المخطوطاتُ المقدسيةُ المفهرسة
توطئةٌ
تلك هى المرة الثانية ، خلال بضعة أعوام ، التى نلتقى فيها بالقاهرة للنظر فى مخطوطات فلسطين . وفى ندوتنا الدولية السابقة التى نظمها معهد المخطوطات العربية، أيضا ، كان موضوع بحثى وعنوانه ، هو تقويم فهارس مخطوطات فلسطين وعكفت فيه على النظر فى أربعة فهارس لمجموعات : المكتبة الأحمدية فى عكا ، مسجد الحاج نمر فى نابلس ، الحرم الإبراهيمى فى الخليل ، المكتبة الإسلامية فى يافا . وذكرتُ فى بحثى السابق ما ذكرتُ من حال الفهرسة هناك بعامة ، فكان ما كان مما لستُ أذكره ، فظنَّ (خيراً) ولا تسأل عن الخبر( ) .. ولسوف نعكف فيما يلى ، على النظر فى المجموعات الخطية الموجودة اليوم فى القدس خاصة ، لنرى طبيعة هذه المجموعات وما جرى معها من عملياتٍ للفهرسة ، عبر فهارس أربعة سنعرف بعد قليل أنها جاءت متفاوتة فى القيمة الفنية لكنها متساوية من حيث الأهمية .
وقبل الخوض فى خضم المجموعات المقدسية وفهارسها ، تجدر الإشارةُ إلى أننا ، وإن كنا نُعنى بمخطوطات فلسطين والقدس ، إنما نُعنى فقط بالجانب النظرى ! فنحن لا نستطيع الاقتراب من هذه المجموعات الخطية ، إلا على صفحات الفهارس . فالعينُ تكتحلُ بمرأى العناوين التى ترد فى الفهرس ، واليد تقصر عن الوصول إلى هذه المخطوطة أو تلك ، فلا يحلم بتحقيقها محققٌ ، ولا بترميمها مرممٌ ، ولا بفحصها باحثٌ .. وما ذاك، بالطبع ، إلا لأن هذه المخطوطات الفلسطينية والمقدسية ، مثل كل ما هو فلسطينىٌّ ومقدسىٌّ ، مضروبٌ عليه حصارُ الزمان الردئ الذى نعيش فيه ، ولا يَدَ عليه إلا لأبناء العم إسحاق ابن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام !
مدينةُ السلام : ساليم ، هيروسليم ، أورشليم ، إيلياء ، بيت المقدس ، القدس ، بيت الرب .. أسماءٌ كثيرة حملتها هذه المدينة التى ندعوها مدينة السلام مع أنها نادراً ما كانت تعرف السلام . فهى طيلةَ تاريخها محاطةٌ بقلقِ الحروب والصراع والجدب المحيط بها من كل الجهات . وما حالها اليوم ببعيد عن أحوالها لما نزلها اليهود قديماً ، وجرت على أرضها أول عمليات إبادة (هولوكوست) مسجلةٌ فى التاريخ ، بل مُتفاخرٌ بها ! أعنى بذلك ما ورد فى التوراة العبرية من إبادة يوشع بن نون لإحدى وثلاثين مملكة فلسطينية ، عند دخوله (أرض الميعاد) وقد جعلوا له سفراً من أسفار الكتاب المقدس ، يروى أعماله بأرض فلسطين ، منه ما يلى : كل من يخالف أمرك ولا يسمع كلامك فى جميع ما تأمره به ، يُقتل ، إنما كن متشدداً وتشجع (سفر يشوع 1 / 18) وقال يشوع للرجلين اللذين تجسَّسا الأرض : ادخلا بيت المرأة البغى وأخرجا من هناك المرأة وجميع ما هو لها كما حلفتما لها .. وأَحْرقوا المدينة وجميع ما فيها بالنار ، إلا الذهب والفضة وآنية النحاس والحديد ، فإنهم جعلوها فى خزانة بيت الرب ، وراحاب البغى وبيت أبيها وجميع ما هو لها ، استبقاهم يشوع .. (6 / 22 - 25) وقال الرب ليشوع : لا تخف ولا تفشل ، خذ معك جميع رجال الحرب .. فتفعل بالعىِّ وملكها، كما فعلت بأريحا وملكها .. ولما فرغ بنو إسرائيل من قتل جميع سكان العَىّ ، فى الصحراء وفى البرية حيث لحقوهم ، وسقطوا جميعهم بحد السيف .. وكان جملة من قُتل فى ذلك اليوم من رجل وامرأة ، اثنى عشر ألفاً (8 / 25) ثم اجتاز يشوع وجميع إسرائيل معه ، من مَقِّيدَةَ إلى لِبْنَة وحاربها ، فأسلمها الرب أيضاً إلى أيدى إسرائيل هى وملكها ، فضربوها بحد السيف وقتلوا كل نفسٍ فيها ، لم يُبقوا فيها باقياً ، وفعلوا بملكها كما فعلوا بملك أريحا . وجاز يشوع وجميع إسرائيل معه من لِبْنَةَ إلى لاكيش .. فافتتحوها فى اليوم الثانى وضربوها بحد السيف وقتلوا كل نفس فيها كما فعلوا بلبنة . حينئذٍ صعد هورام ملك جازر لنصرة لاكيش ، فضربه يشوع هو وقومه ، حتى لم يبق منهم باقياً (10 / 27 وما بعدها) .
وعلى النحو السابق ، أباد يوشع بن نون المسمى عندهم (يشوع) جميع ممالك : عجلون وحبرون ودبير وأرض الجبل وغزة وقادس .. إلخ . وفى كل مرة ، تؤكد الآيات التوراتية أنه كان يقتل الجميع (حتى لم يُبق منهم باقياً !!) .. وهكذا بدأ التاريخُ المكتوبُ (المقدَّسُ) لأرض فلسطين ، على يد اليهود الذين يشتكون اليوم مما يسمونه الهولوكوست!
