السجلات في كفه أخرى فتطيش السجلات وتثقل لا إله إلا الله فيدخل به الجنة،
    فهي كلمة عظيمة أكثروا من التلفظ بها، وهذه الكلمة كما ترون تتكون من نفي وإثبات نفي جميع المعبودات وإبطال جميع المعبودات من دون الله، وإثبات العبادة لله وحده، فقولنا (لا إله) هذا نفي لجميع الآلهة المعبودة من دون الله وإبطال لها، (إلا الله) إثبات للعبادة لله وحده ولهذا قال سبحانه:
    { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
    { يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } هو معنى لا إله ،
    { وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ } هذا معنى إلا الله ففيها النفي والإثبات يجب أن نعرف هذا وأن نتحقق منه حينما ننطق بهذه الكلمة، فهي كلمة عظيمة لها قيمتها ووزنها عند الله سبحانه وتعالى، يجب أن نكثر من التلفظ بها معتقدين لمعناها عاملين بمقتضاها ظاهراً وباطنا، فهي شعار الإسلام، هي دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم،

    { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ }، ثم هذه الكلمة أيضاً تقتضي أن تتبرأ من الشرك وأهله كما قال سبحانه عن الخليل عليه الصلاة والسلام:
    { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
    أما الذي يقول أنا أقول لا إله إلا الله ولا أعبد إلا الله لكن لا أتبرأ من المشركين ولا أتبرأ من الشرك هم أحرار في عقيدتهم فهذا لا تنفعه لا إله إلا الله حتى يتبرأ من المشركين ويتبرأ من دين المشركين كما قال الخليل وقومه قال الله جلَّ وعلا:
    { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } هذا هو الدين لا نجامل المشركين والكفار، وإنما نتبرأ منهم ونعلن ذلك لهم ونتبرأ من دينهم، وأشد من ذلك من يقول (لا إله إلا الله) ثم يدعو غير الله يذبح لغير الله، ينذر لغير الله، يستغيث بغير الله من عباد القبور والأضرحة، فهم يقولون لا إله إلا الله لكن لا يعملون بمقتضاها فهم يعبدون غير الله ويتناقضون في ذلك، نسأل الله العافية.

    فتفطنوا لذلك يا عباد الله، وتعلموا عقيدتكم تعلموا معنى هذه الكلمة العظيمة واعملوا بها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
    { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية
    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:

    أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنها لا تكفي شهادة أن لا إله إلا الله حتى تشهد أن محمد رسول الله، فالشهادتان هما الركن الأول من أركان الإسلام، ومعنى أشهد أن محمد رسول الله أي أعترف وأقر بقلبي، وأنطق بلساني أنه رسول الله حقا، أنه رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، ولا يكفي هذا حتى تتبعه فيما أمر، وفيما نهى، لو شهدت أنه رسول الله ثم لم تطاوعه ولم تمتثل ما جاء به لم تحقق شهادة أن محمد رسول الله، فمعنى أشهد أن محمد رسول الله أو من معناه طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب فيما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا فيما شرع هذه الكلمات توضح لكم معنى شهادة أن محمد رسول الله وأنها ليست مجرد لفظ يقالُ باللسان، طاعته فيما أمر تطيعه فيما أمرك به من الأوامر ولا تخالف ذلك على حسب هواك ورغبتك قال الله جلَّ وعلا:
    { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً
    ثانياً: أن تصدقه فيما أخبر، أخبر صلى الله عليه وسلم عن الماضي وعن المستقبل، وعن الجنة والنار وما يجري تصدقه في ذلك ولا تشك في شيء مما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار فمن شك في ذلك لم تكن شهادته برسالة محمد صحيحة لأنه كذبه فيما أخبر عنه عليه والصلاة والسلام، واجتناب ما نهى عنه كما تطيعه فيما أمر تجنبه ما نهى عنه قال الله جلَّ وعلا:
    { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ،
    واجتناب ما نهى عنه وأن لا تعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه اجتناب للبدع والمحدثات فلا تتقرب إلى الله ولا تعبد ربك إلا بشيء جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم وشرعه لك لا تحدث البدع وتتقرب بها إلى الله لا تقبل عند الله، قال صلى الله عليه وسلم:
    " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه، فَهُوَ رَدٌّ " وفي رواية:
    " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ "، فلابد من هذه القيود في شهادة أن محمد رسول الله فليست لفظاً مجرداً يقال باللسان فقط.
    فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.
    وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
    اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مستقراً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفنا شر شرارنا، وقنا شر الفتن، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا واستقرارنا في ديارنا، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا واستقرارنا في ديارنا، وخلص المسلمين من كل كافر وملحد وشرير في جميع أقطار الأرض يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، أنزل علينا الغيثَ، اللَّهُمَّ أنزل علينا الغيثَ، ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أسقي عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء.

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم،
    { ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/الصلاة وما ملكت أيمانكم

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ


    الخطبة الأولى

    الحمد لله رب العالمين، جعل الصلاة كتابا موقوتاً على المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:

    أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامةِ من عمله فإن قبلت قبل سائر عمله وإن ردت رد سائر عمله، هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمتهِ حين خروجهِ من الدنيا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت وهو يقول: " الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " فما زال يكررها حتى ثقل به لسانهُ صلى الله عليه وسلم، وهي قرة عينهِ من هذه الدنيا قال صلى الله عليه وسلم:
    " حُبِّبَ إِلَىَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ
    وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر قال الله سبحانه وتعالى :
    { وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
    من حفظها وحافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع وإذا أردت أن تنظر إلى قيمة الإسلام عند العبد فانظر إلى قيمة الصلاة عنده فهي الدالة على إيمان العبد قال صلى الله عليه وسلم:
    " بَيْنَ الَعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوِ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاَةِ "، وقال صلى الله عليه وسلم: " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ
    من حفظها وحافظ عليها كانت لهُ نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن لهُ نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة وحشر مع فرعون وهامان وقارون و أبي ابن خلف، قال العلماء رحمهم الله: ووجه حشرهِ مع هؤلاءِ الكفرة أنه إن أشتغل عن الصلاةِ بملكه فإنهُ يحشر مع فرعون، وإن أشتغل عنها بوزارته حشر مع هامان، وإن أشتغل عنها بمالهِ حشر مع قارون، وإن أشتغل عنها بتجارتهِ وبيعهِ وشراءه حشر مع أبي ابن خلف تاجر الكفار بمكة. فاتقوا الله، عباد الله، حافظوا على صلاتكم قال صلى الله عليه وسلم:
    " أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الصَّلاَةُ
    قال الإمام أحمد رحمهُ الله: كل شي فقد آخره لم يبقى منهُ شيء، فلا دين لمن لا يصلي، فحافظوا على صلاتكم، وأدوها كما أمركم الله سبحانه وتعالى لا كما تردونها أنتم، حافظوا عليها بأدائها كما أمركم الله ورسوله بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وما تستطيعون من سننها مع الخشوع فيها لله سبحانه وتعالى، هذه هي الصلاة القائمة وأما شكل الصلاة من غير إقامةٍ لها فلا تفيد صحابها شيئاً، ومن شروط صحة الصلاة: صلاتها في الوقت الذي حددها الله لها، وليس الوقت الذي تختاره أنت، فالله جل وعلا قال: { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً }
    أي: مفروضة في أوقات معينه لا يقبلها الله إلا فيها، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم بينها هذه الأوقات في أن صلاة الفجر: عند طلوع الفجر الثاني، وأن صلاة الظهر: بعد زوال الشمس، وأن صلاة العصر: حينما يتساوى الشيء وظلهُ يتساوى الشيء القائم مع ظلهِ فيدخل وقت العصر، وقت صلاة المغرب عند غروب الشمس، ووقت العشاء عند مغيب الشفق الأحمر، هذه المواقيت بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمتهِ، ومنها وهذهِ المواقيت شرط لقبول الصلاة وصحتها، فلا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها إلا لعذر شرعي كالمسافر الذي يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما لأجل السفر تسهيلا عنهُ، وكالمريض الذي يحتاج إلى الجمع ويلزمهُ بتركهِ مشقة فإنهُ يجمع بين الصلاتين تخفيف عنه، وكالمطر في حالة الحضر بين المغرب والعشاء يجمع بينهما لأجل المطر، والمراد المطر الذي يبل الثياب ويرطبها ويشق على الناس في طريقهم إلى المسجد ذهاباً وإياباً فإنهم حينئذ يجمعون بين المغرب والعشاء تخفيف عنهم في ثبوت السنة بذلك؛ ولكن يتلاعب كثير من الأئمة اليوم خصوصاً الجهال والكسالى الذين يردون أن يذهبوا هنا وهناك أو ينشغلوا بأشغالهم، فإذا رأوا الغيم مجرد الغيم على السماء يجمعون أو رأوا رذاذا من المطر رذاذا خفيفاً فإنهم يجمعون وفعلهم هذا باطل، ولا تصح معهم الصلاة لأنهم أخرجوها عن وقتها من غير عذر شرعي، ويجب على جماعة المسجد إن يمنعوا هذا الإمام من هذا التلاعب والعبث وقد كثر هذا في زماننا؛ بل بلغننا أن بعضهم يجمع ويقصر، يقصر العشاء ركعتين ظننا منه إن من جاز لهُ الجمع جاز له القصر وهذا لجهلهم وتفريطهم وعدم المسئولية من القائمين على المساجد، فالواجب منع هؤلاء من التلاعب بالصلاة أو استبدالهم بغيرهم مما يقيمون الصلاة ويؤدون الأمانة.

