Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
مع الروائي محمد جبريل - الصفحة 2

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 84

الموضوع: مع الروائي محمد جبريل

  1. #21
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    بيبليوجرافيا محمد جبريل‏
    .........................

    * ولد في حي بحري بالإسكندرية في 17/2/1938‏
    * كان أبوه مترجماً ومحاسباً. وقد أفاد من مكتبة أبيه في قراءاته الباكرة, ويعدها سبباً أساسياً في حبه للأدب..‏
    * غالبية أعماله تتناول مظاهر الحياة في حي بحري بالإسكندرية, وحياة الصيادين والبحارة وغازلي الشباك وصانعي المراكب بصفة خاصة..‏
    * أثرت نشأته في حي تغلب عليه النواحي الدينية في اتجاهه إلى القصة والرواية التي توظف التراث. وتناول موضوعات يغلب عليها الدين والفانتازيا والأسطورة..‏
    * عمل بالصحافة منذ 1960. بدأ محرراً في القسم الأدبي بجريدة "الجمهورية" مع الراحل رشدي صالح. ثم انتقل إلى جريدة "المساء"..‏
    * عمل في الفترة من يناير 1967 إلى يوليو 1968 مديراً لتحرير مجلة "الإصلاح الاجتماعي" الشهرية, وكانت تعنى بالقضايا الثقافية..‏
    * عمل ـ لفترة ـ خبيراً بالمركز العربي للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير. وقد تولى مع زملائه تدريب الكوادر والإعداد لإصدار أول عدد من جريدة "الشعب" الموريتانية (1975).‏
    * عضو اتحاد الكتاب المصريين‏
    * عضو جمعية الأدباء‏
    * عضو نادي القصة‏
    * عضو نقابة الصحفيين المصريين‏
    * حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1975 عن كتابه "مصر في قصص كتابها المعاصرين"..‏
    * نال وسام العلوم والفنون والآداب من الطبقة الأولى عام 1976‏
    * عمل مديراً لتحرير جريدة "الوطن" العمانية في الفترة من يناير 1976 إلى يونيو 1984‏
    * عمل رئيساً لتحرير "كتاب الحرية" في الفترة من إبريل 1985 إلى يناير 1989.‏
    *رواياته: الأسوار ـ إمام آخر الزمان. من أوراق أبي الطيب المتنبي, قاضي البهار ينزل البحر. الصهبة. قلعة الجبل. النظر إلى أسفل. الخليج. اعترافات سيد القرية. زهرة الصباح. الشاطىء الآخر. رباعية بحري: أبو العباس. ياقوت العرش. البوصيري. على تمراز. الحياة ثانية. بوح الأسرار. المينا الشرقية. مد الموج. نجم وحيد في الأفق, زمان الوصل. ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله. حكايات الفصول الأربعة. زوينة. صيد العصارى. غواية الإسكندر. الجودرية. رجال الظل.‏
    * مجموعاته القصصية: تلك اللحظة. انعكاسات الأيام العصيبة. هل. حكايات وهوامش من حياة المبتلى. سوق العيد. انفراجة الباب. حارة اليهود. رسالة السهم الذي لا يخطئ. موت قارع الأجراس.‏
    * كتبه الأخرى: مصر في قصص كتابها المعاصرين. مصر... من يريدها بسوء؟..‏ نجيب محفوظ.. صداقة جيلين. السحار.. رحلة إلى السيرة النبوية. آباء الستينيات. قراءة في شخصيات مصرية. حكايات عن جزيرة فاروس. مصر المكان. البطل في الوجدان الشعبي..‏
    * درّس الدكتور شارل فيال كتابه "مصر في قصص كتابها المعاصرين" على طلاّبه في جامعة السوربون. ويدرس د. عبد المجيد زراقط أعماله على طلابه بالجامعة اللبنانية, كما يدرس د. عبد الرحمن تبرامايسين على طلابه بجامعة بسكرة بالجزائر.‏
    * ترجمت روايته "الشاطئ الآخر" إلى الإنجليزية. كما ترجم العديد من قصصه القصيرة إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والماليزية. وكان الأب الدكتور جاك جومييه هو أول من قدمه إلى القارئ الفرنسي بدراسة في مجلة "ميديوى"..‏
    * صدر عنه: "محمد جبريل وعالمه القصصي" و"دراسات في أدب محمد جبريل" بأقلام مجموعة من الأدباء والنقاد... و"البطل المطارد في روايات محمد جبريل للدكتور حسين علي محمد... "فسيفساء نقدية ـ تأملات في العالم الروائي لمحمد جبريل "للدكتور ماهر شفيق فريد..." محمد جبريل... موال سكندري "لفريد معوض وآخرين. استلهام التراث في روايات محمد جبريل للدكتور سعيد الطواب. محمد جبريل روائي من بحري لحسني سيد لبيب, محمد جبريل,مصر التي في خاطره لحسن حامد. التراث والبناء الفني في روايات محمد جبريل للدكتورة سمية الشوابكة.‏
    * حصلت الباحثة الأردنية سمية الشوابكة على درجة الدكتوراه من الجامعة الأردنية عن رسالتها "التراث والبناء الفني في أعمال محمد جبريل الروائية".‏
    * نوقشت أعماله في العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه, ومنها: شخصية المتنبي في الأعمال الروائية والمسرحية لفهمي عبد الحميد, العناصر التراثية في الرواية المصرية لمراد عبد الرحمن مبروك, السجن في الرواية المصرية لأحمد الحسيني, العناصر السردية في الرواية عند محمد جبريل لأحمد عوض, موازنة بين الأعمال التاريخية عند كل من نجيب محفوظ ومحمد جبريل لمديحة يوسف عامر (الإمارات). السرد الفني في روايات محمد جبريل (رسالة ماجستير) لمحمد محمود فرج.‏
    * كتب مقدمات لأعمال كل من: مصطفى صادق الرافعي (تحت راية القرآن) (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية). نجيب محفوظ (صدى النسيان) (فتوة العطوف). أحمد زكي مخلوف (نفوس مضطربة). حسين علي محمد (عشان مهر الصبية). محمود الخصيبي (سلطنة عمان). عبد الله هادي سبيت (اليمن). فتحي عزت (الإغراء). محمد كمال محمد (دماء في الوادي الأخضر). سمير فوزي (من ديوان العشق). شحاتة عزيز (كفر الهلالي). عبد الفتاح مرسي (المسخوط من سيرة علي بلوط). أبو المجد شعبان (الطفل الذي يعدو). مهدي بندق (حتشبسوت بدرجة الصفر). أمجد صابر (عندما تبيض الديوك) علاء أبو زيد (فم النهر). فاطمة يوسف العلي (تاء مربوطة). محمود البدوي (قصص قصيرة) وغيرهم.‏
    * وضع عن فترة إقامته بسلطنة عمان كتاباً بعنوان "تقرير عن إصدار جريدة يومية" نشر حلقاته الثلاث الأولى في مجلة "الدراسات الإعلامية". ثم أوقف نشر بقية الحلقات بعد تدخل مباشر من الحكومة العمانية بدعوى أن الكتاب يتناول سلبيات التجربة العمانية!‏
    * له ندوة باسمه, قدمت الكثير من الأدباء الشباب, تعد من أهم الندوات في القاهرة..‏
    * كتبت في أعماله قصائد للشعراء: محمد يوسف. حسين علي محمد, جميل محمود عبد الرحمن. يسري حسان. شفيق أحمد علي. فواز عبد الله الأنور. مؤمن أحمد..‏
    * أقيمت له مهرجانات تكريم في المنيا. سوهاج. القاهرة. الإسكندرية..‏
    * شارك في مؤتمر الرواية الذي أقامته جامعة القاهرة ـ قسم اللغة العربية, في 1995.‏
    * شارك في مهرجان آفاق القصة والرواية في الثمانينات والتسعينيات بكلية دار العلوم في إبريل 1997.‏
    *شارك في مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم ـ الدورة الثانية عشرة بالإسكندرية 1997.‏
    * شارك في مؤتمر القاهرة للإبداع الروائي (شهادة ومشاركة بحثية) فبراير 1998.‏
    * شارك في مؤتمر التنمية في شمال الصعيد ـ كلية الآداب بالمنيا 1998.‏
    * انتخب في مارس 1999 نائباً لرئيس اتحاد كتاب مصر..‏
    * ترأس المؤتمر الإقليمي لأدباء غرب ووسط الدلتا في إبريل 1999.‏
    * مثل اتحاد كتاب مصر في ندوة الرواية العربية وقضايا الأمة التي أقيمت بطرابلس ليبيا في الفترة من 7 إلى 9 أغسطس 1999. كما مثل الاتحاد في اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد الكتاب العرب...‏
    * ألقى محاضرة عن تجربته الأدبية في مقر اتحاد كتاب سوريا بدمشق 10/8/1999.‏
    * اختير عضواً في لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة من أول أكتوبر 1999.‏
    * ترأس في سبتمبر 2000 وفد اتحاد كتاب مصر إلى تونس, ووقع اتفاقية للتعاون الثقافي. كما شارك في العديد من الندوات في المدن التونسية..‏
    * شارك في مؤتمر عن الكاتب الراحل محمود البدوي في المجلس الأعلى للثقافة (1999)‏
    * شارك في المؤتمر الدولي عن الترجمة الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة في عام 2000.‏
    * شارك في الملتقى الثاني للفنون الشعبية الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في الفترة من 14 إلى 18 يناير 2001.‏
    * شارك في مؤتمري القاهرة للرواية الأول والثاني اللذين أقامهما المجلس الأعلى للثقافة. قدم شهادة, وبحثاً عن الرواية التاريخية, وقدمت في أعماله أبحاث.‏
    * ألقى محاضرة عن تجربته الأدبية في المكتبة الوطنية بالجزائر في يناير 2006.‏
    * أقامت الفنانة التشكيلية مها رشدي معرضاً عن شخصياته في نادى الهلال الأحمر بسوهاج..‏
    * زار معظم العواصم والمدن العربية, والكثير من دول العالم..‏
    * متزوج من الناقدة زينب العسال. وله ابنان: أمل ووليد...‏
    * يسكن في 18 شارع الدكتور سليمان عزمي شقة 4 مصر الجديدة ـ ت 6218500 ـ 2618399 ـ 103805251.‏


  2. #22
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عامر العظم مشاهدة المشاركة
    الأخ الشاعر الدكتور حسين علي محمد،
    تحية عربية طيبة وبعد،
    أرحب بك في جمعيتك العزيزة وأشكرك على تعريف أعضاء الجمعية بالروائي الكبير محمد جبريل الذي يستحق التكريم.
    أكون شاكرا لك إن تفضلت بإرسال بريده الإلكتروني وصورته إن أمكن إلى البريد التالي:
    watagroup@yahoo.com
    ونرحب بأية ترشيحات من قبلك بالسرعة القصوى وأهلا بك عزيزاً،
    الأستاذ عامر العظم:
    عنوان الروائي الكبير / محمد جبريل:
    دار التحرير للطبع والنشر ـ القاهرة.
    رئيس القسم الثقافي
    ت منزل:(002026218500)
    البريد الإليكتروتي
    mlg_38@hotmail.com
    ....................................


  3. #23
    عـضــو الصورة الرمزية اشرف الخريبي
    تاريخ التسجيل
    27/10/2006
    المشاركات
    220
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الصديق الغالى د. حسين علي محمد

    اشكرك على هذا المجهود الراقى والجميل
    واسعد دوما بتواجدك
    اتمنى ان يكون كتابى وصل بين يديك
    اما الروائى الجميل محمد جبريل فله فى القلب معزة خاصة
    واتمنى ان يكون قد عاد من اجازته

    محبتى لكما

    اشرف الخريبي


  4. #24
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف الخريبي مشاهدة المشاركة
    الصديق الغالى د. حسين علي محمد
    اشكرك على هذا المجهود الراقى والجميل
    وأسعد دوما بتواجدك
    اتمنى ان يكون كتابى وصل بين يديك
    أما الروائى الجميل محمد جبريل فله فى القلب معزة خاصة
    وأتمنى ان يكون قد عاد من إجازته
    محبتى لكما
    أشرف الخريبي
    الصديق الجميل الأديب
    أشرف الخريبي
    شكراً جزيلاً لك.
    ولللأسف الشديد لم يصل كتابك، فالبريد العربي يمشي مشي السلحفاة..
    طُلب مني تقرير ترقية لأحد الأساتذة، فوصل التقرير إلى الجامعة
    بعد واحد وثلاثين يوماً!!
    هل تصدق؟!
    سأكون ـ بحول الله ـ بعد تسعة أيام في مصر لإجازة عيد الأضحى.
    ليتك تُرسل لي نسخة مع الأديب مجدي جعفر إذا قابلته.
    ملحوظة: رسالتك ستصل إليّ هنا، ولكن ربما بعد عدة أشهر!!
    مع موداتي


  5. #25
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    من المحرر:
    د. حسين علي محمد

    بقلم: محمد جبريل

    حين حصل حسين علي محمد ـ الشاعر والناقد والأستاذ الجامعي ـ على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، كان يختتم رحلة قاسية بدأت في قريته العصايد، القريبة من ديرب نجم، وتواصلت في عمله الأكاديمي خارج مصر، حتى حصل على درجة الأستاذية، ودرس لآلاف الطلاب، وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه.
    لم يجعل حسين علي محمد من تلك الطريق ـ وهي فردية كما ترى ـ طريقه الوحيدة.
    اختار طريقا موازية، أو متداخلة، يتصل فيها بالجماعة، من خلال أنشطة قوامها الأجيال التالية من مبدعي ديرب نجم، المدينة والقرى المحيطة.
    أنشأ حسين مع أحمد فضل شبلول وسعد بيومي وصابر عبد الدايم وأحمد زلط والراحل عبد الله السيد شرف سلسلة "أصوات معاصرة" تعنى بنشر كتابات أدباء مصريين وعرب، وإن كان حريصا ـ يومها ـ على نشر كتابات الأجيال الطالعة، من مبدعي الأقاليم المصرية.
    أصدرت السلسلة الكثير من الكتب المهمة، ما بين رواية ومجموعة قصصية وديوان شعر ومسرحية ودراسة نقدية وسيرة ذاتية وغيرها. أصبحت ـ في مدى قصير نسبيا ـ من أهم السلاسل على مستوى الثقافة العربية.
    أضاف حسين إلى أنشطة «أصوات مُعاصرة» مؤتمرات أدبية جعلت من ديرب نجم مركزاً للإشعاع الثقافي، والتقى أدباء المدينة بمن كانوا يكتفون بقراءة أخبارهم في وسائل الصحف والإعلام من نجوم الإبداع في عالمنا العربي.
    ثم أضاف حسين إسهاما ـ على نفقته فيما أظن ـ بإنشاء موقع «أصوات معاصرة» على الإنترنت، يعنى بإبداعات الأجيال المختلفة، بنشر نماذج منها، يناقشها، يسلط الضوء على كتابها، يتصل بالمواقع المماثلة.
    استطاع موقع «أصوات معاصرة» أن يحقق نجاحا لافتا على المستويين الكمي والكيفي، انعكس في أعداد المتعاملين معه.
    جعل الخضري عبد الحميد من المدينة الصغيرة ملوي ـ ذات يوم ـ مدينة مبدعة، واحتلت المنصورة الموقع نفسه، بسلسلة فؤاد حجازي «أدب الجماهير». وثمة إسهامات أخرى في العديد من المدن المصرية، كالمحلة الكبرى والمنيا والسويس وسوهاج، جعلت من تلك المدن مساحات ضوء في حياتنا الثقافية.
    لقد جعل حسين علي محمد ـ بإسهاماته المتعددة ـ من ديرب نجم، المدينة، المركز، منارة مهمة في حياتنا الثقافية.
    هامش:
    يقول فولتير: إن الطريقة الوحيدة التي تجعل الناس يتحدثون عنك بطريقة حسنة، هي أن تتصرف بطريقة طيبة.
    م.ج.
    Mlg_38@hotmail.com
    [جريدة المساء ـ 18 من ديسمبر 2004 ـ ص 10]


  6. #26
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    لمــحــــة

    بقلم: محمد جبريل
    .....................

    حين كلَّفني أستاذي سليمان مظهر بالإشراف على الصفحة الأدبية بـ"التعاون" القاهرية، لم يكن قد مضى على اشتغالي بالصحافة أكثر من بضع سنوات، ولأني كنت في حاجة إلى تقديم يفوق حاجة الآخرين إلى تقديمي، فقد قبلت المقابل المادي الذي يقل عن معنى الرمز، وحاولت أن أوسّع دائرة صداقاتي بأسماء موهوبة في امتداد الأقاليم المصرية.
    جاءتني رسالته الأولى تحمل قصيدة شعرية، أتبعها برسالة ثانية قبل أن ينقضي الأسبوع، يتساءل فيها: هل رفضت نشر قصيدتي لأني في المرحلة الإعدادية؟
    لم أكن قد قرأت القصيدة بعد، ولم أكن أعرف إذا كان الشاعر طالباً أم شيخاً، لكنني تناسيْتُ تعجله ـ عرفت فيما بعد أن هذا بعض طبعه! ـ لمّا قرأت القصيدة، فدفعت بها إلى المطبعة متحمساً.
    وتراسلنا، يبعث إليَّ بقصائده فأنشر بعضها، وأُبدي الرأي في البعض الآخر، ثم زارني في "المساء" يطلب مني تقديمي لأول دواوينه "عشان مهر الصبية".
    ولأن عين الرضا عن كل عيب كليلة، فقد أغضب تقديمي لديوان حسين الأول ـ تجاوزه فنيا حتى أسقطه من قائمة مؤلفاته ـ معظم الشعراء!، وجدوا فيها مجاملة أساءت إلى الموضوعية ـ النفتقدة أصلاً ـ في حياتنا الثقافية.
    يصعب الآن أن تُخطئ العين مكانة حسين علي محمد في حياتنا الثقافية عموماً، والشعرية على وجه التحديد. إنه يمثل صوتاً واضحاً ونقيا ومتميزاً بين الأصوات الشعرية في وطننا العربي. ومع أنه لم يُجاوز بداية العقد الرابع من عمره، فقد استطاع أن يستقطب مريدين وتلاميذ، يحتذون خطواته، ويُحاولون الاستفادة من تجاربه ورؤاه الفنية.
    وإذا كانت "الوطن" قد استطاعت ـ خلال إصدارها الأسبوعي ـ أن تضم حسين علي محمد بين قائمة كتابها، فإن إحساسنا بالسعادة يتضاعف في خاطرة ثقافية، وعد حسين علي محمد أن يخص بها الصفحة الثقافية في العدد اليومي تحت عنوان "قطرة ندى".
    محمد جبريل
    .................................................. .........
    *الوطن (سلطنة عمان) ـ في 28/12/1982م.
    **مقدمة للعمود اليومي الذي كان يحرره حسين علي محمد في "الوطن".


  7. #27
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الرواية والسينما

    بقلم: محمد جبريل
    .......................

    سألت نجيب محفوظ هل تكتب الرواية وعينك علي السينما؟
    قال وهو يرنو إلي النيل من نافذة مكتبه بقصر عائشة فهمي: لو أن ذلك كذلك ما كتبت "الشحاذ"!
    لم يكن نجيب محفوظ يتصور أن "الشحاذ" تصلح عملا سينمائيا. عبر عن الشخصيات والأحداث بفنية مضمرة. ولغة موحية. بعكس ما طالعناه في القاهرة الجديدة وخان الخليلي والثلاثية والسمان والخريف واللص والكلاب وغيرها.
    لكن الشحاذ تحولت ببراعة كاتب سيناريو يجيد أصول فنه إلى إضافة مهمة للسينما المصرية.
    لا صلة للرواية الجيدة بالسيناريو الجيد. والعكس صحيح. قد تتحول الرواية الجيدة إلى سيناريو رديء. وقد يحيل السيناريو الجيد قصة عادية إلى فيلم سينمائي جميل. وربما تتضافر الرواية الجيدة والسيناريو الجيد في تقديم عمل يذكره تاريخ السينما.
    لا اعني افتقاد الصلة بين الرواية السردية والسيناريو السينمائي. فالأفلام الكبيرة تدين بنجاحها لأعمال روائية وقصصية، أبدعها مؤلفوها دون أن يضعوا حسابا إلا للقيمة الفنية السردية. ثم وجدت السينما في الرواية أو القصة من القيمة الدرامية ما يتيح تماهيا دراميا مطلوبا بين القصة والسيناريو.
    ثمة من يجدون في الرواج الذي تحققه أفلام السينما. والعائد الذي تدره القصص المكتوبة دافعا لان يتجهوا بأعمالهم إلى مشاهد السينما بأكثر من أن تتجه إلى قارئ العمل الأدبي. فهم يذكروننا بمثل الغراب الذي أراد أن يقلد في سيره مشية الطاووس!
    لا بأس أن يفيد العمل الأدبي من تقنية السيناريو السينمائي: الفلاش باك. التقطيع. المزج. وغيرها وبديهي أن تعتمد السينما علي قصة. أو حكاية تكون محورا لأحداثها. فلا نبتلي بأفلام يدخل فنانوها وفنيوها الأستديوهات كما يحدث الآن ليصنعوا أي شيء بلا فكرة ولا رابط مجرد صور متتالية تعاني السذاجة والسخف!
    لكي تجاوز السينما المصرية مأزقا مستمرا. تعانيه منذ سنوات. فإنها لابد أن تنتج أفلاما في مستوي دعاء الكروان وبداية ونهاية وفي بيتنا رجل والبوسطجي والسقا مات والحرام واللص والكلاب والحفيد والطوق والإسورة وغيرها. وهي أفلام مأخوذة كما نعرف من أعمال أدبية وفي المقابل فان علي الروائيين وكتاب القصة أن يخلصوا للعمل الأدبي وحده. بعيدا عن مغريات السينما المادية والدعائية. وألا تكررت مأساة الغراب الذي لم يحسن مشيته الحقيقية. ولا أحسن التقليد!


  8. #28
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    من المحرر

    بقلم: محمد جبريل
    ............................
    mlg_38@hotmail.com

    من قراءاتنا. تظل بعض العبارات في الذهن. تناوشنا. تلح في طلب المعني. تطرح الأسئلة. تشير إلي الأجوبة أحياناً.
    يقول حكيم صيني: ينبغي علي كل شخص أن يري سلوكه في الضوء نفسه الذي يري فيه سلوك الآخرين. ويتعين عليك أن تدخر في قلبك للآخرين ماتدخره لنفسك. ويقول الشيرازي: مالم تبكت نفسك. فلن تفتح صدرك لأي لوم يوجهه إليك أحد. ويقول الصوفية: في ومضة لا غير. خل عنك الزمان والمكان. نحّ العالم جانباً. وكن عالماً داخل نفسك. ويقول أبو سعيد بن أبي الخير: فلتبتعد عن الأفكار الثابتة والمفاهيم السابقة. وواجه ما قد يكون مصيرك. ويقول الحسن البصري: سألت طفلاً يمشي وفي يده شمعة: من أين يأتي هذا الضوء؟ فما كان منه إلا أن أطفأها وقال: أخبرني أولاً أين ذهب الآن. وعندئذ أرد علي سؤالك من أين جاء. ويقول المستشرق جوزيف ماكابي: كل عشاق الأدب فيما عدا قلة قليلة يرون اليوم أن الخط الرئيسي للتطور الإنساني يتمثل في مد الروح العلمية كي تشمل كافة مناحي الحياة. ولكن يتعين علينا ألا ننسي بحال من الأحوال أن هذا ليس سوي نصف الحياة المثالية للعرب. فبالنسبة لمعظم مفكريهم كان من العبث أن يتساءل المرء حول ما إذا كان العلم يواجه خطراً يتمثل في جعل المرء جافاً. حسياً. زائد الذكاء. بارد الاستجابة. منصرفاً عن الجمال والفن. فقد كان تلاميذهم الذين يدرسون العلم علي أيديهم في العادة. شعراء وموسيقيين. وأن يكون هناك تعارض بين العقل والحياة العاطفية. أو أن يكون هناك تعارض بين أن يتقنهما الشخص نفسه. ويبرع فيهما. فذلك حديث يبدو منطوياً علي مفارقة. ويقول بيكاسو: إن كل فعل من أفعال الإبداع هو في الدرجة الأولي فعل من أفعال الهدم. ويقول النسفي: توجه سرب من الأسماك إلي حكيم السمك وهم يتساءلون عما يكون عليه الماء. فقال لهم حكيم السمك إن الماء يحيط بهم. مع ذلك لا يزالون أسري الظن بأنهم عطشي. ويقول الشاعر "جامي": السحابة الجافة التي لا تحمل بخاراً. لا تستطيع أن تمنح مطراً. ويقول ريتشارد بوتون: أن يأكل المرء. وأن يشرب. وأن يمرح.. تلك أمور قد تبدو جميلة كلها. لكنها لا تكشف عن أي فرق بين الإنسان والخنزير. ويقول تنيسي وليامز: الحياة صخرة. وعلي الإنسان أن يكون بدوره صخرة. وإلا انكسر أحدهما. ولن تكون الحياة أبداً هي التي تنكسر. ويقول ألبير كامي: الشجاعة ليست رفض اليأس. لكنها القدرة علي التحرك رغم اليأس. ويقول جلال الدين الرومي: يجمع الشجر الغذاء في فصل الشتاء. وخلال ذلك قد يظن الناس أن الشجر عاطل عن العمل. لأنهم لا يرون في العمق ما يجري خلف ما يرون علي السطح. لكنهم يرون البراعم في الربيع. وحينئذ يؤمنون بأن الشجر لم يكن عاطلاً. ومن "حكايات نصر الدين": يبيع الناس الببغاوات المتكلمة بأسعار خيالية. لكنهم لا يتوقفون لحظة كي يسألوا أنفسهم كم يمكن اذن أن تساوي الببغاوات المفكرة؟!. ويقول حكيم: عندما تكون ولا تزال مشتتاً مفتقراً إلي اليقين. فأي فرق في اتخاذك هذا القرار أو ذاك؟!.
    .........................................


  9. #29
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    من المحرر

    بقلم: محمد جبريل
    .............................
    mlg_38@hotmail.com

    من الأخبار التي نشرت في العدد الماضي من هذه الصفحة. ندوة لكتاب استشراقي عن الثقافة العربية. ناقشت ما للاستشراق وما عليه. وحاولت التوصل إلي نتائج موضوعية.
    وفي رأيي أن اجتهادات المستشرقين يجب الا تجاوز صفتها كاجتهادات فيما عدا تلك المثقلة بالغرض والبديهي ألا نرفضها. ونستنكرها. ونعدها دون قراءة خطأ وخطيئة. وإنما يجدر بنا أن نضعها في ميزان الاجتهاد. وفي الكفة المقابلة لاجتهاداتنا نحن.
    نناقش ونتفق ونختلف. لكن العملية تظل دائما هي لغة الحوار. ثمة من يري في الاستشراق منهجاً غربياً في رؤية الأشياء. والتعامل معها. باعتبار ان هناك اختلافا جذريا في الوجود والمعرفة بين الشرق والغرب. وثمة تعريف يجد في الاستشراق محاولات لدراسة الشرق. بهدف تحقيق السيطرة عليه لصالح الغرب.. والحق أنه طالما عاني العرب والاسلام من اتهام المستشرقين بانه دين مقطوع الصلة بحضارة العصر. فهو يرفضها مقابلا لعجزه عن اللحاق بها. وثمة مزاعم أن القرآن استمد الكثير من موضوعاته من مصادر يهودية ومسيحية. وثمة من ينظر إلي الاسلام باعتباره دينا يدعو إلي الخوف وعدم الاطمئنان. وبخاصة في ضوء "سماحة" الدين المسيحي! وهي نظرة كما تري تهمل دعوة الاسلام إلي العدل والتكافل والمساواة بين البشر. والعديد من كتب الاستشراق لاتزال حتي الآن كما يقول إدوار سعيد "تنشر الكتب والمقالات باستمرار. عن الاسلام والعرب. وهي لا تختلف إطلاقا عن الجدل الخبيث المعادي للاسلام في القرون الوسطي وعصر النهضة" ويركز بعض المستشرقين علي النماذج السلبية من الأدب العربي. مثل الغزل الجنسي. والاتجاهات المنحرفة في التصوف. وتزييف الوقائع التاريخية. واختلاق السير. والتكسب بالشعر. ومداهنة السلطة إلخ.. ويعتبرون تلك النماذج ممثلة للتراث العربي. والإسلامي بعامة. وتبين الخطورة عن ملامحها. عندما نعلم ان الصورة التي صنعها المستشرقون عن دول العالم الاسلامي كان لها أكبر الأثر علي صانعي القرارات في حكومات الغرب.
    ربما أسرف البعض في نقل الاجتهادات التاريخية للاستشراق. ولكن من الصعب القول ان الاستشراق قد بدل أفكار العرب في التاريخ فضلا عن الفقه والحديث والتفسير الخ. بل ان عاطف العراقي يؤكد أنه "لولا الاستشراق لما عرفنا نحن علومنا. بكافة أنواعها. وبمسلاتها وميادينها كعرب. لقد وجد الاستشراق لو التزمنا بالدقة في التتبع التاريخي منذ أكثر من عشرة قرون من الزمان. ليبقي. وقدم لنا أهله صفحات بيضاء".. المنهج هو الانجاز الأهم ولعله الوحيد للاستشراق في العقلية العربية. لم تعد الدراسات توضع عفو الخاطر. إنما تؤطر داخل قانون علمي صارم هو المنهج. وهو انجاز ذو أهمية قصوي بالفعل.. والحق أن الاكتفاء بالسخرية من نقداتنا للاستشراق. وللفكر الغربي بعامة. مثل الدعوة إلي عدم استعمال التكنولوجيا الغربية. ينطوي علي مغالطة سخيفة. فلا خلاف علي أن العلم والتكنولوجيا في أبعادهما الايجابية يتسمان بالعالمية وعدم المواطنة. لأنهما يتجنسان بجنسية العلم نفسه. ويحصلان علي هويته. ومن حق أي امريء. في أي مكان في العالم. أن يفيد منها. أما إذا تحددت معطيات العلم والتكنولوجيا في الأبعاد السلبية. كالقنابل الجرثومية أو الكيماوية وغيرها مثلاً. فإن الرفض يفرض نفسه كضرورة أخلاقية وحتمية. الأمر نفسه بالنسبة للثقافة التي تحرص علي الإضافة والتطوير ومستقبل الإنسان في إطلاقه. بعكس الثقافة التي تحمل وجهات نظر استعمارية أو مغرضة.
    ولعل أصدق وصف للمستشرقين بعيداً عن المبالغات الكلامية هي أنهم علي حد تعبير ميشال جحا أساتذة وباحثون أكاديميون. تخصصوا في دراسة اللغة العربية. والحضارة العربية. وقضايا العالم العربي الفكرية. والدين الإسلامي. وهم يختلفون بالتأكيد عن أولئك الذين درسوا العربية لهدف تبشيري أو سياسي أو تجسسي أو إعلامي أو ديبلوماسي.
    ................................................
    *المساء ـ في 5/1/2008م.


  10. #30
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    من المحرر

    بقلم: محمد جبريل
    .......................

    قد لا يكون من حقنا أن نعترض علي اختيار إسرائيل ضيف شرف وحيداً في معرض تورينو للكتاب. وإن كانت المجازر الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية تعطينا الحق في هذا الرفض.. لكننا بالقطع ضد دعوة كل الدول العربية باعتبارها ضيفاً واحداً في هذا المعرض أو ذاك. من منطلق أن الدولة غير العربية تساوي منفردة أقطارنا العربية مجتمعة.
    تكرر الأمر من قبل في معرض فرانكفورت. حيث وجهت الدعوة إلي الدول العربية بأسلوب "الشروة". مقابلاً للاحتفاء بدولة واحدة غير عربية. كل عام. ضيفة شرف للمعرض. بصرف النظر عن قيمتها الحضارية والثقافية. مجرد أنها تعتز بهويتها. وتجيد تقديم نفسها. من خلال وعي مسئول. وتفهم لطبيعة الأوضاع الدولية.
    نحن نهمل المقولة الشهيرة: أنت حيث تضع نفسك. لا تشغلنا الوسائل. ونتقبل كل النتائج. قد يكون الوضع العربي مأزوماً. ويعاني التخلف. لكن المجاوزة تظل أملاً. أو هذا هو ما ينبغي أن نسعي إليه. التخلف ليس قدراً. ولا هو مكتوب علي الجبين. إنه نحن. إرادتنا. واعتزازنا بأنفسنا. وبهويتنا. نعتز بنظرة العالم إلينا ككيان تربطه وشائج وصلات. لكننا نرفض النظرة التي تجد فينا مجرد كم بلا قيمة حقيقية.
    يحزنني علي سبيل المثال ذلك التصور الغريب بأن جائزة نوبل هي التي تمنح الأديب صفة العالمية. فنحن نخوض المعارك المحلية في اتجاهها. ننسي أو نتناسي أن الكثير من الأسماء المهمة في تاريخ الأدب العالمي المعاصر لم تحصل علي الجائزة. وثمة من رفضها لأسباب معلنة!
    المنطق العلمي الذي يجب أن تلتزم به وزارات الثقافة العربية. أن تعد خطتين تكتيكية واستراتيجية. لوضع الأدب العربي في المكانة التي يستحقها. وهو ما يرتكز بداهة إلي تصور عام. تشارك في وضعه وزارات الثقافة العربية. فلا يتباهي قطر ما بأنه تميز عن بقية الأقطار بالحصول علي امتياز منح النسخة العربية من مسابقة أوروبية. كأن الأمر يتصل بامتياز للتنقيب عن البترول!
    لأن الحديث ذو شجون. فسأكتفي بالإشارة إلي المشاركة العربية في المعارض الدولية. وما ينبغي أن تكون عليه. مأساة فرانكفورت يجب ألا تتكرر. المفروض أن تكون المشاركة بحجم الناطقين بالعربية. وبالإبداع العربي في امتداد عصوره إلي التفجر الإبداعي الذي نعيشه الآن.
    أقسي الأمور أن يستكين الأفراد ناهيك عن الدول إلي ما يصعب قبوله. ودعوة إسرائيل ضيف شرف لمعرض تورينو يذكرنا بالدعوات المتوالية لدول صغيرة وكبيرة إلي معرض فرانكفورت. فإذا وجهت إلينا الدعوة نفسها. لم نحاول السؤال. ولا المناقشة. ولا دراسة حقيقة الأوضاع.
    نحن نقبل من منطلق اتحاد الضعفاء وليس من منطق وحدة الأقوياء.
    وإذا كانت الجامعة العربية تعجز عن أداء دور سياسي فعَّال. فإنها تستطيع أن تؤدي دوراً مطلوبا في مجال الثقافة. ولن يتحقق هذا الدور إلا بالأداء الجاد الذي ينسق. ويضع الخطط. ولا يرضي بأي شيء!
    ............................
    *المساء ـ في 26/1/2008م


  11. #31
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    من المحرر

    بقلم: محمد جبريل
    .......................

    قد لا يكون من حقنا أن نعترض علي اختيار إسرائيل ضيف شرف وحيداً في معرض تورينو للكتاب. وإن كانت المجازر الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية تعطينا الحق في هذا الرفض.. لكننا بالقطع ضد دعوة كل الدول العربية باعتبارها ضيفاً واحداً في هذا المعرض أو ذاك. من منطلق أن الدولة غير العربية تساوي منفردة أقطارنا العربية مجتمعة.
    تكرر الأمر من قبل في معرض فرانكفورت. حيث وجهت الدعوة إلي الدول العربية بأسلوب "الشروة". مقابلاً للاحتفاء بدولة واحدة غير عربية. كل عام. ضيفة شرف للمعرض. بصرف النظر عن قيمتها الحضارية والثقافية. مجرد أنها تعتز بهويتها. وتجيد تقديم نفسها. من خلال وعي مسئول. وتفهم لطبيعة الأوضاع الدولية.
    نحن نهمل المقولة الشهيرة: أنت حيث تضع نفسك. لا تشغلنا الوسائل. ونتقبل كل النتائج. قد يكون الوضع العربي مأزوماً. ويعاني التخلف. لكن المجاوزة تظل أملاً. أو هذا هو ما ينبغي أن نسعي إليه. التخلف ليس قدراً. ولا هو مكتوب علي الجبين. إنه نحن. إرادتنا. واعتزازنا بأنفسنا. وبهويتنا. نعتز بنظرة العالم إلينا ككيان تربطه وشائج وصلات. لكننا نرفض النظرة التي تجد فينا مجرد كم بلا قيمة حقيقية.
    يحزنني علي سبيل المثال ذلك التصور الغريب بأن جائزة نوبل هي التي تمنح الأديب صفة العالمية. فنحن نخوض المعارك المحلية في اتجاهها. ننسي أو نتناسي أن الكثير من الأسماء المهمة في تاريخ الأدب العالمي المعاصر لم تحصل علي الجائزة. وثمة من رفضها لأسباب معلنة!
    المنطق العلمي الذي يجب أن تلتزم به وزارات الثقافة العربية. أن تعد خطتين تكتيكية واستراتيجية. لوضع الأدب العربي في المكانة التي يستحقها. وهو ما يرتكز بداهة إلي تصور عام. تشارك في وضعه وزارات الثقافة العربية. فلا يتباهي قطر ما بأنه تميز عن بقية الأقطار بالحصول علي امتياز منح النسخة العربية من مسابقة أوروبية. كأن الأمر يتصل بامتياز للتنقيب عن البترول!
    لأن الحديث ذو شجون. فسأكتفي بالإشارة إلي المشاركة العربية في المعارض الدولية. وما ينبغي أن تكون عليه. مأساة فرانكفورت يجب ألا تتكرر. المفروض أن تكون المشاركة بحجم الناطقين بالعربية. وبالإبداع العربي في امتداد عصوره إلي التفجر الإبداعي الذي نعيشه الآن.
    أقسي الأمور أن يستكين الأفراد ناهيك عن الدول إلي ما يصعب قبوله. ودعوة إسرائيل ضيف شرف لمعرض تورينو يذكرنا بالدعوات المتوالية لدول صغيرة وكبيرة إلي معرض فرانكفورت. فإذا وجهت إلينا الدعوة نفسها. لم نحاول السؤال. ولا المناقشة. ولا دراسة حقيقة الأوضاع.
    نحن نقبل من منطلق اتحاد الضعفاء وليس من منطق وحدة الأقوياء.
    وإذا كانت الجامعة العربية تعجز عن أداء دور سياسي فعَّال. فإنها تستطيع أن تؤدي دوراً مطلوبا في مجال الثقافة. ولن يتحقق هذا الدور إلا بالأداء الجاد الذي ينسق. ويضع الخطط. ولا يرضي بأي شيء!
    ............................
    *المساء ـ في 26/1/2008م.


  12. #32
    شـــــاعر الصورة الرمزية اشرف الخضرى
    تاريخ التسجيل
    15/03/2007
    المشاركات
    891
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    تحية عطرة د حسين محمد

    هذا ليس موضوعا عابرا ارى كتابا امامى يكاد يكتمل

    فلا تتركه يتسربل من يديك وعجل به

    محمد جبريل

    هذا الرجل الاستثناء المعلم والاب والاستاذ

    تربيت فى ندوة محمد جبريل بالمساء...وكان اول من كتب اسمى ببنط كبير فى مجلة حريتى

    وكان ينشر لى ويدعمنى مع عشرات الشعراء الشبان والقصاصين والباحثين

    محمد جبريل علم اجيالا ودعمها وله فضل كبير فى تثقيف واعداد مئات الاسماء اللامعة

    ان ابتسامة محمد جبريل وحدها كانت تكفى لتحفيز شاعر مبتدىء ليكون علما ونجما

    اطال الله عمره وانعم عليه بالرخاء

    كم اوحشنى لم نلتق منذ سنين

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  13. #33
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اشرف الخضرى مشاهدة المشاركة
    تحية عطرة د حسين محمد

    هذا ليس موضوعا عابرا ارى كتابا امامى يكاد يكتمل

    فلا تتركه يتسربل من يديك وعجل به

    محمد جبريل

    هذا الرجل الاستثناء المعلم والاب والاستاذ

    تربيت فى ندوة محمد جبريل بالمساء...وكان اول من كتب اسمى ببنط كبير فى مجلة حريتى

    وكان ينشر لى ويدعمنى مع عشرات الشعراء الشبان والقصاصين والباحثين

    محمد جبريل علم اجيالا ودعمها وله فضل كبير فى تثقيف واعداد مئات الاسماء اللامعة

    ان ابتسامة محمد جبريل وحدها كانت تكفى لتحفيز شاعر مبتدىء ليكون علما ونجما

    اطال الله عمره وانعم عليه بالرخاء

    كم اوحشنى لم نلتق منذ سنين
    شُكراً للمبدع الأستاذ
    أشرف الخضري
    على المُشاركة،
    مع تحياتي.


  14. #34
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    عنترة .. حكاية قديمة

    قصة للأطفال، بقلم: محمد جبريل
    ..........................................

    ارتدى الراوى الشعبى ثيابه ، وتهيأ للانصراف إلى المقهى .
    قرر أن يحور فى سيرة عنترة ، ليجتذب انتباه رواد المقهى . لاحظ ـ فى الليلة الأخيرة ـ أن الرواد انشغلوا عنه بلعب الطاولة ، وشرب الشاى ، والمناقشات ، وتبادل الدعابات .
    أدرك أنه لابد أن يضيف ويحذف إلى الحكاية التى يكررها منذ سنوات طويلة ، فلم تعد تجتذب انتباه أحد .
    وهو يمد يده ليأخذ الربابة ، لحقه صوت من خارج النافذة المغلقة :
    ـ أرجو أن تحسن رواية سيرتى .
    أتجه الراوى بنظرة دهشة ناحية النافذة :
    ـ من أنت ؟
    ـ أنا عنترة .. بطل السيرة التى ترويها منذ سنوات طويلة .
    تمالك الراوى نفسه ، وقال :
    ـ ماذا تريد ؟
    ـ أريد أن تروى حكايتى كما هى .. كما يحكيها الرواة منذ مئات السنين .
    قال الراوى :
    ـ لكن الدنيا تغيرت ، وما كان يتقبله الناس فى الماضى يصعب تصديقه الآن !
    أضاف فى لهجة تأكيد :
    ـ هذه حكاية تروى للناس . كل حكاية تحتاج إلى الإضافة والحذف ، حتى تناسب الوقت الذى تقال فيه . حتى الرواة القدامى أطالوا فى عمر عنترة ، ونسبوا إليه ما لم يحدث فى التاريخ .. لكن ذلك ما كان يحتاج الناس إلى سماعه حينذاك .
    قال عنترة :
    ـ إذن دعنى أختفى من ذاكرتك . سأتردد بنفسى على الأسواق والمقاهى ، أروى قصتى الحقيقية : معاركى ، وبطولاتى ، وحبى لابنة عمى عبلة .
    قبل أن يرد الراوى على عنترة ، فوجئ أنه قد اختفى من ذاكرته بالفعل . لم يعد يتذكر من كان يخاطبه ، ولا السيرة التى كان يعد نفسه للخروج إلى المقهى كى يرويها .
    ظهر عنترة فى هيئة فارس . حمل سيفه ، وامتطى جواده المسمى الأبجر ، واتجه ـ عبر الصحراء ـ إلى مدن قريبة ، وبعيدة ، ليروى حكاياته .
    فى طريقه ، التقى عنترة برجل يحمل عصا ، فى نهايتها ماسورة من الحديد .
    صوب الرجل عصاته ـ من بعيد ـ نحو أرنب برى ، فسقط الأرنب .
    اقترب عنترة من الرجل . أبدى دهشته لسقوط الأرنب البرى دون أن تصيبه عصا الرجل.
    قال الرجل :
    ـ أنا صياد ، وهذه ليست مجرد عصا . إنها بندقية .
    ـ ما هى البندقية ؟
    ـ ألا تعرف البندقية ؟
    وزوى ما بين حاجبيه متسائلاً :
    ـ من أين أنت ؟
    ـ أنا فارس الصحراء عنترة .
    وأشار إلى جواده :
    ـ هذا جوادى الأبجر الذى لا يخذلنى فى كل معاركى ..
    ثم رفع سيفه :
    ـ وهذا سيفى الذى أطرت به رءوس الأعداء .
    أظهر الصياد دهشته :
    ـ أنت إذن لم تسمع عن البندقية ، ولا عن الدبابة والصاروخ والطائرة . جعلت كل تلك المخترعات موضع الجواد فى النقل ، وفى السباق ، وجعلت السيف للزينة ، أو للعرض فى المتاحف!
    صوب الصياد بندقيته إلى أرنب برى آخر ، فسقط ..
    قال الصياد لعنترة :
    ـ هل تشاركنى طعامى ؟
    ***
    عاد عنترة من الصحراء . وقف فى هيئة التواضع أمام الراوى الشعبى ، وقال :
    ـ لقد أعدت نفسى إلى ذاكرتك ، تستطيع أن تروى حكاياتى للناس بتعديلات بسيطة ، أو أن تروى لهم السيرة باعتبارها من سير التراث القديم .


  15. #35
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    التجريب فى القصة الحديثة .. جذوره التراثية

    بقلم: محمد جبريــل
    ...........................

    (القسم الأول)
    ..................
    المؤلف المصرى ـ فى اجتهاد أستاذنا سيد كريم ـ هو المؤلف الحقيقى لأشهر الروائع القصصية الخالدة التى لا تزال نسخها تباع بالملايين منسوبة إلى غيره ، مثل سندريلا وعلى بابا ومجنون ليلى وشمشون ودليلة والشاطر حسن والسندباد البحرى والكونت دى مونت كريستو ، وغيرها .. ويعترف نوثروب فراى بأن حكاية الأخوين هى مصدر قصة يوسف ـ سماها خرافة ـ عندما حاولت زوجة الأخ الأكبر أن تراود أخاه الأصغر عن نفسه ، فلما رفض إغواءها ، اتهمته عند أخيه بأنه حاول اغتصابها . ويلاحق الأخ أخاه ، وتتنامى الحبكة فى توالى الأحداث المتسمة بالعجائبية . ويضيف ا . ل . رانيلا إن للعرب الفضل فى إبداع الحكايات بوصفها أدباً ، وبهذا ثبّتوا شكل القص الخيالى المصور للحياة .
    لقد واجه الشرق اتهاماً بضعف الخيال ، بحيث غاب فن القصة فى التراث العربى . القصة ـ فى تقدير المستشرقين ، وفى تقدير معظم الباحثين العرب أيضاً ـ فن أوروبى مستورد ، يمد جذوره فى الثقافة الأوروبية ، فهو تقليد ومحاكاة للقصة فى الغرب ، وليس له أى جذور فى التراث العربى الذى يعد تراثاً شعرياً فى الدرجة الأولى ، فهو مستحدث فى الإبداع العربى . بل إن محمود تيمور يقرر ـ فى بساطة ـ أنه لم يعد بيننا خلاف ـ كذا ـ على أن الأدب العربى ـ فى عصوره الخالية ـ لم يسهم فى القصة إلاّ بالنزر اليسير الذى لا يسمن ولا يغنى ، فالقصة الفنية إذن دخيلة عليه ، ناشئة فيه، لا أنساب لها فى الشرق ، ولا استمداد لها من أدب العرب " ( دراسات فى القصة والمسرح ـ 64 ).
    والحق أنه من المكابرة الساذجة تصور القص العربى الحديث بعيداً عن تقنيات الغرب ، لكن من الخطأ البالغ إهمال تقنيات الحكى العربى فى سعينا لتأكيد الهوية القومية لإبداعنا المعاصر . ومن الصعب ـ فى الوقت نفسه ـ أن ندعى غياب الصلة بين الأشكال القصصية التراثية ، والقصة العربية ـ والقصة بعامة ـ فى أحدث معطياتها . ولعلى أذكر بقول جارثيا ماركيث : " من الطبيعى أن يمعنوا ـ يقصد الغرب الأوروبى ـ فى قياسنا بالمعايير ذاتها التى يقيسون بها أنفسهم ، ولكن عندما نصور وفق نماذج لا تمت إلينا بصلة ، فإن ذلك لن يخدم إلا غاية واحدة ، هى أن نغدو مجهولين أكثر ، وأقل جرأة ، وأشد عزلة " ..
    وإذا كان التراث العربى ـ فى تقدير المستشرقين ـ يفتقر إلى الخيال ، والنظرة الفلسفية المتكاملة ، والحاسة النقدية ، وغياب الحس والقصصى والدرامى ، إلخ ، فلعله من المهم أن نشير إلى قول رينان بأن أوروبا امتلأت بقصص لا حصر لها قدم بها الصليبيون من الشرق العربى ، إثر عودتهم إلى بلادهم . ويقول ميشيل : " إذا كانت أوروبا مدينة بديانتها المسيحية لتعاليم المسيح ، فإنها مدينة بأدبها القصصى للعرب " . بل إن البارون " كار دى فو " يؤكد أنه ليس هناك أدب سبق الأدب العربى فى ابتداع فن القصة ( محمد مفيد الشوباشى : الأدب ومذاهبه ـ 30 )
    إن ضعف الخيال والإسراف فى الخيال اتهامان أملتهما الرغبة فى تحقير الملكات الإبداعية لكتاب الشرق ، وأن الشرق سيظل دوماً فى موقف التابع بالنسبة للمتبوع ، وهو الغرب الأوروبى .
    الغريب أن الذين أفادوا من الخيال العربى ، ممثلاً فى ألف ليلة ليلة وحى بن يقظان ورسالة الغفران والحكايات والسير والطرف والأخبار العربية ، ينتمون إلى ثقافات أوروبية ، أو متأثرة بالثقافات الأوروبية . والثابت ـ تاريخياً ـ أن الرومانس ـ الحكايات الشعبية الأوروبية ـ تأثرت فى نشأتها بألف ليلة وليلة ..
    ثمة رأى أن الرواية والقصة القصيرة والمسرحية لم يعرفها العرب إلاّ بعد اتصالهم بالأدب الأوروبى . وقد نقل العديد من الدارسين العرب عن المستشرقين ـ وكم تظلمنا النقلية ! ـ ما ذهبوا إليه من أن ما عرفه التراث العربى من الإبداع القصصى والروائى والمسرحى ، لا يعدو مجموعة من الأخبار والطرائف التى تخلو من الحرفية الفنية كما فى الإبداع الغربى . عمق من المشكلة أن المسرحية والقصة والرواية قد اقتصر تناولها على النقد الأوروبى والدراسات الأوروبية . وهو ما يزال قائماً ـ للأسف ـ حتى الآن . ومع أن نجيب محفوظ هو أحد الكتاب العالميين ـ باعتراف نوبل ! ـ فإن كل المراجع النقدية الحديثة ـ قبل نوبل وبعدها ، وحتى الآن ـ تخلو من عمل له ، بل ولا تشير إلى أعماله على أى نحو . إنهم يناقشون إبداعاتهم باعتبارها هى الإبداع الذى ينبغى تناوله . إنها ـ مع التقاط شذرات من هنا وهناك ـ هى الإبداع العالمى إطلاقاً ..
    ***
    فى القرآن الكريم يقص الله ـ سبحانه ـ على رسوله الكريم أحسن القصص . وكان العرب يبدءون حكاياتهم أو طرفهم أو نوادرهم بعبارة : قال الراوى ، يحكى أن ، زعموا أن ، كان ما كان ، إلخ .. وقد أسهمت ألف ليلة وليلة ورسالة الغفران وحى بن يقظان وغيرها ، فى تطور فن القصة ـ والرواية طبعاً ـ فى الغرب . أديب أمريكا اللاتينية ألفريدو كاردنيا بنيا يجد فى ألف ليلة وليلة مخزناً لأكبر عدد من القصص الإسبانية . إنها النبع الثرى المتعدد الروافد للكثير من القصص الواردة فيه ـ على حد تعبير الكاتب ـ فم تترك أى موضوع إلاّ وتطرقت إليه ، بحيث تحولت الكتابات التالية إلى مجرد تقليد ، أو نقل غير مبدع . وتبدو إفادة الثقافة المكتوبة بالأسبانية من الثقافة العربية المعاصرة ـ إبان حكم المسلمين لشبه الجزيرة الأيبرية ـ ظاهرة محيّرة ، مقابلاً لإخفاق الثقافة العربية المعاصرة فى الإفادة من ذلك التراث ، مع أنه يتصل بنحن ، وليس بالآخر . إنها ثقافة تعتمد على الدين الإسلامى والتاريخ العربى واللغة العربية . يغيظنى ـ على سبيل المثال ـ زهو بعض المبدعين بأنهم قد تأثروا بواقعية ماركيث السحرية ، بينما أعلن الكاتب الكولومبى أنه قد تأثر بغرائبية ألف ليلة وليلة !..
    يقول محمد فهمى عبد اللطيف : " كان من الطبيعى أن يتميز القاص المصرى فى هذا المجتمع الخصيب ، وأن يكون محصوله فى ذلك وافراً ، ونتاجه وافياً .. فكان أبرز وأوفى من أجدى فى هذه الناحية . وما ألف ليلة وليلة ، وقصة الهلالية ، وقصة الظاهر بيبرس ، وقصة سيف بن ذى يزن ، وغيرها من القصص ، إلاّ من فيض براعة القصاص المصريين ، وقدرتهم على التحليل والإفاضة ، سواء ما ابتدعوه منها ابتداعاً ، أو ما مدّوا فيه بالتزيد والإغراق والاختراع والاختلاق . وإذا كان هؤلاء القصاص قد تناولوا ألف ليلة وليلة نصاً عن الفارسية ، مدّوا فى فروعه ، وأساساً ارتفعوا ببنائه ، فإنهم كذلك فى قصة الهلالية تناولوها عن الأصل التاريخى ، وأخذوها مما جرى فى رحلة أولئك الأغراب إلى مصر ، ثم إلى بلاد إفريقية ، وما وقع لهم من الحروب والأحداث ، وانتقلوا بذلك الأصل التاريخى إلى ميدان الخيال الفسيح " ( أبو زيد الهلالى 59 ) .
    ما نستطيع الاطمئنان إليه أن القصة العربية لها جذورها الممتدة فى تربة التراث . وهى تختلف ـ بالتأكيد ـ عن تربة الترجمة التى أعطت لإبداعنا ثماراً يصعب التقليل من قيمتها . وإذا كان محمود طاهر لاشين قد أعلن أنه " لا ميراث لقصاصينا فى الأدب العربى " ( المجلة الجديدة ـ يونيو 1931 ) فإن مجرد التنقيب فى التراث العربى الأدبى القديم ، سعياً لاكتشاف شكل فنى يمكن نسبته إلى القصة والرواية ، اتساقاً مع شكل القصة والرواية الغربية .. ذلك التنقيب لم يكن يخلو من نظرة أحادية متعسفة ، فالقصة ـ فى تقدير هؤلاء ، وفى سعيهم لاكتشاف ملامحها فى الأدب العربى القديم ، هى القصة فى الغرب من حيث البنية والحبكة والتكثيف وغيرها . وحين أهملت إبداعات الغرب القصصية والروائية تلك الخصائص ، فإن محاولاتنا الإبداعية ـ والنقدية ـ قد أهملتها كذلك !
    ***
    لقد غابت القصة الموباسانية ـ أو ذوت فى أقل تقدير ـ منذ فترة بعيدة ـ فى الأدب العالمى . وغاب ذلك النوع من القصص فى إبداعنا العربى ـ منذ الخمسينيات ـ على يد اليوسفين إدريس والشارونى وإدوار الخراط ، ثم فى أعمال أدباء الستينيات التى اختلط فيها الوعى باللا وعى وتيارات الشعور . لم يعد الواقع هو تلك الثنائيات المكرورة : التقدم فى مواجهة التخلف ، الخير فى مواجهة الشر ، الغنى فى مواجهة الفقر إلخ .. أصبح الواقع ملتبساً وظنياً ، وقدمت محاولات تنتسب إلى الواقعية السحرية والعجائبية والغرائبية وخارج الواقع وما فوق الواقعى . النص الأدبى ـ فى تقدير تودوروف ـ هو النص الذى يحطم القواعد النوعية ، ولا يمكن أن يتقلص إلى مجرد معادلة ، ومن ثم فلا يمكن وضعه ـ بصورة نهائية ـ فى جنس محدد . ويذهب جوناثان كلر إلى أن الأنواع ليست مجرد فئات للتصنيف ، بل مجموعات من المعايير والتوقعات التى تساعد القارئ فى تحديد وظائف العناصر المختلفة فى العمل الأدبى . وهو رأى يبدو مقنعاً فى عمومه . مع ذلك ، فإنى أرجو ألا نختلف فى أنه توجد خصائص أو سمات يشترك فيها النص الإبداعى مع نصوص إبداعية أخرى ، تختلف عن نوع ذلك النص . فالقصة ـ على سبيل المثال ـ قد تستعين بدرامية الحوار ، أو تلجأ إلى هارمونية الموسيقا ، أو إلى أسلوب التبقيع ، أو الكولاج ، كما فى الفن التشكيلى ، أو تقنيات السينما والمسرح وغيرها . وثمة رأى أن الرواية نوع أدبى يقاوم التقيد بما هو تأملى وفنى خالص ، بحيث تذوب فى المجموع الكلى للتجربة الإنسانية من أفكار وآراء وطموحات وغرائز . لا تفرد مطلقاً فى الجنس الأدبى ، فهو لابد أن يفيد من الأجناس الأدبية الأخرى ويفيدها ، يتأثر بها ويؤثر فيها . وإذا كانت كتابات ما بعد الحداثة تتجاوز الأنواع ، الأجناس الأدبية ، تذيب الفوارق والحدود ، فإن التخلى عن الفروق بين الأنواع ، وظهور صيغة جديدة ، تأتلف وتختلط فيها كل الأجناس ، يعنى التحول إلى نص بلا ملامح ، وبلا هوية محددة [ عندما ظهرت اللا رواية واللا مسرحية ـ فى الستينيات ـ تصور الكثيرون أن الرواية والمسرحية حان أوان موتهما ! ]. القصة قد تفيد من لغة الشعر ، بينما تلجأ السينما إلى الرواية الأدبية ، وتعتمد الرواية على درامية الحوار ، إلخ .. لكن القصة يصعب إلا أن تكون قصة . الأمر نفسه بالنسبة للقصيدة والمسرحية والفيلم وغيرها . وإذا كانت بعض الأعمال الحديثة تطالعنا باعتبارها كتابات أو نصوصاً ، لا تسمية نوعية محددة ، كقصة أو قصيدة أو مسرحية ، فلعلى أومن بمقولة هيثر وابرو التى تؤكد أن معرفة النوع تهبنا مفاتيح عالية القيمة ، فيما يتصل بالكيفية التى نفسر بها قصيدة ..
    ............
    (يتبع)


  16. #36
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    (القسم الثاني)
    ....................
    يقول ألان روب جرييه : " ليست المشكلة هى تأسيس نظرية أو قالب موجود سلفاً نَصُبّ فيه كتابة المستقبل . وعلى كل روائى ، وكل رواية ، أن يخترع شكله الخاص ، وليس هناك وصفة يمكن أن تحل محل هذا التأمل الدائم " . ثمة مقولة إن الرواية نوع غير منته ، وقدرها أن تظل هكذا إلى الأبد . إنها تتسم ـ كجنس فنى ـ بالانفتاح واللانهائية . ما يشبه الإجماع النقدى على أن الرواية والقصة القصيرة هما النوعان القصصيان الحديثان اللذان جاوزا التعريفات والقوانين النقدية . وقد نشأت القصة الحديثة ـ فى تقدير أوستن وارين ورينيه ويلك وغيرهما ـ من الأشكال السردية غير الخيالية ، كاليوميات والمذكرات والرسائل والسير والتاريخ ، وأيضاً من خلال النادرة والخبر والطرفة والملحة وغيرها . [ وهو ما يخالف قول محمود أمين العالم : " ليس من الدقة أن نسعى إلى تلمس مصادر القصة العربية فى تاريخ الأدب العربى القديم ، وفى القرآن ، والأساطير الشعبية والحكايات والمقامات وكتب الأخبار " ـ الثقافة الوطنية ـ فبراير ـ مارس 1954 ] . ثم خالفت القصة الحديثة ـ فى محاولاتها للتجريب ـ كل الأبنية القصصية المعروفة ، وحطم كتاب القصة القصيرة والرواية المحدثون كل البنى القصصية المألوفة ، أو المتعارف عليها ، أو حتى التى حاولت التجريب دون أن تجاوز صفتها الإبداعية . أصبح مصطلح الرواية والقصة القصيرة ـ على سبيل المثال ـ مطاطاً . تلامس مع الملحمة والسيرة والمسرح والسيرة الذاتية إلخ . فالحيرة التى واجهها النقد فى النظرة إلى أيام طه حسين ، أو خليها على الله ليحيى حقى ، باعتبارها عملاً روائياً أو سيرة ذاتية ، تلك الحيرة تجد مرساها فى نسبة السيرة الذاتية إلى فن الرواية ، فالأيام أو خليها على الله إذن سيرة ذاتية ورواية فى آن . ولا يخلو من دلالة قول شلوفسكى إنه لم يعثر بعد على تعريف للقصة القصيرة . ثمة روايات وقصص جيدة دون أن يكون لها منظور جيد . إنها تعبير عن الإبداع الفنى وليس نظريات النقد . أهملت بعداً أو اثنين من الأبعاد الثلاثة : الحدث والزمان والمكان . وثمة أسماء لأشكال أدبية تتصل على نحو أو آخر بفن القصة القصيرة : القصيدة النثرية ، الخرافة ، الحكاية ، الطرفة ، ا لملاحظة ، الحدوتة ، اللوحة ، الفصل فى رواية ، إلخ .. وهناك القصة المضادة ، أى التى تهمل المتعارف عليه فى فن القصة ، مثل الزمان والمكان والمنظور والحبكة والشخصيات واللغة إلخ . وعلى سبيل المثال ، فالقول بأن الرواية ليست مجموعة من القصص القصيرة ، مقابلاً لأن القصة القصيرة ليست جزءاً من الرواية . ذلك القول لم يعد وارداً فى الحقيقة . قد تطالعنا رواية هى مجموعة من اللوحات المنفصلة ، المتصلة [ أذكرك بروايتى رباعية بحرى بأجزائها الأربعة ] وقد تأتى فصولاً فى رواية ، يشكل كل فصل ما يعد قصة قصيرة . والمجموعة القصصية قارب الجليد لإدوارد ماييا E Maelle يمكن قراءتها باعتبارها كذلك ، أو باعتبارها فصولاً تشكل رواية . وأيضاً رواية البنتاجون لأنطونيو دى بنيتو Antonio Di Benedetto كتبها الفنان فى شكل قصص قصيرة . وقد دخلت العظات والخطب والرسائل فى نسيج السرد . والمتواليات القصصية قد تأتى ـ كما أشرنا ـ فى صورة لوحات منفصلة ، ومتصلة ، أو حكايات سردية تتعدد فيها الشخصيات والأمكنة . وثمة القصة التى لا تسرد شيئاً ، أو التى تخلو من الحدث والشخصيات والحبكة . وثمة تقطع الحكاية ، والقص واللصق [ الكولاج ] وتحليل اللاشعور من خلال وجهات نظر الشخصيات ، والمناجاة الذاتية ، والنثر الغنائى . الحكاية تختلف عن القصة القصيرة فى أن لها دلالة واضحة ، لكن الحكاية ذات الدلالة هى الكثير مما يطالعنا الآن باعتباره قصة ..
    وإذا كانت الرواية الجديدة قد نشأت حوالى 1910 على يد فرجينيا وولف ، فإن الجدة فى الرواية متكررة ، ومتواصلة ، ومن الصعب القول إنها ستنتهى . الرواية ـ فى تقدير باختين ـ مجموعة من العمليات المفتوحة داخل حقل الكتابة . إنها لا تكون . فليس لها مجموعة من الخصائص الشكلية التى يمكن أن تحدها ، لكنها " تصير " ، فهى تتغير باستمرار وتتطور ، لكن ليس فى اتجاه محدد ، أو مرسوم سلفاً ، يمليه نظام للعلاقات بين الشكل الأدبى والبنية الاجتماعية التى تميز ظروف نشأته ( ت : خيرى دومة ) . ما يشبه الإجماع على أنه لم يعد هناك مالا تقبله الرواية ، وأن كل الأجناس ، وكل الحيل ، تخدم التقنية الروائية . أشير ـ ثانية ـ إلى روايتى رباعية بحرى . كل لوحة مستقلة بنفسها ، لكنها متصلة باللوحات التى سبقتها ، واللوحات التى تليها . تتشكل من توالى اللوحات بانوراما متكاملة ، بوسعنا أن ننسبها إلى الإبداع الروائى . وإذا كنت قد وصفت روايتى الحياة ثانية بالتسجيلية ، فلأن السرد يروى ما جرى بالفعل . لم أضف ، ولم أحذف ، اللهم إلاّ ما تصورته صياغة أدبية وتقنية . أما روايتى مد الموج فهى تنتسب إلى جنس الرواية ، لأنها تلتزم بتقنية الرواية ولغتها ، وإن اقتصر السرد الروائى على تبقيعات نثرية من سيرة حياة ..
    ***
    إذن ، فالاتهام الذى يواجهه التراث القصصى العربى متمثلاً فى القصة والحكاية والنادرة وغيرها ، أنه لا يشابه القصة كما نعرفها اليوم .. هذا الاتهام يحتاج إلى مراجعة شديدة ، وبالذات فى ضوء اتساع مساحة الأشكال الفنية فى القصة الحديثة ، بصرف النظر عن الثقافة التى تصدر عنها . والقول بأن زينب هى بداية الرواية المصرية الحديثة يحتاج الآن كذلك إلى مراجعة ، لا لأن الروايات التى سبقتها [ حوالى 130 رواية ] لم تخضع لتقويم من أى نوع ، بحيث تستحق زينب الصفة التى وسمها بها يحيى حقى وآخرون ، لا لذلك السبب فحسب ، وإنما لأن فنية الرواية بالمعنى التقليدى لم تعد واردة . وإذا كان من السهل تقبل الرأى بأن الرياح التى تهب من أوروبا حملت ـ فى أوائل القرن العشرين ـ بذرة غريبة على المجتمع المصرى ، هى بذرة القصة ( فجر القصة المصرية ـ 21 ) فإن ذلك الرأى يحتاج ـ فى ضوء المعايير الحالية لفن القصة ـ إلى إعادة نظر . نعم ، كانت القصة بذرة غريبة على المجتمع المصرى فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، القصة بقواعدها الكلاسيكية ، بخصائصها الموباسانية من بداية ووسط ولحظة تنوير . وهى قواعد وخصائص تجاوزتها التيارات والاتجاهات الفنية الحديثة بصورة مؤكدة . لم تعد صرامة البداية والذروة ولحظة التنوير ـ كما أوردها رشاد رشدى فى كتابه عن فن القصة القصيرة ـ مطلوبة . ما بعد الحداثة تذهب إلى أن " كل نص جديد إنما يكتب مكان نص أقدم " . بل إن بورخيس يحرص على التأكيد أنه لا أحد يمكنه أن يدعى الأصالة فى الأدب . كل الكتّاب ـ فى تقديره ـ ناسخون ومترجمون ومفسّرون للنماذج الأصلية المتوالية بتوالى الإبداعات ، فى توالى العصور ..
    ***
    السؤال الذى يطرح نفسه : كيف تعتمد محاولات توظيف التراث العربى فناً قصصياً ، ولا تعتمد التراث العربى نفسه ـ بكل ما يشتمل عليه من فيض حكائى وأشكال قصصية ـ فناً قصصياً ؟! وعلى سبيل المثال ، فهل تختلف مشاهد الواقعية السحرية عن مشهد الباب المغلق ؟.. يصر الرجل على فتحه لرؤية ما وراءه . يجد حصاناً ، يفك قيده ، ويمتطيه . يطير الحصان ، وينزل به على سطح ، ويضرب بذيله ، فيتلف عينه اليسرى ؟!.. ألا نجد فى ذلك المشهد ـ وسواه ـ مدخلاً لواقعية أمريكا اللاتينية السحرية ؟!
    ***
    لقد لامست تخوم القصة أجناساً أدبية وفنية أخرى ، واختلطت بها وتشابكت ، وانتسبت جميعها إلى الإبداع القصصى ، بحيث انتفى التحديد الصارم لماهية القصة . بل إن صديقى عبد الله أبو هيف يذهب إلى أن تحديد عناصر القصة لا يعنى الركون إلى نظرية الأجناس الأدبية ، لأن فن القصة أنجب أجناساً متعددة فى القديم والحديث (القصة العربية الحديثة والغرب ـ 38 ) . وكما يشير كونديرا ، فإن معظم الروايات الحديثة ـ بالمعنى الزمنى وليس بمعنى الحداثة ـ تقف خارج دنيا الرواية . لقد أفادت الرواية من تقنية المدركات الحسية والبصرية : المونتاج والتبئير ، والزاوية القريبة ، والمزج ، والقطع ، والتناوب ، والاسترجاع ، وحذف علامات الترقيم ، والاستتغناء عن أدوات الواصل . وتبادلت الرواية ـ والسينما بعامة ـ التأثر والتأثير . وثمة الاعترافات المصاغة فى شكل روائى ، والسير الذاتية للمبدعين ، والمشكلات والقضايا الأخرى التى تنسب إلى الرواية بالشكل وحده ، وثمة القصة المقال ، والقصة السرد ، والقصة اللوحة ، والقصة الرسالة ، والقصة الخاطرة ، والقصة الرحلة ، إلخ . وثمة تعاظم دور المتلقى بديلاً لسلبية القراءة ، وتداخل السرد بالمونولوج الداخلى ، والمزج بين الواقع والخيال ، والحسية والأسطورية ، وأنسنة الحيوان والأشياء . طرأ على نظرية القصة عموماً ما بدّل من النظرة الثابتة إليها ، كالشكلانية والبنيوية والتكوينية واللسانية وغيرها . لذلك فإنى أجد فى ما بعد الحداثة ما يحمله التراث العربى ، فأنسب إلى القصة والرواية ، ما تناثر فى كتب العرب من الخرافة ، والتاريخ ، والسيرة ، والحكاية ، والخطابة ، والتهذيب ، والشعبية ، والخبر ، والطرفة ، والملحة ، والرحلة ، والحلم ، وغيرها من فنون السرد العربى . ثمن زوجة قصة لنجيب محفوظ ، نشرها ضمن مجموعته همس الجنون تتحدث عن الزوج الذى يضبط زوجته فى موقف الخائنة ، ويدبر حيلة يدفع بها الزوجة إلى الانتحار دون أن يكون هو المتسبب بصورة معلنة . هذه القصة تذكرنا بحكايات العرب ونوادرهم وأخبارهم . القصة لا تستدعى التراث ولا توظفه ، لكن ملامح التراث تبدو واضحة بما لا يخفى . أنت تستطيع أن تتعرف إلى حيل الأزواج فى كشف خيانات زوجاتهم ، فى ا لكثير من حكايات العرب ونوادرهم . ولو أننا بدلنا الأسماء والمسميات ، وتحول البيت إلى خيمة ، والريال إلى درهم ، فستطالعنا حكاية ذكية من تراثنا العربى . أذكر بالحكاية التى جاءت فى " وفيات الأعيان " عن حب أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان ، وزوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك ، لوضاح اليمن الشاعر . أخفته ـ ذات يوم ـ فى صندوق بعد أن دخل عليها الخليفة فجأة . وفطن الوليد إلى ما حدث ، فدعا الخدم وأمرهم بحمل الصندوق إلى شفير بئر ، ثم قال له : يا صاحب الصندوق ، إنه بلغنا شىء ، إن كان حقاً فقد دفناك ودفنّا ذكرك إلى آخر الدهر ، وإن كان باطلاً فإنما دفنّا الخشب . ثم قذف الخدم بالصندوق فى البحر ، وأهالوا عليه التراب ، وسويت الأرض " فما رؤى الوضاح بعد ذلك اليوم ، ولا أبصرت أم البنين فى وجه الوليد غضباً ، حتى فرق الموت بينهما " . لقد تعمد كلّ من الزوج والخليفة ألا يشير إلى ذلك الكابوس ـ بعد انقضائه ـ بتلميح أو تصريح ، ولا ذكره بخير أو شر ، ولا أجرى بسببه تحقيقاً ، ولا أثار عنه سؤالاً ، وطالع الزوجة بوجه هادئ كأنه شخص آخر غير الزوج المطعون . استعان حمدى فى ثمن زوجة بهدوئه ، وخطط للانتقام دون أن يصارح أحداً بما ينوى فعله . وهو ما فعله الخليفة . وكان الريال مساوياً للصندوق الذى اختفى فيه الشاب العشيق ، وإن اختلفت النهاية بين القصة والحكاية ، فقد قتل العشيق فى الحكاية ـ الأدق أنه قَبِل القتل! ـ أى أنه انتحر ـ بينما انتحرت الزوجة فى القصة ( محمد جبريل : عود على بدء ـ فتوة العطوف لنجيب محفوظ ) . لا تباين فى دلالات العملين ، وإن اختلفت فنية التناول ..
    من الصعب أن ندعى غياب الصلة بين الأشكال القصصية التراثية ، والقصة العربية ـ بل والقصة بعامة ـ فى أحدث معطياتها . القول بأن الصياغة العربية تخالف الصياغة التى تضيف إلى فنية القصة ـ وتمثل فيها بعداً أساسياً .. هذا القول يبدو خافت الصوت إلى حد التلاشى فى ضوء التيارات الفنية الأوروبية الحديثة نفسها ، كاللاقصة ، واللاحكاية ، وتوظيف التراث إلخ . ولعلى أعيد التأكيد على أن القصة الحديثة لم يعد لها إطار ولا مدى محدد . ثمة قصيدة تسرد قصة ، وثمة قصة هى أقرب إلى قصيدة النثر ، وبعض المقالات تكتمل فيها مقومات القصة القصيرة ، بل إن بعض قصص بورخيس المتفوقة ليست إلا عروض كتب أو مقالات نقدية . وعلى سبيل المثال ، فإن إبداعات بورخيس تعاملت مع التراث الإنسانى باعتباره تراثه القومى . أعلن أن تراثه هو ثقافة العالم ، فلا يظل حبيساً داخل الحدود الضيقة لمدينة بذاتها ، ولا لبلد ذاته ، ولا لقارة محددة . إبداعات بورخيس تطالعنا بالكثير من الاقتباسات والمقارنات والإشارات . لم يحبس بورخيس قراءاته ولا أفكاره ولا إبداعه ، فى سجن التراث القومى لبلاده مثلما فعل الأوروبيون . انطلق فى كتاباته إلى الآفاق الثقافية الرحبة . استوعب أساطير اسكندنافيا ، وسير الشرق العربى ، وشعر الأنجلو ساكسون ، وفلسفة الألمان ، وأدب العصر الذهبى بأسبانيا ، وشعر الإنجليز ، وشعر هوميروس ودانتى ، وضفّر فى أعماله آيات القرآن ، وأحاديث الرسول ، وليالى ألف ليلة وليلة ، والعديد من الطرف والنوادر والحكايات والإشارات الثقافية ، مما يزخر به التراث الإبداعى العربى ، بالإضافة ـ طبعاً ـ إلى التراث الإبداعى الغربى كنثر ستيفنسون وحكايات الساجا الآيسلندية وغيرها . ثمة تكامل فى إبداع بورخيس بين الشعر والقصة القصيرة والمقال .. ذلك كله يصب فى بوتقة واحدة ، من الصعب أن تميز فيها بين جنس فنى وآخر . تداخلت مستويات القص . لم يعد الفضاء الروائى أو القصصى ينتهى بتلك الحدود الحاسمة التى كان يشترطها النقد قبل نشوء الاتجاهات الفنية والنقدية الحديثة . تشابكت المسميات والصفات ، واختلطت ..
    ***
    باختصار ، فإنى أومن بالتراث ، بوعيه وجدواه ، وإمكانية استعادته واستمراره ، تواصلاً مع المعطيات المعاصرة والحديثة . وكما يقول أندريه موروا ، فإن كل قارئ من قراء القرن العشرين ـ أضيف : الحادى والعشرين ـ يعيد ـ لا إرادياً ـ كتابة روائع القرون الماضية بطريقته الخاصة .
    " محمد جبريل "


  17. #37
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    قصة قصيرة لمحمد جبريل
    ..................................

    غوايــــــة

    حين صعد الشبان الخمسة إلى عربة المترو ، كان يقرأ جريدة وهو واقف فى الزاوية بين ظهر المقعد والباب المغلق من الناحية المقابلة . كانت المقاعد ممتلئة ، وتناثر الوقوف فى المساحات الخالية . استأنف الشبان كلامهم فى وقفتهم بالقرب منه . تشاغل بقراءة الجريدة ، وإن عكست تعبيرات وجهه ما يبين أنه يتابع نقاشهم ..
    التقط ملاحظة الشاب المنمش البشرة عن انتصاف النهار دون أن يتناولوا طعاماً . أخرج من جيب الجاكت قطعة شيكولاتة . همس بلهجة مشفقة :
    ـ تصبيرة !
    تنبه الشبان إليه ..
    أطالوا التحديق في ملامحه وهيئته . في حوالى الخامسة والأربعين . يرتدى بدلة رمادية ، ورباط عنق من اللون نفسه . عيناه قلقتان لا تستقران بين أجفانه الضيقة ، فهو يطبق جفنيه ، ويفتحهما ، فى حركة عفوية ، سريعة ، ويكثر من رفع إصبعه ليعيد النظارة المنزلقة على الأنف إلى موضعها ، ويمسك فى يده منديلاً لتنشيف العرق المتصبب في وجهه ..
    قال الشاب الطويل القامة :
    ـ وأنا .. أليس لى قطعة شيكولاتة ؟
    رسم على وجهه ابتسامة واسعة ، وأشار إلى الشاب المنمش البشرة :
    ـ أعطيته قطعة كنت أحتفظ بها لنفسى ..
    التقط الشاب ارتجافة فى عينيه ، فقال :
    ـ لا شأن لى .. أريد شيكولاتة ..
    غلبه ارتباك . بدا منطوياً على نفسه ، ومتخاذلاً . رفع الجريدة بيده كمن يحاول الدفاع عن نفسه . تشجع الشاب الطويل فاختطف الجريدة . علت ضحكات الشبان . امتدت يد الشاب المنمش البشرة إلى الجيب العلوى . أخذ القلم ، وقذف به فى الهواء . التقطه . أعاد ما فعله مرات ، ثم قذف به من النافذة ..
    صرخ :
    ـ القلم !
    انعكست نظراتهم ارتجافة فى عينيه . وشى تلفته أنه يريد الابتعاد . تقدموا نحوه فى نصف دائرة . عاد بظهره إلى الوراء حتى التصق بالجدار . ظلوا يرمقونه بنظرات قاسية ، ويكورون قبضاتهم ، ويقتربون ، ويقتربون ..
    كان الشاب الممتلئ الجسد أقربهم إليه . صفعه بظهر كفه . تبعه الشاب الطويل ذو النظارة الطبية بلكمة . شجعهم تكوره على نفسه ، وملامحه الخائفة ، على معاودة ضربه . انهالت قبضاتهم وركلاتهم على جسده ، لا تتخير الموضع الذى تصيبه ..
    .................................................. ....
    (من مجموعة "إيقاعات" ـ تحت الطبع)


  18. #38
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    قصة قصيرة جدا لمحمد جبريل
    .....................................

    لحظــــــــة

    أعادت تأمل الشعرة البيضاء . لم تكن رأتها من قبل . تنظر إلى المرآة إذا وضعت المساحيق ، أو مشطت شعرها ، أو وهى ترتدى الملابس . ربما تأملت وجهها ، أو جسمها كله ، بلا مناسبة . هذه هى المرة الأولى التى تكتشف فيها الشعرة قافزة فى الغابة السوداء خلف الأذن ..
    غالبت مشاعر متباينة ، وإن غاب معناها الحقيقي . دارت بإصبعين كدوامة ، حتى اطمأنت إلى اختفاء الشعرة تماماً . تأكدت من البسمة التى لم تكن تغادر شفتيها ..
    غادرت الشقة بخطوات بطيئة ..
    ثم بخطوات أسرع ..
    .................................................. ....
    (من مجموعة "إيقاعات" ـ تحت الطبع)


  19. #39
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    قصة قصيرة لمحمد جبريل
    ......................................

    انكسارات الرؤى المستحيلة
    قال أحمد أنيس وهو يضع رزمة النقود على مكتبى :
    ـ ثلاث ساعات وأنا أتنقل بين البنك المركزى وبنط مصر وبنك فيصل ..
    أودعت رزمة النقود درج المكتب :
    ـ ما فعلته جزء من عملك ، فلم تشكو ؟
    رسم على وجهه ابتسامة معتذرة :
    ـ لم أقصد الشكوى ، لكننى أشرح ما حدث ..
    لما ضاق وقتى عن استيعاب مسئولياتى ، عهدت إلى أحمد أنيس بأن يقدم لى من وقته بدلاً من وقتى الذى لم يكن بوسعى أن أضيعه . مكانتى تفرض الحاجة إلى الوقت . أختلف مع ما يحتاجه أحمد أنيس . هو لا يريد إلا الأجر الذى ينفق منه على احتياجات يومه ..
    كنت أضيع الوقت فى انتظار المصعد ، دورى أمام شباك السينما ، وفى مكتب شركات الطيران ، وداخل البنك ، وصالة الاستقبال بعيادة الطبيب ، والوقوف بالسيارة فى إشارة المرور ، والوقوف فى طوابير وصفوف ، انتظاراً لشىء أطلبه . واللقاءات الشخصية ، وأحاديث التليفون ، والتوقيع على أوراق مهمة ، وبلا قيمة . وكان الطريق يبتلع أكثر من ساعة بين البيت فى مصر الجديدة ، والمكتب فى المهندسين ..
    ماذا يحدث لو أنى لم أعترف بالوقت ؟ لو أنى أنكرت وجوده أصلاً ؟.. أصحو وأعمل وأنام . لا يرتبط ما أفعله بشروق الشمس ولا غروبها ، ولا أيام السبت والأحد إلى نهاية الأسبوع . حتى الساعة انزعها من يدى ، فلا يشغلنى ما فات ولا ما أترقبه . لكن الآخرين يصرون على السنة والشهر والساعة واللحظة . يصرون على الوقت ..
    هذا ما أفعله بالضرورة ..
    الوقت الذى لا يضيع ، لا يمكن أن أسترده ، أو أعوضه . حرصت على أن أختصر من عاداتى ما يضيف إلى وقت الإنجاز . لم أعد أحلق ذقنى صباح كل يوم . ربما أخرت حلاقتها إلى صباح اليوم الثالث . تبينت أنه لم تعد الذقن غير الحليقة تليق بمكانتى . أوصيت على ماكينة كهربائية ، أستعملها فى الأوقات الضائعة ، فى جلستى وراء السائق . وكنت أرجئ تنفيذ بعض ما يجب إنجازه ، فأنهيه فى وقت واحد ..
    قرأت أن الوقت هو الرمز النهائى للسيادة ، وأن هؤلاء الذين يسيطرون على وقت الآخرين لديهم القوة . من يملكون القوة يسيطرون على وقت الآخرين ..
    أريد أن أفيد من كل ساعة ، كل دقيقة ، كل ثانية . لدى الكثير مما يهمنى أن أنجزه . الحياة قصيرة إن لم نحسن استغلالها . نضيف إليها وقت الآخرين ، ما نحصل عليه من وقتهم . لن تمضى حياتى على النحو الذى أطلبه ، ما لم تأخذ من حياة الآخرين . إنهم يجب أن يضيفوا إلى حياتى ، يعملون لها ..
    أزمعت أن أحصل على الوقت الذى أحتاج إليه من رجل ، شاب ، عنده الفائض من الوقت ..
    أطلت الوقوف على باب الحجرة ، حتى رفع أحمد أنيس رأسه من الأوراق والملفات المكدسة على المكتب :
    ـ أفندم يا سعادة البك ..
    سعدت للذهول ـ وربما الخوف ـ الذى نطق فى ملامحه ..
    لم أتردد على مكتبه ، ولا أى مكان فى المبنى . المرئيات ثابتة منذ الباب الخارجى ، وصعودى السلمات العشر ، ثم الميل إلى اليمين ، والسير فى الطرقة المفروشة بالمشاية الحمراء ، الطويلة ، على جانبيها لوحات أصلية ، وإضاءة خافتة . شندى الساعى ـ فى نهاية الطرقة ـ يسرع إلى فتح الباب . تطالعنى الحجرة الواسعة ، المطلة على النيل : الأبواب والنوافذ ذات النقوش البارزة ، والزجاج المتداخل الألوان ، والأرفف الخشبية رصت فوقها كتب وأوراق وأيقونات صغيرة وشمعدانات ، والأرض فرشت سجادة تغلب عليها النقوش الحمراء ، فوقها كنبتان متقابلتان ، يتخللهما طاولات وكراسى ، والمكتب الضخم فى الوسط ، من الأبنوس والصدف ، وقبالة الباب مرآة هائلة تغطى معظم مساحة الجدار ، وتدلت من السقف نجفة كريستال هائلة ..
    بدا أحمد أنيس مرتبكاً ، لا يدرى إن كان عليه أن يظل فى وقفته أم يقبل ناحيتى ..
    أشرت إليه ، فلم يغادر موضعه . أهملت ما ينبغى على رئيس العمل أن يحرص عليه . يستدعى مرءوسيه ولا يذهب إليهم . تأتيه أخبارهم ، ويضع جداراً غير مرئى بينهم وبينه ..
    قلت :
    ـ أحيى إخلاصك ..
    ـ هذا هو عملى ..
    فاجأته بالسؤال :
    ـ هل المرتب يكفيك ؟
    وهو يغالب الارتباك :
    ـ أدبر نفسى ..
    ـ ما رأيك فى عمل بعد الظهر ؟
    وشى صوته بالانفعال :
    ـ سيادتك ..
    ثم فى استسلام :
    ـ أنت الرئيس ومن حقك ..
    قاطعته :
    ـ لا شأن لهذا العمل برئاستى .. إنه عمل آخر .. إضافى ..
    رنوت إليه متملياً : القامة القصيرة ، المدكوكة ، الجبهة الواسعة ، الوجنتين البارزتين ، الأسنان التى اختلط فيها السواد والصفرة ، البشرة الدهنية ، دائمة التفصد بالعرق ..
    حدست السؤال الذى لابد أنه سيخاطب به نفسه : لماذا اخترته دوناً عن بقية الموظفين ؟
    فتشت عن الكلمات لأشرح له بواعث اختيارى . ثم تنبهت إلى أنه ليس من حقه أن يسألنى ، ولا أن يناقشنى فيما أختار ..
    تركت له معظم الوقت الذى كان يسرقنى . تحكم فيه بما أثار إعجابى ، وربما حسدى . أجاد كل ما أسندته إليه ..
    لم يكن يمارس عملاً واحداً ، هو سكرتير ، وسائق ، وطباخ ، وخادم . أدهشنى بما يعرفه فى الأبراج وعلوم الفلك وقراءة الطالع ، وفهمه لقوانين الألعاب الرياضية ، وحفظه لفرق الوقت فى مدن العالم ، وللنكات الحديثة ، وإجادته تلخيص الروايات والمسرحيات والأفلام بما لا يخل بالمعنى ، وتقديم المعلومة التى تعوزنى فى اللحظة التى أطلبها . ربما لجأت إليه فى أوقات الليل يسرى عنى بحكاياته الغريبة ، المشوقة ..
    وفر لى النجاح فى استثمار الوقت ساعات أخرى : يعرفنى مفتشو الجمارك ، فيتركون حقائبى بلا تفتيش . لا يفتحون الحقائب أصلاً . يتعرف على التاجر ، ويعرفنى بنفسه ، يجرى لى ما لم أكن طلبته من خصم على ما اشتريته . وكان يخلص ـ بلا متاعب ـ أذون الشحن ، ويتذوق الطعام الجيد ، ويشير بالأماكن المريحة ، ويجيد تقليد الأصوات والحركات ، ويجيد اختيار الطاولة القريبة من " بيست " الملهى الليلى ، ويحسن التصرف فى الأوقات السخيفة ، وينقل فضائح المجتمعات الراقية ، ويتحمل العبارات التى يمليها الغضب ..
    ما وصلت إليه من مكانة ، يدفع من ألتقى بهم إلى انتظارى ، فلا يشغلنى انتظارهم . ينتظرون حتى الموعد الذى أحدده . من المسموح لى أن أضيع وقتهم ، وليس من حقهم أن يضيعوا وقتى . أعتذر بالقول : أنا مشغول الآن .. هل يمكن إرجاء هذا الأمر إلى وقت آخر ؟.. هذه المشكلة تحتاج إلى مناقشة ليس الآن مجالها .. سأحدثك عن ملاحظاتى فى فرصة قادمة .. أملى القرار ، لا أتوقعه ، لا أنتظره ..
    عاودت النظر إلى ساعة الحائط . تثبت من الوقت فى ساعة يدى . يدخل الخادم بالصحف فى التاسعة صباحاً . أطالعها ، أو أتصفحها ، حتى التاسعة والنصف ..
    علا صوتى :
    ـ أين الصحف ؟
    ـ سألخصها لسيادتك ..
    لم أفطن إلى وجوده فى الفراندة المطلة على الحديقة الخلفية . اعتدلت بحيث واجهته :
    ـ لكننى أقرأها بنفسى ..
    ـ الأخبار المهمة سألخصها بنفسى ..
    ثم وهو يربت صدره :
    ـ هذا عملى ..
    تبادلت كلاماً ـ لا صلة له بالعمل ـ مع أصدقاء فى الكازينو المطل على النيل . أفيد من فائض الوقت ، ولا أعانى قلته . تحدثنا فى السياسة ، والأغنيات الجديدة ، ومباريات الكرة ، وتقلبات الجو ، وفوائد السير ـ كل صباح ـ على طريق الكورنيش ..
    لم يعد هناك ما يشغلنى . أحمد أنيس تكفّل بكل شئ . يتابع تنفيذ القرارات دون أن يستأذننى فى إصدارها . حتى المكالمات التليفونية يسبقنى إلى الرد عليها . يؤكد وجودى ، أو يلغيه . يتمازج الإشفاق والود فى ملامحه :
    ـ نحن أولى بالوقت ..
    علا صوتى ـ بعفوية ـ حين دفع باب حجرة المكتب ، ودخل . تبعه ما يقرب من العشرة . يحملون كاميرا وحوامل وأوراق وأشرطة تسجيل ..
    أشار أحدهم ـ دون أن يلتفت ناحيتى ـ إلى مواضع فى المكتب يرى أنها تستحق التصوير ..
    لم أكن مشغولاً بقراءة ولا متابعة ، ولا أستمع إلى الإذاعة ، أو أشاهد التليفزيون . كنت أتأمل لوحة الجيوكندا ، وسط الجدار ، أحاول تبين ما إذا كانت نظرة الموناليزا تتجه ـ بالفعل ـ إلى كل من ينظر إليها ..
    وضع فمه فى أذنى :
    ـ هذا برنامج للتليفزيون .. عن مشوار حياتك ..
    ـ لكننى غير مستعد لهذا البرنامج .. لست مستعداً لأى شئ ..
    دفع لى بأوراق :
    ـ عليك فقط أن تتصفح هذه الكلمات ..
    وقلت له ـ ذات مساء ـ بلهجة معاتبة :
    ـ يفاجئنى الأصدقاء بالشكر على رسائل تهنئة وهدايا ..
    وهو يدفع نظارته الطبية على أرنبة أنفه :
    ـ عندى قوائم لكل المناسبات السعيدة للأصدقاء .. وأتابع أنشطتهم الاجتماعية جيداً ..
    مددت شفتى السفلى دلالة الحيرة :
    ـ أخشى أنهم يفطنون لارتباكى ..
    وواجهته بنظرة متسائلة :
    ـ لماذا لا تبلغنى بهذه المناسبات قبل أن ترسل تهانيك وهداياك ؟
    ـ وقتك أثمن أن تبدده فى هذه التفاصيل الصغيرة ..
    أعدت النظر إلى ما كنت أطلبه من أحمد أنيس .
    لم أعد أرفض قيامه بشىء ما دون أن يبلغنى به . كان يرد على الرسائل دون أن يتيح لى قراءتها ، ويبلغ المتحدث على التليفون بما يرى أنها تعليماتى ، ويبعث بالمذكرات إلى من ينتظرونها ، ويوافق على الدعوات التى يثق فى ترحيبى بها ، ويرفض ما يثق أنى سأرفضه ..
    طويت الجريدة ، ووضعتها على الطاولة أمامى :
    ـ أنا لم أقل هذا الكلام ..
    بدا عليه ارتباك :
    ـ لكنه يعبر عن آرائك ..
    ثم وهو يرسم على شفتيه ابتسامة باهتة :
    ـ هل فيه ما ترفضه ؟
    ـ بالعكس .. لكنه ينسب لى ما لم أقله ..
    أحنى رأسه بالابتسامة الباهتة :
    ـ دع لى مسألة الحوارات والأحاديث ، لأنها تأخذ من وقتك ما قد تحتاجه للراحة أو التأمل ..
    وأنا أعانى إحساس المحاصرة :
    ـ إذن ناقشنى فى الأفكار التى ستقولها ..
    تهدج صوته بالانفعال :
    ـ هذا ما سأفعله حين يصادفنى ما أحتاج لمعرفته ..
    بدا لى أن العالم رتب أموره بدونى . لم يعد لدى ما أفعله سوى التأمل واستعادة الذكريات . مللت ما أحبه من أغنيات ، فأهملت سماعها . سئمت مشاهدة الأفلام التى وضعها فى الفيديو . فارقنى القلق والتوقع والتخمين . تنبهت لانشغال يدى بمسح زجاج المكتب بمنديل ورقى . رنوت ناحية الباب الموارب ، أتأكد إن كان أحداً قد رأى ما فعلت ..
    قلت :
    ـ أنت تأخذ قرارى ؟
    ارتعشت أهدابه :
    ـ أنا أحدس رأيك ..
    غالبت نفسى فلا يبين ما أعانيه :
    ـ ماذا أفعل أنا إذن ؟
    ـ أنت تخطط وتشرف .. وأنا أنفذ ..
    حدجته بنظرة تفتش عن معنى غائب :
    ـ هذا لم يعد يحدث ..
    حدثنى عما لم أكن أعرفه فى نفسى . أبتعد بنظراتى ، ولا أميل إلى المجتمعات ، ولا أصلح للخطابة ، أو التحدث فى اللقاءات العامة . لا يجتذبنى ما قد يثير الآخرين ، وأعانى التردد فى الاختيار ، وفى اتخاذ القرار ، والمجازفة ..
    أومأت على ملاحظاته بالموافقة . لم أحاول السؤال ، أو مناقشة التصرفات التى جعلتنى ذلك الرجل فعلاً ..
    أتابعه بنظرة ساكنة وهو يتحرك فى حجرات البيت . يرفع الصور واللوحات من أماكنها على الجدران . ينقلها إلى مواضع أخرى . لا يعنى حتى بأن يلمح ـ فى ملامحى ـ انعكاس ما يفعله . يبدى إشفاقه ، فيغلبنى التأثر . يغادر الفندق ـ فى رحلاتى خارج البلاد ـ إلى الجولات الترفيهية ، وزيارة أماكن السياحة والتسوق ..
    لم أعد أعرف القرار الذى يجدر بى أن أتخذه ، ولا ما يجب عليه هو كذلك . اختلطت الرؤى ، وتشابكت ، فلا أعرف إلا أنه ينبغى أن أسلم نفسى للهدوء ، وما يشبه الاستسلام . أكتفى بالمتابعة الصامتة ، الساكنة . لا أفكر ، ولا أتكلم ، ولا أقدم على أى فعل . حتى التصور لم يعد يطرأ ببالى . أحمد أنيس وحده هو الذى يفعل كل شئ ..
    .................................................. ....
    (من مجموعة "إيقاعات" ـ تحت الطبع)


  20. #40
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

    قصة قصيرة جدا لمحمد جبريل
    ...........................................

    غراب البحــر

    لما صوب خضر أبوشوشة بندقيته إلى غراب البحر ، فى وقفته على صارى البلانس ، طلب الجد السخاوى أن يشق الرجال بطن الطائر ليروا ما فيها ..
    السمكات السبع فى داخل البطن أذهلت الرجال ..
    كانوا قد أهملوا نصيحة الجد السخاوى ـ عندما ظهر غراب البحر على شاطئ الأنفوشى ـ بأن يبعدوا الطائر عن الشاطئ . ألفوا رؤيتهم له بالقرب من الساحل . رفضوا أن يدقوا الطبول والصفائح الفارغة ، لتصاب أسراب الغراب بالتعب فتسقط فى المياه ، أو تبتعد عن أفق الخليج . أرجعوا نصيحة الجد السخاوى إلى خرف تمليه الشيخوخة ..
    لكن أعداد الطير حلقت إلى مدى النظر ، وتناثرت فوق الصوارى والقلوع والمآذن وأسطح البيوت ومناشر الغسيل وأعمدة النور وأسلاك التليفونات ..
    ناقش الرجال ما قاله الولد صبحى شحاتة عن رؤيته للأماكن التى يبيت فيها الطائر بالقرب من الشاطئ . قالوا : لن تتأثر أسماك البحر من قنص أسراب الطائر ، مهما تتكاثر أعدادها ..
    استعادوا نصيحة الجد السخاوى وملاحظة الولد ، لما طلعت السنارة والطراحة والجرافة بأعداد قليلة من السمك ، وعاد الرجال ـ أحياناً ـ بلا محصول . أدركوا أن الخطر أشد مما تصوروه . أربك محاولاتهم لقتله ، أو إبعاده ، أنه قادر على المناورة ، ويجيد الاختفاء والغوص ..
    تبادل الرجال نظرات الحيرة . زاد من حيرتهم صمت الجد السخاوى على تهامسهم بالسؤال : ماذا نفعل ؟
    .................................................. ....
    (من مجموعة "إيقاعات" ـ تحت الطبع)


+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 الأخيرةالأخيرة

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •