آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الجثمان

  1. #1
    أديبة / قاصة
    سفيرة واتا في المغرب
    الصورة الرمزية صبيحة شبر
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    العمر
    79
    المشاركات
    1,496
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي الجثمان

    الجثمان

    انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ، وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان الرؤية ، منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة
    - لاأعرف ماذا تريدون ؟
    تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران
    - لم أفعل ما تقولون
    تنهال عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور
    - لم اسمع بمن تتهمون
    - انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب
    يعلق من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة
    - ماذا تريدون
    - يا ابن ........ ألا تدري ؟
    - نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ، يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟ يلبون حاجته بعد فراق ؟
    - قل كلمة واحدة
    يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل
    تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا
    - اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي
    ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،
    - انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة
    ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم يمسكون به ، لينجوا
    وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر مجيئهم العمر كله ؟
    يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:
    - لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا





    صبيحة شبر

    ( ان مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة
    أقصى مناي
    ياريح ،، يا ابرا تخيط لي الشراع : متى أعود
    الى العراق ؟ متى أعود ؟ )

    للسياب

  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    19/04/2007
    المشاركات
    662
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    أديبتنا المبدعة المتألقة\ أستاذة صبيحة لديك قدرة مذهلة ماشاءالله على جذب القارئ وإلزامه أن يعيش القصة بجميع حركاتها وسكناتها.. الجثمان قصة أليمة لسجين أو بالأحرى أسير آثر الاستسلام والتعرض لأصناف العذاب لحماية أصدقائه الذين لم يرج منهم إلا الوفاء ولكنني لا أعرف شعرت أن هذه القصة تحمل بين ثناياها بعدا أعمق تعجز أن تصوغه الكلمات وتعبر عنه المشاعر ... ربما يعود ذلك الشعور إلى أننا بتنا جميعا في حالة ترقب وانتظار لحدث طال انتظاره وأزفت لحظته فحق له أن يكافئنا بمجيئه قبل الرحيل الأخير..


  3. #3
    كاتبة / عضو المجلس الاستشاري سابقاً الصورة الرمزية فايزة شرف الدين
    تاريخ التسجيل
    16/10/2007
    المشاركات
    1,325
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأخت / صبيحة
    اٌقشعر بدني وأنا أقرأ نص يصور التنكيل بأبشع صوره .. لقد أجدت وصف تلك الهلاوس التي غشيت السجين ، بعد أن مزق جسده ، وأصبح قريبا للموت منه إلي الحياة ,, فهيهات أن يأتيه الأحبة في هذا المكان الموحش القاسي .. أشعر بأسى وقد سيطر علي جموع أمتنا العربية هذا القهر وهذا اليأس .. وقد أصطبع أدبنا بتلك المرارة ، ولم نعد نرى بصيصا من نور أو أمل للخروج من منه .
    خالص مودتي


  4. #4
    قاصة الصورة الرمزية غفران طحّان
    تاريخ التسجيل
    19/10/2007
    العمر
    43
    المشاركات
    1,225
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    غاليتي الأستاذة صبيحة
    نص يمور بتقنيّة عالية المستوى
    لغة آسرة...سرد جذّاب
    رغم قساوة الأحداث
    دام صرير الحق في قلمك
    دمت بخير


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية مجدي السماك
    تاريخ التسجيل
    06/09/2007
    المشاركات
    602
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي اختي الرائعة

    اختي صبيحة الرائعة ..تحياتي
    جعلتيني اقراها مرتين لروعتها ..سرد رائع .
    دمت بخير


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •