السحرة في سورة الأعراف
بعد الحديث في سورة الأعراف عن قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، ومدين، وإرسال أنبياء لهم بالبينات؛
يقول الله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(104)
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ(105)
قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(106)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
( قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ عَلِيمٌ(109)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَـاحِرٍ عَلِيمٍ(112)
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(113)
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ(115)
قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)
(فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ(119)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122)
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124)
(قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ(125)
وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(126)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ(127) الأعراف.
ترى في هذه الآيات كيف ينادي موسى عليه السلام فرعون، وهو الهارب منه منذ سنين عديدة، ويخاطبه خطاب الواثق بنفسه، والمؤمن بما جاء به من عند الله، ثم يطلب منه إرسال بني إسرائيل معه، ولم يشر إلى ما كان بينهما في السابق0
ولم يأت ذكر لهارون عليه السلام في هذه الآيات من السورة، إلا في قول السحرة: (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)، وقول الملأ:(قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ)،
فقد ناسب عدم ذكر هارون مع موسى عليهما السلام؛ لبيان قوة تمكن موسى عليه السلام في مقابلة المتمكنين من السحرة، ولم يكن حاجته لهارون عليه السلام إلا في مواجهة فرعون وملئه، للإفصاح معه عما جاء به، وليس لمواجهة السحرة بما لا يملك0
وكان رد فرعون على الثقة التي بدا عليها موسى عليه السلام؛ أن يطلب منه أن يأت بآية تؤيد دعواه، (قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(106)
ولم يكن يتوقع من موسى شيئًا؛ فليس معه شيء، ولا يرى بيده شيء يستنكره عليه؛ (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
إذن كان موسى عليه السلام من الصادقين!
فماذا يفعل فرعون المكذب المندهش ؟
ماذا يقول لموسى؟ وهو المتمسك بعرشه، وكفره، والعبيد الذين عنده من بني إسرائيل ...
لذا جاء التدخل هنا من حاشية فرعون من الملأ من حوله، لحرصهم على بقاء فرعون حفظًا على مصالحهم،
( قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ(109)
وظهر من تدخل الملأ؛ كم كانت البينة عظيمة، ومعجزة، وصادمة لفرعون؛
وكان قولهم هذا رأيه الذي عجز عن قوله بادئ الأمر، وأُخرس عن نطقه، فأكمل منه قولهم محرضًا لهم وطالبًا الرأي والمشورة؛
(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
فأجابوه بالنصح الخالص له، وبالحرص الشديد عليه، وعلى مكانتهم عنده 00هذا لو كان موسى عليه السلام ساحرًا فعلاً ولم يشيروا بقتله، أو سجنه، فلعل الذي صرفهم عن هذا الرأي كون معجزة اليد المشتعلة نورًا عي في عضو من أعضائه، والعصا التي انقلبت إلى ثعبان لم تزل بيمينه،
فرهبوه، وخافوا القرب منه؛ فهاتان الآيتان سلطانًا من الله تأييدًا له فوق تأييد الله له 00
وأحال الملأ مواجهته للسحرة وليس لهم؛
(قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(112)
ولكن مَن مِن السحرة أرادوا ؟
إنهم أرادوا السحرة المتمكنين (في هذه القراءة) لقولهم؛ (وأرسل)، ولا يرسل إلا لمن هو معلوم ومعروف ومشهور عنده سابقًا،
وعمل المرسلين هو حشر كل السحرة من المدائن؛ لمواجهة موسى عليه السلام؛ (في المدائن حاشرين)
وقالوا: (يأتوك بكل ساحر عليم)؛ أي يأتوك بكل ساحر عليم يكون من بين كل السحرة،
والساحر (على صيغة فاعل)؛ هو من استقر عنده علم السحر، وعرف به عند الناس، وأقروا له بالمقدرة عليه، وعلو المنزلة فيه,
أما في القراءة الثانية؛ (سحًار) بدلا من سحار؛ وهي لثلاثة من العشرة من أصحاب القراءات المتواترة.
و(سحًار)؛ جاءت على صيغة المبالغة (فعّال)؛ وهي دالة على كثرة العمل في السحر، وليست على المكانة في السحر؛ لأن من يكثر العمل من السحر هو المحتاج لما في أيدي الناس، ولا يلجأ إلى ذلك إلا الضعفاء والفقراء من السحرة.