وقد امتد تاريخ فلسطين ، والقدس ، دامياً مضطرباً فى أغلب العصور والأوقات التى مرَّت بها . فمن استقرار العبرانيين بها ، بعد المذابح التى تباهت بها التوراة كأنها مآثر حضارية .. إلى سبى البابليين لأهلها وسوقهم عبيداً وعمالَ سُخرةٍ ! ومن عودة اليهود من السبى البابلى ، إلى تفنُّن أحبارهم فى كتابة (التاريخ المقدس) الذى يزعمون – وإن هو إلا (تاريخ العنف) الإنسانى فى هذه الأرض البائسة – إلى احتلال الرومان لديارها ثم اضطراب أحوالها مع ظهور المسيحية .. ومن ظهور الإسلام ودخولها فى دولته الممتدة شرقاً وغرباً ، إلى الحروب المتوالية بين المسلمين والروم ، وبين المسلمين وملوك أوروبا الذين جاءوا يرفعون راية الصليب .
وقد تزامنت الحروب الصليبية مع حروب صغيرة ، متتابعة ، بين ملوك الأيوبيين ومن بعدهم المماليك . وهو ما أدى إلى (خراب) دائم بهذه الأرض ! ولنتأمل هذه الفقرة التى جاءت فى رسالة فرديدريك الثانى امبراطور صقلية إلى الملك الأيوبى ، وأوردها كثيرٌ من مؤرخينا القدماء ، منهم ابن العماد الذى يقول فى أحداث سنة 626 هجرية ، أى بعد سنوات قليلة من انتزاع صلاح الدين للقدس من أيدى الصليبيين :
وفيها سَلَّم الكاملُ القدسَ الشريف لملك الفرنج ، بعد أن كاتبه الأنبرور ملكهم فى العام الماضى يقول : أنا عتيقك ، وتعلم أنى أكبر مغول الفرنج ، وأنت كاتبتنى بالمجئ ، وقد علم البابا والملوك باهتمامى ، فإن رجعتُ خائباً انكسرتْ حُرمتى، وهذه القدس هى أصل الديانة النصرانية ، وأنتم قد خربتموها ، وليس لها دخلٌ طائل؛ فأن رأيتَ أن تنعم علىَّ بقبضة البلد ، ليرتفع رأسى بين الملوك ، وأنا ألتزم بحمل دخلها لك . فلأنَ له ، وسلَّمه إياها فى هذا العام . فإنا لله وإنَّا إليه راجعون . ثم أتبع فعله هذا بحصار دمشق ، وأذية الرعية ، وجرت بين عسكره وعسكر الناصر وقعاتٌ ، وقُتل جماعةٌ فى غير سبيل الله، وأُحرقت الخاناتُ ، ودام الحصارُ أشهراً ( )..
أما وقائع القرون الأخيرة بالقدس وما حولها ، فهى غير خافيةٍ على أحد .. فمن الاجتياح العثمانى إلى الاحتلال الفرنسى ، ومن بعده الإنجليزى ، إلى قيام دولة إسرائيل (يعقوب ، عليه السلام!) إلى المذابح اليومية التى تجرى الآن بفلسطين وبمدينة السلام .. وكأن روح يوشع بن نون قد عادت لترفرف بين الديار ، فتلهب قلوب أحفاده المعاصرين وتدمى ضحاياهم المعصورين .
وعلى الرغم مما مرَّت به القدس طيلة تاريخها من أهوال ، إلا أنها ظلت دوماً فى الذاكرة العربية / الإسلامية ، ذات مكانة خاصة سوغت تسميتها بيت المقدس فهى فى الوعى الإسلامى العام : أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ! ومن هنا ، حظيت المدينة بعددٍ وافر من المؤلفات العربية التى تندرج تحت تسمية (فضائل بيت المقدس) ولدينا فى تراثنا كتاباً فى هذا الباب . وأثناء عملنا فى هذا البحث ، وقعت بأيدينا مخطوطة نادرة فى فضائل بيت المقدس ، عنوانها تحصيل الأنس لزائر القدس وهى من الأعمال غير المعروفة للنحوى الشهير ابن هشام الأنصارى المتوفى سنة 761 هجرية ، وهو صاحب (قطر الندى) و (مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب) و (الإعراب عن قواعد الإعراب) وغير ذلك من المؤلَّفات النحوية الهيرة . والمخطوطة طريفةٌ ، قديمة نسبياً ، يعود تاريخ كتابتها إلى سنة 901 هجرية . ولطرافة هذه المخطوطة وأهميتها ، ونظراً لأنه لاتوجد نسخة أخرى منها (معروفة) فى أى مكان بالعالم . فقد رأينا أن نلحق هذا البحث بنسخةٍ طبق الأصل (فاكسيملى) من المخطوطة ، ليتمكَّن الباحثون من الإطلاع على أصلها النادر . علماً بأنها من مخطوطات بلدية الإسكندرية المحفوظة حالياً بمكتبة الإسكندرية ، وهى ضمن مجموعة تحمل الرقم 1351/د تاريخ .
نعود إلى ما نحن بصدده من الكلام من المجموعات المقدسية المخطوطة ، فنقول إن الاضطراب الذى أحاط دوماً بالقدس طيلة تاريخها ، كان من شأنه أن يُعْسر امتداد المجامع العلمية هناك ، وأن تمتنع معه عمليةُ التراكم الطبيعى للمخطوطات مثلما كان يجرى بشكل تلقائى فى بقية المدن والعواصم .. إلا أن القدس ، على الرغم من ذلك ، بقيتْ بها مجموعاتٌ خطية كبيرة نسبياً بأيدى العرب ، ومجموعات أخرى بيد اليهود . ولسوف ننظر فيما يلى نحو المجموعات (العربية) من خلال الفهارس التى صدرت لها ، ونرجئ الإشارة إلى المجموعات الأخرى ، إلى خاتمة هذا البحث .