    اتقوا الله، عباد الله، حافظوا على صلواتكم فإنها هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين ولا يقبل منكم العمل إذا لم تقيموا الصلاة كما أمركم الله سبحانهُ وتعالى فهي { تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فالذي يحافظ على الصلاة فإنهُ تنهه صلاتهُ عن الفحشاء وتنهه عن المنكر، والذي يتساهل في الصلاة ويفرط فيها فإنهُ لا يبالي بالفحشاء والمنكر والشهوات المحرمة، الصلاة لها قيمة عظيمة في لإسلام، وفيها ذكر الله، الله جلَّ علا قال { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ذكر الله في الصلاة أكبر من النهي عن الفحشاء والمنكر، فهي عبادة عظيمة لا يتساهل فيها أو يفرط فيها من في قلبهِ إيمان، وقد كثر التساهل بالصلاة في هذه الأوقات، الصلاة لها فضائل عظيمة: يكفر الله بها السيئات قال الله جل وعلا وقال سبحانه وتعالى: { وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } وقال صلى الله عليه وسلم: " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لَمَا بَيْنَهُنَّ إذا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ "، فهذا فضل عظيم لمن حافظ على صلاتهِ وأداءها كما أمره الله، المشي إليها عباده وكثرت الخطاء إلى الصلاة فيها أجر عظيم وتكفير للسيئات يكتب لهُ بكل خطوة يخطوها إلى المسجد حسنة وتكفر عنها بها سيئة { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } أي: مشيهم إلى المساجد، وإذا جلس المسلم في المسجد ينتظر الصلاة فإنهُ يكون في صلاة ولهُ أجر المصلي وهو جالس، والملائكة تستغفر لهُ ما لم يؤذي أو يحدث، تقول اللهم أغفر له اللهم أرحمه، وهذا فضل عظيم لهذه الصلاة العظيمة التي جعلها الله في اليوم والليلة في أوقات مناسبة لا تشغل الإنسان وتمنعه من طلب الرزق أو من أشغله؛ بل هي تعينهُ على مشاق الحياة وعلى جلب الرزق قال الله سبحانه وتعالى: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } يستعان بها على المصائب، يستعان بها على المشاق كان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمرٌ فزع إلى الصلاة، وقال: " يَا بِلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ، أَرِحْنَا بِهَا

    كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بالصلاة يرتاح من هموم الدنيا، ويقبل على الله سبحانه وتعالى وتحط عنه أثقال كثيره، هذه هي الصلاة ليست الصلاة مجرد عاده أو تقليد، إنها عبادة عظيمة لله، أنت محتاج إليها أشد من حاجتك إلى الطعامِ والشراب، فكيف تفرط فيها هذا من الحرمان، فإن ميزان الصلاة قل أو خف عند كثير من الناس اليوم، و لا حول ولا قوة إلا بالله، وربما يقول بعضهم الدين ليس بصلاة الدين في القلب، نقول له لو كان في القلب دين لاهتممت بالصلاة فمن علامة وجود الإيمان في القلب إن تحافظ على الصلاة لأنها من سمات المؤمنين
    { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ }
    فلا يحافظ عليها إلا أهل الإيمان، وأما الذي يضيعها أو يتهاون بها فليس من أهل الإيمان؛ بل من أهل الإضاعة والخذلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولي جميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنهُ هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكرهُ على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ وسلم تسليماً كثيرا أما بعد:

    أيُّها الناس، اتقوا الله سبحانه وتعالى، حافظوا على صلاتكم وعلى سائر دينكم، فإنهُ هو رأس مالكم الذين تلقون الله جل وعلا به يوم القيامة، وتنجون به من النار تدخلون به الجنة والله سبحانه وتعالى حذر من إضاعة الصلاة فقال سبحانه:
    { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } وقال سبحانه وتعالى:
    { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } سماهم مصلين؛ لكن لما كانوا يصلون في غير الوقت توعدهم بالويل وأخبار أن ساهون عن صلاتهم، فإضاعة الصلاة والسهو عنها معناه أخرجها عن وقتها من غير عذر شرعي فلا تقبل حينئذ فقد أضاعها من هذه الأفعال ويتشاغل عنها من الناس من يحتج بالنوم يسهر الليل ولا يبالي بالصلاة فينام يقول متى ما استيقظت أصلي، ليس الأمر بيدك الأمر بيد لله سبحانه وتعالى، الصلاة إنما تكون في الوقت ولا تقبل في غيره، لا تقبل في غير الوقت من غير عذر شرعي وليس النوم عذرا شرعيا لكل أحد، إنما النوم الذي يغلب على الإنسان وهو حريص على القيام للصلاة؛ ولكن يغلب عليه بعض الأحيان فهذا عذر، أما الذي يتعمد النوم ويقول متى قمت بعضهم لا يصلي إلا إذا أرد أن يذهب إلى الوظيفة، إذا أرد أن يذهب إلى وظيفته بعد الشمس هذا لا تقبل صلاته، فالواجب أن يقوم في الوقت ويصلي مع المسلمين في المساجد، ثم يعود إلى نومه ولا يضيع الصلاة على حسب هواه، ما هو المقصود أنه يصلي الصلاة الشكلية في أي وقت؟ المقصود أن يصلي كما أمره الله سبحانه وتعالى فإذا أخرج الصلاة عن وقتها متعمداً لم تقبل منهُ صلاته ولا تصح منهُ صلاته فهو لم يصلي، فالواجب على المسلم أن يحذر من هذا وبإمكان من يخشى من غلبة النوم أن يعمل الوسائل التي تُقضه للصلاة وهي كثيرة: أولا أن يعزم على القيام، فإذا عزم على ذلك أعانهُ الله، إذا عود نفسهُ على القيام أعانهُ الله سبحانهُ وتعالى، أن يجعل عندهُ منبه يقضهُ للصلاة وهذا ميسر والحمد لله، أن يوصي ما يقضه ممن حوله، أما أن يفرط ويقول متى ما استيقظت أصلي هذا مضيع للصلاة وساه عن الصلاة ومتوعد بالغي والويل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
    { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ،
    اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ كف عنا عدوان المعتدين وظلم الظالمين وجور الجائرين، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ من أرد الإسلام والمسلمين بسوء أو أذى فأشغله في نفسه وصرف عنا كيده، وجعل تدميره في تدبيره، وأدر عليه دائرة السوء وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا وجهلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم ورزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللَّهُمَّ أنصر بهم دينك وحفظ بهم أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، { ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/ولتَنظُر نَفْس مَا قدَّمَت لغد

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }


    الخطبة الأولى

    الحمد لله رب العالمين، أمر بشكره وذكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من عرف ربه فقدره حق قدره، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله، بلغ عن ربه نهيه وأمره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين لازموه وأطاعوه في حالة عسره ويسره، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:

    أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، تدبروا كتاب ربكم قال الله جلَّ وعلا:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ }
    في هذه الآيات الكريمات ينادي الله عباده المؤمنين، لأن المؤمنين هم الذين يمتثلون أوامر الله ويجتنبون نواهيه، كما أنه ينادي الناس عموماً ليقيم عليهم الحجة، أما المؤمنون فإنه يناديهم بإيمانهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } نداء تشريف وتكليف لأنهم يمتثلون أوامر الله بمقتضى إيمانهم بالله عز وجل، ثم قال تعالى { اتَّقُوا اللَّهَ } أمرهم بأمرين الأمر الأول: فيما بينهم وبين الله وذلك بتقواه سبحانه وتعالى { اتَّقُوا اللَّهَ } أي: أجعلوا بينكم وبين غضب الله وقايةً تقيكم منها، وتقيكم من عذاب الله، وذلك بفعل أوامره وترك ما نهى الله عنه هذه هي الوقاية التي تقي من عذاب الله، ثم أمرهم لأنفسهم فقال: { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } فلتنظر كل نفس ما قدمت لغد من العمل والمراد بالغد يوم القيامة، سماه الله غداً لقربه لأنه قريب كل ما هو أتٍ قريب، وإن غداً لناظره قريب، ما أقربه من كل عبد بموته، وانتقاله إلى الدار الآخرة، وما أقربه من الجميع بقيام الساعة: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } ، { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ } من الأعمال، فكروا في أعمالكم، حاسبوا أنفسكم فإنكم لستم على حد إقامة، وإنما أنتم على أهبت سفر، فانظروا ما معكم من العمل لهذا السفر { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } تزودوا للآخرة بالتقوى { فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، انظروا في أعمالكم فما كان منها صالحاً فاحمدوا الله عليه وازدادوا منه وداوموا عليه، وما كان منها سيئاً وما أكثره فاستغفروا الله وتوبوا إليه، فإن الله يغفر لمن تاب { ويَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ }
    ، { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } انظروا في أعمالكم، الإنسان منا إنما يفكر بما يدخره في الدنيا إلا من رحم الله فهو يقول أنا أؤمن مستقبلي فيجمع المال ويجمع الاكتساب لأجل أن يؤمن مستقبله بزعمه ولا يدري لعله ينتقل ويتركه لغيره ولا يدرك ما أمنه، إنما الذي يبقى هو ما تقدمه لآخرتك، أما الذي تجمعه لدنياك فأنت راحل وتاركه لغيرك ولهذا قال: { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } ولم يقل ولتنظر نفس ما ادخرته للدنيا، بل تنظر ما قدمت للآخرة { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } فلا تنشغلوا عن ذلك لأمور الدنيا، لا تترك الدنيا وطيباتها وما أباح الله ولكن لا تنشغلوا بها، خذوا منها منا يعينكم على طاعة الله عز وجل، وما تتقربون به إلى الله من الصدقات والزكوات وغير ذلك من الأعمال الصالحة المالية فهذا للآخرة، هذا يقدم للآخرة أنت تقدم من مالك للآخرة كما أنك تقدم من عملك البدني من الصلاة والصيام وغير ذلك أيضاً للآخرة، فأنت تقدم من أعمالك البدنية وأعمالك المالية تقدم لآخرتك هو الذي سيبقى لك وتنتفع به، وأما ما زاد عن ذلك فإنه ليس لك وإنما هو لغيرك، اجتهد فيما هو لك،
    { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } حاسب نفسك يا أخي، بعض الناس ينظر إلى عيوب الناس ولا ينظر إلى عيبه فيتحدث عن الناس فلان مقصر وفلان غافل وفلان كذا وفلان كذا ... ولا ينظر إلى نفسه ويحاسب نفسه، نعم إذا رأيت على أخيك خطأً أو غفلةً ذكره ولكن أبدأ بنفسك، ذكر نفسك أولاً { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } ولا تنظر إلى ما قدمه الناس لآخرتهم فقط، أبدأ بنفسك ثم أنصح لغيرك حتى يقبل منك ما تقول وحتى ينفع الله بك، أما الذي ينظر إلى عيوب الناس وينسى عيب نفسه فهذا مثل الشمعة تحترق وتضيء لغيرها، السراج يضيء لغيره وهو يحرق نفسه، فالذي ينظر إلى عيوب الناس ويحصيها عليهم وينسى عيوب نفسه هذا مثل السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه، فعليك يا أخي أن تتقي الله في نفسك أولاً ،
    { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } ، ثم قال جل وعلا في ختام الآية: { وَاتَّقُوا اللَّهَ } أعاد الأمر بالتقوى لأهميتها
    { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } راقب الله سبحانه وتعالى فيما تعمل ولا تزكي نفسك { فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى } فاتقِ الله واعلم أنه مطلع عليك، راقب الله سبحانه وتعالى { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خير أو شر وسيحاسبكم عليه وسيجازيكم عليه يوم القيامة، فأنتم ما دمتم في زمن الإمكان، في زمن الدنيا والحياة التي منحكم الله إياها وأمهلكم فيها بادروا بالمحاسبة، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أيها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }، فاتقِ الله واعلم أنه مطلع عليك سواء عملت خيراً أو عملت شراً ويحصي ذلك عليك، واعلم أنه يعلم نيتك وقصدك، فليس العبرة بالظاهر إنما العبرة بالنيات والسرائر فأخلص نيتك لله، أما العمل الذي ليس لله فالله لا يقبله سبحانه وتعالى ويكون وبالاً عليك وإن ظننت أنه عمل صالح، لأنه لم يؤسس على نية خالصة لله عز وجل، فأنت اعمل وأخلص النية لا تعمل فقط أخلص النية لله، فالعمل الذي لله وإن كان قليلاً ينفع الله به فقد يدخلك الله به الجنة حتى بشق التمرة: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ "، فالعمل الصالح الذي أخلص نيته فيه لله هو الذي يقبله الله وإن كان قليلا: { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } إن تكن الذرة حسنة ذرة مثقال ذرة حسنة يضاعفها الله سبحانه وتعالى أضاعفاً كثيرة ويدخل بها صاحبها الجنة، فليست العبرة بكثرة الأعمال، العبرة بالأعمال الخالصة لله عز وجل، لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجه، وصواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا شرط آخر، أن يكون هذا العمل موافق لسنة الرسول، أما إن كان مبتدعاً فإن الله لا يقبله لأنه لم يشرعه، والله لا يقبل من الأعمال إلا ما شرعه وما أخلص العامل نيته فيه له قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ "، فأنت أنظر في عملك يا أخي، أوصيك ونفسي وجميع المسلمين بالنظر في أعمالنا، وأن لا تشغلنا عنها الدنيا، وأن لا يشغلنا عنها الشيطان، وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب الناس، وننظر إلى عيوب أنفسنا قبل أن ننظر إلى عيوب الناس.

    فاتقوا الله، عباد الله، وتذكروا هذه الآية دائماً وأبدا ولهذا قال: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ } نسوا ذكر الله عز وجل، ونسوا العمل الصالح، وانشغلوا بالدنيا مشغلاتها وملذاتها { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } عاقبهم الله سبحانه وتعالى لما نسوه عاقبهم أن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيراً ولم يقدموا لها عملاً صالحاً عقوبةً لهم: " لأَنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل "، فعلينا أن نتقي الله جلَّ وعلا، وما أعظم مواعظ القرآن الكريم لو أننا تدبرناه وعقلناه قال تعالى: { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } فلو أن الله خاطب بهذا القرآن الجبال الصم لتصدعت من خشية الله، وهو خاطبنا بها ولكن الكثير منا لم يرفع بها رأسه ولم يتأثروا بها وإن كانوا يقرؤونه ويسمعونه، فصارت قلوبنا أقسى من الجبال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
    أيُّها الناس، إن من الناس من هو مفلس قال صلى الله عليه وسلم: " أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسِ؟"
    قَالُوا يا رسول الله: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا دينار،
    قَالَ: " الْمُفْلِسَ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بأعمال أمثال الجبال" يعني: أعمال صالحة " ثم يَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فيأخذ لهذا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ سيئات المظلومين فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ فطُرِحَ فِي النَّارِ
    حافظوا على أعمالكم الصالحة إذا عملتم عملاً صالحاً فحافظوا عليه، حافظوا عليه من التلف وأعظم ما يتلف الأعمال هو ظلم الناس والعياذ بالله، ظلم الناس في أموالهم وأعراضهم ودمائهم، فتجنبوا الظلم، ومن كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم، قد لا يسلم الإنسان من ظلم الناس قليلا أو كثيرا فقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَتْ عِنْدَه لأَخِيهِ مَظْلَمَةٌ فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْه اليوم قبل أن لا يكون دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ إن كانت له حسنات أخذت مِنْ حَسَنَاتِهِ وأعطيت للمظلومين وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ المظلومين فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ فطُرِحَ فِي النَّارِ " هذا هو المفلس يوم القيامة عمل عملا وتعب فيه وأخذ منه، فاحذروا أن تتلفوا أعمالكم وأن تضيعوها بالظلم والطغيان أو الإعجاب بالعمل لا يعجب الإنسان بعمله ولا يستكثر عمله مهما عمل فإنه قليل، لأن حق الله عليه عظيم ولكن الله غفور رحيم، يغفر ويزيد من فضله لكن لابد من الأسباب النافعة والأسباب الواقية من المحظور.
    فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
    وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار،{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وصرف عنا كيده، وكفنا شره، وجعل كيده في نحره، وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ إن الكفار طغوا وبغوا في هذا الزمان وتجرؤوا على عبادك الصالحين قتلوهم وشردوهم ونشروا فيهم الفتنة فيما بينهم فصار الأخ يقتل أخاه وصار الجار يقتل جاره بتحريض من المنافقين ومن المشركين ومن الملاحدة، اللَّهُمَّ دمرهم تدميرا، اللَّهُمَّ كف بأسهم عنا فأنت { أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }، اللَّهُمَّ عجل بعقوبتهم حتى يسلم المسلمون من شرهم، اللَّهُمَّ انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان واجعل لهم فرجاً ومخرجا، اللَّهُمَّ زلزل أقدام الظلمة، اللَّهُمَّ شتت شملهم وخالف بين كلمتهم، اللَّهُمَّ سلط بعضهم على بعض واشغلهم بأنفسهم عن المسلمين يا قوي يا عزيز يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ إن نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا وأمددنا بأموال وبنين وجعل لنا جنات وجعل لنا أنهارا إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ إن خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللَّهُمَّ أحي عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت يا سميع الدعاء.

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }،{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، { ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان


  4. #4
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/إِنَّما المؤمنون إِخوة

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة

    الخطبة الأولى

    الحمد لله رب العالمين، جعل المسلمين أخوةً متحابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحقُ المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، سلَّم تسليماً كثيراً أما بعد

    أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله جعل المؤمنين أخوةً متحابين، من أول الخليقة إلى آخرها { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }، وأنزل الله جلَّ وعلا سورة الحجرات بيَّن فيها كُل ما يُفسد هذه المحبة، ونهى عنه، وحذر منه،
    قال سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }، إن جاءكم فاسق الفاسق هو الذي لا تُقبل شهادته، ولا يُقبل خبره بسبب نقصه في دينه، وارتكابه لكبائر الذنوب، هذا هو الفاسق، وأيضاً الذي ينقل الإشاعات، وينقل الأخبار الكاذبة، ويمشي بالنميمة ليُشوش بين المسلمين، ويُفرق ما بينهم، هذا فاسق، والفاسق هو الخارج عن طاعة الله، فهذا خارجُ عن طاعة الله، الذي أمر بالمحبة والتواصل والاجتماع، وقوله { فَتَبَيَّنُوا } يعني: تثبتوا من خبره هل هو صدقٌ أو كذب؟ فإن كان كذاباً فردوه، وإن كان صدقاً فلا تُشيعوه، ولا تنشُروه، بل عالجوه بالذي هو أحسن، وكتموه، إبقاءًا على المحبة بين المسلمين، وسداً لباب الفتنة، وردعاً للسعاة المفسدين، ولهذا قال: { أَنْ تُصِيبُوا } أيَّ لئلا { تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ } تجهلون هذا الخبر وتؤخذونهم وهو بُرآء { فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } على ما فعلتم من إصابة الأبرياء بناءاً على هذا الخبر الكاذب والشائعة نادمين على ما حصل منكم، ولا ينفع الندم بعد ذلك، لأن القلوب إذا تدابرت فيما بينها وتباغضت لا يمكن ردها عما حصل فيها، لا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى،
    ثم قال جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ } كذلك السُخرية بالنَّاس، تنقص النَّاس، هذا مما يسبب التباغض، والتنقص، وازدراء الآخرين مع أن المؤمن له قدرٌ عند الله ومكانةٌ عظيمة لا يجوز انتهاكها، ولا يجوز السُخرية به وما يحرم على الرجال من ذلك يحرم على النَّساء، والنَّساء أكثر وقوعاً في هذا، أكثر وقوعاً فيما بينهن وهن أخوات في الإيمان فلا يتخذنا السُخرية، وتنقص الأخريات حرفةً لهنَّ، فالله أمر النَّساء بما أمر به الرجال، لأنَّ النساء شقائق الرجال، ولأنهنَّ إذا صلحن صلحت الأسر والمجتمع، وإذا فسدن فسدت الأسر وفسد المجتمع، لأنهنَّ الأساس الذي ينبني عليه المجتمع ولأنهنَّ ضعيفات عقول تُأثر فيهنَّ الشائعات، وتؤثر فيهنَّ السُخرية والتنقص { لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ }، { وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ } لأنه قد يكون المسخور منه خيراً من الساخر وهذا هو الواقع، فإن الذين يسخرون من الناس ويتنقصونهم لما فيهم هم من النقص العظيم، وإلا لو لم يكنَّ فيهم نقص لما تنقصوا النَّاس،
    ثم قال جلَّ وعلا: { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } اللمز هو التنقص أيضاً { أَنفُسَكُمْ } يعني: بعضكم بعضا، لأن المؤمنين كالنَّفس الواحدة، وإلا فالإنسان لا يلمزُ نفسه، وإنَّما يلمزُ أخاه، وأخوه من نفسه لأن المؤمنين كنفس واحدة، وكجسد واحد، وكبنيان واحد، { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ }، الألقاب جمع لقب وهو ما أشعر بمدحٍ أو ذم، فهذا نهيُ عن الألقاب التي فيه ذم، كالتنقص كالبخيل، والجاهل، وغير ذلك من العُيوب، حتى ولو كان الإنسانُ فيه شيءٌ من ذلك، فإنه يُستر عليه ولا يُبين، { وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ
    ثم قال جلَّ وعلا: { بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ } فسمى التنابز بالألقاب فُسوقاً { بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ } والفسوق هو الخروج عن طاعة الله عزَّ وجلَّ بعد الإيمان، دلَّ على أن التنابز بالألقاب يُنافي كمال الإيمان، ويُنقص الإيمان، ثم قال جلَّ وعلا: { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ } اعتبره ذنباً تجب التوبة منه { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ } من اللمز بالألقاب { فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } سماه ظالماً، لأن الظلم هو التعدي على النّاس، وبخس حقوق النَّاس، فاللامز بالألقاب مُتنقص لحقوق النَّاس كالذي يتنقص أموالهم، وهذا أشد من انتقاص الأموال، انتقاص الأعراض، وانتقاص المنزلة، وانتقاص أشد على الإنسان من أن يفقد شيء من ماله، ولهذا نهى عن اللمز بالألقاب وسماه فسوقاً، ومُنقصاً للأيمان، وأمر بالتوبة منه، ومن لم يتب منه فإنَّه ظالم، والظالم مصيره مظلم والعياذ بالله { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ
    ثم قال جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ }، الظنون هذه هي التي أيضاً تؤثر على النَّاس، أن تظنَّ بأخيك سوءًا والأصل في المؤمن العدالة والخير فلا تظن به إلا الخير، ولا تظن به السوء { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }، فيجتنب الكثير من أجل القليل لقُبح هذا، لقبُح هذا الذنب { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } فكيف إذا كثر الظن السيئ؟ والعياذ بالله،
    ثم قال جلَّ وعلا: { وَلا تَجَسَّسُوا } لا تتبعوا عورات الناس الخفية، لا تجسسوا على النَّاس، استروا عليهم، وإذا انتقدتم عليهم شيئاً فناصحوهم سراً، أمَّا تتبع عورات النَّاس والتحدث عنها، فالله نهى عن ذلك،
    وفي الحديث: " من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه على رؤوس الأشهاد "، فإذا تتبعت عورات النَّاس لتظهرها وتنشرها، فإنَّ الله يتتبع عوراتك وهو أعلم بك سبحانه وتعالى، وينشر مخازيك على الناس عقوبةً لك، نسأل الله العافية { وَلا تَجَسَّسُوا
    ثم قال تعالى: { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } هذا من أسباب القطيعة، ومن أسباب التفرق، والتباغض، والغيبة، وما أدراك ما الغيبة؟
    بينها النَّبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " هي ذكرك أخاك بما يكره "، في مغيبه تتحدث عن ما يكره من أخلاقه، تتحدث عنه وهو غايب في المجالس " ذكرك أخاك بما يكره "، قال يا رسول الله: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته "، يعني: كذبت عليه،
    فأمسك لسانك يا أخيَّ عن الغيبة، ثم بيَّن سوء الغيبة { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } لو جئت إلى جنازة ميتة هل تستسيغ أن تأكل من لحمها؟ لا يستسيغ هذا أحد مكروه، الذي يغتاب النَّاس يأكل لحومهم { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ
    وإذا حصل بين المسلمين إذا حصل بينهم فتنَّة أو انقسام فإنَّه يجب الإصلاح، إذا حصل بينهم فتنَّة وقتال يجب الإصلاح { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } هذا هو العلاج الأول الصُلح وقد قال الله جلَّ وعلا: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } والصلح هي تسوية النزاع بين المتنازعين حتى يرضى بعضهم عن بعض، ويزول النزاع والشقاق، ولا سيما إذا كان نزاعاً مُسلحًا فيه سفك للدماء، فإنَّه يجب التدخل بالإصلاح فيما بينهم، ولا نتركهم، ولا نتركهم يتقاتلون، بل ندخل في الصلح بينهم مهما أمكن ولو تحملنا أمولًا في مقابل ذلك نُصلح بينهم،
    ثم الخطوة الثانية : { فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ } إذا أبت إحدى الطائفتان أن تقبل الصلح { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي } يجب على المسلمين أن يقاتلوا الفئة الباغية التي لا تقبل الصلح { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } أيَّ: ترجع عمَّا هي عليه إلى أمر الله { فَإِنْ فَاءَتْ } أيَّ: رجعت، { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } أنصفوا المظلوم من الظالم، وأنصفوا المُخطئ عليه من المخطئ، { فأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } أيَّ: العادلين،
    ثم قال جلَّ وعلا: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أخوة في النَّسب لا، قد يكون هذا من أقصى الأرض وهذا من أقصاها ولا يعرف بعضهم بعضا، لكن الإيمان يجمع بينهم { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } في أيَّ مكان، فالمؤمن أخو المؤمن، في أي مكان ومن أيَّ جنس فالعربي أخو للعجمي المسلم، والأبيض أخو للأسود، المسلم لا فرق بين المسلمين والمؤمنين لا في الأوطان، ولا في الألوان، ولا في النسب، لأنَّهم أخوة في الإيمان جمع الإيمان بينهم، هذه هي الأخوة الصحيحة، أمَّا الأخوة في النَّسب فهي إذا تعارضت مع الأخوة في الإيمان فإنَّها ترفض الأخوة في النسب { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }، فالمحبة إنَّما هي بالإيمان وحده لا بالأطماع، ولا بالإنحيازات، والعنصرية الجاهلية، إنَّما هو بالإيمان الذي منَّ الله على عباده، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بالآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا
    قال الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } خاطب النَّاس جميعاً، بعدما خاطب المؤمنين خاصة، خاطب النَّاس جميعاً وبيَّن لهم أصلهم أنَّه خلقهم من آدم وحواء، من ذكر وأنثى، لا فضل لبعضهم على بعض في النسب، كُلهم من بني آدم، وإنَّما الفضل بالإسلام والإيمان والخصال الطيبة، هذا هو الذي فيه الفضل { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }، فلا يُقرب عند الله إلا التقوى، لا يُقرب النَّسب ولو كان من أرفع النَّاس نسبًا { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }، نَّسأل الله العافية، فالنَّسب إنَّما هو في الدنيا فقط تعارف، تعرف أنَّك من بني فلان لأجل الصلة إليهم، لأجل الصلة بهم تصلهم، ولأجل انضباط القبائل يعرفُ بعضها بعضا، أمَّا من جهة النسب يرفع أو يخفض فليس له قيمة عند الله سبحانه وتعالى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }، { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } أيَّن أنَّسابهم؟ ذهبت أنَّسابهم ولم يبقى إلا أعمالهم، ولم يبقى إلا التقوى، تقوى الله سبحانه وتعالى.
    فاتقوا الله، عباد الله، وعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.
    وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
    اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مستقراً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا ووفقهم لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أحمي حوزة الدين، اللَّهُمَّ أحمي بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ احمي بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، وصرف كيده في نحره، وكفنا شره إنَّك على كل شيء قدير.

