يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها *** فمسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
أتيتُ من رَحِمِ الأحزانِ يا وطني *** أُقبّلُ الأرضَ والأبوابَ والشُّهبا
كم مُبحرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُ *** وهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هربا
يا ابنَ الوليدِ.. ألا سيفٌ تؤجّرهُ؟ *** فكلُّ أسيافنا قد أصبحت خشبا
دمشقُ، يا كنزَ أحلامي ومِروحتي *** أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العَرَبا؟
أدمتْ سياطُ حزيرانَ ظهورهم *** فأدمنوها، وباسوا كفَّ من ضربا
وطالعوا كتبَ التاريخِ.. واقتنعوا *** متى البنادقُ كانت تسكنُ الكُتُبا؟!
سَقَوا فلسطينَ أحلاماً مُلوّنةً *** وأطعموها سَخيفَ القولِ والخُطبا
هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني *** عمّن كتبتُ إليهِ.. وهوَ ما كتبا؟
وعن بساتينَ ليمونٍ، وعن حُلُمٍ *** يزدادُ عنّي ابتعاداً كلّما اقتربا!
أيا فلسطينُ.. من يهديكِ زنبقةً؟ *** ومن يعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟
شردتِ فوقَ رصيفِ الدمعِ باحثةً *** عن الحنانِ، ولكن ما وجدتِ أبا
إن كانَ من ذبحوا التاريخَ هم نسبي *** على العصورِ.. فإنّي أرفضُ النسبا
يا شامُ، يا شامُ، ما في جعبتي طربٌ *** أستغفرُ الشعرَ أن يستجديَ الطربا
ماذا سأقرأُ من شعري ومن أدبي؟ *** حوافرُ الخيلِ داست عندنا الأدبا
وحاصرتنا.. وآذتنا.. فلا قلمٌ *** قالَ الحقيقةَ إلا اغتيلَ أو صُلبا
يا من يعاتبُ مذبوحاً على دمهِ *** ونزفِ شريانهِ، ما أسهلَ العتبا
من جرّبَ الكيَّ لا ينسى مواجعهُ *** ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا
من مفكرة عاشق دمشقي ... نزار قباني
المفضلات