الفهارسُ المقدسيةُ
بين أيدينا أربعة فهارس للمجموعات الخطية الموجودة حالياً بمدينة القدس ، أو بالأحرى : بقيت بالمدينة ، بيد العرب ، بعدما نجحت فى الصمود أمام عوادى الزمن المضطرب وعوامل التلف والنهب اليهودى .. والفهارسُ الأربعة ، بيانها كما يلى :
1- فهرس مخطوطات كلية الدعوة وأصول الدين فى القدس ، إعداد : د. أحمد العلمى (منشورات مجمع اللغة العربية الأردنى ، عمان 1406 هـ - 1986م) .
2- فهرس مخطوطات مكتبة المسجد الأقصى إعداد : خضر إبراهيم سلامة . ثلاثة أجزاء ، صدر الجزء الأول فى القدس سنة 1401 هـ 1980م ، والجزء الثانى فى عمان سنة 1403/1983 ، والجزء الثالث عن مؤسسة الفرقان (لندن 1416 هـ - 1996) وهو الذى بأيدينا الآن .
3- فهرس مخطوطات دار إسعاف النشاشيـبى إعداد : بشير عبد الغنى بركات. جزءان (مؤسسة دار الطفل العربى ، بتمويل القنصلية البريطانية فى القدس 1423 هـ - 2002) .
4- فهرس مخطوطات المكتبة الخالدية إعداد : نظمى الجعبة ، تحرير : خضر إبراهيم سلامة (مؤسسة الفرقان ، لندن 1427هـ – 2006) .
وللفهارس الأربعة ظروف إصدارٍ مختلفة ، وفيها مقدمات متفاوتة القيمة والإبانة عن أهمية كل مجموعة . ونعنى بظروف الإصدار ، اختلاف الجهات التى نشرت هذه الفهارس ، ما بين مجمع اللغة العربية الأردنى ودار الطفل العربى ! وما بين مؤسسة الفرقان الخيرية غير الربحية ، والقنصلية البريطانية بالقدس (.. التى يعمل فيها حالياً ، أحفادُ الذين وعدوا اليهود بإقامة وطن فى فلسطين ، وأبناءُ الذين مهَّدوا لهم أرضها للسكنى !) وهى ظروفُ إصدارٍ مختلفة ، ما بين المبادرات الفردية ذات الطابع الشخصى ، والعناية المؤسساتية بالتراث العربى المخطوط .
ومن مقدمات الفهارس الأربعة ، التى جاءت متفاوتة القيمة ، نعرف أن مجموعة (كلية الدعوة وأصول الدين) التى تشتمل مجاميع يندر أن نجد فيها مخطوطة نفيسة ، أصلها من مجموعتين: مكتبة صندوقة الواقعة فى باب السلسلة ، وعددها عشرون مخطوطاً . مكتبة السيد فهمى الأنصارى فى العيزرية ، وعددها تسعون مخطوطاً .
أما مجموعة النشاشيبى فتضم 294 مجلداً تحتوى على 780 عنواناً ، وكثيرٌ منها كان فى حوزة أبناء عائلة الحسينى المقدسية . وأقدم مخطوطة هناك ، يعود تاريخ كتابتها إلى القرن السادس الهجرى ، وهى مخطوطة المحيط ، للسَّرَخْسى موجودٌ منها الجزءُ الثالث فقط وهى علاوة على ذلك نسخةٌ ناقصة من أولها ، كُتبت سنة 541 هجرية .
وفى مقدمة فهرسته لمجموعة المسجد الأقصى ، يشير خضر إبراهيم سلامة إلى أن مكتبات القدس لم تتأسس بشكل منظم إلا فى بدايات القرن العشرين ، وأن مكتبة المسجد الأقصى تضم مجموعتين أساسيتين : بقايا مخطوطات الشيخ محمد الجليلى ، مفتى الشافعية ، وعددها حوالى ستمائة مخطوطة . بقايا مخطوطات دار كتب المسجد الأقصى ، وعددها بحسب ما ينتهى به مسلسل الجزء الثالث 658 عنواناً( ) .. وهو يشير إلى أن فهرسته ذات الأجزاء الثلاثة ، إنما تقع على المجموعة الثانية فقط ، ويأمل فى أن يُنهى فهرسة المجموعة الأولى ، الأكبر عدداً ، فى العام القادم (يقصد سنة 1997) : لتقوم مؤسسة الفرقان بطباعتها .. ولانعرف إن كان قد أتمَّ العمل أم لا ، وطبعته مؤسسة الفرقان أم لم تطبعه !
أما فهرس الخالدية فقد بدأ بمقدمةٍ إضافية أورد فيها المفهرس معلومات مفيدة عن تاريخ المكتبة الخالدية وتطور المجموعة الخطية ، وعرج فيه على موضوعات قريبة الصلة مثل المكتبات الفلسطينية الخاصة ، عموماً ، وما تمتاز به الخالدية خصوصاً .
وقبل الدخول فى (التفاصيل الفنية) والملاحظات العامة التى سنوردها عن الفهارس المقدسية الأربعة ، نُشير إلى أن المجموعات المخطوطة الموجودة بالقدس ، بشكلٍ عامٍ ، يجمع بينها أمورٌ . منها أنها جميعاً تخلو من مخطوطة ألفية واحدة( ) ، والغالب عليها هو المخطوطات المستنسخات التى كُتبت فى القرون الأخيرة على يد نساخٍ غير محترفين . والسبب فى ذلك ، أن الأحوال غير المستقرة بالقدس قديماً وحديثاً ، لم تسمح باستقرار هذه المخطوطات النادرة بها . بالإضافة إلى أن القدس لم تعرف خلال تاريخها الطويل ، المجامع العلمية أو الخزانات الكبرى التى تتراكم فيها بشكلٍ تلقائىٍّ أمهاتُ الكتب والنسخ الخطية النفيسة . كما أن خلو القدس من (القصور) كان سبباً فى انعدام المخطوطات الخزائنية بها.
ويجمع بين مخطوطات القدس أنها فى الغالب الأعم مخطوطات لكتب دينية ولغوية ، وليس فيها هذا التنوع الذى نجده فى مخطوطات العواصم والمدن القديمة كالقاهرة والإسكندرية ودمشق واستانبول والرباط، وغيرها ، خاصةً فيما يتعلق بنصوص التراث العلمى العربى من رياضيات وطب وفلك . وهذا ، بالطبع ، يعود إلى أن مدينة القدس لم تحظ فى الماضى بإقامة علماء عرب ومسلمين ، ممن كانوا يشتغلون بهذه العلوم الرياضية والطبيعية .. ولذلك ، فإن نسبة المخطوطات العلمية إلى بقية مخطوطات القدس فى العلوم الدينية واللغوية ، لاتزيد عن واحدٍ بالمائة من المجموع العام . وهى نسبةٌ قليلة جداً بالقياس إلى المجموعات الخطية غير المقدسية .
ويلاحظ ، أيضاً ، على المخطوطات المقدسية . أن فيها طائفة كبيرة من مخطوطات الأدعية والابتهالات التى تعكس بشكلٍ مباشر ، حاجة المقدسيين قديماً وحديثاً إلى العناية الربانية بهم ، أملاً فى الخروج من الأزمات التى طالما عانوا منها .
على أن ذلك كله ، لايعنى بالضرورة أن مخطوطات القدس أقل قيمة من المخطوطات الموجودة بالمدن العربية الأخرى ، وإنما هى سماتٌ عامة للمجموعات الخطية التى (بقيت) هناك إلى يومنا هذا . وقد كشفت فهارسها عن وجود بعض النسخ الخطية الفريدة والعتيقة ، على نحوٍ ما . بل دلَّت هذه الفهارس على وجود طائفة من المخطوطات التى يعزُّ أن نجد منها نسخةً أخرى فى أية خزانة أخرى فى العالم . ولسوف نشير إلى أمثلة لهذه الطائفة ، خلال كلامنا على الفهارس الأربعة .

ملاحظاتٌ فنيةٌ
لاننوى فيما يلى ، ولايجوز ، أن نتتبع سقطات المفهرسين الذين اجتهدوا –كُلٌّ حسب طاقته – فى تقديم هذه (المرايا) التى انعكست على صفحتها محتوياتُ المجموعات الخطية الأربعة (الكبيرة) بمدينة القدس . وهو عملٌ جليلٌ تزداد قيمته وأهميته للباحثين والمهتمين بالتراث العربى ، مع الأوضاع الكارثية شبه الدائمة التى تعانى منها المدينة ، مما يصعب معه الوصول إلى الأصول المخطوطة المحفوظة هناك ، بل يستحيل ذلك فى أغلب الأوقات . من هنا ، فإن أى (نقد) للفهارس المقدسية ، لابد له لكى يكون منصفاً ، أن يقدِّر ما قدَّمه المفهرسون لهذه المجموعات من خدمةٍ جليلةٍ للمشتغلين بالترث العربى ، وأن يراعى الظروف الصعبة التى أحاطت بهم أثناء عملهم فى هذه الفهارس .
من هذه الزاوية ، سوف ننظر فى الفهارس الأربعة ، بحسب تسلسل تواريخ صدورها ، وما غايتنا إلا إيراد بعض الملاحظات التى من شأنها أن تثرى هذه الفهارس وتنبِّه إلى بعض (الهنات) التى وقع فيها المفهرسون ، من دون التقليل من أهمية أعمالهم .

(أ) فهرس كلية الدعوة
هو أول الفهارس الأربعة صدوراً (باستثناء الجزء الأول من فهرس المسجد الأقصى، الذى أكتم صدوره بعد ستة عشر عاماً) وهو واحدٌ من الأعمال التى نُشرت بمبادرة مبكرة من (مجمع اللغة العربية الأردنى ، 1986) وبالتالى فنحن بصدد إحدى حلقات الاهتمام الأردنى المبكر –نسبياً – بمخطوطات القدس ، وهو اهتمامٌ مشكورٌ للمجمع الأردنى . بيد أن هناك إشارة غريبة وردت على أولى صفحات الفهرس ، نصها : تمت فهرسة هذا الكتاب بمعرفة جمعية المكتبات الأردنية وبموافقتها ! ووجه الغرابة، والالتباس ، فى العبارة . هو أنها لاتوضح ما إذا كان المقصود منها ، هو أن الكتاب المطبوع تم إعطاء رقم إيداع له ، عن طريق الجمعية المذكورة .. أم أن الفهرسة ذاتها تمت بمعرفة هذه الجمعية ؟ وكلمة (بموافقتها) تزيد من الالتباس ، فهل المقصود هو أن تصنيف الكتاب ببليوجرافيا ، كان بعد هذه الموافقة .. أم أن العمل ذاته كان يحتاج هذه الموافقة ؟ والأمر على الحالين غريبٌ ، ويدعو للتأمُّل .
كما يُلاحظ على هذا الفهرس أن د. أحمد العلمى الذى قام بإعداده ، لم يقم فى مقدمته بالتعريف المجموعة الخطية ، مع أنه مدير المكتبة ذاتها ، ومن المفترض فيه أن يعرف عنها الكثير ، وبالتالى يعرِّف بها .. غير أن المقدمة التى تقع فى صفحتين فقط ، لم تُشر إلى أهمية المجموعة الخطية ، ولا إلى شئ من نوادرها . ولم يدلّنا الفهرس على وسائل حفظ المجموعة ولا طريقة تعامل الباحثين معها : هل هى متاحة لهم ؟ ولو كانت ، فهل المتاح هو الأصل أم المصوَّرات ؟ وكيف يمكن الاستفادة من المخطوطات التى يذكرها الفهرس .. إلخ .
