أعيادنا لهم، وأحزاننا لنا!
تتتالى أعيادنا وتتكرر مع تكرّر الفصول، ولعل الفصول هي نفسها أعيادنا،
محمّلة بما نريد وبما لا نريد. نكبر، ننظر إلى أعيادنا من خارجها، أو من
فوقها، وربما لاح على شفاهنا طيف ابتسامة ساخرة، ونحن نستذكر قول
الشاعر العربي القديم: "عيدٌ بأية حالٍ عدتَ يا عيدُ؟" أما صغارنا
فعيدهم هو العيد، عيدهم هو عيدنا لمّا كنّا صغاراً، فلِمَ لا نقول
بالمقابل، إن عيدنا هو عيد صغارنا، وليس أكثر من ذلك؟ عندئذ يتوجب
علينا نزع سمات الوقار والعصبية ويتوجب علينا عدم الخوض في خسائرنا
وآلامنا، فليس العيد حدثاً سياسياً، إنه مناسبة اجتماعية لا أكثر
ولا أقل. أولاً: الحياة تجري وتتقدم. وثانياً: الحياة هي المستقبل
وعاشراً: الحياة هي أطفالنا. ألا يكفي الطقس، عندما يتآمر على مثل هذه
المناسبات، كأن تمطر، أو تثلج صباح العيد؟ (وقد غرقنا في تونس هذه الأيام) أما إذا قارنا ما تبقى لنا،
أو لهم، أي لأطفالنا، من فرح، مع أحزاننا وحدادنا، وتنكيس أعلامنا فلن
يجدي ذلك نفعاً، إلا إرضاء بعض ما ينتاب مشاعرنا في اللحظة، وليس
بعدها، بالضرورة. وما ينتاب مشاعرنا آنياً، هو التوقف عن الحياة جزئياً
من أجل تكريم الميت وإجلال السيد الموت، لندرك بعد فترة أن الحياة
تتقدم، ومحطاتنا الآنية كثيرة ومتوقعة. يبدو أن الإنسان بطبعه، وبعيداً
حتى عن السياسة، كائن تراجيدي، مأساوي، يخشى فرحه، يخافه، يستنكره، أو
يستنكر أن يستنكره غيره، حاسده، لذلك يعتذر عن ضحكه الكثير، أو يطلب أن
تكون عاقبته خيراً، ومن شأن الضحك الكثير، أو الفرح المبالغ فيه أن
يجعل صاحبه عرضة للهزء والسخرية: إنه كائن خفيف، قد تنتقل به خفته تلك،
إلى اتهامه بخفة دماغه أيضاً. أما الحزن فهو ذو جلال ومهابة، يمتلك
ملكة المشاركة والعدوى، قادر على الاختراق: ذلك أن الحزن يخترق الفرح،
يوقف الأفراح، وإذا لم يستطع ذلك، فإنه يستنكرها، أما الفرح فإنه
لا يخترق الحزن، يخشاه، ينكمش أمامه، يتضاءل، يتمنى لو أنه لم يكن
فرحاً، يتمنى على الأقل، لو أن ذلك الحزن، ذلك المأتم، ذلك المصاب
الجلل، لم يحدث الآن، وهنا، لو أنه كان سابقاً أو لاحقاً، لو أنه كان
بعيداً، وإذ لا يتحقق له كل ذلك يضطر إلى المشاركة، تنتقل إليه العدوى،
أو الحياء، على الأقل، لذلك يحاول التستر، وربما يحاول أن يلعب دوراً
اجتماعياً، هو دور المجاملة إن لم نقل دور الرياء! عزاؤنا الأكبر، في
كل مصائبنا أن النسيان سيدٌ، لحكمة في الطبيعة، وذلك لكي يظل كل حزن
بداية جديدة للحياة.
المفضلات