المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحيم التدلاوي
احتراق
تستخرج الفاتنة من حقيبتها الوردية علبة ، ومنها تستخرج سيجارة ذهبية، تشعلها حتى يتوهج المكان، تشرب دخانها بنشوة عارمة، ثم تمجه فيتشكل في الفضاء غيمة تشبهني، حين تقترب من العقب، تضعها على المنفضدة، وتنصرف كأميرة ممتلئة نشوة، تاركة خلفها رمادي..
بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأديب الفاضل السي عبد الرحيم التدلاوي...
احتراق
الاحتراق له دلالات متعددة...فمن الاحتراق ما يستفيد منه الإنسان و منه ما يضره...فثنائية المنفعة و المضرة تظل رهينة بالقصد الذي يتم به الفعل...فهل هو البطل من قام بالفعل أم هي البطلة...أم أن الشيء هو الذي أخذ مكان البطولة باعتباره وسيط بين كائنات حية...كل من الكائنات الحية تمارس فعل الاحتراق بطريقة تختلف عن طريقة الآخر...و حتى الشيء الذي تجسد فيه فعل الاحتراق،جمع بين الاحتراق المعنوي الذي تعيشه الكائنات الحية و بين الاحتراق المادي ،الذي شكله الشيء (السيجارة)كوسيط...لكن ظل المعنى الذي يحترق ما وراء السطور...يجعل من القصيصة التي كتبت بذكاء جميل...و بلغة فنية معبرة توحي بالعديد من القراءات...
احتراقها يشكل في الفضاء غيمة تشبه البطل...و عندما يصل الاحتراق نهايته يترك وراءه رماد... فهل يصبح الإنسان في نهاية المطاف رما أم تراب...؟فالغيمة بدل أن تسقط ماء زلالا عذبا تسقط من حمولتها رماد...لأن الغيمة ممتلئة بلهب من نار...فالاحتراق لا يتولد إلا من النار الذي تترك وراءها الرماد...
احتراق لا يعبر إلا عن واقع الضياع...الذي يعرفه العاشق و المعشوق، المنبهر ببريق العصر...فبريق الأشياء لا يولد شعاعا بل عتمة يسبح فيها السراب الذي يؤدي إلى الخراب...و هذا ما يكاد يعيشه جيل العصر...السيجارة رمز الحضارة عند المغفلين...و التباهي بها في الأماكن العمومية و كأنها بطاقة سيصل بها الإنسان إلى بر الأمان...فهل مع النار مع الاحتراق أمان...؟ أم قلق و سراب و هدر و ضياع فيما لا فائدة فيه...في الحياة الدنيا أما في الآخرة فتلك معضلة كبرى لا يخشاها إلا من فقه حقيقة الماء و روعته و حقيقة النار و لهيبه...فالماء نعمة و جند من جند الله عز و جل في الحياة الدنيا...و نعمة ناذرة في الآخرة لا تتحقق إلا للذين أنعم عليهم الله عز و جل بالرحمة و المغفرة...أما النار في الحياة الدنيا فهي وسيلة لينتقل الإنسان من الحيوانية إلى الإنسانية...ليطهو بها الطعام و يستدفئ بها حين يكون الطقس بارد و غير ذلك من المنافع...و هي كذلك في الحياة الدنيا نقمة قد تأتي على الأخضر و اليابس إذا كانت في يد من لا يخشى الله عز و جل...و ما وصل إليه العلم المعاصر من تفنن في صياغة أساليب إحراق الشجر و الحجر و البشر...ما هي إلا مظاهر من مظاهر عدم الارتقاء إلى مستوى الإنسانية و إلى درجة العقلانية التي يدعو إليه الإسلام...فالله عز و جل جعل من الماء في الحياة الدنيا و الآخرة نعمة بينما جعل النار في الآخرة جزاء و عذابا و العياذ بالله...
فاجعل من اللحظة لحظة دعوة إلى الحق...و هذا يعني أن تقرأ الواقع الذي هو كائن بعين الكائن الذي يتطلع لما ينبغي أن يكون...فتحقق بذلك رسم الواقع الذي يحتاج إلى تشكيله إلى إعادة بناءه على أسس سليمة...فالعابقة لمن أتى الله بقلب سليم...و القلب السليم لا يجد مكانه إلا عند المتقين...و لا أزكي نفسي و لا أزكي أحدا فالله يزكي من يشاء...
تحيتي و تقديري لهذه القصيصة التي ولدت لدي قصيصة...عنونتها: كيف الحال...؟
المفضلات