ويقول المفهرس فى مقدمته الموجزة ، جداً ، إنه اتبع فى فهرسته : المنهج الذى اتبعه المتقدِّمون فى فهرسة المخطوطات ، مع بعض الإضافات( ) ! وأظنه يقصد منهج (المتأخرين) لا المتقدِّمين .. فالمتقدِّمون لم يوردوا فى أعمالهم فهارس وصفية كهذه التى يقدِّمها المتأخرون من المفهرسين فى أعمالهم ، ومنها هذا الفهرس الذى يورد : العنوان ، المؤلف ، الموضوع ، أول المخطوطة ، آخرها ، عدد الأوراق ، قياس الصفحة ، مساحة الهامش ، عدد السطور ، تاريخ النسخ ، نوع الخط ، لون الحبر ، مصدر المخطوطة ، ولادة المؤلف ووفاته ، المصادر ) .. وقد سار المفهرس على هذا النحو، فقدم معلومات مفيدة عن كل مخطوطة ، لكنه لم يكن دقيقاً (أحياناً) فيما يورده من المعلومات . فهو فى المخطوطة رقم (1) من فهرسته ، يترك العنوان مجهَّلاً : رسالة فى علم التوحيد ، للفضالى. ويجعل موضوعه (آلهيات) هكذا ، مع أن التصنيف الدقيق للرسالة هو : علم الكلام . وفى المخطوطة رقم (2) لايضبط العنوان والتصنيف ، فيقدم المخطوطة على النحو التالى : حاشية البيجورى على المولد الصغير أو تحفة البشير على مولد ابن حجر ، المؤلف : إبراهيم بن محمد بن أحمد الباجورى ، الموضوع : المولد النبوى وهو شرح لمولد ابن حجر العسقلانى . وكان الواجب مع المخطوطة ، أن تكون فهرستها كالتالى (تحفة البشير على المولد الصغير ، للعسقلانى . المؤلف : إبراهيم البيجورى ، الموضوع : سيرة نبوية ) وبالتالى يكون العنوان قد انضبط بحسب السجع الذى أراده المؤلف ، الذى هو البيجورى من دون داع لهذا الالتباس الناشئ من إيراد اسمه الباجورى الذى هو النطق العامى للاسم ، لمجرد أنه وجد الناسخ المتأخر يكتبه على هذا النحو ! أما ضبط التصنيف ، فلأنه لايوجد ضمن (الموضوعات) ما يمكن تسميته : المولد النبوى .
وفى المخطوطة رقم (3) ترد الفهرسة كالتالى : المولد الصغير المختصر من المولد الكبير المسمى بالنعمة الكبرى على العالم بمولد سيد ولد آدم ، المؤلف : شهاب الدين أحمد بن حجر ، الموضوع : ولادة ونسب الرسول . وكان الأدق أن تكون (المولد الصغير ، لابن حجر العسقلانى . الموضوع : سيرة نبوية ) وأن توضع الإشارة إلى أنه مختصر (النعمة الكبرى) فى هامش الفهرس أو فى خانة الملاحظات .
ولانريد هنا أن نتتبع الفهرس بطاقةً بطاقة ، فلنكتف بما ذكرناه . مع إشارةٍ إلى أن ما أراده المفهرس من إيراد النسخ الخطية الأخرى من المخطوطة ، المحفوظة فى مكتبات العالم ، هو أمرٌ لاداعى له ويشوبه بالضرورة القصور . لأنه يعسر ذلك على المفهرس. وقد عَسُرَ عليه ذلك بالفعل ، فأورد مثلاً أن المولد الصغير موجودٌ منه نسخةٌ فى القاهرة (الخديوية ، رقم 195) ونسخةٌ فى مكتبة دمشق العمومية (رقم 68/275) .. وفى واقع الأمر ، فهناك مئات من النسخ الخطية لهذه الرسالة المختصرة ، وقد رأيتُ منها العشرات موزَّعة على ما لاحصر له من مجموعات خطية فى الشرق والغرب . فتدبَّر !

(ب) فهرس ُالمسجدِ الأقصى
لاشك فى أن خضر إبراهيم سلامة الذى أعدَّ هذا الفهرس ، كان أكثر احترافاً وإتقاناً من المفهرس الذى سبقه (مع أن اسمه غير مسبوقٍ بدال الدكترة! ) وقد جاءت مقدمته أكثر تعريفاً بالمجموعة المفهرسة ، مع أنه لم يشر ولو بفقرة واحدة ، إلى أية معلومات عن المسجد الأقصى ذاته الذى يحتفظ بين جدران مكتبته بالمجموعة الخطية . لكنه على كل حال ، أفادنا بما أورده فى مقدمته عن المجموعة المفهرسة ، وكان دقيقاً فى (تصنيف) المخطوطات، بحسب ماهو معمول به بين المتخصِّصين . وقد أبان المفهرس فى مقدمته ، عن (نظام الفهرسة) الذى اتبعه ، وهو إجمالاً نظامٌ منهجى دقيق .
بيد أن هناك بعض الملاحظات التى بدت لنا عند النظر فى فهرسته ، فمن ذلك أنه حين يفهرس مخطوطة حرز الأمانى لايذكر فى عنوانها أنها الشاطبية ويكتفى بإشارة إلى ذلك فى (موضوع المخطوطة) حيث يذكر هناك أيضاً ، الأوصاف المادية للنسخة الخطية، مع أن ذلك مقطوع الصلة بموضوع المخطوطة . ثم نراه يشير فى الهامش إلى أن الشاطبية يوجد منها نسخة خطية فى المكتبة المحمودية وعدة نسخ فى تشستربيتى( ) ! مع أن الشاطبية يوجد منها فى مصر وحدها ، فيما أُقدِّر ، ما يزيد عن مائة نسخة خطية ، ناهيك عن الموجود منها فى بقية بلدان العالم .. ومن ثم ، فلم يكن هناك داعٍ لإفراد هذا الهامش لهذه المخطوطة بالذات ، تلافياً للنقص (المحتوم) الذى يشوب أية محاولة لحصر النسخ الخطية من هذا الكتاب أو تلك الرسالة .
ومن اللافت للنظر فى فهرسة المسجد الأقصى أن المفهرس لايسير على منوال واحد : فهو أحياناً يورد النسخ المتكررة من الكتاب ذاته ، تحت عنوان (نسخة أخرى) وأحياناً أخرى يكرِّر العنوان ، ويكرِّر بدايات النسخ ونهاياتها (مع أنها متطابقة) مما يزيد من حجم فهرسته من غير ضرورة لذلك . وكذلك ، نراه يقدِّر تاريخ النسخ غير المذكور فى المخطوطة ، بالقرون ، فى بعض الأحيان فقط ! وفى أحيان أخرى ، يهمل تقدير زمن الكتابة .. مع أن المفهرس هو الأقرب إلى المخطوطة ، وبالتالى فهو الأقدر على تقدير زمن نسخها ، ولو بالقرون .
ومن الملاحظات التى لايمكن إغفالها عند النظر فى هذا الفهرس ، مانراه فى مخطوطة العشاريات التى بدأت فهرستها فى صفحة 46 من الجزء الثالث ، وانتهت بعد تسع صفحات كاملة ! ذلك لأن المفهرس نقل فى فهرسته الإجازات التى تحملها النسخة الخطية.. وهو عملٌ فى مجال الفهرسة ، لعمرى ، عجيبٌ .
ومن (الهنات) التى كان يجب على المفهرس أن يتجنَّبها ، ذلك التفاوت الكبير فى الضبط الببليوجرافى للعناوين وأسماء المؤلفين . مثال ذلك ، فيما يخص العناوين ، مانراه فى فهرسته للقصيدة الشهيرة للأوشى بدء الأمالى التى يوردها تحت عنوان : قصيدة يقول العبد( ) ! مع أن صدر البيت كاملاً يقول : يقول العبد فى بدء الأمالى .. ومثاله فى أسماء المؤلِّفين ، ما نراه فى صفحتين متتاليتين تذكر الأولى منها أن صاحب تجريد العقائد هو محمد الطوسى وتذكر الأخرى أنه نصر الدين محمد الطوسى( ) وكلتاهما غير صائبة ! فتجريد العقائد مختصرٌ مشهورٌ لمؤلِّف أشهر ، هو : نصير الدين الطوسى .

(جـ) فهرس إسعاف النشاشيبى
لم يخرج المفهرس ، بشير عبد الغنى بركات ، عن طريقة سابقيه . فهو مثلهما لايعنى فى مقدمته بذكر طبيعة المجموعة المفهرسة ، مكتفياً بإشارات موجزة إلى أرقام حفظها ومقاساتها ، وأصول كل طائفةٍ منها ، وعدد ماهو مفرد منها فى مجلد وماهو ضمن مجموعة ، ثم يورد توزيع المخطوطات بحسب تاريخ كتابتها . كل ذلك فى أقل من ثلاث صفحات !
ولم يخرج المفهرس ، أيضاً ، عن طريقة سابقيه فى بطاقة الفهرسة . فهو مثلهما يورد البيانات الأساسية ، ويزيد عليها ذِكْر (حالة الغلاف) بادئاً البطاقة بموضوع المخطوطة .. والملاحظات العامة التى يمكن إيرادها على فهرسة بشير بركات منها الآتى:
لم يضبط المفهرس كثيراً من العناوين ، فهو يكتفى فى فهرسته لمخطوطة بأن عنوانها: حاشية على الكشاف( ) ! من دون أن يذكر ، حتى ، أنه كتاب الكشاف للزمخشرى .. أو يكون العنوان غير موجود أصلاً ، كما هو الحال فى المخطوطة رقم 17/244م ، للبديرى، التى سقط عنوانها (أظنه بطريق السهو) مع أن المفهرس أورد التقريظات التى كتبها بخطه ، بحسب ما يقول المفهرس : محمد سعد الدين بن عبد الغنى النابلسى ، ابن الغزى ، مصطفى الدياربكرى ، حسن العطار ، أحمد الغزى .. وغيرهم كثيرون !
ومن طرائف الأخطاء التى وقع فيها المفهرس ، أنه كان ينقل أحياناً ما يجده على غلاف المخطوطة ، فيجعله عنواناً لها . مثاله ، ما فعله مع الرسالة المنطقية الأكثر شهرة فى تاريخ الإسلام (إيساغوجى ، لأثير الدين الأبهرى) الذى ورد عنوانها فى الفهرس كالتالى : متن ايساغوجى فى علم المنطق( ) ! .. وهو ينقل اسم المؤلِّف الوارد فى المخطوطة، من دون أن ينتبه لأغلاط النساخ . ومن طرائف ذلك ما نراه فى مخطوطة الذيل على المنظومة الباعونية التى جعل المفهرس مؤلفها : الجاعونى ، نور الدين بن محمد( ) ! مع أنه الباعونى نفسه ، وقد ذكر فى المخطوطة التى كتبها بيده أن اسمه محمد وليس كما ذكر المفهرس : نور الدين بن محمد .. فتأمَّل .
ومن اللافت للنظر ، مانراه فى الجزء الثانى من الفهرس ، حيث ترد البطاقة على النحو التالى (العنوان : شرح دعاء عكاشة ، المؤلف : مجهول . أوله : روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، أن رسول الله  كان جالساً فى مسجد المدينة ، إذ نزل عليه جبريل فلم نعرف مَنْ هو (عكاشة) هذا ، وبالقطع لن نعرف المؤلف (المجهول) ولن نتبين الصلة بين عنوان المخطوطة وما ورد فى بدايتها .

(د) فهرس الخالدية
لانبالغ كثيراً إذا وصفنا هذا الفهرس الذى يقع فى أكثر من تسعمائة صفحة (من القطع الكبير ، مكتوبٌ عليها النصُّ بالبنط الصغير) بأنه أهم فهرس صدر عن مخطوطات فلسطين والقدس ، وأحد أدق الفهارس العربية التى رأيناها حتى الآن .. ففى هذا العمل الكبير الذى أنجزه نظمى الجعبة يندر أن نجد الأخطاء الفنية والمطبعية الواردة فيما سبقه من الفهارس المقدسية . وفى المقابل ، نجد المقدمة الوافية التى تكاد تكون كتاباً مستقلاً ، تستوفى الكلام عن القدس وآل خالد بن الوليد (الذين تنسب لهم المجموعة الخطية ) مع نبذة من أخبارهم ، وقائمة بالمجموعات الخطية الفلسطينية التى : سلمت مما حَلَّ بالبلاد من نوائب وأهوال عامىْ 1948 ، 1967 وعددها أربعة عشر مجموعة ( ) .. عدا الخالدية ذاتها .
وكما أشار المفهرس فى مقدمته ، فإن مجموعة الخالدية ذات الألفىْ عنوان ، تم انتقاؤها بدقة وحرصٍ واعٍ ، فجاءت متنوعة الموضوعات ثرية بالنوادر الخطية . وقد ذكر المفهرس أن المجموعة بها 288 مخطوطة نادرة ، منها 112 بخط المؤلف (وهو عددٌ ، لعمرى ، كبيرٌ) وأشار فى المقدمة إلى أنه أورد كشَّافاً بنوادر المخطوطات ، لكن هذا الكشاف لم يرد فى آخر الفهرس .. فلعله حُذف عند الطباعة ، تقليلاً للتكلفة !
وقد سار الفهرس على نسق ما فعله خضر إبراهيم سلامة (الذى تولى تحرير الفهرس) فى فهرسته لمخطوطات المسجد الأقصى . فهو يورد أولاً رقم حفظ المخطوطة وموضوعها ، ثم يورد عنوانها ومؤلِّفها وبقية البيانات الدالة عليها . وقد استوفى المفهرسُ ذلك كله بدقةٍ وأناةٍ ، يستحقان الثناء . غير أن بعض الملاحظات قد عنت لنا أثناء مطالعة الفهرس ، فمن ذلك :
لم يضبط المفهرس (فى أحيان قليلة) بعض العناوين ، ملتزماً بما يورده النُّسَّاخ على أغلفة المخطوطات . من ذلك مثلاً ما نراه فى المخطوطة رقم 1176/آداب شرعية، التى يوردها المفهرس تحت عنوان : تفليس اللعين إبليس( ) ! مع أن كلمة (اللعين) هنا، ليست من أصل عنوان الكتاب ، ولم ترد فى مخطوطاته وطبعاته الكثيرة التى تحمل جميعاً عنوان : تفليس إبليس ، لابن غانم المقدسى (ويعرف الكتاب أيضاً بعنوان : الحديث النفيس فى تفليس إبليس) .
ولم يضبط المفهرس (تصنيف) بعض المخطوطات ، فجعل ضمن مخطوطات المنطق ماليس منها ! من ذلك : مخطوطة شرح القصيدة العينية لابن سينا (وموضوعها : الفلسفة) ومخطوطة المبين فى شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين منسوبة للآمدى (وموضوعها ظاهرٌ من عنوانها) ومخطوطة إشارة فى علم الكلام لابن كمال باشا (وموضوعها ، أيضاً ، ظاهرٌ من عنوانها) .. كما أورد المفهرس مخطوطات العلوم الخفية ضمن مجموعة الفلك ، وأورد مخطوطات الصيدلة مع مجموعة الطب ، ومخطوطات : سرور الجياد بالصافنات الجياد ، حياة الحيوان الكبرى ، عين الحيالة ، رسالة فراسة الخيل ، كتاب فى الحيوان والنبات .. تحت تصنيف حيوان (وصوابها : الطبيعيات ! ) ووضع مسالك الأبصار لابن فضل الله العمرى ، فى المتفرقات ووصف المخطوطة بأنها رحلة ابن فضل الله العمرى الشهيرة التى ضمت معلومات هائلة( ) .. ومعروف أن هذا الكتاب ، بأجزائه الكثيرة ، هو دائرة معارف عامة فى التاريخ والأدب والطب والصيدلة والطبيعيات.
ومع أن الخالدية احتوت على مخطوطات كثيرة فى العلوم الخفية منها بحسب ماورد فى الفهرس : من أرسطو فى علم الفراسة (هكذا ورد العنوان) رسائل فى الزايرجة ، رمل دانيال .. إلا هذه المخطوطات وردت مع مخطوطات علم الأخلاق تحت تصنيف : متفرِّقات .. بينما وردت رسالة فى أحوال السحر ضمن مخطوطات الفقه .
وكما أشرنا من قبل ، فالفهرس تقلُّ فيه الأخطاء المطبعية والفنية ، وصدرت طبعته بعدما روجعت جيداً . ومع ذلك ، بقيت بعض الهنات التى منها (ص230) عقيدة الأججورى ، وصوابها : الأجهورى . ومنها (ص 268) ميزان المدعين ، وصوابها : المدعيين . ومنها (ص 368) جامع الفصولين (!) لابن قاضى سيماونه ، وصوابها : سماونة .. إلخ . لكنها على كل حال ، هناتٌ لايخلو منها أى كتاب ، ناهيك عن سفرٍ كهذا الفهرس ، كان المفترض فيه أنه يقع فى ألفىْ صفحة ، لو كان قد طُبع بالبنط المعتاد .
خاتمة :
قبل الدخول فيما نود الإشارة إليه فى هذه (الخاتمة) من نقاطٍ ثلاثٍ رئيسة ، نودُّ تأكيد ما ذكرناه سابقاً من أن الملاحظات التى أوردناها على الفهارس الأربعة ، لاتقلل من أهميتها شيئاً . خاصةً مع ما أعلمه من الجهد الجهيد الذى يتكبَّده مَنْ يقوم بفهرسة المخطوطات . فالفهرسة فى بلادنا ، من أكثر الأعمال مشقةً وأقلها مجداً .. ناهيك عن الظروف التى قام خلالها المفهرسون الأربعة المقدسيون بإتمام عملهم ، وهى ظروفٌ (نعلم) أنها صعبةٌ ، عانوا هم بالقطع من صعوبتها . لكنهم على كل حالٍ أنجزوا شيئاً أفاد منه غيرهم، وما (التقويم) الذى قمتُ به فيما سبق ، إلا عملٌ سخيفٌ لشخصٍ جلس فى منـزله ، آمناً، ينظر فى فهارس عملها آخرون يعانون فقدان منازلهم .. ولولا أننى عانيتُ طويلاً من عمل الفهارس ، لما كنتُ قد فكرتُ فى (نقد) فهارس عُملت . فتدبَّر !
أما النقاط الثلاثة الرئيسة التى نريد أن نختتم بها كلامنا هنا ، فهى تتلخَّص فى الآتى:
أولاً : إن بدء تكوين المجموعات الخطية الكبيرة فى القدس ، وفلسطين بعامة ، وتأخُّر صدور فهارسها (من بداية القرن العشرين إلى نهاياته) هو شاهدٌ على عدم وعينا بأهمية تراث الإنسان فى المكان . ومن العجيب أننا نحن العرب والمسلمين ، قضينا الخمسين سنة الأخيرة ، نثور أو نحتقن كلما أقترب اليهود من ساحة المسجد الأقصى . مع أن فى هذا المسجد ، وفى غيره ، تراثٌ مهمل بأيدينا كان اليهود وغير اليهود يسلبونه من دون أن نثور وأن نحتقن ! ومع أن كثيرين من الباحثين تحدَّثوا عن عمليات النهب المنظم للمجموعات الخطية المقدسية والفلسطينية بعامة .
ثانياً : مادامت الفهارس الأربعة قد صدرت بالفعل ، من بعد صبرٍ غير محمود ، فلا داعى لابقائها متفرقة كمجموعاتها الموزعة على الأماكن الأربع . بل يجب أن توضع جميعاً فى فهرسٍ موحَّدٍ يجمع بين المخطوطات المقدسية والفلسطينية ، كلها ، فى إطارٍ واحد يفضَّل أن يكون إلكترونياً . أعنى ، أن توضع الفهارس ، مرتبة ألفبائياً على أسطوانة ليزر أو فى موقع على الإنترنت ، ليكون هذا العمل (الذى لايتكلف كثيراً من المال والجهد) مرآةً جامعة لكل هذه المخطوطات المهدَّدة بالاندثار ، مثل كل ماهو فلسطينى .. والذى نأمله ، هو ألا تتأخر هذه الخطوة مثلما تأخَّر صدور الفهارس . إذ لايعقل أن نمضى قرناً آخر ليصدر الفهرس الموحد بعدما مضى قرنٌ كامل بين تكوين مجموعات المخطوطات وصدور فهارسها . هذا ، بالطبع ، إذا كنا جادين فى الحفاظ على الذاكرة العربية للمكان ، وللإنسان .
ثالثاً : من المضحكات المبكيات فى شأن المخطوطات المقدسية ، أنه مع المجموعات الخطية الأربعة التى صدرت فهارسها ، والتى بقيت بيد العرب هناك .. هناك مجموعات أخرى من المخطوطات العربية ، بيد اليهود . منها مجموعة بالجامعة العبرية فى القدس ، لانكاد نعرف عن محتوياتها إلا أقل القليل . ومنها مجموعة أخرى ، محفوظة فيما يسمى JNUL أو : المكتبة القومية اليهودية ، والجامعية بالقدس National and University Library, Jervaslem Jewish وهى مؤلفه من مجموعات منها مجموعة شالوم يهودا التى قاموا هناك بفهرستها وبعمل نسخ منها على الميكروفيش لبيعها للمهتمين من الأفراد والمؤسسات ! وفى الإعلان الذى وضعوه على شبكة الإنترنت وينشرونه فى الكتالوجات المخصصة ليبع المخطوطات (وقد ألحقناه بهذا البحث) نقرأ الآتى ، مختصراً :
المستشرق المعروف إبراهام شالوم يهودا (1877 - 1951) .. جمع طائفة من المخطوطات حصل على أغلبها من مصر (!) وعددها خمسة وخمسين وألف مخطوطة ، تسعين بالمائة منها باللغة العربية . وهى تحتوى على عدد كبير من المجاميع بحيث يصل مجموع عناوينها إلى ثلاثة آلاف عنوان ، منها قرابة الألف يعود تاريخ نسخها إلى الفترة الممتدة من القرن الثالث إلى القرن العاشر الهجرى .
ويزيد الإعلان من (حماس) قارئه ، حين يذكر أن هناك أربعمائة عنوان فى هذه المجموعة ، لم يذكرها بروكلمان أو أى فهرس من فهارس المخطوطات ! ثم نُفاجئ بأنهم يعرضون النسخة المصورة على الميكروفيش بمبلغ اثنين وثلاثين ألف يورو ، وسوف يمنحون المشترى حتى نهاية شهر ديسمبر 2006 خصماً تشجيعياً ، بحيث يصل السعر إلى تسعة عشر ألف يورو ، فقط .
وبالطبع ، يمكن للمتخصِّص أن يرى الكثير من المخايلة فى هذا الإعلان ، ولا مجال هنا للكلام عن هذه المخايلات ، ولا عن هذا الأوكازيون المفتوح أمام العالمين ، وإنما نختم كلامنا بلفت الأنظار إلى أنهم حَوَّلوا تراثنا إلى سلعة يستفاد منها مالياً ، ولو باعوا من النسخ المصوَّرة مائة نسخة فقط (وهو عددٌ أقل من المتوقع) فسوف يحصلون الملايين من الجنيهات التى كان أهلونا هناك أحقَّ منهم بها ، ناهيك عن المهانة التى تلحق بنا نحن العرب (الأمجاد) حين نرى أبناء عمومتنا يعرضون تراثنا للبيع ، لكل من شاء أن يشترى.
فإنا لله وإنا إليه راجعون .

http://www.ziedan.com/research/20.asp