ومثل ذلك؛ النجار، والحداد، وما كان من المهن على وزن فعال، فهو دال على كثرة الجهد والعمل، وليس كل واحد منهم متمكن، ولكن لهم من القدرة ما يجعلهم يوصفون بهذه المهن، وإن تفاوتت مهارتهم فيها،
فالبيَّاع، والدلاَّل، والزرَّاع، والحرَّاث، والدهَّان، والبقَّال، عملهم شاق، وساعات عملهم طويلة، ومكاسبهم قليلة،
بينما التاجر عمله قليل ومكسبه كبير؛ فلا نقول تجَّار، بل نقول تاجر،
وهذا الفرق بين ساحر، وسحَّار،
وبكلا القراءتين طلبوا كل ساحر وسحَّار؛ أي كل السحرة من أقواهم في السحر إلى أضعفهم سحرًا. وجُعل كل لفظ في قراءة، والأنسب مع تدخل الملأ هو الطلب بكل ساحر قبل الطلب بكل سحَّار؛
لأن موقف المواجهة يتطلب القوة في السحر، قبل طلب الكثرة في العدد.
وقد قال فرعون لما كان تحديد فئة السحرة منه؛
في قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(79) يونس، (في قراءة حفص وستة آخرين)؛
وفي القراءة الأخرى: (بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) للثلاثة الباقين من العشرة (حمزة والكسائي وخلف).
وهو أولى بتدبر أمره من غيره، وأنصح لنفسه.
فكان طلب فرعون؛ (بكل ساحر) و(بكل سحّار)؛ أي بكل متمكن فيه، وبكل من يعمل في السحر مكثر من عمله.
أما قول قوم فرعون لموسى عليه السلام: (قالوا يا أيها الساحر 00)؛ فلا يفهم منها إلا خطاب تقدير، ووصف لمقدرة في على السحر في نظرهم؛ ولذلك لم تأت القراءة إلا على وجه واحد: (أيها الساحر) وليس: (أيها السحار)، ما يدل على أن الوصف بساحر أعلى من الوصف بسحَّار، ولا يغتر أحد أن الوزن على فعال للبالغة هي دالة على المنـزلة بل هي دالة على كثرة إتيان الفعل فقط.
ولبت هذه الفئة المتمكنة من السحرة، في هذه السورة؛ دعوة فرعون لهم، ودخلوا عليه في حال وصولهم، لارتفاع قدرهم عنده وعلو منزلتهم؛
(وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(113)
وسألوه عن المكافأة إن كانوا هم الغالبين، من غير عطف على مجيئهم بفاء ولا واو؛ لمكانتهم عنده، وتعودهم عليه؛
فأكد لهم ذلك، وأكد لهم بأنهم من المقربين عنده؛ فهم كذلك من قبل هذا .. فكيف له ينسى أن يكافئهم؟!
(قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(114)
ثم تحولوا بعد ذلك فورًا لمواجهة موسى عليه السلام،
والظاهر أنهم كانوا آخر من حضر للوقت المضروب لهم، كعادة الكبار آخر من يحضر ..
وأظهروا ثقتهم بأنفسهم، ورغبتهم في البدء أولاً،
(قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ(115)
فأمرهم بالإلقاء قبله بناء على طلبهم؛ لأن عمله سيكون لإبطال سحرهم، ولا بد من أن يكونوا هم البادئين أولاً،
ولولا طلبهم هذا؛ لما صح من موسى عليه السلام أن يأمرهم بأن يفعلوا السحر، وهو من الكبائر والموبقات،
(قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)
ولم يوصف سحرهم بهذا الوصف؛ بسحر أين الناس، واسترهابهم للناس، وأن جاءوا به من السحر عظيم؛
إلا لهذه الفئة المتمكنة من السحر ، والذي تحدثت عنهم آيات سورة الأعراف فقط.
ولما كان اعتمادهم في هذا الصراع على مقدرتهم وعلمهم في السحر،
كان اعتماد موسى عليه السلام على تأييد الله الذي أرسله إليهم،
لذا جاء الأمر من الله له بالإلقاء؛
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
فكانت المعجزة، لقفت عصاه باطلهم، واجتثته من جذوره، لا أن تباريه أو تسبقه أو تعلوا عليه في مرتبته ودرجته،
(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)
فقد كان صراعًا بين الحق والباطل؛ بين من يعتمد على ربه، وبين من ركن إلى باطله، وكانت الصدمة لهم كبيرة، والهزيمة لهم منكرة قبل أن تكون الهزيمة لفرعون الذي استنجد بهم؛
(فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ(119)
ولم يكن ما رأوه سحرًا؛ بل كان شيئًا غير السحر، لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، إنها آية من آيات الله،
ولما تحقق لهم ذلك؛ لم يكن منهم إلا الإذعان لله، والسجود له، لا لفرعون،
وإعلان إيمانهم برب العالمين؛ الذي هو رب موسى وهارون عليهما السلام، وليس بمدعي الألوهية فرعون ..
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122)
وما كان من فرعون المصعوق بإيمان السحرة، وعدم الالتفات إليه بعد أن كانوا لا يعملون شيئًا إلا بأمره؛
(قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ)
قال: آمنتم به، ولم يقل آمنتم له؛ لأن إيمان مثل هؤلاء اقتناع، قبل أن يكون اتباع، فهم أسياد السحر وأهله،
وما كان من فرعون إلا أن يتهم هذه الفئة المتمكنة بالمكر والاتفاق مع موسى عليه السلام؛
(إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ)
ولم يتهم غيرهم بالمكر في غير هذه السورة؛ لأن في رأيه أن مثل هؤلاء لا يغلبون، إنما كانوا هم متواطئين معه،
وجعل مكرهم كما ادعى عائدًا على أهل المدينة، وليس عليه هو،
(لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)؛ لتحريضهم وحشدهم في صفه ضد موسى وهارون عليهما السلام لما رأى أن البلاء عليه أصبح كبيرًا ..
ثم تحول فرعون إلى التهديد؛ (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)،
والوعيد بالعذاب والقتل والصلب
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124)
وليس أمامه طريق آخر للوقوف أمام موسى عليه السلام ودعوته؛ إلا هذا، أو الإيمان برب موسى وهارون عليهما السلام كما آمن السحرة،
وما كانت هذه الفئة لتتراجع عن إيمانها، بعد أن جاءتها آيات ربها، وتبين لهم صدقها، وهم أقدر الناس على الحكم عليها؛
(قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ(125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
فقد كان جوابهم جواب المؤمن الذي آمن على علم لما رأى آيات ربه واستسلم له 0
وانتهى حال السحرة الفجرة إلى شهداء بررة ولم يجرؤ فرعون على قتل موسى وأخيه عليهما السلام، وفت في عضد فرعون، حتى أن الملأ من قومه؛ بطانة السوء هم المحرضين لفرعون:
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ(127)
ولم يتطرق لموسى وهارون عليهما السلام بالتهديد والوعيد، ولم يصب كيده وظلمه إلا على السحرة الذين فشلوا في دحض الحجة التي جاء بها موسى عليه السلام، وعلى قوم موسى الذين آمنوا بموسى عليه السلام ولأنه منهم.
ويتبين لنا من نص آيات سورة الأعراف السابقة على تمكن هذه الفئة من السحرة ما يلي:-
1- وصف سحرهم بالعظمة واسترهاب الناس دون غيرهم.
2- أنهم مقربون عند فرعون من قبل ذلك ولا يكون التقريب إلا لأعظمهم مكانة، وأعلى درجة، وقدرًا في السحر.
3- أنهم لم يحشروا قبل اللقاء، بل كان حضورهم عند حلول الأجل المضروب لهذا اللقاء.
4- دخولهم عليه حال وصولهم ما يظهر مكانتهم عنده.
5- عدم اعترافه بهزيمتهم، واتهامهم بالمكر، والاتفاق مع موسى عليه السلام قبل اللقاء بينهما.
6- لم يتهم موسى عليه السلام أنه كبيرهم الذي علمهم السحر لأن معرفته بهم قديمة قبل مجيء موسى عليه السلام،
7- وصفهم بأنهم آمنوا به، وليس له، لأن مثلهم لا ينقاد لغيره انقياد الضعفاء.
8- ثقتهم بقدرتهم الكبيرة في السحر بقولهم (وإما أن نكون نحن الملقين)
9- ظهور أمر الله لموسى عليه السلام بالإلقاء في مواجهة هذا السحر العظيم في نص الآيات؛ لأن قوته من تأييد الله له، وليس من نفسه في مواجهة عظماء السحرة وكبرائهم، وهو بحاجة إلى هذا الدعم من الله القوي العزيز 0
10- بين السحرة أن إيمانهم بآيات الله لما جاءتهم؛ فعرفوها، وآمنوا بها، وهذا سبب نقمة فرعون منهم، ولو جاءتهم من قبل لآمنوا بها قبل هذا اللقاء؛ ما دل على قوتهم، ورجاحة عقولهم، وحري بهم أن يسودوا السحرة ويكونوا عظماءهم،
11- كانت عبارات تهديد فرعون لهم أقل عبارات التهديد من الباقين؛ ليأسه من عودتهم إلى الكفر، والإيمان به،
12- طلبهم المكافأة من فرعون ما يدل على أنهم يعملون لأنفسهم، لا لفرعون ولا خدمة له وينسون أنفسهم، وهذا لا يكون إلا من القوي الذي يشعر بأهميته، وحاجة فرعون له، وتثبيتًا لمكانتهم عنده.
13- خوف ملأ فرعون من انتشار دعوة موسى عليه السلام بعد أن عجز أعظم السحرة من مواجهته وصده.
14- التصريح بإيمانهم بقوة؛ بقولهم آمنا برب العالمين، ثم قدموا موسى عليه السلام على هارون عليهما السلام، وهو الأشد وطأة على نفس فرعون من هارون.
يتبع إن شاء الله تعالى ... مع الفئة الثاني والثالثة
أرجو ألا يفوتك قراءة هذا الموضوع
120 كلم سماكة السماوات السبع ....في كتاب "حقيقة السماوات" للعرابلي
المفضلات