كان الهدوء مسيطرا، إلا من قصف لحي بعيد .. مجاور.
غريب أن يتحول القصف مع المدة إلى هدوء معتاد! بالنسبة لها كان نوم الأطفال دون نشيج، ودون تتابع الكوابيس هدوءا ما بعده هدوء!!
انتفض قلبها مع سماع قصف أقرب، فراحت شفتاها تتمتمان بالشهادتين بشكل روتيني بسيط، وهي تشد الصغير الى نحرها، وتمسح الأطفال بنظراتها.
ارتفع صوت الصغير مع ردة فعلها المفاجئة السريعة. هزته بشكل أسرع موصلة إليه اعتذارها بهذه الطريقة، وراحت تهدهده بصوت خفيض حنون:
أوه .. الله يحمي حزب الله نُصرَةْ وعِزّةْ من الله.. أوه ..
هدأ الصغير.. فنظرت إلى إخوته.
قالت يوما: فلنتوزع كل في بيت حتى لا نذهب جميعا بضربة واحدة كبيت أبي كريم.
لكن أحمد رفض، قال: أبدا. لن أرى أحدكم في القاع وأعيش. نظر إلى لينة وليلى وليث وقال: نعيش معا، أو نموت معا.
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تنظر إليه، والدمع الذي حاولت كبته يبحر في عينيها، وقالت في نفسها: والله كبرت يا حمودة!
قال لها في يوم اشتد فيه القصف: ادعي لي أن لا أموت.
قالت: والله بادعي لكم ليل نهار، وفي كل ساعة وكل لحظة.
قال: مابدي ..
وأكمل بالفصحى كما في نص الدرس: أموت على فراشي كما يموت البعير.
ضحكت وهي تضمه إلى صدرها وهي تتذكر الدرس، وسالت دمعة.
أحس بهزتها فنظر إليها وقال: بدي أموت هناك.. وأشار بيده إلى الحدود : مع السيد.
نظرت إلى تقاطيع وجهه الناعمة البريئة التي شابها صفار مغبر. كان هناك حدة في كل عضلة شدتها الظروف، وكانت عيناه الصغيرتان تقدحان عزما وتصميما لو رمى عدوا بهما لانهزم.
افتعل بسمة مدت شفتيه الحمراوين اللتين شققهما الجفاف، فانفلق شق، ولم يستطع أن يمحو البسمة المتسمرة. كانت البسمة رصاصا يدك الظلم وينبعث بقوة من عينيه اللتين تحملان لون الأرزة
قال لها بعزة تنبع من الصميم، وتشق الصخر:
هيهات منا الذلة.
المفضلات