سم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
بداية قبل أن أناقش صاحب المقال...أريد أن أنبه إلى خطإ عفوي في الآية التي استشهد بها الأستاذ عبد العزيز غنيم و هي :قل إن صلاتي...و ليس كل إن صلاتي...يقول الحق جل و علا: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162...
أما المقال الذي مفاده هو الوصول إلى الفصل النهائي و التام للدين عن السياسة...بحجة أن الحكومات يستغلون الدين و يوظفونه للبقاء على مصالحهم و امتيازاتهم...أو بالمقابل الفئات التي تستغلون الدين للوصول إلى الحكم و السلطة...و ليس الدين في تصورهم سوى غطاء لمصالحهم و أهدافهم...فالحقيقة أن الحديث في علاقة الدين بالسياسة أو العكس...يأخذ منطلقين...إذا انطلقنا مما هو كائن...أي من الأرضية التي وجدوها العلمانيون أرضية خصبة للطعن في الدين و السياسة معا على أساس الفساد السائد على كل المستويات...و على أساس العديد من البرامج التي تحاول الحكومات أن تغطي بها عجزها عن تحقيق الرفاه و النمو و الازدهار للشعب المغلوب على أمره و المقهور في عيشه...و التي باءت بالفشل مند زمن...كما أنه غياب الفرصة الواقعية الملموسة لحكومة إسلامية على أرض الواقع الحالي ...كتجربة عربية صرفة لم تقم بعد...إذا استتنينا السعودية كتجربة تتخبط في مشاكل على أساس أنها أغنى دولة في المنطقة وبها من مدن الصفيح و القصدير ما يندى له الجبين...يظل تحليل العلمانيين ينقصه الطرف المكمل لمعادلتهم...و هو وجود دولة إسلامية تقوم على الحق و لا تبتغي غير الحق...و تأخذ سلطتها من الشعب و ليس من السماء...لأنه لا نبي بعد الرسول الكريم عليه أفضل صلوات الله و سلامه...فالله جل في علاه لم يقم بإعطاء تفويض كتابي لا لهذا و لذاك...و لكن أرسل رسوله بدين الهدى و الحق...و بحجته البالغة...كتاب كريم و قرآن عظيم لا يمسه الباطل لا من بين يديه و لا من خلفه...فيه تفصيل كل شيء...يقول الله عز و جل: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111...تفصيل كل شيء...بما فيه السياسة...هذه الكلمة التي يتشدقون بها ليفصلوها عن رحمها و عن أصلها الذي هو الدين...فالدين جامع لكل شيء...أما الجزئيات فقد أشار فيها إشارات لأولي الألباب حتى يفقهوها...يقول الله عز و جل: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الشورى38...فلو هؤلاء العلمانين فقهوا سورة الشورى التي وردت في كتاب الله عز و جل لأعانونا على إبليس الذي زين لهم سوء أعمالهم...
هناك عبارة استوقفتني في المقال يقول فيها الأستاذ جواد:"إعادة الدولة إلى صاحبها الشرعي الوحيد وهو الشعب"، و"إعادة الدين إلى حيِّزه الطبيعي وهو العلاقة بين الفرد وربِّه". و الكلمات المفاتيح في هذه الجملة هم:الدولة و الشعب و الدين...و الغريب في الأمر أن كلمة العلاقة التي هي الرابط بينهما جميعا لم يذكرها إلا في العلاقة بين الفرد و ربه...و كأن الفرد يعيش خارج الشعب أو بمعزل عن هذا الشعب ...و أن هذا الشعب ليست بينهم روابط...فالرابطة الموجودة هي بين الفرد و ربه...أما باقي الروابط فهي منعدمة...كما أن شرعية الدولة لا أساس لها سوى الشعب الذي تنفي الروابط فيما بينهم...
أعتقد أن الأستاذ جواد يجب أن يضع في الاعتبار أن من في الأرض جميعا هو ملك لله و في علاقة مع الله عز و جل أحب عن طواعية أو كره عن غفلة و جهل...تأمل ما يقول الحق جل و علا للسماوات التي تضلل الشعوب بأسرها و الأرض التي تعيش فوقها هاته الشعوب: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت11...فإذا كانت السماوات و الأرض أتيا الله عز و جل طائعين...فلماذا الدول و الشعوب التي أرسل لهم الله جل و علا الرسل و الأنبياء ليقموا شرع الله في الأرض لم يستجيبوا؟؟؟؟؟لأن عدوهم الأول إبليس صدهم عن السبيل...فمن استجاب لرب العباد فقد اهتدى و من ضل...فسوف يعلم بعد حين حقيقة الدين...و ما يضم من سياسة و أخلاق و اقتصاد و فن و أدب ,,,,,يقول جل و علا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ }هود103...
و أستغفر الله لي و لكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
المفضلات