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }،{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } ، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم ، { ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان



  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/من حسنِ إِسلامِ المرء تركه ما لا يعنيه

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ


    الخطبة الأولى

    الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، { الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله، رفعه الله فوق السماوات العلا ورأى من آيات ربه الكبرى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والتقوى، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:

    أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، واشتغلوا بما ينفعكم وينفع إخوانكم، وتجنبوا ما يضركم ويضر إخوانكم، فهذا هو الذي كلفتم به روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ " رواه الترمذي، فهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام ومنهج واضح يسير عليه المسلم في حياته، أنه يأخذ بما يعنيه ويشتغل به ويترك ما لا يعنيه ويتجنبه، فلو أن المسلم التزم بهذا المنهج لحصل على خير كثير ولسلم من شر كثير، فهذا الحديث له منطوق وله مفهوم، منطوقه أن المسلم يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأعمال أي ما لا يفيده ولا ينفعه ولم يكلف به، وأنه يعمل ما يعنيه وما يخصه وما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه وذلك بأن يبدأ بنفسه فيعمل لها ما يصلحها ويجنبها ما يضرها من الأقوال والأعمال، فمن الأقوال لا يتكلم إلا بما فيه خير ومصلحه عاجله أو آجله قال الله جل وعلا: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } فهذا فيه إحسانٌ إلى نفسه وإحسان إلى الناس، وهو الأمر بكل خير وطاعة وما فيها مصلحة له ولغيره، فلا يستعمل لسانه إلا بذلك ولا ينطق بما يضره ويضر غيره من الأكاذيب والشائعات أو من السب والشتم أو من غير ذلك قال الله جل وعلا: { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } يعني الملكان { عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } فأقوالك محصاة ومكتوبة وستحاسب عنها، فإن كانت صالحةً جنيت منها الخير عاجلاً وآجلا، وإن كانت سيئة جنيت منها الشر عاجلاً وآجلا ففي الحديث: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ يهوي بها في جهنم "، فالكلمة الواحدة هذا شأنها، فكيف بالكلام الكثير؟ { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ } أي: من كلامهم إلا ما استثناه الله سبحانه وتعالى فاحفظوا ألسنتكم، فالإنسان لا يتكلم إلا بما فيه مصلحه لنفسه ومصلحة لإخوانه بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعلم الجاهل ويذكر الغافل ويدعو إلى الله هذا فيما ينفع الناس، وفيما ينفع نفسه يشتغل بذكر الله وبتلاوة القرآن بالتسبيح والتهليل والتكبير ويكثر من ذلك فإنه ذخر له عند الله سبحانه وتعالى، ويتجنب الكلام السيء فقد سأل معاذ بن جبل رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ:
    " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ " أَوْ قال: " عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِى النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " ،
    الإنسان يتساهل في الكلام ولا يلقي له بالاً يتلقف الشائعات والأكاذيب ويروجها بين الناس { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ } يذيعه بين الناس { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } ، فعلى المسلم أن يحفظ لسانه إلا في الخير، وكذلك الأعمال فلا يعمل إلا ما فيه خير ونفع عاجل أو آجل والأعمال الصالحة والأعمال المفيدة كثيرة ولله الحمد، وفيها ما يشغل المسلم ويأخذ فراغه ووقته ولا ينشغل بما فيه ضرر عليه لا يشتغل بالقيل والقال وسماع الكلام وسماع الملاهي والمعازف والمزامير لا ينظر فيما يضره ولا يسمع ما يضره ولا يتكلم إلا بما ينفعه ، { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً
    فالإنسان مسئول عن هذه الحواس وعن هذه الأعضاء ما يعمل بها فهو يجني على نفسه أو يجني لنفسه " مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ " فاتركوا ما لا يعنيكم واشتغلوا بما يعنيكم ويفيدكم ويجلب لكم الخير في الدنيا والآخرة ما ينفعكم وينفع مجتمعكم وإخوانكم، أسعوا بالإصلاح بين الناس، أسعوا بما ينفع الناس من الأمر بالصدقات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتنالوا هذا الوعد من الله سبحانه { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }، فتنبهوا لذلك فإن الأمر خطير جدا، وكلما تأخر الزمان كثر الانشغال بالقيل والقال والغفلة عن ذكر الله وانطمست أعلام الخير إلا فيما وفقه الله سبحانه وتعالى وذلك لإقبال الدنيا على الناس وانفتاحها على الناس خصوصاً في هذا الوقت الذي تقاربت فيها الأقطار بواسطة وسائل النقل السريعة وبواسطة وسائل الإعلام السريعة حتى ما يحصل في أقصى العالم يبلغ أقصاه في لحظة واحدة، إما أن يكون خيراً وهذا قليل، وإما أن يكون شراً وهذا كثير، فأنقذوا أنفسكم أنقذوا أنفسكم من هذه الأخطار تعيشون الآن بين أخطار عظيمة وتيارات جذابة فخذوا حذركم وخذوا بأنفسكم خذوا بأولادكم وأهليكم إلى طاعة الله وانهوهم عن معصية الله فإنكم مسئولون عنهم خذوا بأيدي إخوانكم المسلمين فأنتم مكلفون بذلك قال صلى الله عليه وسلم:
    " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وصاحب البيت رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "
    من الذي يسألكم؟ إنَّه العليم الخبير الذي لا يخفى عليه شيء، فتأهبوا للسؤال وأعدوا الجواب، فإنه لا ينجي عند الله إلا الصدق اليوم ينفع الصادقين صدقهم، فالله جل وعلا لا يروج عليه الكذب لا يروج عليه البهتان والاحتيالات والتزوير لأنَّه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء وهو محيط بكل شيء.

    فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله، عباد الله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ " في بر أو بحر أو جو أو في بلدك أو في بلاد الكفار البلاد الأخرى اتق الله حيث ما كنت لأنك مسلم مسئول عن إسلامك مسئول عن دينك، أما من يظهر النسك والتقوى في بلاد المسلمين ثم إذا ذهب إلى بلاد الكفار انساح معهم وترك دينه أو ربما أنه يشعر دينه ذلة وأنه عورة فيخفيه أو يتركه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا من تسويل الشيطان دينك أمانتك ،
    { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } وهذه الأمانة يفهم بعض الناس أن الأمانة هي الوديعة فقط، الأمانة أعظم من ذلك الأمانة ما كلفك الله به من عبادته وحده لا شريك له ومن التزام دينه، فدين الله أمانة بينك وبين الله عز وجل ستسأل عنه يوم القيامة عن هذه الأمانة، ولهذا قسم الناس نحو هذه الأمانة إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: من حفظها ظاهراً وباطنا وهم المؤمنون.
    القسم الثاني: من ضيعها ظاهراً وباطنا وهم الكافرون.
    القسم الثالث: من حفظها ظاهراً وضيعها باطناً وهم المنافقون { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
    أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } أشكروا الله على هذه النعمة التي تعيشونها تحت ظل الإسلام وتحت عدل الإسلام ورحمة الله جلَّ وعلا " تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " كما أوصاكم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تضيعوها ولا تتهاونوا بشأنها ولا تنشغلوا عنها بما يحدث الآن في العالم من الفتن والشرور ولو اقتصرت عليهم في بلادهم لما سألنا عنهم ودعونا الله أن يزيدهم منها ولكن وصلت إلينا عن طريق الانترنت وعن طريق وسائل الإعلام المسموعة المرئية والمقروءة، وصلت إلينا بما فيها من الشرور والتحريش بما فيها من الأكاذيب وما فيها من الإرجاف حتى أصبح بعض الناس لا شغل له اليوم إلا بمطالعة هذه الأشياء والتحدث عنها بين الناس حتى يصبح مشغول البال مندهشاً مما يسمع ويقرأ وغالبه كذب وإرجاف، فعليه أن يتوكل على الله عز وجل قال الله جل وعلا:
    { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ولا تهمكم هذه الأشياء إذا اعتصمتم بعصمة الله ورجعتم إلى الله { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }.

    فاتقوا الله، عباد الله، ولا تنشغلوا بهذه الأمور اتركوها وابتعدوا عنها وأبعدوها عن بيوتكم وعن أولادكم واشتغلوا بذكر الله وبطاعة الله، فإنها فتن عظيمة و" فتن كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ " كما أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فحاذروها واحذروا منها وحذروا منها، واشكروا الله على ما أنتم فيه من الخير والنعمة والأمن والإيمان فحافظوا على ذلك تمام المحافظة حتى يبقى لكم ويدوم فإن الله جلَّ وعلا { لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ }.
    واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.

    وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار ، { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
    اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، وردد كيده في نحره، وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أرحمنا برحمتك،اللَّهُمَّ أرحمنا برحمتك ولا تقتلنا بغضبك وعقابك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحي عبادك وبلادك وبهائمك وانشر حمتك وأحي بلادك الميت، اللَّهُمَّ إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا رب العالمين { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، { ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان


  6. #6
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/واعتصموا بِحبلِ اللَّه جميعاً ولا تفرّقوا

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا


    الخطبة الأولى

    الحمد لله رب العالمين أمر بالاجتماع والائتلاف ونهى عن التفرق والاختلاف وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي العدل والإنصاف وسلم تسليما كثير أما بعد

    أيها الناس اتقوا لله جل وعلا واعلموا أن الله سبحانه أمرنا بالاجتماع والائتلاف فقال سبحانه وتعالى:
    { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }، قال سبحانه:
    { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }، فبين سبحانه أن الاجتماع رحمة وأن الفرقة هلاك وعذاب فقال سبحانه:
    { وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ }، لا يزال الخلق مختلفين إلا من رحم الله فإنهم لم يختلفوا فدل على أن الاجتماع رحمة { إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ }، فدل على أن الاجتماع رحمة وأن الفرقة عذاب وشقاء وتناحر وتخاصم وتقاتل وعداوات وثارات أما الاجتماع فإنه رحمة، رحمة من الله يتراحم بها المؤمنون ويجتمعون على طاعة الله وأما الكفار والمنافقون { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى }، فالاجتماع ليس بالأبدان فقط وإنما الاجتماع بالقلوب هو اجتماع القلوب ولو تفرقت الأبدان وأما إذا اجتمعت الأبدان والقلوب متفرقة فإن هؤلاء لا يعقلون ولا ينفهم اجتماعهم كما لم ينفع الكفار والمنافقين من قبل ولذلك مما يدل على فائدة الاجتماع بين المسلمين أن الله أمرهم أن يجتمعوا يوميا للصلوات الخمس في المساجد اجتماعا يومي خمس مرات لأهل الحارات كل حارة تجتمع في مسجدها خمس مرات يرى بعضهم بعضا ويسلم بعضهم على بعض ويتعارفون ويتآلفون ويتفقدون بمن تخلف ويسألون عنه وكذلك شرع الله الاجتماع اسبوعيا لأهل البلد وذلك في يوم الجمعة يجتمعون ويستمعون الخطبة ويستمعون إلى ذكر الله قال تعالى:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، وكذلك شرع لنا اجتماعا سنويًا في صلاة العيدين شرع لنا اجتماعا سنويا في صلاة العيدين واجتماعا سنويا لأهل الأرض كلهم من المسلمين وذلك في الحج اجتماع سنوي لأهل الأرض من المسلمين يجتمعون في الحج ويلتقي بعضهم ببعض ويتعارفون ويستفيد بعضهم من بعض هذا يدل على أن الإسلام يحرص على اجتماعنا في قلوبنا لا بأبداننا اجتماعنا كل سنة كل أسبوع كل يوم على عبادة الله وعلى ذكر الله هذا مما يربينا على الخير ومما يؤلف بين قلوبنا ومما يزيل الإحن والأحقاد فيما بيننا هكذا الإسلام جاء بالأمر بالاجتماع بين المسلمين في كل يوم الاجتماع على عبادة الله { وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }، الاجتماع على القيادة الواحدة ووحدة الكلمة بين الأمة والرعية الاجتماع على الكتاب والسنة { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ }، الذي هو الكتاب والسنة هو حبل الله المتين فاعتصموا به ولا تحيدوا عنه { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً }، ثم قال: { وَلا تَفَرَّقُوا }، لما أمر بالاجتماع هل نجتمع على أطماع الدنيا؟ لا، نجتمع على الكتاب والسنة جميعا ولا تفرقوا نهى عن التفرق قال سبحانه:
    { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
    وصف النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأنهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ووصف أنهم " كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "، هكذا المسلمون وإذا حصل اختلاف في الرأي أو خصومة في مال أو غير ذلك فإننا نتاحكم إلى كتاب الله وسنة رسوله:
    { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }، هذا علاج النزاع والخصام فيما بيننا لأن الله أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فالله أنزل الكتاب ليحكم بيننا :
    { وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
    فإذا وجد الاختلاف لأنه من طبيعة البشر فعندنا العلاج الناجح ولله الحمد وهو الرجوع إلى كتاب الله تعالى إذا اختلفنا في مسائل العقيدة أو اختلفنا في مسائل العبادة أو اختلفنا في أي شيء:
    { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ
    نرجع إلى كتاب الله وهو يحكم بيننا ونرضى به ونسلم له وذلك خير لنا من البقاء على نزاعنا وخصوماتنا فالحمد لله، الحمد لله العلاج الناجح بأيدينا ومتوفر لدينا وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثير فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ "، فلا نبقى على اختلافنا بل نرجع إلى كتاب ربنا وسنة نبينا ونرجع إلى علمائنا الذين يستطيعون استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ليحكموا بيننا وينهوا الخلاف بيننا ونقنع بذلك :
    { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }، لكن المؤمن يرضى بحكم الله ويطمئن قلبه بكتاب الله وسنة رسوله ويقنع بذلك ويسلم له وإذا بقي في نفسه حرج ولم يقنع فهذا دليل على عدم إيمانه أما المؤمن فإنه لا يجد في نفسه حرجا : { ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ }، لا يجد في نفسه حرجا من ذلك لأنه يعلم أن الله أحكم الحاكمين وأنه سبحانه هو الحكم العدل وأنه سبحانه أنزل الكتاب ميزانًا نزنوا به أقوالنا وأعمالنا فنرضى به حكمًا بيننا هكذا المؤمنون يا عباد الله فاتقوا الله عباد الله، الله جل وعلا قال:
    { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ }، كذلك إذا حصل اختلاف أو نزاع فإن الواجب علينا الإصلاح بين المتخاصمين قال سبحانه: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }، فالإصلاح أمر عظيم :
    { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
    إذا كان الخلاف مسلحًا فنبدأ بالصلح إذا كان الإختلاف بين المؤمنين مسلحًا فنبدأ بالصلح:
    { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى }، ولم تقبل الصلح :
    { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }، هكذا نعالج مشاكلنا لا نستورد الحلول من الكفار أو نلجأ للأمم المتحدة أو نلجأ إلى محاكم الكفار وإنما نلجأ إلى المحاكم الشرعية إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محاكمهم ما أغنت عنهم شيئا ولا أنهت النزاع بينهم ولا أذهبت الإحن والأحقاد فيما بينهم أما نحن والحمد لله فعندنا المحاكم الشرعية المبنية على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أيدي أهل العلم الذين هم ورثة الأنبياء فالحل عندنا ولله الحمد حل مشاكلنا عندنا لا صعوبة فيه وإنما الشأن في الرجوع إليه والإيمان به والاقتناع به هذا هو الشأن ولذلك لما درج عليه سلف هذه الأمة سادوا العالم كله وأسقطوا الدولتين العظيمتين في وقتهم دولة الفرس ودولة الروم وصاروا تحت حكم المسلمين ووجدوا الراحة وجدت هذه الأمم الراحة في حكم الإسلام واطمأنت إلى ذلك لأن الله أنزله رحمة للعباد { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

    فلنتق الله يا عباد الله ولنحمد الله على هذه النعمة التي منحنا الله إياها بإرسال هذا الرسول وإنزال هذا الكتاب وبقاء هذا الكتاب بيننا وسنة نبينا بيننا من أكبر النعم فكيف نضل وعندنا كتاب الله وسنة رسول الله كيف نلجأ إلى الغرب إلى محاكم الغرب ودساتيره وعندنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هل هذا إلا من عمى البصيرة الله جل وعلا ذم اليهود الذين يحملون التوراة ولم ينتفعوا بها :
    { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
    إننا إذا لجأنا إلى أعداءنا وهم يفرحون بذلك شكوى الجريح إلى الغربان والرخم يفرحون بذلك ولن ينفعونا أبدا ما نفعوا أنفسهم فكيف ينفعوننا لا نلجأ إليهم وإنما نلجأ إلى شرع الله عز وجل الذي هو للعالم كله لو أنهم عقلوا.

    فاتقوا الله عباد الله واشكروا نعمة الله واعتزوا بهذا الدين وهذا الإسلام ولا تلتفتوا إلى غيره إن كنتم تريدون النجاة في الدنيا والآخرة إن كنتم تريدون تمام المصالح ودفع المضار فأرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وادعوا إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكرهُ على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
    أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه يعيش بيننا فئات مما رضعوا من ألبان الغرب ومن مدارس الكفر رضعوا وجاؤوا يدعون إلى الفرقة والاختلاف ويقولون هذا من حرية الرأي وهذا من حرية الكلمة لا بد من التعددية لا بد من كذا وكذا ليس هناك وصاية على الناس يا سبحان الله!!
    نضيع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي أمرنا الله أن نتوحد عليها وأن نرجع إليها وأن نصدر عنها ونقول كل يبقى على رأيه كل يبقى على فكره كل يأخذ برأيه لا بد من التعددية لا بد من ترك المذاهب الباطلة تنخر في جسم الأمة هذا حرام وهذا من الإلحاد في دين الله عز وجل، نحن مسلمون ولله الحمد نحن مسلمون نحن أمة واحدة نحن ليس لنا وصاية للظلم وإنما وصاية بالعدل ننفذ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهي من مصلحة من نفذت عليه قبل مصلحة من نفذت له، كتاب الله وسنة رسوله شفاء للناس ورحمة فلنتق الله ولندعو هؤلاء الشباب وهؤلاء المثقفين ندعوهم إلى كتاب الله وسنة رسوله ونبين لهم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن لعل الله أن يهديهم وإلا على الأقل أن نقيم الحجة عليهم ولكن علينا أن نَحذر منهم ونُحذر منهم.
    فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، عليكم بالجماعة، جماعة المسلمين، فإنَّ يد الله على الجماعة، ولهذا لما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر له الفتن قال: ما تأمرني يا رسول الله إذا أدركني ذلك قال:
    " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم
    قال: فقلت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:
    " فأعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك ".
    فاتقوا الله عباد الله واحمدوا الله على نعمته، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.

    { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً رخاءًا سخاءًا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ول علينا وعلى المسلمين في كل مكان ول علينا خيارنا واكفنا شرارنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولي أمرنا، اللهم اهده إلى ما فيه الخير للأمة، اللهم اهده إلى ما فيه الصلاح والإصلاح، اللهم وفقه لكل خير، اللهم جنب عنه كل شر، اللهم أبعد عنه بطانة السوء والمفسدين، يا رب العالمين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، { ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان


  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان/نعمة الإيمان

    سلسلة من خطب الشيخ صالح الفوزان

    نعمة الإيمان

    الخطبة الأولى:

    الحمد لله معز من أطاعه واتقاه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد
    أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الإيمان نعمة من الله يمن بها على من يشاء من عباده { بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان }، فأشكروا الله على هذه النعمة أن جعلكم مؤمنين ولكن الإيمان ليس بالدعوى الإيمان له حقيقة قال الله جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا }، ولما سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه غيرك قال: " قل آمنت بالله ثم استقم "، يستقيم على الإيمان ولا يكتفي بالقول وذلك بأن يعتقده في قلبه ويعمل به في جوارحه ويكون الإيمان ظاهراً عليه في تصرفاته وفي أفعاله وأقواله كما هو أيضا في قلبه ونيته وعقيدته هذا هو الإيمان ولهذا قال سبحانه وتعالى: { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }، الإيمان له أركان ستة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لما سأله جبريل عليه السلام بحضرة أصحابه قال: " أخبرني عن الإيمان "، قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، هذه أركان الإيمان الذي لا بد منها فإذا فقد واحد منها فالإنسان ليس بمؤمن ولو قال بلسانه إنه مؤمن أو آمنت بالله والإيمان له شعب تزيد على الستين أو السبعين ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الإيمان بضع وسبعون شعبة "، وفي رواية: " بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان "، وهذا الحديث يدل على أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وأنه يزيد وينقص فالإيمان له أحكام عظيمة أعلاها قول لا إله إلا الله هذا قول باللسان واعتقاد بالقلب لا بد أن يقولها بلسانه ولا بد أن يعرف معناها ويعتقده في قلبه ولا بد أن يعمل بمقتضاها وليس المراد أن يقول لا إله إلا الله بلسانه لا بد أن يعرف معناها ولا بد أن يعمل بمقتضاها حتى يكون من أهل لا إله إلا الله أما من يقولها بلسانه دون قلبه فهذا منافق في الدرك الأسفل من النار وإن كان يقول لا إله إلا الله في لسان ولهذا يقول الحسن البصري رحمه الله ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال هذا هو الإيمان قول لا إله إلا الله هذا رأس الإيمان وأدناه إماطة الأذى عن الطريق طريق المسلمين هذي شعبة من شعب الإيمان فالذي يزيل الأذى والمؤذيات والمعوقات عن طريق المسلمين هذا دليل على إيمانه أما الذي يضع العراقيل والحفر والشوك والحديد ويضع أشياء تعوق السير فهذا دليل على ضعف إيمانه أو على عدم إيمانه فطريق المسلمين لا بد أن يهيأ ولا بد أن يكف الأذى عنه حتى يسلكه الناس والدواب لأنه طريق لا يجوز أن يلقى فيه ما يعوق السائرين ولهذا عدّ النبي صلى الله عليه وسلم من الملاعن التي يلعن عليها قضاء الحاجة في الطريق بأن يتبول في الطريق أو يتغوط في الطريق فهذا ملعون بنص الحديث وكذلك في الوقت الحاضر أصحاب السيارات الذين يوقفون سياراتهم في الطريق ويعوقون المارة أو يوقفونها في الشوارع التي يمر الناس منها والسكك والأسواق يعوقون السير فهؤلاء ليس عندهم إيمان على المطلوب عندهم إيمان ضعيف ولكن ليس عندهم إيمان كامل وضع العراقيل في الطريق يدل على نقص الإيمان في القلب وقد يدل على زوال الإيمان بالكلية فلا بد أن تهيأ الطرقات وكذلك أصحاب السيارات الذين يسرعون سرعة زائدة عن المطلوب يعرضون أنفسهم ويعرضون غيرهم بالخطر والموت يتحملون في ذلك آثامًا عظيمة ويروعون المسلمين وكذلك الذين يقطعون الإشارات المجعولة لأجل ضبط السير وتأمين الخطر هؤلاء أيضا مخالفون لما يقتضيه الإيمان من حفظ دماء المسلمين وحفظ مصالح المسلمين كل هذا يدل على ضعف إيمانهم أو على عدم إيمانهم فالإيمان يظهر في تصرفات الإنسان على لسانه وعلى جوارحه وتصرفاته هذا هو المؤمن إزالة الأذى عن الطريق وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يتقلب في الجنة أو سئل هذا الرجل في الجنة ما سبب دخولك الجنة قال شوك أزلته عن طريق المسلمين أو شجرة أزلتها عن طريق المسلمين فدخل الجنة بذلك إذا فالذي يضع العراقيل في طرق المسلمين ويعرض المسلمين للخطر هذا معرض نفسه للنار والعياذ بالله ومعرض نفسه لدعوات المسلمين ولو مات ناس بسببه أو ناس لسببه كان متحملا لدمائهم فليتق الله هؤلاء وليتأدبوا بآداب الطريق وإماطة الأذى عن الطريق ثم قال صلى الله عليه وسلم: " والحياء شعبة من الإيمان "، الحياء الذي يكف الإنسان عما لا يليق يكفه عن الأخلاق السيئة يكفه عن الكلام السيء يكفه عن التصرفات السيئة هذا هو الحياء المحمود الذي يكف الإنسان عما لا يليق فالذي لا يكف أذاه عن الناس هذا ليس فيه حياء ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "، فالذي لا يستحي يصنع ما شاء من السخافات ومن المعاصي والمنكرات لأنه ليس عنده حياء لا من الله ولا من خلقه فالحياء خصلة عظيمة من توفرت فيه فقد رزق خير كثيرا وكفته عن شر كثير فالحياء له أهمية عظيمة والنبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر في هذا الحديث أنه لا يكف الإنسان عن الأذى وعما لا يليق إلا الحياء إذا لم تستحي فاصنع ما شئت وأما الحياء الذي يمنع الإنسان من تعلم العلم ومن السؤال عما أشكل عليه من أمور دينه هذا خجل وليس حياء وهذا جبن وهذا حياء مذموم لا حياء في الدين فالحياء الذي يمنع الإنسان من الخير هذا ضعف وخور وهذا مذموم أما الحياء الذي يمنع الإنسان من الشر ومن أذى الناس ومما لا يليق فهذا هو الحياء المحمود وهو منة يمن الله بها على من يشاء من عباده وهو شعبة من شعب الإيمان فهذا حديث عظيم يدل على أن الإيمان لا يقتصر على الأركان الستة بل هو يتمدد إلى بضع وسبعين أو بضع وستين شعبة شعب كثيرة كلها من الإيمان كل أعمال الخير كلها من الإيمان وكل أعمال الشر كلها من النفاق فعلى المسلم أن يتأدب بالإيمان الذي من الله به عليه وجعله من المؤمنين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية:

    الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد،
    عباد الله، فإن الإيمان له صفات يتصف بها المسلم من ذلك المحبة بين المؤمنين المؤمنون إخوة كما قال الله جل وعلا فمقتضى الأخوة المحبة فيما بينهم قال صلى الله عليه وسلم: " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "، فإفشاء السلام بين المؤمنين يورث المحبة بينهم وترك السلام يحدث النفرة بينهم والإدبار بعضهم عن بعض فالسلام علامة عظيمة من علامات الإيمان إذا انتشر بين المسلمين أفشوا يعني أكثروا السلام بينكم ومما يدل على ضعف الإيمان أن يؤذي الإنسان جاره، قال صلى الله عليه وسلم : " [COLOR="rgb(255, 0, 255)"]والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن
    "، قالوا خاب وخسر يا رسول الله منه قال: " الذي لا يأمن جاره بوائقه "، أي غدراته وآذاه هذا يدل على عدم إيمانه ولا حول ولا قوة إلا بالله وكذلك الإيمان يكف الإنسان عن الجرائم لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فهذا الإيمان العظيم يكف الإنسان عن الجرائم الخطيرة التي تكون بين الإنسان وبين ربه أو بين الإنسان وبين خلقه فالإيمان نعمة عظيمة من الله عز وجل يمن بها على من يشاء من عباده ولكن ينبغي للمسلمين أن يتصفوا بهذا الإيمان في جميع أحوالهم وفي جميع تصرفاتهم وقال صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا "، فمن مقتضى الإيمان النصيحة وعدم الغش بالبيع والشراء وفي الكلام وفي المشورة قال صلى الله عليه وسلم: " من حق المسلم على أخيه المسلم إذا استنصحك فأنصح له "، إذا استنصحك المسلم وشاورك تدله على الطريق الصحيح ولا تكتم عنه ذلك لأن هذا من مقتضى الإيمان فالإيمان تعامل بين الناس يتعاملون بموجب الإيمان ومقتضى الإيمان كما هو تعامل مع الله عز وجل بالأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة فالإيمان له ظل عظيم يستظل به المؤمنون في الدنيا والآخرة الجنة للمؤمنين والنار للكافرين كما أخبر الله سبحانه وتعالى فالإيمان هو حصن المؤمن في الدنيا وفي الآخرة في الدنيا حصنه من الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة وفي الآخرة حصنه من النار ودخوله في الجنة نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للإيمان وأن يمن علينا وعليكم بالإيمان وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان وأن يتوفانا وإياكم على الإيمان وأن يلحقنا بالمؤمنين الصالحين.

    واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.

    اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن تحول عافيتك، ومن جميع سخطك، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وجعلهم هداة مهددين غير ضالين ولا مضلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أجمع كلمة المسلمين على الدين، وكفهم شر أعدائهم يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أكفنا شر أعدائنا من الكفار والمشركين والمنافقين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفنا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وجعل ولينا فيمن خافك وتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.

    عبادَ الله، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، { ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون }.

    عن موقع الشيخ صالح الفوزان[/COLOR]


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •