ارحل برفق
أفكر فيك و تعرف ما أبغيه ؟ يسكن أطرافي عتاب رقيق أرق من تقبيل الغروب لأفق البحر و من كل الاشياء الرقيقة التي اعتدناها ..
أزور مدننا القديمة و قصورنا الخيالية التي كنا نسكنها فأجد كل أشيائنا كما هي و كل من عاصرونا ، الناس يبتسمون لشبحي و لا يتجنبونني فأخشى أن أسألهم عنك فتخذلني إجاباتهم .. و أتأمل روعة الأندلس و بديع صنع الحمراء و الزاهرة فأتساءل في توجس أين أنت ؟
الرسل يتوافدون على المدينة و الاحداث تعلو وتهبط من حولي و أؤرخها كمصير فلا أجد ذكرك فيها ، تحولت الى ورقة و قلم ، اختزلتني القصة في حبر معكوف على أوجه الاوراق و ذابت أشيائي في قصتي فما عاد لي وجود ، بحثت عنك في كل نقطة على السطر في كل التنهيدات و المعارك و الجيوش في صهيل الخيول في بوابات القصور في نقر الخطا في عمائم الملوك في دم الشهداء في عيون الاسرى في دموع البنات و صراخ الاطفال ، و يئست أكثر فبحثت عنك بين جثث الموتى فلم أتبين من التنكيل ، بحثت عنك في شمس ذلك اليوم الذي سقطت فيه الأندلس ، بحثت و بحثت و بحثت ...
و طارت الورقة و جف الحبر و ذبت انا في التاريخ و لم يتبق مني سوى بحثي عنك .. أتعرف من نسيت أن أسأله عنك ؟ نسيت أن أسأل عنك العشاق و سقاة الماء و شجر اللوز و همس التفاح و الأرانب الخجولة و أغطية سريري القرمزية الوحيدة و تلك النظرة الحانية التي غسلها و طهرها الصبر آلآف المرات ..
و اليوم .. و قد تحولت الى ذكريات متفرقة و حروف مرسومة على ورقة جف حبرها لا أقوى حتى على الاشواق و ليس بي رغبة لمواصلة هذا المستحيل اللامنتهي أسألك أن تعبر برفق عبر نافذتي و أنت تأخذ رسائلك التي هي كل ما أملكه منك و ترحل .. و لا تأخذ الأندلس .. هلا أبقيتها لي ؟ هلا تركت لي شيئا من رائحتك ؟ .. و إلا فأين سأربي طفلنا القادم ؟؟
المفضلات